الاستعانة بالأجهزة الحديثة لتحديد القبلة

الاستعانة بالأجهزة الحديثة لتحديد القبلة.. بقلم هشام بن عبدالملك آل الشيخ

أجهزة (الجي بي إس) من صنع البشر، فهي خاضعة للنقص والخلل، ذلك أنها مفتقرة للشحن بالكهرباء، ولا بد من معرفة طريقة استخدامها. وعلى افتراض أن جميع المدخلات كانت صحيحة، والمتعامل بهذا الجهاز يعرف طريقة استخدامه، فإن النتيجة تكون صحيحة ولا شك فيها.

الاجتهاد: كان الناس في السابق يستعينون بالنجوم في تحديد الاتجاهات، وقد يحصل اللبس والخطا في بعض الأحيان، وربما تكون السماء ملبدة بالغيوم، فلا يستطيع الإنسان أن يحدد الوجهة التي يريد.
ومع تطور الزمن وظهور التقنيات الحديثة التي فتحت مجالا أوسع لمعرفة الاتجاهات من دون الرجوع إلى النظر في النجوم، ومن دون التأثر بتلبد الغيوم، أو كدرة الجو، أصبح الأمر أيسر بكثير مما هو في السابق، فمن خلال الأقمار الصناعية يمكن تحديد الاتجاهات، بل وتحديد الأماكن بكل دقة وسهولة.
وتعرف هذه التقنية بأجهزة الملاحة الفضائية، وتستخدم هذه التقنية حالية لإرشاد السفن، والطائرات، والمراكب الفضائية، وكذلك سيارات الإسعاف، والشرطة، وسيارات الأجرة، لتحديد موقعها، وإيصال المرضى لأقرب مستشفي، بسرعة ودقة، وتستخدم – أيضا – في أعمال المسح للمدن، والجسور، والطرق وغيرها، وتعد مرجعاً دقيقاً في هذا الوقت لشبكات الكهرباء، والاتصالات وغيرهما، وتساعد – أيضاً – في البحث والإنقاذ، وتحديد موقع المتضرر وطرق الوصول إليه.
ونرى الجوالات في هذا الوقت مزودة بأجهزة استقبال (جي بي إس)، وذلك سيفتح مجالاً واسعاً للاستخدامات والفوائد العديدة.

وأجهزة الملاحة عبر الأقمار الصناعية (جي بي إس) توفر الدقة في تحديد الموقع، وفي إعطاء الأجهزة قياس الزمن بدقة متناهية، حيث إن تلك الأنظمة ترسل معلومات عن الزمن، والموقع المراد تحديده.(1)

ونظام (جي بي إس) هو الأكثر انتشارا، والأوسع استخداماً في جميع المجالات، وهو نظام أمريكي التقنية والصنع، بدأ عسكريا، ثم استخدام في مجالات مدنية، وهو مكون من ۲4 قمراً صناعياً على ارتفاعات تصل إلى (۲۰۲۰۰ كم)، و على مدارات ثلاثة حول الأرض، مدة كل مدار (۱۲ ساعة)، وكل نقطة على وجه الأرض تستطيع أن ترى ما لا يقل عن ( 5 أقمار صناعية) في نفس الوقت، مما يساعد في دقة تحديد الموقع لتلك النقطة، وكل قمر من تلك الأقار، يعد ساعةً دقيقةً تعطي معلومات عن الزمن، وتبث إرسالها باستمرار، على مدى (24 ساعة)، وهذا النظام مجاني، حيث إن المستهلك المدني يدفع قيمة الجهاز فقط، أي جهاز الاستقبال، وليس هناك اشتراك.

وتدير شركة (نافستار) نظام (الجي بي إس) من مركز أنظمة الصواريخ والفضاء في قاعدة لوس انجلوس الجوية بولاية كاليفورنيا، ويشتمل هذا النظام مثل غيره على ثلاثة اجزاء:
– الجزء الفضائي، أي الأقمار الصناعية.

– الجزء الأرضي، مثل محطات التحكم والمراقبة.

– الجزء الخاص بالمستخدم، كأجهزة الاستقبال (غارمن) (الجي بي إس) وغيرها.

وتراقب تلك الأقار خمس محطات للمراقبة حول العالم، وثلاث محطات هوائيات أرضية حول العالم كذلك، ومحطة تحكم أرضية موجودة في قاعدة (شرايفر) الجوية بولاية کلورادو الأمريكية.
وقد صمم هذا النظام ليعطي تغطية حول العالم لمدة ٢٤ ساعة، بمعلومات دقيقة عن الارتفاع، وخطوط الطول والعرض، والسرعة، والزمن، والاتجاه، وكل ذلك حياً مباشرة .(Real time)

وأجهزة استقبال أنظمة الملاحة الفضائية أجهزة حساسة جدا لأقل إشارة، وهي مصممة بهذا الشكل؛ نظرا إلى ضعف الإشارة القادمة من القمر الصناعي، وبسبب تلك الحساسية الشديدة فهي معرضة للتشويش بسهولة، حيث إن أقل جهاز للتشويش قد تكون قوته (واتاً واحداً)، يمكن أن يعطل تلك الأجهزة.(2)

ومن المهم في استخدام أجهزة الملاحة الفضائية أنها تقوم بتحديد المواقع واتجاهاتها بدقة متناهية، مما يغني عن البحث في النجوم، والنظر في الاتجاهات، فما على الشخص الذي يريد تحديد موقع ما إلا أن يدخل إحداثيات ذلك الموقع، والإحداثيات هي خطوط الطول والعرض، ثم يقوم الجهاز بتحديد الجهة والمسافة، آخذاً في الاعتبار أقرب نقطة للموقع المراد تحديده.

فإحداثيات الكعبة المشرفة هي (466-۲۵ – E۳۹ – 4۹ – 5۳۳  – N21،) إذا تم إدخالها في الجهاز وتم طلب الموقع، فإن تحديده بكل دقة يكون خلال ثوان، ومن أي مكان في العالم، ونسبة الخطا يسيرة جدة لا تتجاوز (۱۰۰ متر) فقط، وهذه المسافة لا تكاد تذكر، خاصة أن المقصود في القبلة هو الجهة لا الاتجاه بالنسبة للبعيد عن مكة المكرمة.

وهناك تقنيات أخرى تتلخص في ساعة تلبس في اليد يمكن أن تحدد اتجاه القبلة بالنسبة للشمال، أو بالنسبة للشمس، أو بالنسبة للقمر، وهذه التقنية الصغيرة والمتوفرة في الأسواق حالياً بما يسمى بساعة العصر، أو ساعة الفجر (ساعة القبلة)، لابد فيها من قدر معين من الاجتهاد، وعادةً يستخدمها من لا يعرف اتجاه القبلة، لكن لا بد من معرفة مكان الشمس أو مكان القمر أو اتجاه الشمال، وكل واحد من هذه الأمور تعد معرفته أمر مطلوبة في معرفة اتجاه القبلة، وهو بحد ذاته اجتهاد، وإن كان يسيراً.

الاستعانة بالأجهزة الحديثة لتحديد القبلة

أما ما يتعلق بجهاز تحديد المواقع (جي بي إس) فإنه يقوم بتحديد الاتجاه فوراً منذ أن يقوم المستخدم بإدخال إحداثيات الكعبة المشرفة، فهل يعد إدخال الإحداثيات قدراً من الاجتهاد في معرفة القبلة؟ وهل يعتمد على هذا النوع من الأجهزة في الصلاة؟

أثر الاكتفاء بالأجهزة الحديثة في تحديد القبلة

هذه التقنيات الحديثة (الجي بي إس) التي ملأت الأسواق في هذا الزمن، تعتمد اعتماداً كبيراً على المستخدم لها، من حيث إدخال البيانات الصحيحة حتى تكون النتيجة المطلوبة صحيحة.
فإذا ما تم إدخال إحداثيات مغلوطة عن القبلة، فإن الجهاز بلا شك سوف يعطي نتيجة مغلوطة عن اتجاه القبلة، وبالتالي لا يمكن الاستفادة منه إلا في حال كون المدخلات صحيحة.

وهذه الأجهزة (الجي بي إس) من صنع البشر، فهي خاضعة للنقص والخلل، ذلك أنها مفتقرة للشحن بالكهرباء، ولا بد من معرفة طريقة استخدامها.
وعلى افتراض أن جميع المدخلات كانت صحيحة، والمتعامل بهذا الجهاز يعرف طريقة استخدامه، فإن النتيجة تكون صحيحة ولا شك فيها.

والذي أراه – والله أعلم – أن يرجع إلى هذا الجهاز مطلقاً، ولكن وفقاً للشروط التالية:
1. أن يكون المتعامل بمثل هذه الأجهزة ماهراً فيها، متلافياً أوجه الخطأ.

۲. أن لا تخالف نتيجة هذه الأجهزة ما هو ثابت من معرفة الاتجاهات والنجوم، كأن يتعرف شخص على القبلة من خلال النجوم، وتكون نتيجة الجهاز مخالفة لما توصل إليه، فإن كان كذلك، ينظر في المجتهد في النجوم: هل هو من أهل هذا الفن، أم هو متخص؟ إذ النجوم تختلف، فيما يظنه بعض الناس أنه القطب الشمالي، ربما يكون نجماً آخر.

٣. أن يضيف إلى النتيجة التي توصل إليها الجهاز قدراً معيناً من الاجتهاد والنظر في أدلة القبلة، كمعرفة الاتجاهات مثلا.

4. أن لا يؤخذ بنتيجتها حال كون المستخدم لها داخل المدن والقرى الموجود فيها مساجد، لها محاريب تدل على القبلة.

وبهذا القدر من الشروط يمكن الأخذ بها توصل إليه جهاز (الجي بي إس) من تحديد القبلة، مع مراعاة أن يقوم المستخدم لهذا الجهاز بإعادة استخدامه مرة أخرى إذا أراد الصلاة للفرض الثاني؛ إذ في عملية إدخال الإحداثيات (خطوط الطول والعرض) الملكة المكرمة، أو للكعبة المشرفة، قدر يسير من الاجتهاد وإعمال الذهن، وهذا هو المطلوب في الاتجاه القبلة.

أما الساعات اليدوية التي تحدد القبلة، فإنني أرى – والله أعلم- أن لا يعتمد عليها كثيرة في تحديد القبلة؛ إذ هي تعتمد على وقوف الشخص الوقوف المناسب بالنسبة للشمس، أو للقمر، أو للشمال، ومن ثم تقوم بتحديد القبلة.
وإذا ما عرف الإنسان هذه العلامات فإنه في الغالب يستطيع الاجتهاد في القبلة، والله أعلم.

الهوامش

(1) انظر النظام الكوني لتحديد المواقع، م/ محمد الربيش (ص:۲4-۲5).

(2) ندوة الحرب الالكترونية، المنعقدة في مدينة الرياض، بتاريخ 23/ ۸ /1425هـ، ، بعنوان (التطور في مجال حرب الملاحة الفضائية)، للعقيد/ عبد العزيز بن علي آل الشيخ.

المصدر: كتاب : اثر التقنية الحديثة في الخلاق الفقهي؛ للدكتور هشام بن عبدالملك بن عبد الله آل الشيخ ؛ استاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء – الرياض 1427هـ مكتبة الرشد – ناشرون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky