أثر الإرادة في العقد الطبي

صدر حديثاً كتاب أثر الإرادة في العقد الطبي.. دراسة بين الشريعة والقانون

خاص الاجتهادصدر حديثاً عن دار قاصدك للنشر و الطباعة في إيران كتاب” أثر الإرادة في العقد الطبي.. دراسة بين الشريعة والقانون لأستاذ الدراسات الفقهية والأصولية المقارنة العليا الدكتور الشيخ جواد أحمد البهادلي / وأستاذة القانون المدني وعميدة كلية القانون بجامعة نينوى الدكتورة زينة غانم العبيدي.

التعريف المختار للعقد الطبي حسب المؤلفين: كل عمل يرد على جسم الإنسان، أو نفسه؛ وفقاً للأصول العلمية، والقواعد المتعارف عليها في علم الطب؛ بقصد الكشف عن المرض، أو تشخيصه، أو علاجه؛ برضا المريض، أو مَنْ ينوب عنه.

وبعد أن حددنا ماهية العمل الطبي الذي يرد على جسم الإنسان، فمن هذا المنطلق يمكننا أن نصل إلى تعريف ملائم للعقد الطبي بالآتي:

عقد بين الطبيب والمريض، أو من ينوب عنه، محله جسم الإنسان؛ فيلتزم بمقتضاه الطبيب ببذل عناية، أو تحقيق غاية بفحص المريض، أو تشخيص علته، أو علاجه بحسب طبيعة العمل الطبي بعد الحصول على رضاه الحر المستنير، أو رضا من ينوب عنه؛ بمقابل، أو بدون مقابل.

التعريف بالكتاب:

يقول الدكتور البهادلي في تقديمه المفصل للكتاب أن هذه الدراسة جاءت مقارنة من حيثيتين: الحيثية الأولى: مقارنة مع القوانين الأخرى؛ عربية كالقانون المصري، والجزائري، والأردني، وغيرها. وعالمية: كالفرنسي والامريكي ونحوهما. الحيثية الثانية: مقارنة الجمع عربياً وعالمياً مع الفقه الاسلامي، وعلى مستوى المذاهب الفقهية المتعددة المشهورة.

ويضيف الأستاذ البهادلي: إن ما طرحته استاذة القانون المدني الدكتورة زينة غانم العبيدي المحترمة من طروحات وحيثيات اتسمت بكونها متسقة متناسبة في كتابها الذي هو الأصل الذي تم التعليق والتهميش عليه من قبلنا، والتي يمكن لنا رصدها بأمور، وكالآتي:

1. أصالة عنوانها: فيما أخاله وفق اطلاعي، ومستكشفاً ذلك من الإشارة بالقول في ثنايا البحث بقولها: (وتجدر الإشارة إلى أن تلك الدراسات القانونية حول مسؤولية الطبيب تناولت مسألة لاحقة لعلاقة الطبيب بمرضاه، ولم تتناول مسألة سابقة للمسؤولية ألا وهي مسألة تبصير المرضى بأحوالهم المرضية والأخذ بنظر الاعتبار التشديد عليهم بالنصيحة والإرشاد في بعض الأحوال، والتخفيف عنهم بالتبصير في حالات أخرى، ومن ثم الحصول على رضاهم بالتدخل الطبي. مع ملاحظة أن هذه المسألة ليست بمستوى واحد في كل الفروض).

مضافاً لما يفهم من نص قولها: (إذاً: لقصور القوانين المتعلقة بهذا الجانب أولاً، ولكون موضوع البحث لم ينل حظاً من البحث والدراسة ثانياً. ومع كثرة الدراسات التي تناولت مسؤولية الطبيب في جوانبها المتعددة إلا أنها لم تتناول مسألة إرادة المريض، وتبصيره، والحصول على رضاه المستنير ثالثا، بالرغم من أهميتها ؛ كانت تلك سببا لإضفاء الأهمية على بحث هذا الموضوع ).

٢. أجادت الباحثة في اتخاذ المنهج المقارن. وانتقاء كلمة الشريعة بدلاً عن مفردة الفقه تبعاً لخصوصيات موضوعها؛ فهي لم تبحث عن الحكم فقط؛ بل رامت الخوض في أصل الدليلين القرآن الكريم والسنة الشريفة مع الأحكام المتناسبة؛ والتي تتفق فقهياً مع تعليقاتنا في مطاوي الكتاب.

3. تقسيم الكتاب إلى بابين كان بمحله: فقد تقرر في قواعد منهج البحث العلمي ضرورة أن تخضع الأبواب والفصول في ترتيبها إلى أساس سليم، وفكرة منظمة، ورابطة خاصة، كالترتيب الزمنى مثلا، أو الأهمية، أو نحو ذلك، بحيث يتجنب الطالب أن يضع الأبواب والفصول ارتجالا وعلى أساس غير مقبول.. وهذا ما سارت عليه الباحثة بشكل دقيق للغاية.

وعادة ما يتكون هيكل البحث من أبواب، والأبواب تتفرع بدورها إلى فصول، والأبواب والفصول كلّها مترابطة بعضها ببعض؛ لتعالج نواحي البحث كله، حتى يكتمل بتسلسل منطقي طبيعي واضح.

وبالتبع ينقسم كذلك الفصل إلى مباحث وهي لمطالب، والتي تتفرع الفروع ثم مقاصد على اختلاف بين رؤية باحثي الفقه الاسلامي الذين يثبتون المقاصد غالباً، وبين الباحث القانوني الذي لا يميل لذلك وانما يتخطى – فيجعلها فقرات: أولاً وثانياً ويتجزأ إلى ١ – ٢ ، ثم إلى أ- ب- ج، وهكذا… على تفصيل في ذلك. وهذا ما وجدناه مطروحاً بدقة عالية في مضمار الكتاب.

4. المقارنة بين القوانين المشهورة، وإن كان في الغالب أصلها واحد لكنها اعتمدت عليه الباحثة كواقع حال كالقانون العراقي والجزائري بأصلهما المصري الراجع للفرنسي، إلا أن جمال التنويع يعطي نكهة علمية، ولمسة بحثية معبرة عن أفق معرفي أرحب، والأجمل تعدد مشارب القوانين الغربية زيادة على الفرنسي نجد الأمريكي حاضراً أيضاً.

5. النهج للحقل الميداني والاستبيان: بعد أن اتضح للباحثة أن غالبية الأطباء لا يعيرون أهمية لتبصير وإعلام المرضى بأحوالهم الصحية ورضاهم بالتدخل الطبي؛ خاصة وأن المسألة هنا تتعلق بالمساس بجسد الإنسان ذو الحصانة والمعصومية التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية. فنهجت للحقل الميداني بعدة استبيانات وهذا يكشف عن محاولتها للدقة في النتائج والحكم، واستكشاف ومسح لأرض الواقع. وهو منهج يحق لنا الإذعان له بالتقدير بحد ذاته وطريقة يعتمدها أهل البحث الرصين ممن يروم الوقوف على نتائج أفضل.

ونتيجة لذلك توصلت الباحثة إلى ضرورة تشريع قانون طبي خاص، يأخذ على عاتقه تنظيم العلاقة بين الطبيب والمريض، خاصة وأن (٦٩.٣ ٪) من الأطباء يرون أن المشروع الأخير لدستور السلوك المهني الطبي العراقي لعام ۲۰۰۲م، والذي لم يكتب له اكتساب الصفة الشرعية: لا يكفي لتنظيم العلاقة بين طرفي العقد الطبي، وهذا ما تم التوصل إليه من خلال الاستبيان الميداني. وهو نقطة تسجل لصالح البحث بامتياز.

٦. حضور الشخصية البحثية: نجد شخصية الباحثة حاضرة بين طيات البحث: من خلال التبويب الرتيب بلغة تمتعت باليسر والمتانة بذات الوقت، متخذة من سباقات العرض اللغوي مساراً واضحاً ودقيقاً، زيادة على رصانة الأسلوب قدر المستطاع. وأخال أن سلاسة الأسلوب أمر ضروري في الأطاريح العلمية مما ينتج تصورات واضحة تشكل مقدمات معرفية بعيدة عن الغموض؛ للوصول لتصور اجمالي يقود لنتائج بينة بالمعنى الأخص.

كما أن الترجيح بين الأقوال لم يغب عن من يتابع بدقة ذوقها الاستدلالي في مجال القانون.

والذي اتخيله أنها نهجت بعرضها لتطبيق قواعد المنطق الأرسطي العقلي الصحيح – شعرت بذلك أو لم تشعر وإنما قادتها السليقة – والمقدمات الصحيحة تنتج نتائج دقيقة ولذا كان القول بتصنيف العقد وفق الرأي القانوني بمحله.

7. تخطي الصعوبات: تخطت الباحثة لصعوبات جمة، وقد نتج ذلك من روح المثابرة وأصالتها بالطرح والبحث العلمي.

ولا يعني ما تقدم ذكره من أن الموضوع سهل المنال خصوصاً مع أصالته؛ فقد واجهت صعوبات عدة، مثل:

أ- ندرة القرارات القضائية الصادرة من المحاكم العراقية والتي من شأنها أن تقيم المسؤولية على الأطباء؛  لعدم قيامهم بتبصير مرضاهم والحصول على رضاهم بأي تدخل طبي.
ب – مضافاً لاستخلاص نتائج الاستبيان الذي أجري على عينة من الأطباء العاملين في مدينة الموصل.

ونتيجة لعدم كونها من المختصين بالجانب الإحصائي لم تبخل جهداً في مراجعة الأساتذة المختصين بهذا الجانب للوصول إلى أدق النتائج.

ج- ناهيك عن أسلوب المقارنة بين موقف مشرعنا العراقي، وموقف التشريعات الوضعية الأخر.

د- زيادة على رجوعها للفقه الإسلامي، والذي أعده شجاعة عالية في البحث، خصوصاً لدارسي القانون لما يحمل من مداخلات وتفرعات تحتاج لذوق فقهي، وحس فقاهتي خاص يصعب بل لا يتمكن خوضه من لا علم له فيه، أو له مراس فيه.

هـ – وأما الصعوبات المتعلقة بالترجمة، فإن غالبية المترجمين من غير المختصين؛ لذلك فقد تُرجمت بعض العبارات؛ بل الصفحات المتعددة بصورة غير دقيقة؛ ما تسبب لها في إجهاد وتنافي؛ ولذا من وجهة نظري القاصرة أنها أحسنت قراراً بطرحها جانباً. والذي يسجل لها فيه أنها اكتشفت عدم دقتها من خلال مقارنات ومتابعة دقيقة.

8. تعدد المناهج: استخدام عدة مناهج تحقيقا للهدف، وتعتبر الموازنة بينها معقدة.

وكيف ما يكون فكل جهد ينتقد باختلاف وجهات النظر، ولا يعني ذلك قصوراً فيه بعد الحكم بخلوه من التقصير بل وإشادة أهل الفن فيه. 

 

مقدمة الأستاذة الدكتورة زينة غانم العبيدي:

بغية تسليط الضوء على موضوع كتابنا (أثر الإرادة في العقد الطبي دراسة بين الشريعة والقانون) لابد من تقسيم المقدمة إلى الفقرات الآتية :

أولا. مدخل تعريفي
مما لاشك فيه أن العقد الطبي شأنه شأن أي عقد آخر، لابد أن يقوم على أساس تلاقي إرادتين هما: إرادة الطبيب وإرادة المريض، إلا أن له خصوصية من حيث كونه يقوم على مبدأ الثقة المتبادلة بين طرفيه.

فلولا ثقة المريض بطبيبه وبعلمه وعمق خبرته، وثقة الطبيب بالمريض وإخلاصه لنصائحه الطبية وتعليماته العلاجية ما انعقد العقد الطبي بينهما.

زيادة على أنه من العقود ذات الطابع الإنساني التي تقوم على الاعتبار الشخصي، وتخضع لمبدأ حرية إرادة طرفي العقد في اختيار أحدهما للآخر؛ فالمريض يتمتع بحق اختيار الطبيب الذي يتابع حالته المرضية إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة.

وبالمقابل فإن الطبيب أيضاً يتمتع بحرية اختيار المرضى الذين يعالجهم، باستثناء بعض الحالات التي يلتزم بموجبها بالقيام بعمله دون عبرة لإرادته اختيار المرضى.

ولكون هذا العقد يبرم بين من يعلم ومن لا يعلم أي بين شخص سليم، وآخر مريض وفق الفرض؛ لذلك فإن عدم التوازن بين طرفي العقد الطبي سمة واضحة، إذ أن أحد طرفيه (الطبيب) يختلف عن الطرف الآخر (المريض) بميزتين:

أولها : المعرفة الطبية. وثانيها : كمال العافية.

وبالمقابل ضعف المريض بسبب جهله بالعلوم الطبية زيادة على ضعفه العضوي بسبب ما يعانيه من أمراض.

ولأجل إحداث التوازن في المعادلة فرضت التشريعات، وقواعد أخلاقيات مهنة الطلب على الطبيب احترام إرادة مرضاه؛ وذلك بتبصير المريض بكل ما يتعلق بحالته المرضية مع الأخذ بنظر الاعتبار مدى نسبية هذا التبصير ودرجته مقارنة بنوع المرض، وشخصية المريض ذاته، ومن ثم الحصول على رضاه بأي تدخل طبي، هذا الرضا الذي يمتاز بخصوصيته في نطاق العقد الطبي، إذ لا يمكن وصفه بالعمومية التي تُعطى كل فترة العلاج، إنما هو رضا خاص بكل علاج على حدة.

وبهذا فإن كل علاج جديد يقترحه الطبيب يحتاج إلى رضا جديد من المريض، وكل عمل طبي يقدمه الطبيب يحتاج إلى رضا خاص به.

زينة غانم العبيدي

ثانيا. أهمية موضوع البحث وأسباب اختياره

قد يبدو للبعض وللوهلة الأولى أن موضوع البحث من المواضيع التقليدية التي لا جدوى من البحث فيها، لكن هذا سرعان ما يتبدد أمام الواقع الذي نعيشه بوقتنا المعاصر، الذي تبرز فيه أهمية هذا الموضوع، فهو من المواضيع الحيوية المهمة؛ لكونه وسيلة متميزة عاكسة لمسألة في غاية الأهمية الا وهي صحة الإنسان؛ بل صحة المجتمع بأكمله تبعاً لذلك خصوصاً وأن تشريعاتنا تفتقد لتنظيم قانوني ينظم العلاقة بين الطبيب والمريض، بل بقيت هذه العلاقة التي تسمو كل الماديات خاضعة لتعليمات وقوانين لا تفي لضمان حقوق المرضى؛ بل حتى ضمان حقوق الأطباء أنفسهم: كقانون نقابة الأطباء، وتعليمات السلوك المهني. والتي جاءت بنصوص اهتم واضعوها بالجانب الفني والإداري لهذه المهنة الإنسانية السامية، تاركة طبيعة العلاقة بين طرفي العقد الطبي جانباً.

والذي نتخيله أن السبب يعود إلى أن واضعي هذه القوانين والتعليمات أغلبهم من الأطباء، وعدم اشتراك واحد من القانونيين في وضعها.

إذاً ؛ لقصور القوانين المتعلقة بهذا الجانب أولاً، ولكون موضوع البحث لم ينل حظاً من البحث والدراسة ثانياً. ومع كثرة الدراسات التي تناولت مسؤولية الطبيب في جوانبها المتعددة إلا أنها لم تتناول مسألة إرادة المريض وتبصيره، والحصول على رضاه المستنير ثالثاً، بالرغم من أهميتها؛ كانت تلك سبباً لإضفاء الأهمية على بحث هذا الموضوع.

وتجدر الإشارة إلى أن تلك الدراسات القانونية حول مسؤولية الطبيب تناولت مسألة لاحقة لعلاقة الطبيب بمرضاه، ولم تتناول مسألة سابقة للمسؤولية ألا وهي مسألة تبصير المرضى بأحوالهم المرضية، والأخذ بنظر الاعتبار التشديد عليهم بالنصيحة والإرشاد في بعض الأحوال، والتخفيف عنهم بالتبصير في حالات أخرى، ومن ثم الحصول على رضاهم بالتدخل الطبي.

مع الالتفات إلى ملاحظة هامة وهي أن هذه المسألة ليست بمستوى واحد في كل الفروض فقد يواجه الطبيب مرضى بالغين عاقلين، ولديهم القدرة على التعبير عن إرادتهم، وقد يواجه مرضى مصابين بأمراض عقلية، أو بواجه مرضى صغار السن، أو فاقدي الوعي، ولكل حالة من هذه الحالات خصوصيتها كما سيتضح جلياً في طيات البحث.

أما على صعيد الجانب العملي، فتبدو أهمية هذا الموضوع بدرجة أكبر، وهذا يبدو واضحاً وجلياً من خلال الاستبيان الميداني الذي أجريناه، فقد اتضح لنا أن غالبية الأطباء لا يعيرون أهمية لتبصير وإعلام المرضى بأحوالهم الصحية، ورضاهم بالتدخل الطبي؛ خاصة وأن المسألة هنا تتعلق بالمساس بجسد الإنسان ذو الحصانة والمعصومية التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.

وهذا بيّن كذلك من الصيغة التي اعتمدتها المستشفيات في نطاق رضا المريض بالتدخل الجراحي؛ إذ أنها غير موحدة بين المستشفيات العامة والخاصة، زيادة على أنها لم تحمِ الطرف الضعيف بالعقد ألا وهو المريض مقارنة بصاحب العلم والخبرة في نطاق عمله وهو الطبيب؛ إذ أنها جعلت من توقيع المريض إقراراً كاملاً بتنازله عن حقه في مقاضاة الأطباء، أو المستشفى مهما كان السبب !!.

فأهمية البحث تبدو بنتيجته التي سنصل إليها، وهي ضرورة تشريع قانون طبي خاص يأخذ على عاتقه تنظيم العلاقة بين الطبيب والمريض، خاصة وأن ( ٦٩.٣٪ ) من الأطباء يرون أن المشروع الأخير لدستور السلوك المهني الطبي العراقي لعام ۲۰۰۲م، والذي لم يكتب له اكتساب الصفة الشرعية؛ لا يكفي لتنظيم العلاقة بين طريق العقد الطبي. وهذا ما تم التوصل إليه من خلال الاستبيان الميداني.

ثالثا. صعوبات البحث:
تكمن أهم صعوبات البحث بالآتي:
۱. ندرة القرارات القضائية الصادرة من المحاكم العراقية والتي من شأنها أن تقيم المسؤولية على الأطباء؛ لعدم قيامهم بتبصير مرضاهم والحصول على رضاهم بأي تدخل طبي بالرغم من بحثنا المكثف قدر المستطاع في هذا الجانب.

2. كما لاقى البحث صعوبة أخرى تتعلق باستخلاص نتائج الاستبيان الذي أجريناه على عينة من الأطباء العاملين في مدينة الموصل، ولعدم كوننا من المختصين بالجانب الإحصائي اضطررنا إلى مراجعة الأساتذة المختصين بهذا الجانب للوصول إلى أدق النتائج.

3. صعوبة ثالثة في أسلوب المقارنة بين موقف مشرعنا العراقي وموقف التشريعات الوضعية الأخرى، إذ لا يوجد لدينا قانوناً طبياً خاصاً بهذا الجانب، فكان هذا دافعاً لرجوعنا إلى قانون نقابة الأطباء، وتعليمات السلوك المهني تارة، واضطررنا للرجوع إلى مشروع الدستور الطبي العراقي الذي لم يكتسب الصفة التشريعية في سَنّه تارة أخرى.

4. لاقى البحث صعوبة في نطاق تحديد مراحل الإرادة؛ وذلك بالرجوع إلى كتب الفقه الإسلامي، إذ لم نجد باباً خاصاً بعنوان الإرادة مما اضطرنا للرجوع إلى باب المعاملات، وباب العبادات؛ للبحث عن كلمات بين عدة أسطر تتعلق بموضوع البحث؛ لتجميعها وإضافتها إلى البحث، فالأمر يتعلق بالبحث عن الجزئيات وهذا أمر لا يخلو من صعوبات جمة.

5. صعوبة البحث في المصادر الأجنبية وخاصة الفرنسية، زيادة على الصعوبات المتعلقة بالترجمة، إذ أن غالبية المترجمين من غير المختصين؛ لذلك فقد تُرجمت بعض العبارات؛ بل الصفحات بصورة غير دقيقة مما اضطرني إلى إهمالها.

رابعا. منهجية البحث:

نظراً لافتقادنا لقانون طبي خاص؛ ولكون هذا الموضوع من المواضيع المهمة فقد انتهجنا في دراستنا هذه أربعة مناهج :

1. المنهج التحليلي: يقوم بالأساس على تحليل الآراء الفقهية ومناقشتها، واستخراج الأحكام المناسبة، واستخلاص النتائج العلمية منها.

٢. المنهج التطبيقي: يقوم بالأساس على تعزيز المواقف الفقهية والتشريعية بمواقف قضائية ذات صلة وثيقة بالموضوع لاسيما القرارات القضائية العراقية وإن كانت نادرة، والفرنسية والمصرية، والجزائرية، والأمريكية.

3. المنهج الميداني العملي: يقوم بالاستناد على نتائج الاستبيان الميداني للواقع العملي لمهنة الطلب الذي تم تطبيقه على عينة من الأطباء العاملين في مدينة الموصل.

4. المنهج المقارن: حيث كان أسلوب المقارنة على مستوى القانون العراقي المتمثل بتعليمات السلوك المهني وقانون نقابة الأطباء، ومشروع الدستور الطبي العراقي والقوانين الخاصة للتشريعات الأخرى كالقانون المصري، والأردني واللبناني، والجزائري واليمني، والفرنسي والأمريكي، زيادة على الفقه الإسلامي كلما اقتضت الضرورة ذلك، معززين ذلك بالشواهد القرآنية والروائية، وقد اعتمدنا من خلال المقارنة بين هذه القوانين الوضعية على أسلوب الترجيح وأسبابه، زيادة على اقتراح نصوص عديدة في هذا الجانب مع بيان أسباب الاقتراح ومبرراته.

خامسا. خطة البحث
هذه الدراسة الممتعة بالرغم من صعوبتها، والتي أضحت بمشيئة الله تعالى سهلة عاشتها الباحثة بين الوصول إلى وضوح الفكرة وسلاسة التعبير، وبين السعي إلى تجنب الحشو والتكرار إلى جانب التركيز على الموضوعية، جاءت الأطروحة بمادتها التي تتسرب إلى ذهن القارئ بيسر وهدوء معتمدةً الايجاز والتكثيف حيناً، ومبتعدة عن الإطالة المملة حيناً آخراً، فلكل موضوع أهميته، وحدوده، ومداد.

ولأجل الالمام والإحاطة بهذا الموضوع الحيوي اقتضت دراسته أن تكون مقسمة إلى بابين:

الباب الأول: التعريف بالإرادة ومبدأ حريتها في العقد الطبي. وهو مقسم إلى فصلين:

تناول الفصل الأول: التعريف بالإرادة في العقد الطبي. وذلك في مبحثين: خصص المبحث الأول: لماهية الإرادة، بينما خصص المبحث الثاني لماهية العقد الطبي.

في حين تناول الفصل الثاني مبدأ حرية الإرادة في العقد الطبي؛ وذلك في مبحثين: تناول المبحث الأول منهما: حرية الطبيب في اختيار مرضاه والاستثناءات الواردة عليها، في حين تناول المبحث الثاني: حرية المريض في اختيار طبيبه والاستثناءات الواردة عليها.

أما الباب الثاني: فقد تناول مظاهر احترام إرادة المريض في العقد الطبي وهو مقسم إلى فصلين:
تناول الفصل الأول: تبصير المريض في العقد الطبي؛ وذلك بواقع أربعة مباحث خصص المبحث الأول: لمراحل التبصير والمبحث الثاني للتبصير المشدد، بينما تناول المبحث الثالث: التبصير المخفف، وكرّس المبحث الرابع للمسؤولية المدنية الناشئة عن الإخلال بالالتزام بالتبصير.

في حين خصص الفصل الثاني لرضا المريض في العقد الطبي، والذي تم تقسيمه إلى ثلاثة مباحث : تناول المبحث الأول الرضا الصادر من المريض، وتناول المبحث الثاني: الرضا الصادر من الغير، وأخيراً تناول المبحث الثالث: مسؤولية الطبيب المدنية الناشئة عن عدم حصوله على رضا المريض.

وأنهينا بحثنا هذا بخاتمة أوجزنا فيها أهم النتائج والمقترحات التي توصلنا اليها.

وبغية إتمام العمل المعرفي بصورة أكثر، وتحقيق الانتفاع للباحثين والدارسين تفضل علينا تلميذ المرجعية العليا في النجف الأشرف، وأستاذ الدراسات الفقهية والأصولية المقارنة العليا والفكر الإسلامي المعاصر أخي سماحة حجة الإسلام والمسلمين الأستاذ الدكتور الشيخ جواد أحمد البهادلي بالتعليق على أصل المتن بتعليقات نوعية متى اقتضت الحاجة بمحلها، وبما يراه بحاجة لذلك خصوصاً في الإطار الشرعي، وطبقاً للمذاهب الخمسة.

مضافاً لذلك فقد أسند المتن بموضوعات متفرقة تتناسب مع المقام. كما في موضوع التكييف الفقهي للعقد الطبي من وجهة نظره المستفادة من الشريعة الإسلامية وكلمات الفقهاء، وضمان الطبيب، وطرحه لمقاصد عدّة في العمليات التجميلية في الشريعة الإسلامية، وحكم التجميل الجيني والتعاقد الطبي عليه؛ بخصوصيات بحثية، ولطائف فقهية هامة، ثم عقد تفريعات لطيفة في بابها؛ بخصوص الإذن في العلاج والتجميل الجيني وحكمه، زيادة على التقديم للكتاب بما يراه مناسباً للموضوع، وبحق الكتاب الأصل بما يراه من نقاط تشخيصية، ومواطن جديرة بالالتفات والجهد المبذول فيه.

ناهيك عن مداخلاته اللغوية أينما تحل في البحث، أو المواضع التي تستوجب الحديث عن تأصيلها، واستكشاف جذورها في هوامش متعددة،متعدياً في طرحه أفق اللغة والفقه الإسلامي المقارن؛ ليقف بتعليقات متينة وهافية في مسائل قانونية، وتشريعية؛ فتجده لم يدخر جهداً في تعليقته في هامش طويل عن عقد العمل، والمقاولة والاستشفاء ونحوها؛ لتتكامل جنبات الأطروحة بحلتها الأخيرة.

وحري بي أن أثمن هذه الخطوة منه للنهوض بواقع الدراسات المقارنة – الشرعية والقانونية – وأتطلع لأبحاث مشتركة قادمة معه.

 

فهرس الكتاب

فهرس_كتاب_أثر_الإرادة_في_العقد_الطبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky