علم الأصول

تطور الدرس الأصولي في مدرسة النجف الأشرف .. سماحة الأستاذ السيد منذر الحكيم

الاجتهاد: تَطوَّر الدرس الاصولي في مدرسة النجف الأشرف وعرف الآخوند بقدرته الفائقة علي تلخيص المطالب الاصولية المهمّة وحذف ما هو غير ضروري بلغةٍ علميّة جامعة وعبارات دقيقة تمثّلت في كتابه المعروف بـ ( كفاية الاصول ) …

الدرس الأصولي قبل عصر الشيخ الطوسي “قدس‏ سره” :

أشار الشيخ الطوسي في مقدمة كتابه الاصولي «عدّة الاُصول»، إلى الجهود العلمية التي سبقته في مدرسة أهل البيت الفقهية وقد لخّصها في جهدين قابلين للذكر :

الأوّل منهما لشيخه أبي عبد اللّه‏ المفيد (م 413 هـ) وقال عنه هو: « مختصر في اُصول الفقه لم يستقصه وشذّ منه أشياء يحتاج الي استدراكها وتحريرات غير ما حرّرها ».

وثانيهما: لاُستاذه وسيّده الاجلّ المرتضي (ادام اللّه‏ علوّه). غير أ نّه لم يكن سوي « أمالي » كانت تقرأ عليه ولم يصنّف فيها تصنيفا مستقلاًّ يُرجع اليه وظهرا يُستند اليه .

وقد بحث السيد المرتضي جملةً من مسائل علم الاصول في كتبه الكلامية كالذخيرة والشافي والمسائل الموصلية الاُولي ورسالته في ابطال العمل بخبر الآحاد قبل تأليفه لكتابه الاصولي الشهير « الذريعة الي اصول الشريعة » الذي لم يشر اليه الطوسي في مقدمة عدّته وهو أجلّ تلامذة السيد المرتضي وأقربهم اليه … مّما يفيدنا أنّ كتاب الذريعة لم يبدأ المرتضي بتأليفه حينما بادر الشيخ الطوسي الي تأليف العدّة ، أو أن السيد المرتضي لم يُعلم الطوسي بتأليفه للذريعة .

وهذا الاحتمال بعيد جدّا عن ظهور عبارة الطوسي التي تُفيد بأنّ السيد المرتضي لم يؤلف في علم الاصول كتابا مستقلاًّ وأنّ جهده العلمي كان منحصرا بمحاضراته وأماليه التي عُرفت بكثرتها والتي انعكست في كتاب العدّة للشيخ الطوسي بشكل واضح لا يدع مجالاً للريب في تأثّر الشيخ الطوسي بآراء ومنهجة استاذه المرتضي وان انفرد عنه في بعض الآراء مع تغيير جزئي لمنهجة البحث وطرائق الاستدلال في موارد عديدة .

إنّ المختصر الذي ألّفه الشيخ المفيد قدس‏سره لم يصل الينا منه سوي ما اختصره واستخرجه تلميذه الشيخ محمد بن علي بن عثمان الكراجكي (449 هـ) في كتابه «كنز الفوائد» باسم التذكرة باصول الفقه حيث جاء فيه أنّه « أثبت جملاً من القول في اصول الفقه مختصرةً ليكون تذكرة بالمعتقد في ذلك.. وأنّه أورده مجرّدا من حججه ودلالاته.. ولم يتعدّ فيه كتاب شيخه المفيد رحمه ‏الله»

ونفهم من ذلك :

1 ـ أن « التذكرة بأصول الفقه » كتاب اصولي استدلالي وهو مختصر بالنسبة لما أ لّفه كلّ من السيد المرتضي والطوسي .

2 ـ ويُستشف من مختصر هذا المختصر ـ الذي حفظه لنا الكراجكي ـ أنّ علم الاصول عند الامامية كان قد أصبح في عصر المفيد علما مستقلاًّ واضح المعالم يمكن أن تُفرد مسائله بالتأليف المستقل عن علمي الفقه والكلام .

3 ـ ومن خلال ملاحظة ما جاء في هذا المختصر من مسائل اصولية نقف علي معالم الفكر الاصولي الإمامي في عصر الشيخ المفيد ، صاحب المدرسة الفقهية الرائدة التي عرفت فيما بعد بمدرسة المجتهدين أو الاصوليين قبال مدرسة المحدّثين أو الاخباريين .

4 ـ والشيخ المفيد وان لم يستقص جميع مسائل علم الاصول في عصره ولكنه قد تعرّض لأهمّها ودعمها بالادلة الكافية قبال الفكر الاصولي السُنّي الذي كان رائجا آنذاك .

5 ـ وقد تولّي مختصر التذكرة للكراجكي عرض آراء المفيد فحسب وان امكننا تحصيل بعض آرائه من خلال كتابي الذريعة والعدّة أيضا .

فالفكر الاصولي في مدرسة المفيد هو روح الفكر الاصولي الذي نجده في كتابي الذريعة والعدّة لتلميذي الشيخ المفيد . ولا ريب ان السيد المرتضي وتلميذه الشيخ الطوسي قد عملا علي تطوير البحث الاصولي بشكل ملفت للنظر إذا قارنّا بين مختصر المفيد وكتابي الذريعة والعدّة .

ويتّضح هذا التطوير والتحديد فيما نلاحظه من تصريح السيد المرتضي بأن مسائل علم الاصول ـ ولا سيّما عند غير الامامية ـ في عصره كانت مختلطة بمسائل علم الكلام . فهو يحاول تحديد مسائل علم الاصول وضبطها وفرزها علي أساس ملاكٍ معيّن تفرضه طبيعة المهمة التي من أجلها قد دوّن علم الاصول .

وقال السيد المرتضي في الذريعة: «فقد وجدت بعض من أفرد في اصول الفقه كتابا وان كان قد أصاب في كثير من معانيه وأوضاعه ومبانيه قد شرد من قانون اُصول الفقه واسلوبها وتعدّاها كثيرا أو تخطّاها … » .

ثم ذكر مجموعة من المسائل الخارجة عن مباحث علم اصول الفقه والتي تكلّموا عنها في هذا العلم .

وبهذا قطع السيد المرتضي الشوط الأوّل من عملية التطوير لمباحث علم اصول الفقه حينما حاول فصلها عن مسائل علم الكلام ( أو اُصول الدين ) ، وناقش الذين خلطوا بين مسائل ( اصول الدين ) ومباحث اصول الفقه ، نقضا وحلاًّ .

إذن فالسيد المرتضي استطاع أن يطرح المنهجة المناسبة في عصره لمسائل علم اصول الفقه بعد فرزها عن مسائل علم الكلام.

ولهذا نجده يبدأ بأحكام الخطاب باعتبار أنّ مدار الكلام في اصول الفقه ( أي أدلّة الفقه ) علي الخطاب … وبعد ذكره لأهمّ أقسام الخطاب تعرّض لمراتب الخطاب وكيفية تقديم بعضه علي بعض . وحيث يلزم العلم بأحكام الأفعال لزم التعرّض للعلم وما يشتبه به من الظن ، وما يقتضي كل واحد منهما من دلالة أو امارة . ثم أردفه بالأفعال وأحكامها ومراتبها . وبهذه المنهجية واءم بين مسائل علم الاصول وأخرج ما لا ينبغي البحث عنه من علم الاصول .

وذكر السيد المرتضي أنّ الذريعة كتاب متوسط بين التطويل المملّ والاختصار المخلّ ، وهو قد خصّ مسائل الخلاف بالاستيفاء والاستقصاء بعد أن كانت مسائل الوفاق تقل الحاجة فيها الي الاستيفاء والاستقصاء .

ولم ينحصر نشاط المرتضي التأليفي في مباحث علم الاصول بالذريعة الذي هو آخر كتبه في علم الاصول علي ما يبدو من جملةٍ من القرائن ، فإ نّه قد صرّح في مقدّمة الذريعة بأ نّه قد أملي قطعةً من مسائل الخلاف في اصول الفقه قبل الذريعة كالإجماع والأخبار والقياس والاجتهاد ودوّنها في كتبه الاخري كالشافي والذخيرة وجواب مسائل أهل الموصل الاولي وغيرها .

كما صرّح السيد المرتضي بأنّ الذريعة كتاب بغير نظير من الكتب المصنّفة في هذا الباب … وهو مستبدّ بطرقٍ مجدّدة لا استعانة عليها بشيء من كتب القوم المصنّفة في هذا الباب .

إذن نكون قد خرجنا بنتيجة مهمّة من خلال ما طرحه المرتضي حول كتابه وهي أنّ الذريعة أول كتاب اُصولي مقارن ، وإن لم يذكر فيه اسماء أصحاب الآراء لكنه ناظرٌ الي مسائل الخلاف .

ويمكن أن نلخّص النشاط الاصولي للسيد المرتضي ـ الذي سار علي خطّ الشيخ المفيد الاجتهادي ـ بما يلي :

1 ـ درّس السيد المرتضي مسائل علم الاصول مرارا عديدة ـ خلال مجالسه وأماليه ـ وبشكل مستمر حتي تبلورت لديه المنهجة والمسائل التي تختص بعلم الاصول مما أدّي الى فرزها عن مسائل علم الكلام ، بعد أن كانت قد تميّزت عن مسائل علم الفقه من ذي قبل .

2 ـ تكرّر التأليف من السيد المرتضي في عدّة مسائل اصولية مهمة كالاجماع والأخبار والقياس والاجتهاد … قبل تأليفه للذريعة .

3 ـ سلك السيد المرتضي مسلك البحث المقارن في علم اصول الفقه ، محاولاً الاستدلال علي كلّ ما يذهب اليه ومناقشة الآراء المخالفة ودفع الشبهات المطروحة .

4 ـ أ لّف السيد المرتضي الذريعة في أواخر حياته بعد أن تكاملت المنهجة لافكاره الاصولية وتبلورت لديه ، ويشهد لذلك أن الشيخ الطوسي قد بدأ بتأليف « العدّة » في وقتٍ لم يكن السيد المرتضي قد بدأ بتأليف الذريعة ، ولهذا نجده يدعو له بدوام العمر في بداية كتاب العدّة بينما يترحّم عليه في مبحث ( الاستثناء المتعقّب للجمل) ، أي عندما بلغ الشيخ الطوسي نحو ثلث كتابه « العدّة » كان السيد المرتضي قد توفّي حينذاك أي أنّ « العدّة » بدأ تأليفها قبيل عام (431 هـ) واستمر الشيخ الطوسي في التأليف بعد وفاة استاذه ولمّا يطّلع علي تأليف الذريعة .

5 ـ انتقلت أفكار السيد المرتضي الاصولية الي تلميذه الشيخ الطوسي من خلال مجالس البحث والاملاء ولكن الشيخ الطوسي لم يقتصر عليها بل قام بدور التطوير والتفصيل في المنهجة أو الاستدلال وخرج بآراء جديدة خالف فيها آراء استاذيه الشيخ المفيد والسيد المرتضي (قدّس اللّه‏ سرّيهما) في جملة من المسائل، كما أنّه وافقهما في جملة اُخري بل نجده يكتفي احيانا بما قاله السيد المرتضي في الذخيرة أو الشافي أو غيرهما وينقل في عدّته في مواضع نصّ ما كتبه السيد المرتضي من دون أن يضيف اليه شيئا جديدا .

6 ـ استمرّت الذريعة كتابا دراسيا وكتابا مرجعا عدّة قرون ويمكن أن نلمس ذلك من خلال الشروح والتعليقات التي وجدناها للمتأخّرين عن عصر السيد المرتضي قدس‏سره بقرون.

والآثار التي عثرنا عليها هي كما يلي :

أ ـ ( تلخيص مسائل الذريعة ) لعلي بن زيد بن محمد البيهقي ( م 565 هـ ) .

ب ـ ( شرح الذريعة ) للمرتضي بن المنتهي بن الحسين الحسني المرعشي من اعلام القرن السادس .

ج ـ ( شرح مسائل الذريعة ) لمحمد بن أبي القاسم بن محمد بن علي الطبري الآملي من اعلام القرن السادس .

د ـ ( المستقصي في شرح الذريعة ) لسعيد بن هبة اللّه‏ بن الحسن ( القطب الراوندي ) ( م 573 هـ ) .

هـ ـ ( النكت البديعة في تحرير الذريعة ) للعلاّمة الحلي ( م 726 هـ ) .

عصر الشيخ أبي جعفر الطوسي ( 460 هـ) :

أشار الشيخ في « عدّته » الي أنّ الحاجة الي علم اصول الفقه من اجل الاستنباط حاجة ماسّة بقوله: « وقلتم انّ هذا فنّ من العلم لا بدّ من شدّة الاهتمام به؛ لأنّ الشريعة كلها مبنيّة عليه ولا يتم العلم بشيءٍ منها من دون إحكام اصولها، ومن لم يحكم اصولها فإ نّما يكون حاكيا ومقلّدا ولا يكون عالما » .

ولا نجد من الشيخ الطوسي الاشارة الي تداخل مسائل علمي الكلام واصول الفقه وانما نجده يدخل الي صلب البحث بتجديده لفصول الكتاب ومنهجته حيث يقول في المقدمة : « وأنا مجيبكم الي ما سألتم عنه … وأبدأ في اوّل الكتاب فصلاً يتضمّن ما هية اصول الفقه، وانقسامها، وكيفية ترتيب ابوابها، وتعلّق بعضها ببعض. حتي أنّ الناظر إذا نظر فيه وقف علي الغرض المقصود بالكتاب وتبيّن من اوّله الي آخره » .

وأشار الشيخ الطوسي الي أنّ الغرض من تأليفه للعدّة هو أمران :

1 ـ أنّه قد سئل « املاء مختصرٍ في اصول الفقه يحيط بجميع أبوابه علي سبيل الايجاز والاختصار » .

2 ـ أن يكون هذا المختصر الاستدلالي علي ما يقتضيه مذهبنا ـ نحن الامامية ـ وتوجبه اصولنا ، فإنّ من صنّف في هذا الباب سلك كل قوم منهم المسلك الذي اقتضته اصولهم .

ولم تسبق الطوسي أيّة جهود تأليفية قابلة للذكر بحيث تطرح مسائل علم الاصول كعلم له استقلاله وتميّزه عن غيره من العلوم سوي مختصر الشيخ المفيد وأمالي السيد المرتضي .

اذن فالشيخ الطوسي حاول استقصاء مسائل علم الاصول التي لها دخل في استنباط الاحكام والتي تعين الدارس علي الخروج من ربقة التقليد والحكاية، وتكون مرتكزة علي اصول الإمامية في العقائد والكلام. ويكون كتابا منهجيا يشقّ طريقه في الأوساط العلمية الشيعية .

وهكذا كان فقد دخل كتاب العدّة بعد الشيخ الطوسي في مناهج الحوزة العلمية وتصدي الاساتذة لتدريسه والتعليق عليه وكتابة الشروح اللائقة به ومن أهمّها الحاشية الخليلية لأحمد بن خليل بن الغازي القزويني (م 1083 هـ ) .

وبقي كتاب (العدّة) كتابا اصوليا دراسيّا حتي بعد تأليف المحقق الحلي لكتابه الاصولي المختصر (معارج الاصول) وذلك باعتبار أهمية العدّة من حيث غناء المحتوي وكونه عملاً تأسيسيّا رائدا كالذريعة بل يفوقها من حيث الاعتناء بجملة الآراء والاشارة الي أصحابها ومناقشته التفصيلية لأدلّتهم فهو بحث منهجي مقارن حاول فيه الشيخ الطوسي إبراز الجانب الوضّاء لمدرسة الفقهاء المجتهدين من الامامية أمام المخالفين في حقل علم الاصول كما حاول ذلك في عمله التأسيسي الرائد في الفقه الذي تمثّل في كتاب المبسوط .

واشترك الشيخ الطوسي مع السيد المرتضي في تعريف اصول الفقه بأ نّها ( ادلّة الفقه علي طريق الجملة ) ثمّ صرّح بخروج مسائل علم الكلام ( كمباحث حدوث الاجسام واثبات الصانع والعلم بصفاته وايجاب عدله وتثبيت الرسالة وتصحيح النبوة ) عن علم اصول الفقه .

واستقرت منهجة الطوسي لكتابه علي تمهيد بحوثٍ ترتبط بحقيقة العلم وأقسامه ومعني الدلالة وما يتصرّف منها، وأقسام المكلّف وحقيقة الكلام وبيان أقسامه وما يجب معرفته من صفات اللّه‏ والنبي والأئمة والوجه الذي يجب أن يحمل عليه مراد اللّه‏ بخطابه .

ثم قدّم الكلام عن الاخبار وبيان أحكامها وكيفية أقسامها ـ خلافا للسيد المرتضي ـ باعتبار أنّ الأخبار هي الطريق الي اثبات الخطاب .

ثم تكلّم في أقسام الخطاب من الامر والنهي والعموم والخصوص والاجمال والبيان والناسخ والمنسوخ .

ثم تكلّم عن الافعال باعتبارها متأخّرة عن العلم بالخطاب .

ثم عمّـا عـدّه المخالف من الاصول كالاجماع والقياس والاجتهاد والحظر والاباحة واستصحاب الحال . واتمّ الكتاب في اثنين وتسعين فصلاً ضمن عشرة أبواب واذا أردنا أن نختصر الطريق لمعرفة المنهج التفصيلي لبحوث الكتاب والمسائل التي اهتمّ بها الطوسي وما كان يدور البحث عنه في عصره من قضايا اُصولية فيكفينا أن نلمّ بفهرست بحوث العدّة لنتعرّف علي جانب من معالم الفكر الاصولي في القرن الخامس الهجري لدي الشيخ الطوسي قدس‏سره .

الدرس الأصولي بعد عصر الشيخ الطوسي حتى القرن العاشر الهجري :

عرفنا أنّ كلاًّ من الذريعة والعدّة كان يعتبر عملاً تأسيسيا رائدا في مجال علم الاصول عند الامامية ومن الطبيعي أن يشقّا طريقهما الي الحوزات العلمية ليكونا محورين متكافئين للتدريس والتحقيق كما يمكن لمس ذلك من خلال الشروح والحواشي والتعليقات التي كتبت عنهما لعدّة قرون متوالية .

ولكن الدارسين لاحظوا نوعا من الاطالة والتفصيل ، إضافة الي أ نّهم لمسوا عدم ضرورة بعض البحوث التي جاءت فيهما ، بعد أن سار الدرس الفقهي في طريقه نحو التهذيب والتركيز من جهة وحسن التبويب والتنظيم من جهة اُخري وهذا ما استدعي إعادة كتابة

علم الاصول من جديد، فانبري المحقق الحلي (602 ـ 676 هـ) لهذه المهمّة الي جانب نشاطه الفقهي الذي اتّسم بالدقّة والمنهجيّة وتمثّل في كتابه «شرائع الاسلام»، فأ لّف كتابا اُصوليا يتّسم بالاختصار والتهذيب وعرف بـ «معارج الاصول » .

وقد جاء في مقدّمته :

« تكرّر من جماعة من الأصحاب ـ أيّدهم اللّه‏ بعصمته وشملهم بعام رحمته ـ التماس مختصر في الاصول يشتمل علي المهم من مطالبه، غير بالغ في الاطالة إلى حدٍّ يصعب علي طالبه، فأجبتهم الي ذلك مقتصرا على ما لا بدّ منه من الاعتناء به، غير متطاول الي إطالة مسائله وتغليق مذاهبه، ومن اللّه‏ استمدّ التوفيق … وهو يشتمل علي أبواب عشرة » .

وقد تعرّض المحقق الحلي قدس‏سره لآراء من تقدّمه ولا سيّما الشيخ المفيد والسيد المرتضي والشيخ الطوسي وابنه الشيخ أبي علي فنقدها فيما لم تكن موافقه لرأيه مستدلاًّ علي بطلانها مع اثبات الصحيح بحسب معتقده .

وقام المحقق الحلي أيضا بمحاولة جادّة لتصفية المباحث غير اللازمة أو المباحث الدخيلة علي علم الاصول فأفرز في كل فصلٍ البحوث التي ينبغي اخراجها عن ذلك الباب واعتبرها مما اُلحقت به .

وختم المحقق الحلي كتابه بفصل عنونه بـ ( ما اُلحق بأدلّة الاُصول وليس منها ) .

وامتاز هذا الكتاب الاصولي بسلاسة التعبير وتهذيب العبارة فكان جديرا بأن يحتل موقعا دراسيّا متميّزا مما جعل الاساتذة والطلاّب يُقبلون عليه اقبالاً انتهي به الي ان صار الكتاب الدراسي الأوّل واصبحت الذريعة والعدّة من مصادر المراجعة والتحقيق .

ثمّ جاء تلميذ المحقق الحلي أعني العلامة الحلي (م 726هـ) فأ لّف مجموعة من الكتب الاُصولية علي عدة مستويات :

فمن المختصرات (مبادئ الوصول الي علم الاُصول) .

ومن المتوسّطات [تهذيب ( طريق) الوصول الي علم الاصول] المعروف بـ (تهذيب الاُصول) وشرح مختصر ابن الحاجب المسمّي بـ ( غاية الوصول وايضاح السبل) في شرح ( مختصر منتهي السؤل والامل في علمي الاصول والجدل ) لابن الحاجب .

ومن المطوّلات (النهاية) المسمّي بـ (نهاية الوصول الي علم الاصول) وله أيضا منتهي الوصول الي علمي الكلام والاصول ، كما أنّ له (نهج الوصول الي علم الاصول) و(شرح غاية الوصول الي علم الاصول) وهو شرحه علي نصّ الغزالي، وله أيضا ( النكت البديعة في تحرير الذريعة ) .

وأصبح شرحه لمختصر ابن الحاجب من الكتب الدراسية الاصولية في الحوزات العلمية وقد درّس المقدّس الاردبيلي في النجف الأشرف الشيخ حسن بن زين الدين نجل (الشهيد الثاني) شرح المختصر للعضدي تاركا بعض مباحثه التي لا دخل لها في الاجتهاد(1) .

كما أصبح كتاب ( تهذيب الاصول) للعلاّمة الحلي محورا للتعليق والتحقيق فشرحه معاصرو العلاّمة وتلامذته وأخصّ بالذكر تلميذيه وابني اُخته (عميد الدين الاعرجي وضياء الدين الاعرجي ) وعُرفا بالشرح العميدي والشرح الضيائي . وأخذ الشرح العميدي يشق طريقه الي الحوزات الدراسية لمدة من الزمن .

وقد كتب الشهيد الأوّل محمد بن مكّي (786 هـ) تلميذ تلامذة العلاّمة الحلي شرحا علي تهذيب الوصول للعلاّمة وآخر باسم ( جامع البين من فوائد الشرحين ) ويراد بهما : الشرح الضيائي والشرح العميدي .

كما أ لّف كل من علماء القرن التاسع (جمال الدين الحسيني الجرجاني) (929 هـ) والقرن العاشر (كمال الدين الاردبيلي الالهي) (950 هـ) شرحا علي تهذيب الاصول. وفي كل هذا دلالة علي أنّ كتاب (تهذيب الاصول) للعلاّمة قد أصبح محورا للتحقيق والشرح والتدريس .

الدرس الاصولي في القرن العاشر الهجري :

ثم جاء نجل الشهيد الثاني الشيخ ابو منصور حسن بن زين الدين العاملي الجبعي (م 1011 هـ) وهو خريج مدرسة النجف الأشرف فكتب مقدّمته الرائعة علي كتابه الفقهي ( معالم الدين وملاذ المجتهدين ) وأصبحت محورا للشرح والتعليق والتدريس لما اتّسمت به من عمق التحقيق ، وحسن العبارة ، وجودة النظم واجراء شيء من التعديل في المنهجة ، فكان الكتاب الاصولي الدراسيّ المفضّل في الحوزات العلمية وقد احتلّ هذا الموقع المرموق حتي عصرنا هذا . وقد لا نجد كتابا كالمعالم من حيث كثرة التعاليق والشروح والحواشي النقدية والترجمة منذ زمن تأليفه الي يومنا هذا .

وقد حاول مؤلّفه أن يستقصي الآراء في كل مسألة ويهتمّ بأهمّ أدلّة كل قول ويناقشها نقاشا موضوعيا واعتني بآراء السيد المرتضي والشيخ الطوسي اهتماما كبيرا لما لهما من الأهمّية في الوسط الامامي باعتبارهما رائدين ومؤسّسين في علم اصول الفقه الامامي ، وجعل صاحب المعالم كتابه هذا مدخلاً لعلم الفقه ولهذا كان مقدّمة موصلة وكافية تقوم ببيان الطريق لكيفية الاستدلال في علم الفقه . فاقتصر فيه علي مهمات المباحث الاصولية وحذف منها ما لا ضرورة له في الاستنباط .

وكان كتاب المعالم يمثّل في عصره قـمّة البحث الاصولي ولهذا أصبح محورا للبحوث الاصولية العُليا في الحوزات العلمية ، ولم يُنسخ هذا الكتاب بالرغم من كتب اُصولية أحدث منه في العقود المتأخّرة من تأليفه ككتاب (الوافية) للفاضل التوني (م 1071 هـ) فانه بالرغم من إ بداعه منهجا جديدا في تنظيم مباحث علم الاصول بحيث يعدّ تطوّرا كيفيّا إذا ما قيس علي منهجة المعالم ومنهجة ما سبقه من كتب العلاّمة والمحقق والطوسي والمرتضي لكنّه لم يأخذ موقعا كالمعالم في الحوزات العلمية .

وبالرغم من اهتمام جملة من الفقهاء الفطاحل بالوافية شرحا وتعليقا كالسيد صدر الدين القمي (1170 هـ) استاذ الوحيد البهبهاني والسيد محمد مهدي بحر العلوم (1212 هـ) والسيد محسن الاعرجي تلميذي الوحيد البهبهاني …

ولكن المعالم في الاصول كان هو الكتاب الاول في الاوساط العلمية حتي ان الوحيد البهبهاني وهو المؤسس للمدرسة الاصولية الحديثة وفاتح العصر الثالث من عصور تطوّر علم الاصول كان قد درّسه مرارا وكتب عليه تعليقاته في كلّ مرّة، وتنبئ كثرة التعليق عليه عن اهمّيته ودوره في حقل الدراسات الاصولية العليا ، لقد اشتهر نجل الشهيد الثاني من خلال كتابه الاصولي ( معالم الاصول ) وخلّد به بالرغم من انّه قد كتبه كمقدمة لكتابه الفقهي ( معالم الدين وملاذ المجتهدين )(2) .

انّ الدخول الي مباحث الاصول في ظل البحوث الفقهية يؤكّد للطالب الدور الوظيفي لعلم الاصول وانه لا ينبغي أن يُنظر اليه كعلم يُطلب لنفسه ، بل لا بدّ من الاقتصار فيه علي ما اُسّس لأجله .

وقد تميّز هذا الكتاب بمقدّمة ضافية ومهمّة تعرّض فيها الي أهمّية علم الفقه والآثار المترتّبة علي طلبه ، والجهود التي بذلها السلف الصالح لتحقيق مباحثه وتنقيحها مشيرا الي اسماء الكتب الفقهية التي تقدّمت عليه ، ثم عرّج فيها علي اسباب التأليف لهذا الكتاب وأشار الي منهجه في التأليف قائلاً :

« وجدّدنا به معاهد المسائل الشرعية وأحيينا به مدارس المباحث الفقهية وشفعنا فيه تحرير الفروع بتهذيب الاصول، وجمعنا بين تحقيق الدليل والمدلول، بعبارات قريبة الى الطباع وتقريرات مقبولة عند الاسماع ، من غير ايجاز موجب للاخلال ولا إطناب معقبٍ للملال … وقد رتّبنا كتابنا هذا علي مقدّمة وأقسام أربعة. والغرض من المقدّمة منحصر في مقصدين » .

وخصّص المقصد الأوّل من المقدّمة بما ينبغي لكل طالبٍ الوقوف عليه والتأمّل فيه وتمثّله به في جميع مراحل طلب العلم بدءً بفضيلة طلب العلم وأهمّيته، وما يجب علي العلماء والمتعلّمين مراعاته، وموقع علم الفقه بالنسبة لسائر العلوم ، ووجه الحاجة اليه وتعريفه ومرتبته وموضوعه ومباديه ومسائله .

دخل المؤلف الي بيان موقع علم الاصول ولم يشر الي تعريف علم الاصول بل دخل الي مباحث علم الاصول مباشرةً فكانت هي المقصد الثاني من المقدمة وقد تكفّلت تحقيق مهمّات المباحث الاصولية التي هي الاساس لبناء الأحكام الشرعية ، وتبلورت في تسعة مطالب و ( 64 ) أصلاً وخاتمة .

وبالرغم من أن المحقق صاحب المعالم حاول تهذيب المباحث الاصولية واختزل بعضها ولكنه توسّع في جملة من المباحث وأطال التأمّل والبحث فيها لما لها من أهمّية عنده، فإ نّه لم يترك مناقشة من سبقه ممن كتب في الاصول بدءً بالسيد المرتضي وابن زهرة وابن البراج والشيخ الطوسي وابن ادريس وانتهاءً بالمحقق والعلاّمة والشهيدين .

وذهب صاحب المعالم وابن اخته صاحب المدارك تبعا للشيخ أبي علي والمحقق الحلي الي حجية خبر الواحد الصحيح الاعلائي وهو الذي قامت البيّنة الشرعية علي عدالة رواته.

وبني علي هذا الرأي عدم حجية جملة من الأخبار التي وردت في الكتب الأربعة فألّف كتاب ( منتقي الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان) وقسّم أحاديثه الي ثلاث مراتب : الصحيح الاعلائي والصحيح عند المشهور والحسن .

وقد أدّي هذا الاتجاه في التعامل مع الأحاديث بعد ظهور التقسيم الرباعي للاحاديث ( الصحيحة والموثقة والحسنة والضعيفة ) الي ردّة فعل من قبل بعض المحدّثين ، ونتيجة لانضمام عوامل اُخري تبلورت ردّة الفعل هذه في المد الاخباري الذي برز الي الساحة في القرن الحادي عشر واستفحل أمره في القرن الثاني عشر وكاد يقضي علي الاتجاه الاصولي ومدرسة الفقهاء المجتهدين .

لولا الجهود الجبارة التي بذلها أقطاب المدرسة الاصولية وعلي رأسهم الوحيد البهبهاني وتلامذته وتلامذة تلامذته الذين دافعوا دفاعا قويا طيلة قرنٍ علي الاقل مما أدّي الي انزواء الاتجاه الأخباري ببركة النشاط الاصولي الكبير .

تطوّر علم الاُصول في القرنين الحادي عشر والثاني عشر :

انّ المعركة الفكرية التي أثارها الامين الاسترابادي وفّرت فرصا جيّدة لنمو علم الاصول وتكامله . وقد ظهر بعد الامين الاسترابادي نشاط اصولي كبير تضمّن تحقيقات جديدة أحكمت بناء هذا العلم وتقنينه وإبداع مناهج جديدة وتغييرات جوهرية فيه .

انّ الذين حققوا وأ لّفوا في الاصول بعد الامين الاسترابادي وحتي ظهور الوحيد البهبهاني كان لهم دور كبير في انضاج مدرستي الوحيد البهبهاني والشيخ الانصاري فيما بعد .

وأبرز هؤلاء الفقهاء الاصوليين آنذاك هم :

1 ـ سلطان العلماء وهو الحسين بن رفيع الدين محمد الحسيني ( م 1064 هـ ) وله تعليقة نقدية علي كتاب المعالم .

2 ـ الفاضل التوني ( وهو عبد اللّه‏ بن محمد البشروي الخراساني ) ( م 1071 هـ ) وله كتاب ( الوافية ) في اصول الفقه .

« وللشيخ الانصاري في ( فرائد الاصول ) اهتمام بليغ بهذا الكتاب فهو يذكره ويشيد بآرائه وينتقدها باحترام خاص .

وقد سبق الفاضل التوني معاصريه في تنظيم ابواب علم الاصول ونقد المنهج الاصولي المعمول به لدي العلماء في عصره ومن قبلهم »(3) .

فهو أوّل من أفرز المباحث العقلية عن مباحث الالفاظ وقد تبعه جملة من المحققين المتأخّرين . وكذلك قسّم الأدلّة الي شرعية وعقلية ، والعقلية الي ما يستقل العقل بحكمه وما لا يستقل .

3 ـ المولي صالح المازندراني ( 1081 هـ) وله حاشية معروفة علي المعالم وشرح زبدة الاصول للشيخ البهائي قدس‏سره .

4 ـ المولي خليل القزويني (1089 هـ) وله شرح كبير علي عدّة الاصول للشيخ الطوسي وعرف بالحاشية الخليلية وقد مرّ ذكرها.

5 ـ المحقق السيد حسين الخوانساري ( 1098 هـ ) الذي خلّف لنا كتابه الفقهي المعروف بـ ( مشارق الشموس في شرح الدروس ) حيث تضمّن جملةً من ابداعاته وقد اعطي الابحاث الاصولية لونا فلسفيّا بالرغم من انه كان ثائرا علي الفلسفة وبفضله دبّت هذه الروح الي الدراسات الاصولية عند الشيعة الامامية، ولا تزال كلمات هذا المحقق موضع اهتمام المحققين من علماء الطائفة حتي اليوم . وله حاشية علي المعالم ورسالة الاستلزام ورسالة في مقدمة الواجب واجوبة عن اشكالات المحقق السبزواري علي رسالة الاستلزام .

6 ـ المحقق محمد بن الحسن الشيرواني ( 1099 هـ ) وهو من خريجيّ مدرسة النجف واستاذ والد الوحيد البهبهاني وله تعليقة معروفة علي كتاب المعالم في الاصول تدلّ علي عمقٍ ودقّةٍ واستيعاب ، كما انّ له تعليقة علي شرح ابن الحاجب .

7 ـ جمال المحققين ( ابن المحقق الخوانساري ) ( 1125 هـ ) وله حاشية علي شرح مختصر ابن الحاجب .

8 ـ الفاضل الهندي ( 1170 هـ ) هو صاحب كشف اللثام في الفقه وقد تضمّن أفكاره الاصولية .

9 ـ السيد صدر الدين الرضوي القمي ( 1170 هـ) تلميذ المدقق الشيرواني واستاذ الوحيد البهبهاني وله شرح معروف علي الوافية للفاضل التوني .

وقد بقي المدّ الأخباري قويّا متحرّكا في الحوزات العلمية الشيعية حتي هيأ اللّه‏ له علما كالوحيد البهبهاني حيث هاجر من بهبهان الي كربلاء ليقف امام صاحب الحدائق ويتمّ الحجة عليه وعلي تلاميذه ويدحض الشبهات التي تغلغلت في اذهان طلبة العلوم الدينية في عصر كان الجو السياسي العام يساعد علي ظهور مثل هذا الانشقاق الخطير في المؤسسة الفقهية الشيعية فانّ الحكّام لم يرتاحوا في ذلك الظرف لنفوذ كلمة الفقهاء ومواقفهم السياسية لصالح الاسلام والمسلمين .

وقد تظافرت هذه الجهود الفكرية للمحققين من فقهائنا وتبلورت في بحوث وأفكار ودروس الوحيد البهبهاني حيث استطاع أن يقف أمام هذا المدّ المستفحل ويزعزع أركانه حتي كتب له النكوص ، واستمر تلامذة الوحيد علي خط استاذهم فتوالت الضربات العلمية باستمرار حتي ظهرت مدرسة الشيخ الأنصاري في النجف الأشرف لتقول الكلمة الأخيرة وتنهي الصراع وترأب الصدع الذي حدث في المؤسسة الفقهية الامامية خلال ثلاثة قرون تقريبا .

وعرف الوحيد البهبهاني بأنه رائد المدرسة الاصولية الحديثة في اعقاب المدّ الاخباري المتطرّف . ولا ريب في ان الجذور المهمّة للمدرسة الاصولية الحديثة في يومنا هذا تعود الي جملة من النظريّات التي جاء بها الوحيد وانعكست في كتب تلامذة مدرسته بشكل واضح إذ نلمس اصولها وركائزها في أحد أهمّ كتبه الاصولية الذي عرف بـ ( الفوائد الحائرية ) .

إنّ أهمّ النظريات التي طرحت في مدرسة الوحيد البهبهاني هي :

1 ـ التفريق بين الامارات والاصول فإنّ الجذور الاُولي لهذا التفريق كانت من الوحيد علي ما ذكره الشيخ الانصاري في بداية المقصد الثالث من رسائله حينما تعرّض للادلّة الاجتهادية ( الامارات ) والادلّة الفقاهتية ( الاصول العملية ) .

2 ـ التنظير والتقسيم للشك الذي اعتمده الشيخ الانصاري في منهجيته الحديثة لمباحث علم الاصول فإنه يعود الي تقسيم الوحيد للشك الي قسمين : الشك في التكليف والشك في المكلّف به وتعيين الوظيفة العملية المترتّبة علي كل منهما .

3 ـ الصياغة الفقهية المتينة لقاعدة البراءة العقلية التي استقرّت في الفكر الاصولي المعاصر فإ نّها تعود الي الوحيد البهبهاني قدس‏سره .

ولهذه الفتوحات الكبيرة في علم الاصول وتشييد أركان هذا العلم ودحض شبهات المدّ الاخباري عرف الوحيد بأ نّه رائد المدرسة الاصولية الحديثة واليه يعود الفضل فيما حقّقته المدارس الاصولية المتأخّرة عنه من فتوحات علميّة فهو غارس البذرة المباركة لشجرة الاصول الباسقة في عالمنا المعاصر .

النشاط الأصولي في القرن الثالث عشر :

إنّ الفقهاء الا صوليين الذين اسهموا في دحض الموجة الاخبارية ووقفوا أمام هذا التيّار بعد الوحيد البهبهاني هم عامّة طلاّب الوحيد ونخصّ منهم بالذكر الاساتذة الذين تولّوا مهمة إحياء الحوزة العلمية في النجف الأشرف وتنشيطها وإعادة المركزية لها بعد ما كانت كربلاء مركز النشاط الفقهي والاصولي الامامي في عصر الوحيد البهبهاني ، وهم :

1 ـ السيد مهدي بن مرتضي بحر العلوم (الطباطبائي) (م 1212 هـ) :

من اجلاّء تلامذة الوحيد وقد أصبح مرجعا للطائفة الشيعية وأقام في النجف بعد الوحيد وتصدي لتدريس علم الاصول علي خُطي استاذه وترك لنا تراثه الاصولي في شرحه للوافية ، وتأليفه للقواعد الاصولية علي غرار الفوائد الحائرية للوحيد ومنظومة اصولية باسم ( الدرّة البهية في نظم رؤوس المسائل الاصولية ) ورسالة في الصحيح والاعم ورسالة في اجتماع الأمر والنهي .

2 ـ الشيخ جعفر الكبير الحلي النجفي المعروف بـ ( كاشف الغطاء ) ( 1227 هـ) :
من أفاضل تلامذة الوحيد وقد قام بكل جدٍّ فجدّد في الفقه والاصول معا وساهم في تنشيط الحوزة النجفية في حياة بحر العلوم وبعده، وألّف كتابه البديع (كشف الغطاء) عن مبهمات الشريعة الغرّاء في الفقه مع مقدّمته المهمّة في اصول الفقه. وذكر له كتاب (غاية المأمول في علم الاصول)، وقد ذكره الشيخ الانصاري في كتبه بكل اجلال قائلاً عنه (بعض الاساطين) وهو تعبير خصّه به .

3 ـ الشيخ اسد اللّه‏ الدزفولي الكاظمي ( 1234 هـ) :
وهو أيضا من أفاضل تلامذة الوحيد الذي اتّجهت له المرجعية في النجف الأشرف وله كتاب كشف القناع عن وجوه حجية الاجماع وهو يتضمّن جملةً من مباحث الظنون . وقد اعتني به الشيخ الانصاري في فرائده غاية الاعتناء .

4 ـ المحقق الميرزا ابو القاسم الجيلاني القمي (1231 هـ) :
من خيرة تلاميذ الوحيد والمتقدمين منهم فقها واصولاً ويبدو انه قد أ لّف كتابه القيّم ( القوانين المحكمة ) في علم الاصول في حياة استاذه الوحيد ، وهو دورة اصولية كاملة توسّع فيها غاية التوسّع وقد أصبح فيما بعد كتابا دراسيا مهمّا حيث اعتني به كل من تأخّر عنه ،

وقد ادركنا في حوزة النجف الاساتذة الذين كانوا يصرّون علي دراسته بعد المعالم بالرغم من استبدال البعض له بكتاب الشيخ المظفر أعني ( اصول الفقه ) في عصر تطوّرت فيه الدراسات الاصولية العليا حتي أصبح مستوي كتاب القوانين يمثّل المرحلة الثانية من مراحل التحصيل العلمي في مستوي السطوح في الحوزة العلمية آنئذٍ ، والمحقق القمي وان كان قد قطن في قم بعد الوحيد البهبهاني ولكنه قد ساهم في تنشيط الدرس الاصولي في حوزة النجف الأشرف أيضا ، إذ نجد أن كتابه الاصولي هذا قد صار محورا للتدريس والبحث في القرنين الثالث عشر والرابع عشر وللشيخ المجدد الانصاري تعليقة مفصّلة علي قسم الاستصحاب من القوانين(4) .

5 ـ السيد جواد العاملي (م 1226 هـ) :
صاحب الكتاب الفقهي الكبير ( مفتاح الكرامة ) . وهو من تلامذة الوحيد وبحر العلوم وكاشف الغطاء والشيخ حسين نجف . ولقد ربّي مجموعة من الفقهاء الاصوليين مثل صاحب الجواهر والسيد صدر الدين العاملي والشيخ محمد علي الهزارجريبي . وله شرح علي الوافية للفاضل التوني وتعليقة علي تهذيب الاصول للعلاّمة وتعليقة علي معالم الاصول . وكان من مقرّري بحوث اساتذته وهو دليل علي قدرته العلمية واستعداده الفذّ .

6 ـ المحقق السيد محسن الاعرجي ( 1240 هـ) :
من خيرة طلاب الوحيد . وقد ربّي مجموعة من الفقهاء والاصوليين الكبار مثل السيد عبد اللّه‏ شبّر والشيخ محمد تقي الاصفهاني وحجة الاسلام الشفتي .

وله شرحان علي الوافية للفاضل التوني أخصرهما باسم ( المحصول في شرح وافية الاصول ) .

7 ـ المولي مهدي النراقي الكاشاني ( 1209 هـ ) :
من تلامذة الوحيد وصاحب الحدائق وله كتاب اصولي صغير الحجم كبير المحتوي باسم (تجريد الاصول) . ولابنه الذي تلمذ لبحر العلوم وهو المولي احمد النراقي كتاب ( مناهج الاصول ) وهو استاذ الشيخ الأنصاري .

8 ـ شريف العلماء المازندراني الآملي ( 1245 ) :
فقيه اصولي بارع وهو من تلامذة السيد علي ( صاحب الرياض تلميذ وصهر الوحيد البهبهاني ) وهو بالرغم من براعته الاصولية لم يخلّف لنا كتابا بقلمه ؛ لأ نّه كان قد فرّغ نفسه للتدريس وتربية الاصوليين العظام وعلي رأسهم الشيخ المجدد الانصاري .

وكان يحضر درسه نحو ألف طالب من الفضلاء وهو أوّل من بدأ البحث الخارج حيث كان الاساتذة قبله يدرّسون علي اساس كتاب اصولي معيّن يكون محورا لبحوثهم وبعد أن كان الشيخ الانصاري وزميله سعيد العلماء المازندراني يكثران من السؤال والاستشكال علي استاذهم شريف العلماء كان البحث يتّسع ويخرج عن اطار الكتاب المقرّر . ومن هنا سمّي هذا الاسلوب وهذا المستوي من الدرس بالبحث الخارج اي الخارج عن متن الكتاب الدراسي .

9 ـ السيد محمد المجاهد ( 1242 هـ ) :
من تلامذة بحر العلوم وهو استاذ شريف العلماء وقد خلّف لنا ثروة اصولية مهمّة في كتابه ( مفاتيح الاصول ) .

10 ـ المولي محمد المشهدي ( 1257 هـ ) :
من تلامذة كاشف الغطاء وشريف العلماء وله كتاب معروف باسم ( اصول الفقه ) .

11 ـ الشيخ محمد ابراهيم الكلباسي الاصفهاني ( 1261 هـ ) :
من تلامذة الوحيد وبحر العلوم . أ لّف كتابه الاصولي ( اشارات الاصول ) فيجزءين : الأوّل في مباحث الالفاظ والثاني في المباحث العقلية والأدلّة الشرعية .

12 ـ المولي احمد التبريزي ( 1271 ) :
أ لّف كتابه الاصولي في ثلاثة اجزاء الاول في مباحث الالفاظ ( من الصحيح والاعم الي آخر المفاهيم ) والثاني ( من العام والخاص الي آخر الاجماع ) والثالث اشتمل علي أصلي البراءة والاشتغال .

13 ـ الشيخ محمد تقي الاصفهاني ( 1248 ) :
الاصولي الكبير المعروف بصاحب الحاشية وهي أوسع الشروح وأعمقها لكتاب ( معالم الاصول ) وسميت بـ ( هداية المسترشدين في شرح اصول معالم الدين) . وقد أشار الشيخ الانصاري الي ان السبب في عدم تأليفه كتابا في مباحث الالفاظ هو ان في هذه الحاشية الكفاية لمن يروم التخصص في مباحث الالفاظ .

درس علي السيد محسن الاعرجي والسيد علي الطباطبائي وبحر العلوم وكاشف الغطاء وقد أقام في اصفهان بعد أن أكمل دراسته في النجف. وقد زوّجه الشيخ كاشف الغطاء ابنته نظرا لمنزلته المرموقة عند اساتذته العظام .

14 ـ الشيخ محمد حسن النجفي ( 1266 هـ) :
المعروف بصاحب (جواهرالكلام) وهو من تلامذة كاشف الغطاء والسيد جواد العاملي. وقد تميّزت مدرسة صاحب الجواهر بكثرة طلاّبها وقد تخرّج علي يديه جملة من الفطاحل الذين سعوا في تشييد اركان المدرسة الاصولية الحديثة عند الامامية .

وقد ألّف صاحب الجواهر كتابا اصوليا ولكنه قد فُقد في حياته وعلي الباحث والمحقق أن يراجع موسوعته الفقهية الفريدة ( جواهر الكلام ) ليطّلع علي ابعاد فكره الاصولي ومدي احاطته وعمقه .

الدرس الأصولي في القرن الثالث عشر :

وبعد تطوّر الدراسة في علم اصول الفقه وبلوغ هذا العلم مرتبة النضج والكمال العلمي كان لا بدّ من انتهاج المرحلية في تعليم هذا العلم وبهذا أصبح كتاب (المعالم) الكتاب الأوّل الذي يُدخل الطالب الي فضاء علم الاصول ليأخذ بيديه الي مدارج الكمال في هذا العلم .

انّ الاهتمام المتزايد من الفقهاء بالدرس الاصولي ـ بعد الثورة التي شنّها محمد أمين الاسترابادي الأخباري ( م 1033 هـ) علي علم الاصول ـ جعل الفقهاء يسيرون فيآفاق جديدة في أكثـر أبواب هـذا العلـم بدءا بمشروعية هـذا العلم وضرورته وصحة اتجـاه المجتهدين الاصوليين وانتهاءً بفروع هذا العلم في مباحث الاصول العملية …

ومن هنا فقد خطا علماؤنا خطوات كبيرة وجبّارة في مجال التجديد لمنهجة هذا العلم وفي مجال تهذيب جملة من مسائله والابداع في طرائق الاستدلال والنقد وتعميق المحتوي بحيث لا تكاد تجد تقاربا بين ما جاء في كتاب المعالم وما يُطرح في حلقات الدرس الاصولي العُليا … كل هذا يُنبئ عن تطوّر اساسي قد طال هذا العلم مما أدّي الي اضطرار الطالب أن يقطع عدّة اشواط ومراحل ليتهيّأ للدخول الي مستوي الدراسات العُليا في الحوزة العلمية .

ومن هنا وقع اختيار الاساتذة علي جملة من الكتب التي تتوسط بين المعالم كمرحلة اُولي وبين الدراسات العُليا … ومن أهمّ هذه الكتب الاصولية التي نالت إعجاب الفقهاء وإكبارهم هو الكتاب الفريد الذي أ لّفه احد ابرز تلامذة الوحيد البهبهاني وفي حياة استاذه الوحيد الا وهو المحقق الميرزا ابو القاسم القمي (1332 هـ) وقد سماه بـ ( القوانين المحكمة ) وهو في مجلّدين كبيرين .

ومن يطالعه يجد المسافة الكبيرة التي قطعها علم الاصول منذ نهاية القرن العاشر وحتي بداية القرن الثالث عشر ، انّ هذا النمو خلال هذين القرنين من تأريخ الفكر الاصولي لا يوازي علم الاصول خلال القرون الخمسة السابقة ( أي من عصر تأليف العدة حتي عصر تأليف المعالم ) .

انّ كتاب (القوانين) جمع حصيلة النشاط الاصولي لمجموعة من الفقهاء خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين وامتاز بالدقّة الفائقة والابداع في جملة من المباحث ولا سيّما العقلية منها كما تميّز بارتفاع المستوي العلمي حتي قيل : « إنّ من لم يدرس القوانين لا يمكن أن ينال مرتبة الاجتهاد في علم الاصول » .

وعُرف المحقق القمي بالذهاب الي حجية مطلق الظن لانسداد باب العلم الذي جاء ذكره في كتاب المعالم بالرغم من ان صاحب المعالم لم يذهب الي حجية مطلق الظن .

وجاء بَعد المحقق القمي صاحب الفصول الغروية ( الشيخ محمد حسين الاصفهاني ) ( 1254 هـ) والشيخ محمد تقي الاصفهاني ( 1248 هـ) صاحب كتاب (هداية المسترشدين) الذي تميّز عن غيره بالعمق والدقّة فاقتحما بكتابيهما الحوزات العلمية وأقبل الاساتذة علي كل من (الفصول) و (هداية المسترشدين) فكان البعض يدرس بعد (المعالم) القوانين ثم الفصول وآخرون كانوا يدرسون أحد الكتابين (القوانين) أو (الفصول) . وكانت الدراسات العُليا لاساتذة علم الاصول تسير وفق منهجة أحد هذين الكتابين .

حتي بزغ نجم الشيخ المرتضي الأنصاري (م 1281 هـ) وهو الفقيه المجدّد الذي يعتبر ـ بحق ـ عصره رابع العصور لتطوّر علم الاصول عند الامامية .

وكانت دروس الشيخ الانصاري تحوم حول القوانين والفصول ثم تبلورت آراؤه ومنهجيّته واسلوبه في كتابه الاصولي الفذ ( فرائد الاصول ) والذي يُعرف بالرسائل أيضا … ونظرا لتجديد الانصاري في المنهجة وجملة من المباحث الاساسية التي تمس هيكليّة علم الاصول … اعتبر كتابه هذا فاتحة عهد جديد لعلم الاصول . واصبح الطالب لا يرتقي الي مستوي هذا الكتاب إلاّ بعد أن يجتاز علي الأقل كتابي المعالم والقوانين أو الفصول .

انّ كتاب الرسائل لا يحتوي إلاّ علي نصف المباحث الاصولية وهي مباحث الحجج والاصول العملية . بينما يفتقد المباحث اللفظية التي تشكّل نصف مباحث علم الاصول تقريبا .

وقد درّسها الشيخ وتبلورت في تقريرات طلاّبه وطبع منها كتاب ( مطارح الانظار ) ولكن نُقل عن الشيخ الانصاري نفسه أنه قال لا حاجة الي كتاب في مباحث الالفاظ بعد وجود كتاب مثل (هداية المسترشدين ) .

علي انّ مباحث الحجج والاصول العملية هي البحوث التي تشكّل العمود الفقري لمباحث علم الاصول إذا ما قيست بمباحث الالفاظ .

وقد خطا الشيخ الأنصاري في هذا المجال خطوات كبيرة جدا حتي جعلته رائدا لعصرٍ جديد من عصور تطوّر وتكامل علم الاصول في مدرسة أهل البيت الفقهية .

ولم يستغن أي فقيه أو متفقّه حتي يومنا هذا عن كتاب الرسائل بالرغم من مرور أكثر من قرنين من الزمن علي تأليفه وبالرغم من انه تعرّض للنقد المستمر خلال أربعة أجيال من تلامذة الشيخ الانصاري نفسه ؛ فانه ما زال حيّا وعميقا غوره ولا يُستغني عنه في الحوزات العلمية ما لم يحلّ محلّه ما هو أحسن وأمتن منه في أداء عملية التربية الفكرية الاصولية المعمّقة لكل من يريد أن يصبح فقيها في الشريعة الاسلامية ، وهو اليوم أحد الكتب المهمّة التي تدرّس في مرحلة السطوح بعد المعالم والقوانين إضافة الي كونه مرجعا بل محورا من المحاور المهمّة للتدريس في قسم الدراسات العليا في حوزاتنا العلمية .

وقد نسف الانصاري دعائم الاتجاه الأخباري بشكل كامل حتي لا نكاد نجد اسما يُذكر لهذا الاتجاه في هذا اليوم . كل ذلك ببركة العمق والدقّة والموضوعية التي نجدها في اصول الشيخ الانصاري والمتمثّل في كتاب ( الرسائل ) الذي جاء في أعقاب المد الاخباري الأخير .

وقد تفرّدت مدرسة النجف الفقهية باُصولي مجدّد كالشيخ الانصاري حيث دانت له كل الحوزات العلمية وكل الأجيال التي تعاقبت بعد الشيخ الانصاري الي يومنا هذا بالفضل والريادة . حتي قيل انّ الشيخ الأنصاري ( قد أنسي من قبله وأتعب من بَعدُه ) .

انّ المنهج الجديد الذي ابتكره الشيخ الأنصاري يقوم علي فهم جديد تماما للأدلّة والحجج ، وهذا التصوّر الجديد للأدلّة تبلور في منهاج وتنظيم علميّ جديد لمسائل علم الاصول ، ولهذه المنهجية الجديدة تأثير مباشر علي عملية الاستنباط وتقديم الأدلة بعضها علي بعض .

ان المحققين من تلامذة الشيخ الانصاري وتلامذة تلامذته الذين قاموا بخطوات تطويرية لعلم الاصول بعد الشيخ الانصاري يعترفون جميعا بأنهم لم يتجاوزوا منهج الشيخ الأعظم المجدّد ويعتبرون أنفسهم طلاّبا في مدرسته حيث ينتهلون من نمير علمه .

ولم يقتصر نشاط الشيخ الأنصاري علي التجديد في المنهج بل أضاف جملة من البحوث البديعة التي ابتكرها أو طوّرها كبحث (المصلحة السلوكية) وكمبحث (الحكومة والورود) وهو الذي فنّد الأدلّة التي سيقت لحجية مطلق الظن والتي شاعت بعد المحقق القمي فقدّم بحثا وافيا جدا عنها في رسائله .

كما أ نّه جعل من التفكيك بين الأمارات والاصول الذي طرحه الوحيد البهبهاني أساسا لتغيير المنهج في الدراسات الاصولية . واستقرّ هذا المنهج حتي يومنا هذا .

الدرس الأصولي في القرن الرابع عشر :

اذا اعتبرنا الشيخ المجدد الأنصاري رائد عصر جديد من عصور تطوّر علم الاصول عند الامامية فان أربعة أو خمسة أجيال من بعده هي أجيال مدرسته الاصولية الفريدة التي اتّسمت بالمنهجية الحديثة والعمق والنضج الذي تغبط عليه حوزاتنا العلمية حينما تعرض انتاجها العلمي علي الجامعات الاخري في عالمنا المعاصر .

وقد استقرّت المراحل الدراسية لعلم الاصول بعد الشيخ الانصاري علي ثلاث مراحل تمهيدية ومرحلة عليا تسمي بالبحث الخارج بالمصطلح الحوزوي .

فالطالب يبدأ بالمعالم ويتوسط بالقوانين أو الفصول وينتهي بالرسائل ليتسنّي له فهم ما يطرحه الاساتذة الكبار في حلقات دروسهم الاصولية .

وأصبح كتاب الرسائل هو المحور الأول لبحوث الخارج وقام تلامذة الشيخ الانصاري بتدريسه وشرحه وتوضيح مقاصده من جهة ، كما قام كثير منهم بتقرير دروس الشيخ الانصاري وبيان مقاصده وأفكاره التي كانت تفتح علي الحوزات العلمية آفاقا جديدة وتضفي عليها سمات خاصّة تتميّز بهاعمّا سواها . فكان كل واحد من تلامذة الشيخ علما هاديا لأ يّة حوزة علمية كان يحلّ بها ويكون عمادها الذي يستقطب كل الأنظار وطلاّب الحقيقة .

فالمدرسة الاصولية التي شيّدها الشيخ الانصاري وطلاّبه الأفاضل هي أرقي مدرسة علمية اصولية عرفها تأريخ هذا العلم وتميّزت بالنشاط والحيوية التي لم نعهدها من ذي قبل بالرغم من اندحار التيار الأخباري … فلم يكن هذا النشاط الفذ مجرّد ردّة فعل للمدّ المهاجم بل لانفتاح آفاق جديدة لعلم الاصول وتسرّب الفكر الفلسفي والدقّة العقلية بالتدريج الي الفكر الاصولي واجتماع خيرة القدرات العلمية في ارجاء هذه المدرسة …

إذ انتهت الي حدوث تطوّرات واسعة وسريعة جدّا بحيث نجد الطلاّب الذين ينتهون من الرسائل في هذا اليوم يشعرون بالقفزة الكبيرة بين ما درسوه في مرحلة السطوح وما يدرسونه في البحث الخارج حتي انهم يحتاجون الي استيعاب ما دوّنته الأجيال الثلاثة من افكار عميقة بعد الشيخ كي يمكنهم استيعاب ما يطرحه اساتذة البحث الخارج في عصرنا هذا .

انّ الذين تربّوا علي يد الشيخ الانصاري وتربّعوا علي كرسي التدريس ـ الذي ابتكره الشيخ الأنصاري لاستاذه شريف العلماء ـ هم كثيرون جدا ونذكر أهمّ طلاّبه الذين يُشار اليهم بالبنان حيث اعتبروا في القمّة من حيث فهمهم لآراء الشيخ وقدرتهم علي بلورتها ونقلها لتلامذتهم وهم كما يلي :

1 ـ السيد الميرزا حسن الشيرازي ( م 1312 هـ ) :

كان الشيرازي أفضل تلامذة الشيخ الأنصاري علما وتقويً وسياسةً وامتاز باُسلوبه الابتكاري في التدريس إذ كان يحرص علي تربية طلاّبه تربية علمية أشدّ الحرص حتي أ نّه لم يتفرّغ للتأليف وانّما قسّم أوقاته بين التدريس وادارة شؤون المسلمين ولم يُشغله الاهتمام بالسياسة والمرجعية الدينية عن أمر التدريس وتربية الطلاّب .

وقد انفرد باُسلوبه الخاص الذي عُرف فيما بعد بمدرسة سامرّاء إذ هاجر اليها مع خيرة طلاّبه بعد وفاة شيخه الانصاري . وكان الاسلوب الدارج ( التقليدي ) هو أنْ يطرح الاستاذ موضوع بحثه ويستقلّ بالبحث والتحقيق ثم يجيب علي اسئلة طلاّبه اذا كان هناك من يسأل أو يستشكل في ما أثاره الاستاذ من مطالب ، وعلي الطالب أن يستمع ثم يناقش ، فالطالب يتلقّي ما أفاده استاذه ، وقد يكتب الطلاّب خلاصة الدرس أو تفصيله علي شكل ما يعرف اليوم بالتقريرات .

وامّا السيد الشيرازي فكان لا يستعجل في طرح ما عنده من دقائق المطالب وانّما كان يستثير أفكار طلاّبه من خلال عرضه لموضوع البحث وإثارة بعض النقاط التي ترتبط بالموضوع وينتظر الأجوبة من طلاّبه ـ من كلٍ حسب استعداده ـ حتي اذا اجتمعت الأجوبة في مجلس الدرس واستمع من كلّ من يستطيع الجواب …

بدأ بجمع أطراف البحث وتنظيمه وتحقيقه ، فيكون دور الطالب دورا فاعلاً لا منفعلاً ويصبح أقرب الي الهدف لأ نّه يوظِّف كل جهده واستعداده نحو تحقيق الموضوع المطلوب بحثه وبهذا الاسلوب تتحقق التربية العلمية المطلوبة في أقصر وقت ممكن ويشعر الطلاّب بالحيوية والنشاط والثقة بالنفس والاجلال والإكبار من استاذهم حيث يحترم آراءهم حينما يستمع اليها بكل إمعانٍ ودقّة .

انّ هذا الاسلوب لم نجده في عصرنا هذا إلاّ في بعض الحلقات الدراسيّة الخاصّة وعند بعض الاساتذة ذوي الحسّ المرهف والحرص الشديد علي تربية تلامذتهم ، وتكاد تكون هذه الطريقة متّبعة في مجالس الاستفتاء فقط وهي مجالس خاصة تنعقد في بيوت بعض الفقهاء ويجتمع فيها بعض الأفاضل ويتداولون أطراف البحث العلمي فيها بهذا الاسلوب تقريبا . بينما كان الطابع العام لتدريس الامام الشيرازي هو هذا الاسلوب البديع .

ونجد أنّ من تخرّج عليه من جهابذة العلم يُشار اليهم بالبنان وقد استطاعوا أن يثروا علم الاصول بدقائق أفكارهم وإثاراتهم الكثيرة حتي استطاع أن يقطع هذا العلم أشواطا كبيرة في حقبة زمنية قصيرة جدا وانعكست آثار هذا الرقي والتقدّم الكبير والسريع علي البحث الفقهي أيضا بنفس النسبة .

انّ آراء وأفكار الميرزا الشيرازي قد انتقلت الينا من خلال تأليفات تلامذته وحلقات دروسهم وقد طبع منها في الاصول لحد الآن ثلاثة اجزاء وهي بقلم المولي علي الروزدري بتحقيق مؤسسة آل البيت عليهم‏السلام . وذكر أصحاب التراجم للشيرازي رسالة في اجتماع الأمر والنهي فقط . كما اشتهرت عنه نظرية الترتّب المعروفة في علم الاصول .

2 ـ الشيخ حسن النجم آبادي (1284 هـ) : وهو أحد الثلاثة الذين نُقل عن الشيخ الأنصاري أ نّه كان يقول إ نّي اُدرّس لثلاثة أشخاصٍ فقط . وكأ نّه يريد أن يقول : إن ثلاثة من تلامذته يفهمون دروسه بشكل كامل ومستوعب .

3 ـ الميرزا أبو القاسم كلانتر النوري الطهراني (1292 هـ) : مؤلف كتاب ( مطارح الأنظار ) وهو تقرير لمباحث الالفاظ التي القاها الشيخ الانصاري علي طلاّبه .

4 ـ السيد حسين كوكمرئي (1299 هـ) : وهو من تلامذة الشيخ المشار اليهم بالبنان وقد اشتهر بالتحقيق والدقّة وكانت حلقة دروسه احدي حلقتين دراسيتين اشتهرتا في النجف بعد الشيخ الأنصاري . وله كتاب ( بشري الوصول الي علم الاصول ) .

5 ـ الميرزا حبيب اللّه‏ الگيلاني الرشتي ( 1312 هـ) : وعُرف بالدقّة الفائقة وهو من متقدمي تلامذة الشيخ الثلاثة الذين اشرنا اليهم . وكان يحضر اعاظم الفضلاء مجلس درسه معتقدين وقوفه الكامل علي آراء الشيخ ومبانيه ودقائق أفكاره . له كتاب اصولي معروف باسم ( بدائع الأفكار ) أو ( بدائع الاصول ) .

6 ـ الشيخ محمد حسن شريعتمدار الاسترابادي ( 1318 هـ) : من خيرة تلامذة الشيخ وقد حاز علي رتبة الاجتهاد من استاذه وهو في الثالثة والعشرين من عمره . له كتاب ( ينابيع العقول في علم الاصول ) .

7 ـ الميرزا محمد حسن الآشتياني ( 1319 هـ ) : وهو من أكابر تلامذة الشيخ ومقرّري درسه وقد أ لّف شرحا كبيرا لكتاب الرسائل بإسم ( بحر الفوائد ) في شرح الفرائد وهو من الشروح المهمّة علي رسائل استاذه الأنصاري .

8 ـ المولى محمد كاظم الخراساني ( 1329 هـ): وهو من أكابر تلامذة الشيخ والميرزا الشيرازي وتميّز عن سائر تلامذتهما بحسن الذوق ودقّة النظر ومتانة الاستدلال وتحقيق المطالب وحسن الالقاء وكثرة التلاميذ حتي ان البعض قد أحصي تلامذته فكانوا يبلغون الألف أو أكثر ولا سيّما في الدورة الاخيرة حيث ناهزوا الألفين .

وقد فاق عدد طلاّب الآخوند الخراساني علي عدد طلاّب استاذيه الأنصاري والشيرازي فكان هو المدرّس الاوّل في النجف بالرغم من وجود عَلَمين كبيرين وهما المرعشي والطهراني .

وعرف الآخوند بقدرته الفائقة علي تلخيص المطالب الاصولية المهمّة وحذف ما هو غير ضروري بلغةٍ علميّة جامعة وعبارات دقيقة تمثّلت في كتابه المعروف بـ ( كفاية الاصول ).

وقد درس الفلسفة عند الملاّ هادي السبزواري صاحب ( المنظومة ) وتأثّر بها وطعّم المباحث الاصولية بالمباحث الفلسفية وقد استمرّ هذا الاتجاه عند بعض تلامذته كالمحقق الاصفهاني ( الكمپاني ) الذي طغت علي ابحاثه الاصولية المسحة العقلية الفلسفية بشكل واضح ومثير .

تمثّل التراث الاصولي الذي خلّفه الآخوند الخراساني في تعليقتين علي فرائد الاصول ورسالة في المشتق وكتاب جامع لمهمات مباحث علم الاصول بما فيها مباحث الالفاظ ومباحث الحجج والاصول العملية وقد عرف بـ ( كفاية الاصول ) وهو من أجود وأمتن وأدقّ المتون الاصولية التي دُوّنت خلال القرن الرابع عشر الهجري . واستطاع هذا الكتاب أن يفرض نفسه علي الحوزات العلمية ويهيمن علي الابحاث العالية … إذ أصبحت أبحاث الخارج تحوم حول هذا الكتاب ، ولهذا أصبح كتابا دراسيا رسميّا حتي يومنا هذا إذ تناوله الاساتذة بالشرح والتعليق بشكل لم نعهده لسائر الكتب الدراسية المتقدّمة عليه .

قال العلاّمة الشيخ آغا بزرك الطهراني(5): « كفاية الاصول متن جامع في اصول الفقه لشيخنا الآخوند المولي محمد كاظم الهروي الخراساني المتوفي سنة ( 1329 هـ) ، وقد أدخل المسائل الفلسفية في الاصول أكثر ممن قبله من مؤلّفي (الرسائل) و ( الفصول) و (القوانين) ، وهو المتداول تدريسه الي اليوم في جوامع النجف ولهذا أكثرت الحواشي عليه من تلاميذ المصنّف » .

وقد ناهزت شروحه الستين ، ومن أهمّ شروحه : حاشية الميرزا ابي الحسن المشكيني واخري للشيخ علي القوچاني والميرزا علي الايرواني والشيخ محمد حسين الاصفهاني ( الكمپاني ) والشيخ عبد الحسين الرشتي والشيخ مهدي الخالصي والسيد محسن الحكيم من تلامذة المصنّف وكثير غيرها من تلامذة تلامذته .

وقد ربّي الآخوند الخراساني عددا هائلاً من العلماء الذين أنعشوا الحوزة العلمية في النجف وغيرها من البلاد الاسلامية(6) .

وورث المحقّق الآخوند ثلاثةٌ من جهابذة تلامذته المحققين الذين ساروا علي خطي مدرسته الاصولية وعلي اكتافهم دخلت الحوزة العلمية في النجف الأشرف عصرها الذهبي وهم :

1 ـ الميرزا حسين النائيني ( 1355 هـ ) .

2 ـ الشيخ محمد حسين الاصفهاني ( الكمپاني ) ( 1361 هـ ) .

3 ـ الشيخ آقا ضياء الدين العراقي ( 1361 هـ ) .

ويشترك الابطال الثلاثة بـ :

1 ـ الاهتمام بالجانب‏المنهجي لعلم‏الاصول عامة ولكل مسألة من مسائله بشكل خاص.

2 ـ الدقة المتناهية .

3 ـ اسباغ الطابع العقلي علي مباحث علم الاصول .

4 ـ محاولة التجديد في المضمون وطريقة العرض .

ومن هنا فإنّ لكل منهم مدرسته الخاصة التي لها سماتها ومميّزاتها التي تميّزها عمّا سواها .

1 ـ مدرسة المحقّق المدقّق الميرزا حسين النائيني :
تتلمذ الميرزا النائيني في سامراء للسيد محمد الفشاركي والسيد اسماعيل الصدر والميرزا الشيرازي ثم عاد الي النجف وكان مع الآخوند الخراساني وأحد أعضاء مجلس استفتائه واستقلّ بعد الآخوند الخراساني (1329) بالتدريس وكان مجلس درسه حافلاً بالفضلاء وكان النائيني في عصره يُشار اليه بالبنان لما كان يتّسم به من القدرة الفائقة علي النقد والتحقيق وسلاسة البيان وعمق النظر والمنهجية في البحث … إلى جانب الاهتمام الكبير بتفسير وايضاح مباني الشيخ المجدد الانصاري قدس ‏سره … فكان متميّزا بذلك وكأ نّما كان ما اودعه الشيخ الأكبر مخزونا علمه عنده واعطيت مفاتحه بيده وكان هو المخصوص في كشف حقائق اسراره ، كما هو الظاهر من آثاره .

وقد انعكس اهتمامه البليغ بالمنهجية ـ والغور الي اعماق كل مسألة وجعلها في مكانها اللائق بهاـ علي فقهه أيضا وكأ نّك تطالع بحثا اصوليا تطبيقيا حينما تطالع بحوثه الفقهية .

تخرّج علي هذا الاستاذ القدير مجموعة من الاصوليين العظام منهم الشيخ محمد علي الكاظمي والمرجع الكبير السيد ابو القاسم الخوئي والميرزا حسن البجنوردي وكثير غيرهم .

وانتشرت ظاهرة التقريرات في هذا العصر ويراد بها كتابة بحث الاستاذ من قبل تلامذته ، فكتب السيد ابو القاسم الخوئي تقريرات درس استاذه النائيني وسمّيت بـ (أجود التقريرات) في جزأين .

وكتب الشيخ محمد علي الكاظمي أيضا تقريرا وافيا لمحاضرات النائيني في أربعة أجزاء وسمّـاه بـ (فوائد الاصول) . وخلّف النائيني لنا رسالتين اصوليتين بقلمه المبارك : إحداهما في الشرط المتأخّر والاخري في ( التعبّدي والتوصّلي ) .

2 ـ مدرسة المحقق الآقا ضياء الدين العراقي :
كان المحقّق العراقي من أجلاّء تلامذة الآخوند الخراساني واستقلّ بالتدريس علي مستوي بحث الخارج بعد وفاة استاذه واستمرّ مدرّسا مرموقا أكثر من ثلاثين عاما وكان مجلس درسه حافلاً بفضلاء عصره لما فيه من حصافة الرأي وعمق النظر وسداد التفكير وسلامة الذوق والمنهجية في البحث وطلاقة المنطق علي خلاف تأليفاته المعقّدة التعبير ، وكان متميّزا بإفساح الفرصة لتلامذته في المناقشة الحرّة .

تخرّج علي يديه عدد كبير من الفقهاء الاصوليين مثل السيد عبد الهادي الشيرازي والسيد محسن الطباطبائي الحكيم والسيد أبي القاسم الخوئي والشيخ محمد تقي الآملي والشيخ محمد تقي البروجردي والميرزا حسن البجنوردي والميرزا هاشم الآملي والسيد أحمد الخوانساري والسيد اليثربي والسيد محمود الشاهرودي والشيخ حسين الحلي والسيد عبد اللّه‏ الشيرازي وآقا بزرك الشاهرودي وكثير غيرهم .

درّس الاصول عدّة دورات وكان من عادته أن يكتب ما يدرّسه . وقد آثر أن يبقي بعيدا عن أجواء الزعامة ليتفرّغ للتحقيق والتدريس وتربية الفقهاء وقد فتح اللّه‏ علي يديه فتوحا جليلة في الفقه والاصول واستمرّ في التدريس الي آخر عمره .

كان من نوابغ عصره، سريع الانتباه، قويّ الحجة، ثاقب الفكر، وسليم الرأي. وكان من النفر الذين يصغي اليهم استاذهم الآخوند الخراساني الذي كان معروفا بقوته في ضبط نظام الدرس وهيمنته علي طلبته الذين كان يتجاوز عددهم الألف .

وخلّف لنا المحقق العراقي كتابا اصوليا كاملاً وطبع في حياته باسم ( مقالات الاصول ) ويتضمّن دورة اصولية كاملة وقد طبع الجزء الأوّل منه بتحقيق كاتب هذه السطور مع فضيلة الشيخ محسن العراقي ونشره مجمع الفكر الاسلامي عام 1414 هـ، كما كتب تعليقة علي تقريرات زميله المحقّق النائيني (فوائد الاصول) وطبعت أخيرا مع الفوائد .

وله حاشية علي كفاية الاصول ورسالة في قاعدة نفي الضرر واُخري في الشرط المتأخّر وثالثة في حجية القطع ورابعة في فروع العلم الاجمالي وله تعليقات علي فرائد الاصول للشيخ الأنصاري ورسالة في استصحاب العدم الازلي .

وتبلورت افكاره الاصولية في التقريرات التي كتبها تلامذته ومن أهمّ ما طبع لحدّ الآن هو: (نهاية الافكار) وهو دورة اصولية كاملة بقلم تلميذه الفذّ الشيخ محمد تقي البروجردي، وبدائـع الأفكـار للميـرزا هـاشم الآملي ومنهاج الاصول لمحمـد ابراهيم الكلباسي

3 ـ مدرسة المحقق الشيخ محمد حسين الاصفهاني (الكمپاني) :
كتب المصلح المجدّد الشيخ محمد رضا المظفّر وهو واحد من أجلاّء تلامذة المحقق الاصفهاني عن استاذه قائلاً : تلمّذ شيخنا للفيلسوف الحكيم العارف ميرزا محمد باقر الاصطهباناتي فاستبطن بفضل جدّه كل دقائقها ودقّق كل مستبطناتها، له في كل مسألة رأي محكم وفي كل بحث تحقيق فائق ، وتظهر آراؤه وتحقيقاته الفلسفية علي جميع آثاره ودروسه حتي ليكاد المتلمّذ له في الاصول خاصّة يجد من نفسه أنّه ألمّ بأكثر الابحاث الفلسفية من حيث يدري أو لا يدري .

ومن قرأ حاشيته علي الكفاية بالخصوص يجد كيف تطغي المصطلحات الفلسفية علي تعبيره حتي ليظن احيانا انّه يقرأ كتابا في الفلسفة . وقد طغت روحه الفلسفية حتي علي أراجيزه في مدح النبي المختار وآله الأطهار .

كان الاصفهاني من مشاهير تلامذة الآخوند الخراساني وحضر عنده ثلاثة عشر عاما كتب خلالها جملةً من حاشيته المعروفة علي كفاية الاصول . واستقلّ بالتدريس بعد وفاة استاذه وحضر عليه كثير من مشاهير علماء العصر كالسيد ابي القاسم الخوئي والشيخ محمد رضا المظفّر والاوردبادي والشيخ محمد طاهر الخاقاني وغيرهم .

وأنهي عدة دورات في الاصول . وآخر دورة كاملة له في الاصول شرع بها في شوّال ( 1344 هـ) وأنهاها سنة ( 1359 هـ) . وهي أطول دورة له حقّق فيها كثيرا من المباحث الغامضة وكتب فيها جملةً من التعليقات علي حاشيته ولا سيّما الجزء الاول منها كما كتب خلالها جملة من الرسائل الصغيرة .

وبعد هذه الدورة شرع في دورة جديدة اعتزم فيها تهذيب الاصول وباُسلوب ومنهجية حديثة فوضع في المبادئ ما كان يبحث في المسائل ووضع في المسائل ما كان يبحث في المبادئ كالمشتق وقسّم جميع أبحاث علم الاصول الي أربعة أبواب :

1 ـ مباحث الالفاظ .

2 ـ الملازمات العقلية .

3 ـ الحجج الشرعية .

4 ـ تعارض الحجتين .

ثم جعل الخاتمة في البراءة والاشتغال والاجتهاد والتقليد .

واستمرّ في كتابة هذا الكتاب الدراسي الجديد بهذه المنهجية ليكون بديلاً عن الكتب السابقة عليه والتي خلطت بين انواع المباحث ولم تكتب بلغة دراسية وضمّنها آراءه ونظريّاته إضافة الي نظريّات من سبقه من الاصوليين ولكن الأجل لم يمهله إذ توفي في ذي الحجة سنة ( 1361 هـ) في نفس السنة التي توفي فيه زميله المحقق العراقي فلم يستمر فيه سوي سنة واحدة ولم ينجز منه سوي المقدّمة التي تضمّنت المبادئ التصوّرية والتصديقية بقسميها من اللغوية والاحكامية والباب الأوّل الذي خصّصه للمسائل العقلية النظرية والعملية .

وقد حاول تلميذه المجدّد المظفّر أن يسير علي نهج استاذه فحذي حذوه في منهجة كتابه الاصولي الذي ألّفه ليكون حلقةً وسطي بين المعالم والكفاية وهو (اصول الفقه) الذي لم تكتمل جميع مباحثه أيضا حيث تنقصه مباحث البراءة والاشتغال والتخيير (من الاصول العملية الشرعية والعقلية) .

وهكذا بقيت محاولات التجديد في علم الاصول مبتورة بالرغم من حرص أصحابها علي الإبداع والتجديد وتوفير الوقت الغالي علي طلاب هذا العلم وفتح أبواب جديدة وآفاق واسعة من التحقيق والابداع .

وقد ربّي المحققون الثلاثة : النائيني والعراقي والاصفهاني جمعا من الفقهاء الفطاحل الذين جمعوا خصائص هؤلاء النوابغ الثلاثة وتبلورت لديهم آراؤهم واستوعبوا مدارسهم وتأثّروا بمنهجيّتهم وتلألأت اسماؤهم في سماء العلم في الحوزة النجفية وطار صيتهم الي خارجها منهم :

1 ـ السيد ابو القاسم الخوئي ( 1413 هـ) الذي جمعت مدرسته بين خصائص شتي وان كان هو أكثر تأثّرا باستاذه النائيني ولكنه سار في محاضراته الاصولية علي غرار منهج صاحب الكفاية .

علما بأنّه قد قسّم جميع المباحث الاصولية الي أقسام أربعة : الأوّل : ما يثبت الحكم الشرعي بعلم وجداني ، الثاني : ما يثبته بعلم جعلي تعبّدي وهو يتضمّن مباحث الالفاظ وحجية الظواهر ، والثالث : ما يعيّن الوظيفة العملية الشرعية ، الرابع : ما يعيّن الوظيفة العملية بحسب حكم العقل . ثم قال : فهذا كلّه فهرس المسائل الاصولية وترتيبها الطبيعي .

وقد كتب تقريرات بحثه عدّة من فضلاء تلامذته وطبع منها ما يكون دورة اصولية كاملة فالاجزاء الخمسة لـ (المحاضرات) للشيخ محمد اسحاق فياض تكفّلت بمباحث الجزء الأوّل من الكفاية . والاجزاء التي طبعت من (مصباح الاصول) تمثّل مباحث الجزء الثاني من الكفاية وهناك تقريرات لبعض المباحث الاصولية مثل مصابيح الاصول ومناهج الاصول ومباني الاستنباط .

2 ـ السيد حسن البجنوردي ( م 1395 ه ) الذي خلّف لنا كتابه الاصولي القيّم الموسوم بـ (منتهي الاصول) في جزأين مشتملين على جميع مباحث علم الاصول المهمّة مع التعرض لآراء اساتذته الثلاثة .

3 ـ الشيخ عبد النبي النجفي العراقي ( م 1385 هـ ) وله كتاب اصولي باسم ( المحاكمات بين الاعلام ) .

4 ـ الميرزا باقر الزنجاني وقد طبع أحّد تلامذته وهو السيد محمد الموسوي الشاهرودي قسما من بحوثه الاصولية في مجلد واحد باسم ( تحرير الاصول ) .

5 ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم ( 1390 هـ ) وله تعليقة علي كفاية الاصول تضمّنت آراء استاذه المحقق العراقي قدس‏سره أيضا . وطبعت في جزأين مع متن الكفاية .

6 ـ السيد عبد اللّه‏ الشيرازي ( 1405 هـ) وله كتاب اصولي مطبوع بإسم (عمدة الوسائل في شرح الرسائل ) وقد طبعت تقريرات بحثه بإسم ( تنقيح الاصول ) صدر منه جزء واحد .

7 ـ الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني وهو من تلامذة الاعلام الثلاثة النائيني والعراقي والكمپاني). وقد طبع له تقرير بحثه باسم ( المحاكمات بين الكفاية والاعلام ) صدر منه ثلاثة أجزاء بقلم نجله .

8 ـ السيد عبد الاعلي السبزواري (1414 هـ) وله كتاب اصولي موجز قد هذّب فيه المباحث الاصولية وسماه بـ ( تهذيب الاصول ).

9 ـ الشيخ محمد سلطان العلماء ( 1382 ه ) وله تعليقة كبيرة علي كفاية الاصول ضمّنها آراء المحققين الثلاثة العراقي والنائيني والكمپاني وهي في سبعة اجزاء وعدة ملاحق .

10 ـ الميرزا هاشم الآملي ( 1413 هـ ) وهو ممن عُرف بالتلمذة للمحقق العراقي وقد طبع جزءا واحدا من تقريرات استاذه كما طبع بعض تلامذة الآملي تقريرات بحثه هو باسم ( تحرير الاصول ) و ( مجمع الافكار ومطرح الانظار ) .

مدرسة السيد أبي القاسم الخوئي :

اذا قارنّا بين الاعلام الذين نشؤوا في فضاء المدارس الاصولية الثلاثة ( النائيني والعراقي والاصفهاني ) وجدنا السيد الخوئي أكثرهم تلامذةً وأكثرهم عطاءً وقد ربّي عدّة أجيال خلال ثلاث دورات اصولية وتخرّج كثير من المحققين علي يديه منهم :

1 ـ الشهيد السيد محمد باقر الصدر ؛ وسيأتي الكلام عن مدرسته الاصولية بالتفصيل .

2 ـ السيد علي السيستاني ؛ وقد طبع له جزء من تقريرات بحوثه باسم ( الرافد في علم الاصول ) .

3 ـ السيد محمد جعفر الجزائري ؛ وله شرح وافٍ علي الكفاية باسم ( منتهي الدراية ) في ثمانية أجزاء .

4 ـ السيد محمد تقي الحكيم ؛ وله كتاب اصولي مقارن ( الاصول العامة للفقه المقارن ) .

5 ـ السيد علي نقي الحيدري ؛ وله كتاب ( اصول الاستنباط ) .

6 ـ الشيخ جواد التبريزي ؛ وهو اليوم من أساتذة علم الاصول في قم المقدّسة .

7 ـ الشيخ الميرزا علي الغروي ؛ وهو اليوم من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف .

8 ـ الشيخ عبد اللّه‏ فياض؛ وله تقريرات استاذه السيد الخوئي باسم (محاضرات في اصول الفقه) وطبع في خمسة أجزاء وهي في مباحث الالفاظ فقط .

9 ـ السيد محمد سرور الحسيني؛ وله تقرير ابحاث استاذه السيد الخوئي الاصولية وطبع له جزآن في مباحث الحجج والاصول العملية .

وكثير غيرهم ممن لم نحصهم .

مدرسة الشهيد الصدر الاصولية ( 1400 ه ) :
لقد تابع استاذنا الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس‏سره حركة علم الاصول منذ بداياتها وحتي عصر الوحيد البهبهاني متابعة مؤرّخٍ محققٍ يحاول استيعاب الماضي والاشراف على المستقبل وانعكست اهتماماته الكبيرة بتطوير علم الاصول والتأسيس لمرحلة جديدة في كتاباته المبكّرة عن علم الاصول ولا سيّما في كتابه الفريد ( المعالم الجديدة للاُصول ) .

وقد طرح فيه بدايات منهجه التأسيسي ومعالم مدرسته الحديثة التي يحقّ لنا أن نعتبرها بداية عصرٍ جديدٍ في تأريخ علم الاصول ومسيرته التكاملية فهو خامس العصور التي أشار الشهيد الصدر في معالمه الجديدة الي ثلاثة منها إذ اعتبر عصر الوحيد البهبهاني ثالثها .

ولنا أن نعدّد معالم مدرسة الشهيد الصدر كما يلي :

1 ـ النظرة الشمولية والموسوعية لكافة شُعب المعرفة الإسلامية والإنسانية .

2 ـ الاحاطة والاستيعاب لكل المحتملات في كل موضوع يراد معالجته . وهذا المَعْلَم هو الأساس الأوّل في انتظام الفكر والمعرفة الذي يعين المحقق في التنظير الصحيح لكل مسألة .

3 ـ الابداع والتجديد في كل ما يتناوله من العلوم والنظريات علي صعيدي ( المعطيات ) و ( طريقة الاستنتاج ) . وبهذا استطاع أن يفتح آفاقا جديدة للمعرفة الاسلامية بشكل عام وفي حقلي الفقه والاصول بشكل خاص .

4 ـ المنهجية الفنّية الفريدة ؛ وقد تبلورت بشكل خاص في بحوثه الاصولية والفقهية وبشكل عام في سائر بحوثه المعرفية .

ولقدرته الفائقة علي منهجة البحوث وتنسيقها المتماسك تراه يقرر الجهات المتشابكة في كلمات الآخرين ولا سيّما في المسائل المعقّدة ، فيوضّح الفكرة وينظّمها بشكل موضوعي لا يجد الباحث المختص نظيره ، كما كان يميّز بدقّة طريقة الاستدلال في كل موضوع وهل انّها لا بدّ أن تعتمد البرهان أو انّها تعتمد الاستقراء أو الوجدان ؟ ولم يقتصر علي دعوي وجدانية المدّعي المطلوب اثباته بل يستعين بالمنبّهات اللازمة لإثارة هذا الوجدان .

5 ـ النزعة المنطقية والوجدانية معا؛ فلا يشعر الباحث بثقل البراهين وتكلّفها أو عدم مطابقتها مع الذوق والحسّ الوجداني للمسألة ؛ لأ نّه كان يدرك المسألة بحسّه الوجداني الذاتي ثم يصوغ لدعمها علميا ما يمكن من البرهان والاستدلال المنطقي .

6 ـ الذوق الفنّي والاحساس العقلائي في البحوث التي تعتمد الاستظهارات العرفية أو المرتكزات العقلائيّة، وقلّما تجتمع النزعة البرهانية المنطقية في الاستدلال مع الذوق الفنّي والحسّ العقلائي والذهنية العرفية في شخصيةٍ علمية واحدة(7) .

وأمّا إبداعات شهيدنا الصدر في مجال علم الاصول فهي علي أقسام : فمنها ما هو جديد علي الفكر الاصولي تماما ، ومنها ما يكون جديدا في نتائجه ، ومنها ما يكون مكمّلاً لما اختاره من سبقه من علماء الاصول .

فمن القسم الأوّل : بحثه الرائع لسيرة العقلاء وسيرة المتشرّعة ، ونظرية التعويض التي بحثها ضمن مباحث حجية الخبر .

ومن القسم الثاني : مبحث حجية القطع وابطاله لقاعدة قبح العقاب بلا بيان واثباته لمنجّزية الاحتمال وهكذا ابطاله لحكومة الاصول بعضها علي بعض حينما تكون متوافقة في النتيجة . ومنه أيضا بحثه في الوضع وابداعه لنظرية القرن الأكيد .

ومن القسم الثالث : بحثه عن حقيقة المعاني الحرفية وبحثه عن الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية وهكذا بحثه عن الترتّب والتزاحم وقاعدة نفي الضرر .

وامّا التراث الاصولي الذي خلّفه شهيدنا الراحل فهو يتمثّل في محاولتين مهمّتين في مجال التجديد والاصلاح للدرس الاصولي في الحوزات العلمية وهما :

1 ـ محاولة التغيير في منهجة مباحث علم الاصول ، وقد تبلورت هذه المحاولة في الحلقات الاصولية الثلاث التي دوّنها لتكون ثلاثة كتب دراسية علي مستويات ثلاثة لطلاّب علم الاصول كي يستغنوا بها عن الكتب الموروثة التي لم تؤلّف لغرض التعليم علي ما فيها من مفارقات كثيرة في المنهجة وصعوبة اللغة وكثرة التعقيد وغيرها ممّـا أوضحه استاذنا الصدر في مقدّمة الحلقة الاولي منها .

وقد بدأ اساتذة الاصول بكتابة التعاليق والشروح للحلقات وهي جديرة بذلك فإ نّها أنجح محاولة للتجديد في مجال الكتب الدراسية في حقل علم الاصول في عصرنا هذا .

2 ـ محاولة تعميق المستوي العلمي الاصولي والاحاطة والاستيعاب لكل جوانب البحث في كل مسألة مع إلفات النظر الي الجذور الواقعية لكل بحث وموقعه الطبيعي بالنسبة لسائر البحوث والاهداف المقصودة من طرحه وقد كتبت دورتان اصوليّتان من بحوثه الاصولية العالية وسُمّيت احداهما بـ ( بحوث في علم الاصول ) وطُبعت في سبعة أجزاء ، والاخري سُمّيت بـ ( مباحث علم الاصول ) وطُبعت منها ثلاثة أجزاء لحد الآن وهي بقلم خيرة تلامذته الذين استوعبوا فكر الشهيد الصدر وحاولوا السير علي منهجه في هذا الحقل العلمي بالذات .

محاولات التجديد للكتب الدراسية الاصولية قبل الشهيد الصدر :
1 ـ اصول الفقه في اربعة أجزاء للشيخ محمد رضا المظفّر رحمه‏الله ؛ يمتاز ببساطة العرض والاشتمال علي المباني الاصولية المعاصرة ولا سيّما الاعلام الثلاثة : النائيني والعراقي والاصفهاني .

كما يمتاز باتّباعه لمنهجية المحقق الاصفهاني قدس‏سره. لكنه لم يشتمل علي جملة من مباحث الاصول العملية وقد حلّ هذا الكتاب ـ لمميّزاته هذه ـ محل كتاب القوانين فجاء مرحلة وسطي بين المعالم والكفاية، قبل تدوين الحلقات للشهيد الصدر، وأصبح كتابا دراسيا معترفا به في الحوزات العلمية بعد الاعتراف به في حوزة النجف الأشرف .

2 ـ اصول الاستنباط ( جزء واحد ) للسيد علي نقي الحيدري ويمتاز باختصاره في التعبير وسلاسة تعبيره واحتوائه لجميع المباحث الاصولية علي منهج ( كفاية الا صول ) مع اشارته لآراء المتأخّرين كالسيد الخوئي قدس‏سره .

وهذا الكتاب لم يحلّ محلّ أي كتاب درسي في حوزة النجف ولكنه صار متداولاً للتدريس في حوزة قم المقدّسة بعد الثورة الاسلامية كمرحلة اولي بدل المعالم أو تحرير المعالم .

3 ـ الاصول العامة للفقه المقارن (جزء واحد) للسيد محمد تقي الحكيم، ويتضمّن نصف دورة اصولية(8) وهي مباحث الحجج والاصول العملية . ويمتاز بسلاسة التعبير ودقّة الطرح وجودة المنهج والمقارنة بين الاصول العامة عند الامامية والاصول العامة عند غيرهم . ومنهجه أقرب ما يكون الي المنهج الذي طرحه السيد الخوئي في محاضراته الاصولية .

وقد دُرّس في كلية الفقه في النجف واقترح ليكون حلقة وسطي بين المعالم والكفاية أو بدل الرسائل أو هو مع الجزئين الأول والثاني من اصول الفقه للمظفّر بدل الرسائل والكفاية، وقد تضمّن آراء الاصوليين المعاصرين والمتأخّرين عن الآخوند الخراساني والشيخ الانصاري . وهو أحسن كتاب قبل تدوين الشهيد الصدر للحلقات بل ما يزال هو الكتاب الأوّل في حقل المقارنة بلا ريب .

4 ـ علم اصول الفقه في ثوبه الجديد (جزء واحد) للشيخ محمد جواد مغنية تضمن دورة اصولية مبسّطة .

5 ـ مبادئ اصول الفقه للشيخ عبد الهادي الفضلي؛ يمثّل هذا الكتاب حلقة اولي وتمهيدية لدراسة منهجية حديثة في علم الاصول معتمدا التخطيط والاختصار والشمول بلغةٍ مبسّطةٍ جدا .

6 ـ وهناك محاولات اُخري في غير حوزة النجف للتجديد وهي لم تكن سوي تلخيص وتهذيب لبعض الكتب الدراسية القديمة كالفصول والمعالم والقوانين والرسائل . ولكنها لم تفلح ولا سيّما مع وجود كتاب ( اصول الفقه للمظفّر ) وبعد طرح الحلقات وتدريسها من قبل بعض تلامذة الشهيد الصدر وغيرهم حيث أخذت سائر الكتب بالانحسار .

 

الهوامش

(1) الكني والالقاب 1 : 350 .

(2) يمكن الاشارة الي عدّة عوامل أ دّت الي بقاء كتاب (المعالم) في الوسط الحوزوي بالرغم من مجئ ما هو أحدث منه مثل (زبدة الاصول ) للشيخ بهاء الدين العاملي (1031 هـ) ومثل ( الوافية) للفاضل التوني (1071 هـ) :

أ ـ ان كتاب الزبدة تميّز بالايجاز الذي يبعّد الدارس لهذا العلم عن مقصده بينما الايجاز الذي نجده في المعالم غير محلّ بالغرض الدراسي المطلوب .

ب ـ تميّزت الوافية بالخروج علي المألوف في بعض المباحث ولا سيّما المباحث العقلية وليس في المعالم خروج علي المألوف والمتعارف في الحوزات العلمية والتجديد غريب في بدايته في كل عصر .

ج ـ علي انّ مؤلف الوافية لم يصل النجف وقد بقي مطمورا غير معروف إلاّ عند من تعرفه من العلماء .

د ـ والشهيدالثاني شخصية علمية تأ لّقت فيحوزاتنا العلمية ‏فلايبعد أن‏يكون لهذه الشخصية ‏أثرٌ ايجابيٌ على كتاب نجله واستمرار مدارسته وجعله محورا يربط بين القديم والحديث من الفكر الاصولي .

(3) مجلة الفكر الاسلامي ، العدد الأوّل ، مقال الشيخ محمد مهدي الآصفي .

(4) وقد طبعت أخيرا من قبل الامانة العامة للمؤتمر المئوي للشيخ الانصاري عام 1415 ه في قم المقدّسة .

(5) الذريعة 2 : 118 و 6 : 186 .

(6) ونخصّ منهم بالذكر الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ( 1355 ه ) مؤسس الحوزة العلمية الحديثة والمباركة في قم المقدّسة وقد تتلمذ الحائري للميرزا الشيرازي ثم الآخوند الخراساني وعرف بالدقّة وعمق النظر وخلّف لنا كتابا اصوليا مهذّبا باسم ( درر الفوائد ).

(7) راجع بحوث في علم الاصول الجزء الاول : مقدّمة الطبعة الثانية .

(8) ان مبني المؤلف هو انّ ما جاء في كتابه يمثّل كل علم الاصول باعتبار انّ مباحث الالفاظ لا تعدّ من مسائل الاُصول بالرغم من البحث عنها في علم الاصول الي يومنا هذا . لكن التعريف الذي اختاره لعلم الاصول يُخرج مباحث الالفاظ عن مسائل هذا العلم .

 

المصدر: مجله الفكر الإسلامي » العدد 16 (صفحة 101 – 140)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky