خاص الاجتهاد: يقول العلامة الفضلي حول قصة كتاب ” في انتظار الإمام “: عندما كنّا نتحرّك في الدعوة للإسلام، كانت الشيوعية تتحرّك والأحزاب والمنظّمات الأخرى كلها تتحرّك في النجف. وفي داخل الحوزة جبهة معارضة قوية في أن الإسلام ليس له علاقة بالحياة أو السياسة، أي أشبه بطقوس عبادية فقط. وحينها، عملتُ أنا استفتاءً للمراجع بتوجيه من السيد الصدر، إلى كلٍّ من: السيد الحكيم، والسيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي، والسيد ميرزا مهدي الشيرازي، والشيخ مرتضى آل ياسين.
أجرى الدكتور جودت القزويني* (ره) هذا الحوار مع العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي “ره” في 19 من كانون الثاني سنة 1993م بمدينة لندن، وهو يتعلق بتأسيس الحركة الإسلامية الشيعية بالعراق منذ منتصف القرن العشرين، والذي كان المرحوم الفضلي أحد الناشطين الأوائل في صفوفها.
السؤال حول قصة كتاب ” في انتظار الإمام “
القزويني: وجدتُ في أوراقي ما يلي: “في 8 أيلول 1964م/ 1 جمادى الأولى 1384هـ كتب الشيخ عبد الهادي الفضلي كتابه “في انتظار الإمام ” كطرح للقيام بأعباء الدولة الإسلامية” ماذا تُضيفون على هذه المعلومة؟
العلامة الفضلي “ره”: رأيتُ حاجةً ماسّة لهذا الكتاب، فعندما كنّا نتحرّك في الدعوة للإسلام، كانت الشيوعية تتحرّك والأحزاب والمنظّمات الأخرى كلها تتحرّك في النجف. وفي داخل الحوزة جبهة معارضة قوية في أن الإسلام ليس له علاقة بالحياة أو السياسة، أي أشبه بطقوس عبادية فقط.
وحينها، عملتُ أنا استفتاءً للمراجع بتوجيه من السيد الصدر، إلى كلٍّ من: السيد الحكيم، والسيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي، والسيد ميرزا مهدي الشيرازي، والشيخ مرتضى آل ياسين.
كان الاستفتاء مضمونه: هل في الإسلام نظام كامل شامل لتنظيم الحياة؟ (1)
وقد أجاب جميعهم بأن هذا موجود، وبعضهم أشار إلى الدليل، مثل السيد الحكيم. (2)
إن هذه الفتاوى حدّت من ذلك الوضع، ولكن بقيت مسألة أخرى، وهي: هل يوجد عمل سياسي أو حزبي في الإسلام أم لا؟
هل يعني هذا أن الفتاوى كُتبتْ ردةَ فعل على التيارات المناوئة للإسلام؟
العلامة الفضلي “ره”: هذا صحيح، فكيف نبرّر نحن صحّة عملنا؟ فقد ارتأيتُ أن أكتب بالموضوع دون أن أخبر أحدًا. فذهبتُ إلى بيتنا بالبصرة، وكتبتُ الموضوع كلّه هناك، ثمّ أعطيتُ الكتاب للسيد الصدر، فاستحسنه.
كم استغرقت فترة كتابة كتاب ” في انتظار الإمام “؟
العلامة الفضلي “ره”: فترة الصيف كلها، ثلاثة شهور. وعندما استحسنه السيد الصدر، سألته: هل أستطيع طباعته؟ فقال: لا مانع. فذهبتُ لطباعته. فسمع آخرون بذلك، بالرغم من أنني لم أتكلّم، ولكن يبدو أن السيد تكلّم في هذا الموضوع، فجاؤوا يمانعون طبعه. وضغطوا على السيد الصدر لكي لا يوافق.
هل كان هؤلاء من حزب الدعوة؟
العلامة الفضلي “ره”: كلا، وإنما كانوا من الطلبة المعارضين للتيار الإسلامي السياسي.
التقيتُ السيد الصدر، فقال: اطبعه. فاتفقتُ مع إحدى المكتبات، وقدمناه للرقابة، فمُنِعَ، ومرةً ثانية منع أيضًا.
وبعد أن نُقلت الرقابة إلى النجف إلى المكتبة العامة عند الشيخ عبدالزهرة عاتي “رحمة الله عليه” فذهبتُ إليه بالكتاب، فطلب مني أن أراجعه بعد أسبوع أو عشرة أيام. وعندما راجعته وجدته”ره” قد شطب على كل كلمة (شيعة) الواردة بالكتاب، فاعترضتُ على ذلك ، فبرَّر تصرّفه بأن ذلك طائفية، فقلتُ: إنَّ ذلك كان تعبيرًا عن آراء فقط . فقال: إذن لا أستطيع أن أجيزه.
فأخذتُ منه الكتاب، وفكّرت أن أذهب إلى بغداد. فذهبتُ إلى مديرية رقابة المطبوعات، وكان الرقيب مسيحيًّا، وقد سررتُ لذلك، وكان أحد الموظفين عند الرقيب (سيد من بيت الحسيني من بغداد)، فدخلتُ وسلّمتُ عليه،وعرّفته بنفسي، فرحّب بي، وأخبرته بموضوع الكتاب، وأنه مُنِعَ أربع مرات، وأني أريد أن أقابل الرقيب.
فقال: “لا مانع” فقابلته، وشرحت له بصراحة أني من كلية الفقه، وكتبتُ هذا الكتاب الذي مُنع أربع مرات بالرغم من أنه لا يوجد فيه شيء يستحقّ أن يمنع من أجله، وأنه باستطاعته مطالعته وإبداء رأيه حوله إن أراد.
فقلّب الكتاب بسرعة، ثمّ طلب من السيد أن يأتي بختمين، وأعطاني أحدهما، وقال ” امسك هذا الختم، وأنا أمسك الختم الآخر”، وختمنا الكتاب صفحة صفحةً، ثم أعطاه لي، وقال: اذهب بسرعة، واطبعه دون تأخير”.
ذهبتُ إلى النجف، واتفقتُ مع مكتبة التربية، وطبعته، وقد ظهرت آثاره سريعًا، حيث كان له أثره في أن يهدأ الكلام الذي كان يقال بأنه لا يجوز العمل السياسي في الإسلام، وغير ذلك .
بعد ذلك، حصلت ضجّة مرة أخرى على العمل السياسي في الإسلام، واستعملوا الكتاب لذلك. فمثلاً، في الكويت في الآونة الأخيرة عندما ألقي القبض على من اتهموا بالتفجيرات من حزب الدعوة كما قالوا، في المحكمة، قالوا لهم: إنّكم تحاولون إقامة دولة إسلامية، وهذا معناه معارضة للحكم القائم، والإطاحة به.
ولكن محامي الدفاع أخذ معه كتاب” في انتظار الإمام “،وذهب إلى المحكمة، وقال: إن هؤلاء شيعة، ولا يفكرون بالإطاحة بالحكم القائم، وإنما بتطبيق الواجب الشرعي الموجود، وهو وجوب إقامة حكم إسلامي، واستطاع أن يخلّصهم من الإعدام بهذه الطريقة، فسجن بعضهم وأطلق سراح البعض الآخر.
هل كان طرحكم في كتاب ” في انتظار الإمام “، نظرية انتظار الإمام، طرحًا خاصًا بالشيعة فقط، أم توسّع على المذاهب الأخرى؟
العلامة الفضلي “ره”: تحدثتُ عن قضية الإمام المهدي في صدر الكتاب وبأنها ليست قضية شيعية فقط، وإنما الظروف السياسية جعلتها محسوبة على الشيعة فقط (3)، فالسُّنَّة يقولون بتواتر أحاديث المهدي.
وذكرتُ كتب السنة، وأعلام السنة، مثل: الشيخ المودودي. وبعد هذا انحصر التفكير بالمهدي بمحمد بن الحسن العسكري، وتحدَّثتُ عن حياته، وبعد هذا عن الانتظار.
هناك رأي يقول بأنه في وقت الانتظار يجب ألاَّ نعمل على إقامة دولة إسلامية. وأنا قمتُ بتفنيد هذا الرأي، وذكرتُ معنى الانتظار، ثم التمهيد لدولة الإمام، ومنها انطلقتُ إلى جواز العمل الحزبي، أو العمل السياسي(4)
هل كان هذا سنة 1964م؟
العلامة الفضلي “ره”: تقريبًا في هذه الفترة؛ لأني لا أذكر التاريخ بالتحديد.
صور الاستفتاء الموجه إلى المراجع
الهوامش
1- كان نصّ الاستفتاء ما يلي: هل في الإسلام نظام متكامل شامل يتناول جميع مظاهر الحياة بالتنظيم، وجميع مشاكل الإنسان بالحل الصحيح الناجع، ويُعنى بشؤون الفرد والمجتمع عناية تامّة في مختلف وشتّى مجالات الاقتصاد والسياسة والاجتماع وغيرها؟ وهل الدعوة إلى تطبيق هذا النظام الإسلامي واجبة على المسلمين؟”.انظر:الدكتور عبد الهادي الفضلي.. تأريخ ووثائق، حسين منصور الشيخ، منشورات لجنة مؤلّفات العلاّمة الفضلي القطيف،ط 2 . 1434 هـ 2013 م، ص 278.
2- ممّا أجاب به السيد الحكيم ما يلي: “في الإسلام النظام الكامل على النهج المذكور في السؤال، ويتضح ذلك بالسبر والنظر في الأوضاع التي كان عليها المسلمون في العصور الأولى. وتجب الدعوة إلى هذا التطبيق على الشرائط المذكورة في رسالتنا العملية في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.”
ويبدو أن الاستدلال الذي يشير إليه الشيخ هو ما أجاب به الشيخ مرتضى آل ياسين، حيث ورد في إجابته قوله “وحسبك في ذلك أن تقرأ كتاب الله تعالى قراءة تدبّر وإمعان ثم تستعين على تفهّمه بسنة رسوله وآل رسوله – عليهم الصلاة والسلام- لتؤمن كما آمنا بأن التشريع الإسلامي لم يغادر كبيرة ولا صغيرة من شؤون الحياة إلا وانتظمها في سلك نظامه الشامل.” انظر: المصدر السابق، ص 280 – 286.
3- يقول الشيخ في صدر فصل الكتاب الأول ما نصّه:”وقضيتنا هذه (قضية المهدي المنتظر) إحدى تلكم القضايا التي حولتها العوامل الطارئة، إلى قضية خاصة، فقولبتها في إطار مذهب الشيعة، وقوقعتها في نطاق هذه الطائفة من طوائف المسلمين”. ثم يشير – تحت عنوان: “عوامل التمذهب” – إلى العاملين: السياسي والطائفي أديا إلى انحصار بحثها في إطارها الإمامي فقط، دون أن يكون لها حضورها في بقية المذاهب الأخرى، على الرغم من تواتر الأحاديث حولها لدى الفريقين./ في انتظار الإمام، الدكتور عبد الهادي الفضلي، دار الزهراء – بيروت، ط 3 ، 1401 هـ 1981م، ص 13 و 21.
4- يقول الشيخ في بداية فصل الكتاب الخامس: انتظار الإمام ما يلي: “وقد يتوهم بأنها من عقيدة الشيعة، فتتحول عقيدتنا بالإمام المنتظر فكرة تخدير عن القيام بالمسؤولية المذكورة بسبب هذا التوهم “، ثم يستعرض أقوال جملة من الأعلام، معلّقًا عليها بقوله : “إن الذي يفاد من الروايات في هذا المجال، هو أن المراد من الانتظار هو: وجوب التمهيد والتوطئة لظهور الإمام المنتظر عليه السلام”. ثم يشير نتيجةً لذلك إلى أن الانتظار واجب في عرض بقية الواجبات الأخرى التي يجب على المسلم أداءها، ولأن الفقيه هو نائب الإمام في تطبيق أحكامه التي لا يمكن إقامتها كاملةً إلا في ظلّ دولة إسلامية عادلة، مستشهدًا في حديثه بالاستفتاءات الأربعة التي أشار إليها أعلاه. انظر: المصدر السابق، الفصل الخامس منه.
* سيرة الدكتور جودت القزويني (ره)
* الدكتور السيد جودت القزويني ( 1953 – 2020)( الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الثلاثاء 13 شعبان1441 هـ الموافق ل 7 إبريل 2020 م)
سيرة موجزة: الدكتور السيد جودت القزويني بن السيد كاظم بن السيد جواد بن السيد هادي بن السيد صالح بن السيد مهدي القزويني شاعر ومؤرخ وباحث وكاتب عراقي معاصر، ولد في بغداد يوم الثلاثاء 24 آذار 1953 (1372هـ) من أسرة عراقية هاشمية تعود جذورها للأشراف من سلالة النبي محمد بن عبد الله (ص).
مؤلفاته: ألف موسوعات ضخمة يصل بعضها إلى أكثر من ثلاثين مجلداً. وهي تتناول موضوعات مختلفة. صدر بعضها، وله تحقيقات عديدة منشورة، امتازت بتعليقات وشروح عليها توازي في أهميتها الاصل نفسه.
منها:
قلائد الخرائد في أصول العقائد (تحقيق)، بغداد 1972م.
النور المتجلّي في مقام التوحيد (تحقيق)، بغداد 1973م.
مقتل أمير المؤمنين الإمام علي، للميرزا صالح القزويني (تحقيق)، 1974م.
التوبة في الشريعة الإسلامية (دراسة)، 1975 م.
نسائم السحر (مجموعة قصائد للشاعر العراقي صالح الطاهر الحميري) (جمع وتقديم)، القاهرة 1978م.
قصائد الزمن القديم (مجموعة شعرية)، القاهرة 1980 م.
أمنية المؤمن في حديث «نية المؤمن» (تحقيق)، الطبعة الأولى طهران، 1981م. الطبعة الثانية بيروت.
الجانب الأخلاقي في فكر الإمام الخميني، بيروت 1983م.
أشعار مقاتلة (مجموعة شعرية) بيروت 1985م.
النبوة الخاتمة، للإمام محمد باقر الصدر (دراسة وتقديم)، بيروت 1985م.
الإنسان في عوالمه الثلاثة (تحقيق)، 1988م.
نقض فتاوى الوهابية، لآية الله العظمى الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (دراسة وتحقيق) بيروت 1989م.
طروس الإنشاء وسطور الأملاء لأبي المعز السيد محمد القزويني (تحقيق ودراسة)، بيروت 1998م.
المجموعة الشعرية الأولى، بيروت 1998م.
كتاب النوادر في الأخبار والاشعار والطرف الأدبية، للسيد أحمد القزويني (تقديم وتحقيق)، بيروت 1998م.
العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية، لآية الله العظمى الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (تحقيق)، بيروت 1998م.
المثل الأعلى في ترجمة أبي يعلى، للأردبادي (تحقيق)، بيروت 1991م.
ثورة الإمام الخميني، المصادر التاريخية والتجديد الإسلامي، للفيلسوف روجيه غارودي (ترجمة)، بيروت 2002م.
تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية من العصر البويهي إلى نهاية العصر الصفوي الأول(300-1000ھ/912-1591م)،بيروت 2005م، ومع التنقيح: 2014م.
المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية، بيروت 2005م. ومع إضافات: بيروت 2014م.
الطفل والأحكام المتعلقة به في الفقه الإسلامية(دراسة مقارنة)، بيروت 2005م.
علم الاستعداد لتحصيل ملكة الأجتهاد (تحقيق ودراسة)، بيروت 2005م وبتحقيق جديد: 2016م.
منهج الرشاد لمن أراد السداد لآية الله العظمى الشيخ جعفر كاشف الغطاء(تحقيق ودراسة)، بيروت 2006م، وبتنسيق جديد: بيروت 2016م.
آيات الأصول (تحقيق)، بيروت 2006م.
سبع الدجيل (تحقيق ودراسة)، بيروت 2006م.
كتب الحديث عن الشيعة الإمامية تأليف العلامة الدكتور حسين علي محفوظ،دراسة وتحقيق:الدكتور جودت القزويني،بيروت 2006م و2016م.
كتاب المزار مدخل لتعيين قبور الأنبياء ولشهداء وأولاد الأئمة والعلماء تأليف السيد مهدي القزويني (تحقيق)، بيروت 2005م.ومع إضافات: بيروت 2014م.
تاريخ القزويني في تراجم المنسيين والمعروفين من أعلام العراق وغيرهم،1900م-2000م،ثلاثون مجلداً، بيروت نهاية عام 2012م.
تاريخ عزاء طويريج، بيروت 2014م.
الحمزة الغربي حفيد العباس بن علي بن أبي طالب، بيروت 2014م.
الروض الخميل (مذكرات في التاريخ والنوادر الأدبية) 10 أجزاء، بيروت 2016م.
أحلام شجرة الزيتون (قصص قصيرة)، الدكتور جودت القزويني، بيروت 2016م.
المصدر: كتاب ” الحركة الإسلامية في العراق، للعلامة الشيخ عبدالهادي الفضلي (ره) ( الكتاب في الحقيقة مستل من كتاب ” تاريخ القزويني” لمؤلفه المرحوم الدكتور جودت القزويني.
تحميل كتاب الحركة الإسلامية في العراق
تحميل كتاب في انتظار الإمام