المواطنة والدين الإسلامي

المواطنة في الإسلام وأبرز المنظرين المعاصرين / بقلم الدكتور أحمد محمد اللويمي

الاجتهاد: يذهب الشيخ مصباح يزدي الفقيه المعروف في الجمهورية الاسلامية في ايران الى عدم الاعتراف بمفهوم المواطنة وانما الفرد عضو في الجماعة الدينية. يرى يزدي ( ان لمواطنة في مجتمع اسلامي لا تمنح صاحبها حقوقا دستورية متساوية. تولي المناصب العامة مثلا، تحدده معايير الحقوق الدستورية. في الوقت الذي يعتبر المواطنون-من حيث المبدأ- متساوين .

يشهد عالمنا المعاصر نهضة منقطعة النظير في مطالبة الشعوب بحقوقها الطبيعية من العدل والحرية والمشاركة السياسية في إدارة شؤنها. ويحتل مفهوم المواطنة موقعا مركزيا في الحراك العالمي للمطالبة في الحقوق.

بالرغم من ما حققته المواطنة من تنظيم و تطوير للمجتمعات الغربية وما بلغته اليوم من نضج في تنظيم الحقوق السياسية والاجتماعية والمدنية للدول الغربية تراوح الدول العربية مكانها في تطوير مفهوم المواطنة في تطبيقاتها المختلفة في شتى مناح الحياة. من خلال الاستعراض الذي قدمته الورقة اتضح حجم القطيعة بين مفاهيم المواطنة في بعدها الغربي وتطبيقاتها في المجتمع العربي. وقد تبين ان هذه القطيعة ترجع الى هيمنة حالة الضياع و الشتات في الدول العربية

الانتماء أو المرجعية في مفهوم المواطنة المعاصرة والتي تنحصر مرجعيتها إلى إطار الوطن والقانون الذي تفرضه الدولة . فالمواطن يكتسب صفته بحيازته الجنسية التي تعرفه فرداً للجماعة المشتركة بصفة القومية والحدود الجغرافية. بينما الإنسان المسلم مرجعيته إلى الله خالقه والشريعة التي تنظم حياته وعلاقاته الإنسانية.

ومن القضايا الهامة التي تشكلها مرجعية المسلم العليا إلى الله هو التشريع الذي يجعله الأعلى من غير المسلم (لأنه يجعل المسلم في مكانة أعلى من غيره ويجعل الأخير دائماً مواطناً من الدرجة الثانية أو الثالثة ويحرمه من بعض حقوقه ويمنعه من استعمال بعض مكانته الاجتماعية باعتبار أنه يدخل في إطار مايسمى بـ أهل الذمة).[1]

وانطلاقاً من إشكالية الإسلام حول انتماء الأقليات إلى مفهوم المواطنة الحديث الذي يضمن الوحدة والمساواة لجميع مكونات المجتمع يمكن تلخيص الدراسات الإسلامية الحديثة إلى مجموعتين في موقفها من الأقليات الدينية.

· المجموعة الشمولية التي تمنح حقاً محدوداً من المواطنة للأقليات .

· المجموعة التي تنظر للمواطنة بمفهوم القانون الذي يجعل من الأقليات في إطار الوطن الواحد مواطنون .

من أبرز المنظرين المعاصرين للمجموعة الأولى هما:

1. راشد الغنوشي : المواطنة عامة وخاصة

(للإنسان في الدولة الإسلامية أياً كان مذهبه وجنسيته حقوق ثابتة في العيش الكريم ولكن يملك حق الاختيار في أن يؤمن بأهداف الدولة والأسس التي قامت عليها ويمثلها الأسلام عمودها الفقري.

أو أن يرفض ذلك فأن آمن بها وكان مسلماً فليس له ما يميزه عن اخوانه غير مؤهلاته وإن اختار الرفض فهو مخير من أجل اكتساب حقوق المواطنة أن يوالي الدولة ويعترف بشرعيتها فلا يتهدد نظامها العام بحمل السلاح في وجهها أو موالاة أعدائها ولكن مواطنته تظل ذات خصوصية لا ترتفع إلا بدخوله الإسلام)[2] .

2. أبو الأعلى المودودي (ذميون لا مواطنون)

مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان في رسالته التي نشرها عام 1948 بعنوان (أهل الذمة في الدولة الإسلامية) المواطنون قسمين مؤمن بالمبادئ الإسلامية التي تقوم عليها الدولة الإسلامية وقسم غير مؤمن ويقول (إن الحكومة في الدولة الإسلامية لايسير دفتها إلا الذين يؤمنون بمبادئها وهي إن جاز لها أن تستخدم غير المسلمين لشؤونها الإدارية إلا أنه ليس أن تقلدهم في نظامها مناصب القيادة والحل والعقدة ) (والدولة الإسلامية لامندوحة لها عن أن تمنح الذميين غير المسلمين جميع الحقوق التي قد قرره الشرع وليس لأحد أن يسلبهم تلك الحقوق أو ينقص منها شيئاً. ولاريب أن يزودوهم حقوقاً أخرى زيادة عليها بشرط أن لاتعارض مبدأ من مبادئ الإسلام)[3

3. مصباح يزدي

يذهب مصباح يزدي الفقيه المعروف في الجمهورية الاسلامية في ايران الى عدم الاعتراف بمفهوم المواطنة و انما الفرد عضو في الجماعة الدينية. يرى يزدي (ان لمواطنة في مجتمع اسلامي لا تمنح صاحبها حقوقا دستورية متساوية. تولي المناصب العامة مثلا، تحدده معايير الحقوق الدستورية. في الوقت الذي يعتبر المواطنون-من حيث المبدأ- متساوين، فأن حقوقهم ولاسيما الحق في اشغال المناصب العامة ليس على هذا النحو …رضا الله اولى بان يراعى و يتبع. يجب ان لا يكون هناك اي رأي او مطلب او حق يعارض رضا الله و قانون الله)[4]

المجموعة التي تنظر للمواطنة بمفهوم المساواة القانوني للأقليات

1) محمد مهدي شمس الدين

(ويؤمن الفقيه محمد مهدي شمس الدين بإمكانية تحقيق المساواة بين المواطنين مسلمين وغير مسلمين وذلك في إطار “الصيغة التنظيمية للدولة الحديثة” التي توضع فيها السياسة العامة وتفاصيلها من قبل هيئات وليس في إطار صيغة الدولة كما عرفت في نظام الخلافة وحكومات التغلب حيث كانت السياسة تعبيراً عن أهواء ومزاج شخص)[5].

ويستند شمس الدين على بنود صحيفة المدينة التي دونها النبي excaim عند وصوله المدينة المنورة مستنداً إلى أن المواطنة لا تساوق الانتماء الديني دائماً بل يمكن أن تفترق عنه حين يكون المجتمع السياسي مكوناً من فئات ذات انتماء ديني متنوع ، فقد تتساوى المواطنة مع الانتماء الديني حين يكون المجتمع السياسي كله ذات انتماء ديني واحد فيتحد في الخارج المعاش مفهوم الأمة مع مفهوم الوطن ، والدولة ، (والمواطنة)[6] .

ويستطرد قائلاً بأن مجال عمل الدولة المدنية المستندة لمبدأ تداول الرأي (الشورى) هو رعاية المصالح وحماية النظام العام وليس مجالها الأساسي تنظيم الانتماء الديني أو الفكري لحياة المواطن من المسلمين أو غيرهم وذلك لما تكفله قوانين الدولة المدنية حرية العبادة والانتماء

2) فهمي هويدي (مواطنون لا ذميون)

يستند الكاتب إلى القاعدة التي أسسها النبي (لهم مالنا وعليهم ماعلينا) في دمج الأقليات الدينية في مفهوم المواطنة والتي تستند إلى صحيفة المدينة (إن أهل الكتاب بنص هذه الصحيفة كانت لهم حقوق المواطنة الكاملة يمارسون عبادتهم بكل حريتهم ويناصحون المسلمين ويناصرون في حماية المدينة ويتعاونون كل في موقعه على حمل أعباء ذلك)[7]

الهوامش:

[1] عبداللطيف /سامر، المواطنة و اشكالياتها في ظل الدولة الاسلامية
[2] ابو المجد/عبد اللطيف: مفهوم المواطنة في الفكر العربي الاسلامي
[3] المصدر نفسه
[4] السيف/توفيق: مكانة العامة في التفكير السياسي الديني: نقد الرؤية الفقهية التقليدية للسلطة و الاجتماع السياسي
[5] ابو المجد/عبد اللطيف: مفهوم المواطنة في الفكر العربي الاسلامي
[6]هالمصدر نفسه
ا[7]لمصدر نفس

مقتطف من مقالة بعنوان: المواطنة و تنوع مفهوم الحقوق و الواجبات/ للكاتب: الدكتور أحمد محمد اللويمي

المصدر: مركز آفاق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky