خاص الاجتهاد: يناقش هذا البحث موضوع (أهمية الإفتاء المؤسسي في عصر الذكاء الاصطناعي: واقع الحال، واستشراف المآل من منطلق الدور الريادي الذي تقوم به المؤسسات الإفتائية في التفاعل مع مستجدات العصر والتقنيات المتطورة، والحاجة إلى إطلاق تقنيات ذكية، قادرة على التفاعل مع القضايا المستجدة، عبر مؤسسات إفتائية، تحفظ للفتوى موثوقيتها العلمية، ومرجعيتها الشرعية ومصداقيتها الأخلاقية، ويستخدم البحث المنهج الوصفي القائم على الاستقراء والتحليل؛ للإجابة عن تساؤلاته وتحقيق أهدافه، ويتناول البحث مدخلا لدراسة الإفتاء المؤسسي في عصر ا الذكاء الاصطناعي، والتجارب الحالية التي تقوم بها المؤسسات الإفتائية في توظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة الفتوى، وأهمية توظيف الذكاء الاصطناعي المنضبط في الإفتاء المؤسسي: رؤية استشرافية.
وقد انتهى البحث إلى عدد من النتائج أهمها أن للفتوى المؤسسية دورا مهما في مجال ترشيد الفتوى، وفي تحقيق التماسك المجتمعي بالنسبة للمفتين وللمستفتين، وأنه لا تزال نسبة الفتاوى المهتمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي قليلة مقارنة بفتاوى المجالات الأخرى، وأن أبرز التجارب الحالية التي تقوم بها المؤسسات الإفتائية في توظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة الفتوى تتمثل في نماذج النظم الخبيرة، ونماذج الروبوتات الموظفة في الفتوى، وأن الإفتاء المؤسسي في عصر الذكاء الاصطناعي بات ضرورة ملحة؛ وذلك لتعظيم جوانب القوة واستثمار الفرص، ولمعالجة جوانب الضعف ومواجهة التحديات، وأن الإفتاء المؤسسي هو وحده القادر على التعاطي مع كثير من التساؤلات المتداخلة والإشكاليات المتشابكة للبحث عن حلول وإجابات لها بأسلوب منهجي رشيد، كما انتهى البحث إلى أن التوظيف الأمثل للذكاء الاصطناعي في صناعة الفتوى هو أن يكون أداة مساعدة للإفتاء المؤسسي؛ لأنه يظل بحاجة إلى التدخل البشري، والإشراف المباشر من المؤسسات الإفتائية.
(مقدمة)
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن والاه،وبعد:
فاستجابة لدعوة كريمة من دار الإفتاء المصرية للمشاركة في المؤتمر الدولي العاشر للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والمعنون بـ (صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي) في الفترة من 12 13 أغسطس 2025م؛ أشارك بهذا البحث المعنون . أهمية الإفتاء المؤسسي في عصر الذكاء الاصطناعي: واقع الحال، واستشراف المآل)، وهو من موضوعات المحور الرابع (الذكاء الاصطناعي وتطوير العمل المؤسسي الإفتائي).
أهمية الموضوع:
1 – تعاظم الأدوار التي يقوم بها الذكاء الاصطناعي في مفردات حياتنا اليومية، وهيمنته على صناعة المعرفة.
2 – الدور الريادي الذي تقوم به المؤسسات الإفتائية في التفاعل مع مستجدات العصر والتقنيات المتطورة.
3 – الحاجة إلى إطلاق تقنيات ذكية قادرة على التعاطي مع القضايا المستجدة، عبر مؤسسات إفتائية تحفظ للفتوى موثوقيتها العلمية ومرجعيتها الشرعية، ومصداقيتها
الأخلاقية.
4 – استشراف دور الذكاء الاصطناعي في تطوير أداء المؤسسات الإفتائية، والتنسيق بينها فيما يتعلق بتبادل الخبرات وفهم تأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمعات المسلمة.
إشكالية البحث/ تساؤلاته:
يعمل البحث على الإجابة عن التساؤلات الآتية:
1 – ما حكم الذكاء الاصطناعي في الإفتاء؟ وما ضوابطه؟ وما أثره في صياغة الفتوى؟
2 – ما المهارات اللازمة لتأهيل المفتين التابعين للمؤسسات الإفتائية في عصر الذكاء الاصطناعي؟
3 – ما أبرز التجارب الحالية التي تقوم بها المؤسسات الإفتائية في توظيف التكنولوجيا في صناعة الفتوى في عصر الذكاء الاصطناعي؟
4 – كيف نضمن استمرارية المؤسسات الإفتائية الرسمية مرجعا أساسيا للمستفتين في ظل عالم تتزايد فيه المنصات التفاعلية غير المؤهلة وغير الرسمية؟
5 – كيف تستطيع المؤسسات الإفتائية أن تجابه التحديات والمخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي التي تؤثر سلبا على إنتاج الفتوى الرشيدة؟
6 – ما موقع الذكاء الاصطناعي المعاصر في الإفتاء المؤسسي؟
أهداف البحث:
1 – تفعيل دور الذكاء الاصطناعي المنضبط في الإفتاء المؤسسي، وترشيد استخداماته بما يفيد مجتمع المعرفة
2 – الإفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي في دعم الإفتاء المؤسسي، مثل: البحث عن المعلومات وتحليل البيانات والمساعدة في الصياغة الأولية.
3- وضع معايير معرفية وأخلاقية لضمان ضبط عملية الإفتاء المؤسسي في مواجهة المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي.
4- استعراض عدد من التجارب الحالية التي تقوم بها المؤسسات الإفتائية في توظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة الفتوى والتعليق عليها.
5 – تقديم رؤية استشرافية لأهمية توظيف الذكاء الاصطناعي في بيان الفتوى الرشيدة المنطلقة من فقه النصوص والمقاصد الشرعية.
الدراسات السابقة:
توجد بعض الدراسات السابقة التي صدرت في الفترة الأخيرة عن علاقة الفتوى بالذكاء الاصطناعي، وقد أفاد البحث منها في الرجوع إليها في بعض مفرداته، ومن أهم هذه
الدراسات:
1 – الذكاء الاصطناعي وأثره في صناعة الفتوى د/ عمر بن إبراهيم المحيميد، مجلة الجمعية الفقهية السعودية، العدد 57 رجب – رمضان 1443هـ – 2022م.
2 – أثر الذكاء الاصطناعي في صياغة الفتوى، د موسى الزعاترة، مقال على موقع دائرة الإفتاء العام بالمملكة الأردنية الهاشمية، بتاريخ 18 / 6 / 2023م على الرابط التالي:
https://www.aliftaa.jo/article/5683
3 – توظيف الذكاء الاصطناعي في الفتوى التجارب والمحاذير، محمد البلو، بحث منشور ضمن أعمال مؤتمر الذكاء الاصطناعي في العلوم الشرعية والقانونية، كلية الشريعة أيت ملول المملكة المغربية، نوفمبر 2023م.
4- دور الفتوى في مواجهة تحديات الألفية الثالثة – إصدار المؤشر العالمي للفتوى (GFI) – التقرير الاستراتيجي السنوي لعام 2023م نسخة ،pdf، ومنشور أجزاء من هذا التقرير على موقع دار الإفتاء المصرية بتاريخ 2023/12/31م على رابط :
https://daralifta.org/ar/articles/details/9163
5 – الإفتاء باستخدام الذكاء الاصطناعي : حكمه الشرعي وأثره في اختلاف العلماء، د/ مطلق جاسر الجاسر، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت، عدد خاص، السنة 39 – أكتوبر 2024م.
6 – تقنية CHAT GPT ودورها في ضبط الفتوى، د/ إيمان محمد المهدي الأطروني، بحث منشور بمجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية، العدد (40)، الإصدار الرابع، ديسمبر 2024م.
7 – استخدام الذكاء الاصطناعي في الإفتاء أنموذجا، د/ عبد الله محمد الربابعة، بحث منشور على موقع دائرة الإفتاء العام بالمملكة الأردنية الهاشمية، بتاريخ 8/ 7/ 2025م على الرابط التالي : 263/https://aliftaa.jo Research
وقد تناولت هذه الدراسات جزئيات معينة كانت تتغيا منها عدة غايات محددة، أما هذا البحث فقد حاول أن يقدم إضافة جديدة، تتمثل في استعراض تفصيلي لعدد من التجارب الحالية التي تقوم بها المؤسسات الإفتائية في توظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة الفتوى، والتعليق عليها، وتقديم رؤية استشرافية لأهمية توظيف الذكاء الاصطناعي في بيان الفتوى الرشيدة المنطلقة .
من فقه النصوص والمقاصد الشرعية عن طريق التحليل الرباعي للحالة الراهنة لتوظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة الفتوى الذي يقودنا إلى ضرورة الإفتاء المؤسسي في عصر الذكاء الاصطناعي، وتوظيف الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة للإفتاء المؤسسي.
منهج البحث:
استخدم البحث المنهج الوصفي القائم على الاستقراء والتحليل، وفق منهجية كتابة البحوث العلمية، وقد التزم البحث بتطبيق هذا المنهج الذي يتفق وطبيعة هذا الموضوع عن طريق:
1 – استخدام الأدوات والطرق المناسبة في استقراء البيانات، وتحليلها بشكل دقيق وواضح.
2 – مراعاة تسلسل المباحث والمطالب وترابطها وتنظيم الأفكار والمعلومات وتناسقها.
3 – الحرص على أن تأتي نتائج البحث معبرة عن تحقيق أهدافه، ومشتملة على القيمة المضافة.
هيكل البحث:
يتكون البحث من مقدمة، وتمهيد، ومبحثين، وخاتمة، على النحو الآتي: المقدمة، وفيها أهمية البحث، وتساؤلاته، وأهدافه، والدراسات السابقة، ومنهجه،وهيكلته.
التمهيد: مدخل لدراسة الإفتاء المؤسسي في عصرا الذكاء الاصطناعي، وفيه مطلبان.
المطلب الأول: التعريف بالفتوى، والذكاء الاصطناعي، والعلاقة بينهما.
المطلب الثاني: أنظمة الذكاء الاصطناعي الموظفة في الفتوى.
المبحث الأول: التجارب الحالية التي تقوم بها المؤسسات الإفتائية في توظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة الفتوى، وفيه مطلبان.
المطلب الأول: نماذج النظم الخبيرة الموظفة في الفتوى.
المطلب الثاني: نماذج الروبوتات الموظفة في الفتوى.
المبحث الثاني: أهمية توظيف الذكاء الاصطناعي المنضبط في الإفتاء المؤسسي رؤية استشرافية، وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: التحليل الرباعي للحالة الراهنة لتوظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة الفتوى.
المطلب الثاني: ضرورة الإفتاء المؤسسي في عصر الذكاء الاصطناعي.
المطلب الثالث: توظيف الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة للإفتاء المؤسسي.
الخاتمة، وفيها النتائج والتوصيات.
أهمية الإفتاء المؤسسي في عصر الذكاء الاصطناعي واقع الحال، واستشراف المآل
بقلم:
أ.د/ محمد عبد السلام كامل أبو خزيم
أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس