الاجتهاد: محاضرة أُلقيت في ملتقى الخطباء الذي أقامته مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية بتاريخ (27/8/2018)، تحت شعار: (الخطابة الحسينية رسالة إصلاح)،
يقول سبحانه وتعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) إنّ التحدّيات سنّة الله في خلقه، و انها عندما تشتدّ وتعظُم قُحتّق _عادةً_ موضوعات لأحكام شرعية، ومن المعلوم أنّ الخطيب والمبلّغ وطالب العلم، بل كلّ مؤمن، ينبغي أن يكون همّه الأوّل هو أداء تكليفه الشرعي.
سنحاول هنا أن نُشير إلى بعض هذه التحدّيات، مع تسليط الضوء عليها داخل العراق؛ باعتباره الميدان الأبرز لرعاية جهود خدمة المنبر الحسيني.
وقبل أن ندخل في صلب الموضوع نحتاج إلى أن نذكّر أنفسنا، ونُشير إلى حقيقة نلمسها في كلّ عام، وهي أنّه عندما يحلّ الموسم الحسيني نجد أنّ بعض التحدّيات والصعوبات تتقشّع كما تتقشّع سحائب العمى، وأنّ المزاج العام للأُمّة يتغ باتجاه الصلاح، ويطلق المؤ الديني درجاته العالية، وهذا الأمر يمكن أن نشاهده أيضاً في ميدان وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ميدان فيه اختراقات كبيرة، وجيوش إلكترونية تعمل باستمرار.
إضافة إلى ذلك، نجد أنّ نسبة الجريمة في العراق كنموذج تنخفض في هذا الموسم الحسيني، وتؤيّد ذلك بعض الإحصاءات التي طُرحت عن هذا الموضوع من خلال وسائل الإعلام، وكذلك الإحصاءات التي توصّلنا إليها من خلال اللقاء مع بعض الخبراء في وزارة الداخلية العراقية.
إذاً؛ نحن في موسم مُعدّ سابقاً لأن قُحيق تقدّماً كبيراً، فحينما نجلس على منبر الحسين (ع) نمتطي صهوة النصر، ونجد أنّ النصر بمتناول أيدينا، ولكنّنا نحتاج أن نُعدّ له عدّته، ونعطي للأمر أُهبته كما يستحقّ، وهذا الأمر ليس مجرّد إثارة، وليس حديثاً على طريقة بعث الأمل من أجل المحافظة على قوّة المعنويات، وليس مجرّد انطباعات ناشئة من مجسّات اجتماعية، بل يستند إلى أرقام دقيقة.
إنّ التحدّيات التي تواجه الخطيب الحسيني في مهامّه التبليغية ثلاثة، وهي: تحدّي إضلال، وتحدّي فسق، وتحدّي عدوان.
أوّلاً: تحدّي الإضلال
تحدّي الإضلال بطبيعته وفي واقعنا المعاش فيه جانب إفراط وجانب تفريط، فالتفريط يتمثّل عادةً في التوجّهات اللادينية التي تتمظهر بالإلحاد وأخواته، وتحثّ الإنسان وتُوجّهه نحو عدم القبول بالغيب، والتعلّق بالمادّة، ليس على مستوى السلوك فقط، بل حتّى على مستوى الرؤية والفكر.
وفي مقابل التفريط هناك إفراط يتمثّل في كثير من الأحيان باستغلال الولاء المتأجّج في النفوس من أجل إثارة توجّهات، وتحريك ضلالات لا أساس لها في الدين، من قبيل: دعاوى المهدوية، وبعض التحرّكات التي تدعو إلى الجهر باستفزاز الآخرين، واستهداف رموزهم بشكل أو بآخر، ممّا هو خارج عن مقتضى ولائنا لأهل البيت(ع) وتوجيهاتهم، وبالتدريج تتحوّل إلى ظاهرة، وإلى حركة، وتتبلور بشكل أو بآخر إلى انتماء.
المهمّ هو أنّ الخطيب الحسيني عندما يُواجه حالة من الإفراط والتفريط في موضوع ما، عليه أن يضع نفسه أمام جمهوره في خانة الاعتدال، وأن يستفيد من هذا الموضوع إفادة تامّة؛ لأنّ عرض نمطَي الإفراط والتفريط في موضوع مع ،ّني ثمّ بيان الرؤية المعتدلة لذلك الموضوع، يساعده كثيراً على إقناع الجمهور،
فمثلاً: إذا أردنا أن نتحدّث عن مشكلات العقل الجمعي، الذي كان له دور حتّى في قتل الحسين (ع) يمكن أن نُشير إلى نمطين من الشبهة: النمط الإفراطي، والنمط التفريطي في ذلك، وكذلك عندما نريد أن نتحدّث عن البُعد المعنوي في الشخصية الإنسانية، كذلك يمكن أن نشير إلى النمطين، وربّما نجد البعدين معاً في أكثر المشكلات التي ننطلق منها، ونريد أن نعالجها كواقع اجتماعي.
إذاً؛ إذا طرحنا الشبهتين(النمطين) معاً، وطرحنا الوسطية بالاتّزان الذي يحكّم العقل، ويعمل بمخرجاته، ويأخذ بمعطياته التي يُعدّ من أهمّها التعبّد الواعي الذي يستند إلى النتائج العقلية، فسيكون لذلك الأثر البالغ في إقناع الجمهور؛ لأنّ إقناع الجمهور لا يكفي فيه دائماً المنطق القوي وحده، بل نحتاج في كثير من الأحيان إلى الأدوات الأُخرى التي تنسجم مع قوّة المنطق.
ثانياً: تحدّي الفسق
إنّ ظاهرة الفسق وتأجيج دواعيه في الواقع الاجتماعي بلغت حدوداً بعيدة المدى، وبالتأكيد فإنّ كلّ مَن ينغمس في الواقع الاجتماعي، ويكون قريباً من تفاصيله، يُصادف العجب في هذا المجال، كما أنّ هناك خطورة كبيرة في هذا المجال تكمُن في التغليف العرفي لكثير من الانحرافات.
ويمكن أن نُعالج هذا الواقع من خلال التركيز على البُعد الأخلاقي. نعم، إنّ البُعد الأخلاقي فيه مراتب عُليا، وفي بعض الأحيان نستنزف أنفسنا ونحن نظنّ أنّنا نتحدّث عن المراتب العُليا في القيم الأخلاقية؛ لنرسم لوحات جميلة قد لا تكون في متناول المتكلّم أو المستمعين،
فعلينا أن نركّز على التفاصيل والجزئيات الواقعية الموجودة عندنا، أمّا الإغراق في الروحانيات والعرفانيات، فلا تكون له نتائج عملية، بل ربّما في بعض الأحيان يكرّس تبريرات للفسق، ومن أهمّها ما يطرحه شبابنا وكبارنا من أنّ الدين أمرٌ صعب جدّاً، وأنّه غير واقعي، وأنّ الإنسان مخلوق بطريقة معيّنة تقوده نحو الخطأ والانحراف، وبعضهم يُع بأنّ الإنسان غير معصوم، وغير ذلك من الأُمور.
بقلم: العلامة الحجّة السيّد حسين الحكيم
محاضرة أُلقيت في ملتقى الخطباء الذي أقامته مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية بتاريخ (27/8/2018)، تحت شعار: (الخطابة الحسينية رسالة إصلاح)، وقد حمل هذا الملتقى عنوان: (مهمّة الخطيب بين هموم المجتمع وتطلّعاته)، ولكون ما جاء في هذه المحاضرة من معلومات قيّمة واستنتاجات علمية رصينة نافعة للباحثين والخطباء، فقد عمل قسم مجلّة الإصلاح الحسيني على إعداد هذه الكلمة وترتيبها، مع تصرّف فنّي بسيط.
تحميل المقالة:
تحدّيات الخطابة الحسينية وطرق مواجهتها