أحكام العشرة

نظرة في كتاب ” أحكام العشرة ” من وسائل الشيعة / الشيخ عزيز حسن الخضران

الاجتهاد: ” أبواب أحكام العشرة ” يحتوي على مائة وستة وستين باباً، في كلِّ بابٍ مجموعة من الأحاديث، ومجموع أحاديثه: ثمانمائة وثمان ثمانين حديثاً(888)، يبدأ بباب “وجوب عشرة الناس حتى العامة بأداء الأمانة وإقامة الشهادة والصدق، واستحباب عيادة المرضى وشهود الجنائز، وحسن الجوار والصلاة في المساجد». ويختم بباب: «استحباب النظر إلى الوالدين، وإلى المصحف، والى وجه العالم”.

تعرّض الكاتب في هذه المقالة إلى تلخيص كتاب (أبواب أحكام العشرة) من الوسائل للحرّ العامليّ، فذكر أوّلاً نبذة مختصرة عن المؤلِّف، ثمَّ بعض مميِّزات الكتاب، داعياً إلى إفراده بالطبع، ثم ذكر اثني عشر أمراً، هي خلاصة ما ورد في الكِّتاب مع بعض التعليقات وإعادة الترتيب، ويتركّز محتوى الكتاب على العلاقة مع النَّاس بشكلٍ عام ومع المؤمنين بشكلٍ خاصٍّ.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، اللهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد.

الكتاب هو جزء من الموسوعة الفقهية الروائية (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) للحر العاملي”قدس سره”، وتحديداً هو ضمن (كتاب الحج) تحت عنوان (أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر)، الجزء الثاني عشر(طبعة آل البيت)، ولعلَّ المناسبة في ذكره ضمن كتاب الحج هو أنَّ الحج يستلزم السَّفر واللقاء والمعاشرة مع النَّاس، ولكن الكتاب «محلّ البحث» يتحدَّث فيما هو أعمُّ من ذلك، فهو يتعرض لكلِّ الآداب والأخلاق المتعلقة بعلاقة الإنسان مع الآخرين، كما سيأتي تفصيله.

المؤلف
هو محمد بن الحسن بن علي بن الحسين الحر العاملي، نسبة إلى قرية من قرى جبل عامل، وهو من المحمدين الثلاثة المتأخرين، هو وصاحب البحار، وصاحب الوافي.

قال عنه الحدث البحراني بأنَّه “كان عالماً فاضلاً محدثاً”، وقال عنه معاصره الأردبيلي(م1101هـ) في جامع الرواة: “الإمام العلَّامة، المحقق المدقق، جليل القدر، رفيع المنزلة، عظيم الشأن، عالم فاضل كامل متبحر في العلوم، لا يحصى فضائله ومناقبه، مد الله تعالى في عمره وزاد الله تعالى في شرفه له”.

وعن السيد شهاب الدين المرعشي: “العلامة الحبر المتبحر، خريت علمي الفقه والحديث، نابغة الرواية، مركز الإجازة وقطب رحاها، علم الفضل وعليمه، النجم المضئ من القطر العاملي، أبو بجدة الآثار، يتيمة عقد النقل، جوهرة”.

وأمَّا كتاب الوسائل فقال عنه العلامة النوري: “كتاب الوسائل الذي هو كالبحر الذي ليس له ساحل”. وقال القمي: “الوسائل الذي منَّ على المسلمين بتأليف هذا الجامع الذي هو كالبحر لا يساحل”.

بل جعله صاحب الذريعة من أحسن الكتب الحديثية الجامعة، يقول: “وبالجملة هو أجمع كتاب لأحاديث الأحكام، وأحسن ترتيبا لها، حتى من الوافي والبحار لاقتصار الوافي على جمع خصوص ما في الكتب الأربعة على خلاف الترتيب المأنوس فيها، واقتصار البحار على ما عدا الكتب الأربعة مع كون جلَّ أحاديثه في غير الأحكام، فنسبة هذا الجامع إلى سائر الجوامع المتأخرة كنسبة الكافي إلى سائر الكتب الأربعة المتقدمة، ويشبه الكافي أيضا في طول مدة جمعه إلى عشرين سنة”.

توفي الحر العاملي: “في الواحد والعشرين من شهر رمضان سنة 1104هـ”، بعد إحدى وسبعين سنة من خدمة الإسلام.

موضوع الكتاب الأصلي:

(أبواب أحكام العشرة) يحتوي على مائة وستة وستين باباً، في كلِّ بابٍ مجموعة من الأحاديث، ومجموع أحاديثه: ثمانمائة وثمان ثمانين حديثاً(888)، يبدأ بباب “وجوب عشرة الناس حتى العامة بأداء الأمانة وإقامة الشهادة والصدق، واستحباب عيادة المرضى وشهود الجنائز، وحسن الجوار والصلاة في المساجد». ويختم بباب: «استحباب النظر إلى الوالدين، وإلى المصحف، والى وجه العالم”.

وكما تقدَّم فإنَّ الكتاب يتعرَّض لموضوع مهم جداً يتعلَّق بعلاقة الإنسان مع الآخرين وآداب المعاشرة، وفي شتَّى المجالات، ومع كلِّ الأصناف، وهناك تعرض للحقوق والواجبات، وهذا الموضوع من أدقِّ المواضيع الاجتماعية المتعلقة بـ(فنِّ التعامل)، وبـ(الآداب والسلوك)وبـ(الواجبات والحقوق المتبادلة بين الناس)، وربما ألفت كتب متعددة تتحدث عن هذه المواضيع،

ويمكن أن ندعي بأنَّ هذا الكتاب وما ورد فيه كفيل ببيان كلِّ ما يحتاجه الإنسان في هذه الأمور الحسَّاسة، والتي تترتَّبُ عليها آثار كبيرة ومهمة، فهو معتمد على روايات أهل بيت العصمة والطهارة، وهم العلماء الحقيقيون:

يقول الشيخ محمد الري شهري في كلمة مهمة جديرة بالتأمل: “خلال تتبعي للنُّصوص الإسلامية تكوَّنت عندي القناعة التَّامة بأنَّ أقوى البراهين العلمية والفلسفية عمقاً وجمالاً ويسراً فيما يختصُّ بالخلق والمعاد، والقضايا الفكرية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية تكمن في طيَّات هذه النُّصوص، لذا فقد كان يعتريني الأسف فأتساءل: يا ترى لماذا لم يهتمّ العلماء والكُّتاب والمفكِّرون المسلمون حتى الآن الاهتمام اللائق بهذا الواقع؟!

فبدأت أتعمَّق أكثر في دراسة المواضيع العقائدية المبنية على الأدلَّة المستقاة من القرآن الكريم والنَّصوص والروايات الإسلامية بما تيسَّر لي من اطلاع متواضع؛ لأنَّني وجدت نفسي ومجتمعي بحاجة ماسَّة إلى ذلك”.

مميزات الكتاب

قبل أن نذكر خلاصة الكتاب لا بأس أن نذكر بعض مميزاته:
أنَّ المؤلِّف فقيهٌ محدِّثُ، متخصِّص في علم الحديث، ولذلك فاختيار الرواية عنده يتمٌّ عبر الضوابط والأسس العلمية المتبعة في الفقه والحديث.

أنَّ الكتاب وإن كان روائياً ولا يعلِّق فيه المصنف إلا نادراً، إلا أنَّه معنون بأبواب مرتبة ومنسقة بحيث يمكن للمطالع أن يختار أيَّ باب يريده ويهتم به، وطريقة المصنف أنه يذكر رأيه الفقهي في العنوان، فخلاصة كلِّ باب يذكر كفتوى للمصنِّف، فهنا لدينا: فتاوى ترتبط بالآداب والسلوك والعلاقة بين النَّاس، وأنَّها هل هي على نحو الوجوب أو الاستحباب، وعلى نحو الحرمة أو الكراهة، وهو ما قد تخلو منه أكثر الرسائل العملية إلا في مسائل متفرقة.

بالإضافة إلى أنَّ الترتيب بين الأبواب ليس عشوائيا بل هناك ترابط بين الأبواب، وربما يكون بعضها مترتبا على الأبواب السابقة.
أنَّ مطالب الكتاب حيث أنَّها صادرةٌ من المعصوم”عليه السلام” فلها وقع خاص على النَّفس من حيث التعبير وسبك العبارة، ومن حيث عمق المعنى المراد إيصاله إلى القارئ، ويضاف إلى ذلك عدم الحشو، ولا ذكر الأمور غير المهمَّة التي لا يخلو منها كتاب. ولهذا ننصح القارئ العزيز عدم الاكتفاء بقراءة هذه الخلاصة عن الكتاب.
ولو طبع هذا الكتاب(أبواب العشرة) بشكلٍّ مستقل عن الموسوعة لكان أكثر فائدة.

تفاصيل الكتاب

لا يمكن أن نتعرض لكلِّ أبواب الكتاب البالغة مائة وستة وستين باباً، ولكن سنحاول اختصار أهمِّها في اثني عشر أمراً:

الأمر الأول: حسن المعاملة مع عامة النَّاس

وهناك تركيز على صفتين مهمَّتين: (أداء الأمانة، وصدق الحديث)، وهما صفتان مطلوبتان مع كلِّ النَّاس فلا تختصان بالمؤمن، وهذه وصية النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم” والأئمةi، ومن نتائجها ما ورد عن الصادق”عليه السلام” : «إنَّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدَّى الأمانة وحسن خلقه مع النَّاس قيل هذا جعفري، فيسرني ذلك ويدخل عليَّ منه السُّرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليَّ بلاؤُه وعارُه، وقيل هذا أدب جعفر، والله لحدثني أبي”عليه السلام” إنَّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي”عليه السلام” فيكون زينها آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان إنه آدانا للأمانة، وأصدقنا للحديث».

ويفهم من بعض الروايات أنَّ الصدق يحتاج إلى التعلم، قبل أن يتعلم الحديث والخطابة، فعن عمرو بن أبي المقدام قال: قال لي أبو جعفر”عليه السلام” في أول دخلة دخلت عليه: «تعلموا الصدق قبل الحديث». فانظر كيف أنَّ الإمام”عليه السلام” في أول لقاء مع هذا الرجل بماذا يوصيه؟!

ومن الصفات المهمة والمؤكد عليها جداً، صفة «حسن الخلق»، وعقد لها المصنف باباً(الباب الرابع بعد المائة) ذكر فيه ستة وثلاثين حديثاً، فراجع.

الأمر الثاني: هل حثَّ الشارع على اكتساب الأصدقاء والإخوان أم على التقليل منهم؟ وما هي أهم صفات الصديق؟

ذكر المصنف أبواباً متعددة صريحة في استحباب الاستزادة من الإخوان، وفي الحديث: «اتخذ ألف صديق وألف قليل، ولا تتخذ عدوا واحدا والواحد كثير». وعن أبي عبد الله”عليه السلام” قال: «المؤمن مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف».

وأنَّ حدود الصداقة الحقيقية خمسة أمور يجب أن تتوفَّر في الصديق: «فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثانية: أن يرى زينك زينه، وشينك شينه والثالثة: أن لا يغيره عليك ولاية ولا مال، والرابعة: أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته، والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات».

كما أنه ينبغي مجانبة بعض النَّاس منهم: الأحمق اللئيم، الماجن الفاجر، الكذاب، البخيل، الجبان، الأنذال، وأهل البدع.
وإذا أراد الإنسان المشاورة، فليشاور التقي العاقل الورع، وأصحاب الرأي، وعليه أن يتجنب مشاورة الجبان والبخيل والحريص والنساء، وإذا شاوره أحد وجب عليه النصح.

الأمر الثالث: كيف تكسب النَّاس؟

أبواب كثيرة متفرقة ذكرها المصنف يمكن أن تجيب على مثل هذا السؤال الذي يطرح عادة في علم النفس والاجتماع، ولكن الطريقة تختلف، فالهدف والغاية هنا إلهية وهناك دنيوية، وإليك بعض العناوين المأخوذة من الأخبار:
المجاملة: «مجاملة النَّاس ثلث العقل».

لقاء النَّاس بالبشر وطلاقة الوجه فإنَّ ذلك يكسب المحبة، ويذهب بالسخيمة، وكذلك التبسم في وجوه المؤمنين، فإنَّه عبادة.
التوسعة في المجلس.
تكنية المؤمن ودعائه بأحبِّ الأسماء إليه.
إخبار الأخ المؤمن بحبِّه له، فإنَّه أثبت في المحبة والمودة والألفة.
إنصاف النَّاس، وهي من الصفات الصعبة على النفس، ومن الأحاديث الجميلة عن الصادق”عليه السلام” : «ليس من الإنصاف مطالبة الإخوان بالإنصاف».

البدء بالسلام على كلِّ من تلقاه حتى الصبيان لتكون سنة، والسلام مستحب كما هو واضح، ورد السلام واجب، وبعض الروايات عبرت بـ(إفشاء السلام)، وأنَّ «البخيل من بخل بالسلام»، وعنون المصنف الباب36 بعنوان: «تحريم التسليم على الفقير المسلم بخلاف السلام على الغني، بل تجب المساواة» مما يسترعي الانتباه، ويثبت عظمة الإسلام في المساواة حتى بهذا المستوى.

وعن الصادق”عليه السلام” : «من قال: السلام عليكم فهي عشر حسنات، ومن قال: سلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون حسنة، ومن قال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون حسنة».

وفي المصافحة أنَّ النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم” كان «ليصافحه الرجل فما يترك رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم” يده من يده حتى يكون هو التارك». ويستحب أن يخاطب الواحد بضمير الجماعة.
وأما السلام على غير المسلم، فيقول علي”عليه السلام” : «لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم، وإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم».

وقد ذكر المصنف أبوابا كثيرة تتعلق بالتسليم وتفاصيل أحكامه، وهو يدلُّ على اعتناء الروايات بهذا العمل والخلق الإسلامي المهم، ومن أحب فليراجع.
ترك المراء وإن كان محقاً.

تسميت العاطس: بأن يقال له: «يرحمك الله»، وأن يجيب العاطس: «يغفر الله لكم ويرحمكم».
وذكر المصنف أبواباً عدة مفصلة في العطاس، من اللافت في بعضها: استحباب الصلاة على محمَّد وآله عند العطاس، وأنَّ الناس يكرهون ذلك نفاقاً، وكذلك قول النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم” : «إذا كان الرجل يتحدث بحديث فعطس عاطس فهو شاهد حق»، ممَّا يؤيد ما عليه العرف حينما يعطس أحدهم فيقول: «شهادة»، فربما أخذها العرف من مثل هذا الحديث.

ويجدر الالتفات إلى الحكمة من وراء اهتمام الشَّارع المقدَّس حول تسميت العاطس وجعله حقاً من حقوق المؤمن، فإنَّ التمعُّن فيه يثبت أنَّ الاهتمام بالنَّاس حتى في أمورهم العادية والمتكرِّرة أمرٌ حسنٌ وله أثرٌ نفسي مهم، بل له تأثيرٌ اجتماعي مهم حيث تنشر العادات الحميدة والحسنة حتى على مستوى التعامل اللفظي بين الناس، ممَّا يخلق حالة الانسجام والائتلاف بين المؤمنين، ويجرهم للتعاون والاحترام فيما هو أكبر من ذلك.

إبقاء الحشمة مع الإخوان: فإنَّ طبيعة الرفقة والصداقة والمصاحبة إلغاء الحواجز النفسية، وربما ذهب الحياء بينهم، وهذا ما تحذِّر منه الروايات، فعن الإمام الكاظم”عليه السلام” : «لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك، ابق منها، فإنَّ ذهابها ذهاب الحياء».
لين الجناح وإطابة الكلام: فالمؤمن هيِّن ليِّن سهل، وعن ابن محبوب، عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله”عليه السلام” قال: قلت ما حدُّ حسن الخلق؟ قال: «تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن».

هذه الصفات وغيرها إذا ما توفرت عند الإنسان فإنَّه بلا شكٍ سوف يكسب ود الناس واحترامهم، وسوف تتقوَّى الأواصر الاجتماعية بين المؤمنين.

الأمر الرابع: أصناف النَّاس وكيفية التَّعامل معهم

النَّاس أصناف وبلحظات متعدِّدة، وكلُّ صنفٍ له تعامل خاص، ولا يصحُّ أن يكون التعامل متساوياً مع الجميع فإنَّه خلاف العدل والإنصاف، فصديقك المقرب يختلف عن الغريب، والكبير عن الصغير وهكذا.. وذكر المصنف أبواباً متعددة يمكن للقارئ أن يستخرج منها هذه الأصناف، نذكر منها ثلاثة:

١. صديق الثقة وصديق المكاشرة:

عن الأمير”عليه السلام” : «الإخوان صنفان إخوان الثقة وإخوان المكاشرة، فأما إخوان الثقة فهم كالكف والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك، وصاف من صافاه، وعاد من عاداه، واكتم سره وأعنه واظهر منه الحسن، واعلم أيها السائل أنهم أعزُّ من الكبريت الأحمر، وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك، فلا تقطعن ذلك منهم، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان».

وكيف يمكن للإنسان أن يكتشف الصديق الوفي؟ ربما يستفاد ذلك من حديث إمامنا الصادق”عليه السلام” : «من غضب عليك ثلاث مرات فلم يقل فيك شراً فاتخذه لنفسك صديقاً».
ثم إنه لا ينبغي اطلاع الأخوة على كلِّ الإسرار غير الضرورية، فعن الإمام الصادق”عليه السلام” : «لا تثق بأخيك كل الثقة، فإنَّ صرعة الاسترسال لا تستقال».

٢. التعامل مع الشيبة(كبار السن):

يستحب إجلاله وتوقيره وإكرامه وتبجيله، فعن الصادق”عليه السلام” : «من إجلال اللهa إجلال ذي الشيبة المسلم»، و«ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا»، بل جعل عدم معرفة حق ذي الشيبة في الإسلام من علامات النِّفاق، ومن آثار ذلك التوقير الأمن من فزع يوم القيامة.

٣. التعامل مع العالِم:

فإنَّ له منزلة خاصة ينبغي مراعاتها، ومما ورد: «إنَّ من حقِّ العالم أن لا يكثر عليه السُّؤال، ولا تأخذ بثوبه، وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلِّم عليهم جميعا، وخصه بالتحية، واجلس بين يديه، ولا تجلس خلفه، ولا تغمز بعينك ولا تشر بيدك، ولا تكثر من القول: قال فلان وقال فلان خلافاً لقوله، ولا تضجر بطول صحبته، فإنما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها متى يسقط عليك منها شيء، وإنَّ العالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله».

الأمر الخامس: من آداب المجالس

الناس تختلف في عاداتها في كيفية استقبال الضيوف والأخوة، والروايات تعطينا بعض الضوابط العامة حول ذلك.
لا يصحُّ أن يرفض الضيف إكرام المضيف: كما لو أراد أن يعطيه الطيب، أو يجعل له وسادة خاصَّة يجلس عليها، وفي عرفنا أن يدعوه إلى الجلوس في مكان معيَّن من المجلس إكراماً له، وربما يكون أمره بالجلوس في مكان ما لحكمة السِّتر، فعن الباقر”عليه السلام” : «إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله، فليقعد حيث يأمره صاحب الرحل، فإنَّ صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه».

كرامة الضيف: الضيف كالأمير حتى يخرج عن مجلس مضيفه، و«من حق الداخل على أهل البيت أن يمشوا معه هنيهة إذا دخل وإذا خرج».

حفظ أسرار المجالس: فإنها أمانة. «وليس لأحد أن يحدث بحديث يكتمه صاحبه إلا بإذنه إلا أن يكون ثقة[فقها]، أو ذكرا له بخير»، فنشر الخير لا بأس به، وأمَّا الأسرار الخاصة وبعض المساوئ فلا يجوز إفشاؤها.
كراهة أن يتناجى اثنان مع وجود ثلاث بينهما، وأن يُعترض على المسلم في حديثه.

كيفية الجلوس: نقل عن النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم” أن له ثلاثة طرق في الجلوس، وهي القرفصاء، والجثو على الركبتين، وكان يثني رجلا واحدة ويبسط عليها الأخرى، ولم ير ” صلى الله عليه وآله وسلم” متربعاً قط، وأنه ” صلى الله عليه وآله وسلم” لم يبسط رجليه بين أصحابه قط.

يستحب أن يجلس الإنسان دون المجلس تواضعاً، وعلى الأرض. وهي سيرة رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم” مع عظمته. وهذا الأدب النبوي له أثر في كبير في كسب احترام الناس.
يستحب الجلوس باستقبال القبلة، ويكره استقبال الشمس.

الأمر السادس: الضحك والمزاح مع الناس

وهو ليس مذموماً، بل هو مستحب كما عنون به المصنف الباب الثمانون(80)، فقد ورد الحث على المداعبة(المزاح)، بل نهي عن قلتها، فعن يونس الشيباني قال: قال أبو عبد الله”عليه السلام” : «كيف مداعبة بعضكم بعضاً؟» قلت: قليل، قال: «فلا تفعلوا، فإن المداعبة من حسن الخلق، وإنك لتدخل بها السرور على أخيك، ولقد كان رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم” يداعب الرجل يريد أن يسره». والرواية تبين أنَّ الغاية من المزاح ليس إسعاد النَّفس، بل إسعاد الغير وإدخال السرور على قلبه. وهو أدب نبيل، بخلاف الضِّحك لهواً ولعباً محضاً.

نعم، الروايات الأخرى تنهى عن كثرة المزاح، وحمل المصنفُ النهي على الكثرة، وخصَّ الاستحباب بغير إكثار، وعقد باباً خاصاً تحت عنوان: «كراهة كثرة الضحك والمزاح»، وذكر فيه ستة عشر حديثاً يبين فيه مساوئ كثرة المزاح، من إماتة القلب، وذهاب ماء الوجه، وأنَّه يوجب جرأة النَّاس، وأنه يذهب بنور الإيمان، ويورث الضغينة، وأنَّه «ما مزح الرجل مزحة إلا مج من عقله مجة» كما عن الأمير”عليه السلام” .

ولعلَّ النَّهي هنا ليس عن كثرة المزاح فقط، بل عن المزاح والضحك الذي لا يكون في مورده الصحيح، وبدون سبب شريف، كما هو حال أهل الدنيا، وأمَّا لإدخال السُّرور على المؤمن وبالطريقة المؤدبة ومن غير فحش ولا خنا فهو مطلوب.
ثمَّ إنَّ المقصود من الضَّحك المستحب هو (التبسم)،فإنَّ الروايات تنهى عن (القهقهة) وهو إخراج الصوت عند الضحك، وأنَّ القهقهة من الشيطان، وإذا ما حصلت القهقهة فيستحب قول: «اللهم لا تمقتني».

الأمر السابع: حسن الجوار والصبر على أذية الجار

ولا يخلو أحدنا من الجيرة، حيث لا يعيش أحدنا وحده، فإن وفق للحصول على جيران مؤمنين فليحمد الله تعالى، وإن كانوا -والعياذ بالله- سيئين مؤذين، فكيف ينبغي عليه أن يتعامل، وهي مسألة اجتماعية مهمة جداً؟

يفهم من الروايات الكثيرة أنَّ المؤمن لا بدَّ له من جار يؤذيه ابتلاء له، وأنَّه من حسن الجيرة مع هذا الجار المؤذي أن يصبر على أذاه، فـ«ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار صبرك على الأذى» كما عن إمامنا الصادق”عليه السلام” .

وينبغي للمؤمن أن يفرق -في كل أموره- بين تكليفه وبين تكليف الآخرين، فعدم قيام الآخرين بواجباتهم تجاهي لا يجوز لي التخلف عن أداء حقوقهم، والروايات شديدة جدا في بيان حق الجار، وعدم جواز أذيته. ويستحب إطعام الجيران، بل يجب عند الضرورة، كما أنَّ حدَّ الجوار: «أربعون داراً من كلِّ جانب، من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله».

الأمر الثامن: بعض أحكام الصُّحبة في السَّفر

وهي مورد ابتلاء، فقد تسافر مع صديق فله حقُّ الصداقة والرفقة في السَّفر، وقد تسافر مع غير الصديق وله حقٌّ أيضاً، وهنا عدة نقاط:
من حقِّ المسافر المكوث معه ثلاثة أيام عند المرض، ولعلَّ ذلك ناظر للزمن القديم حيث يسافرون عبر البرِّ والطريق طويل، فلو مرض من رافقك فحقُّه البقاء معه(رغم كونه غريباً) ثلاثة أيام. وعن النَّبي ” صلى الله عليه وآله وسلم” : «ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجراً وأحبهما إلى الله ” صلى الله عليه وآله وسلم” أرفقهما بصاحبه».

سؤال الصاحب عن اسمه ونسبه: عن النَّبي ” صلى الله عليه وآله وسلم” : «إذا أحبَّ أحدكم أخاه المسلم، فليسأله عن اسمه، واسم أبيه، واسم قبيلته وعشيرته، فإنَّ من حقِّه الواجب، وصدق الإخاء أن يسأله عن ذلك، وإلا فإنَّها معرفة حمق». وأنَّ عدم السؤال من الجفاء.

التكاتب في السَّفر: والمقصود بذلك أن المسافر ينبغي له أن يكاتب أهله وأصدقائه، خصوصاً مع طول السَّفر قديما، وفي الزَّمن الحاضر التكاتب متوفِّر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وما ينبغي الالتفات إليه أنَّه لا يحسن التكاتب(في زماننا) مع الأقربين كما نتكاتب مع الآخرين من خلال الرسائل العامة، بل ينبغي إبراز الخصوصية، والسلام المباشر، وفي الحديث: «التواصل بين الإخوان في الحضر التزاور، وفي السفر التكاتب».

وللأسف نحن اكتفينا بالتكاتب السَّهل(عبر وسائل التواصل) وتركنا التزاور حتى لدى غير المسافرين. وما ينبغي لحاظه هو الحكمة من التزاور والتكاتب، فقد تكون أساليبنا الحالية لا تؤدي المطلوب.

الأمر التاسع: باب الحياء

هل الحياء صفة حسنة مطلوبة؟ وما أثرها وأثر فقدها؟ وهل هي مطلوبة مطلقاً؟
لن تجد في غير الأديان الإلهية من يتحدَّث عن مثل هذه الصِّفات المهمَّة، بل وصل بنا الزَّمان أن تكون صفات الحياء والعِّفة والسِّتر من الصِّفات الدَّالة على رجعية الشَّخص، وأنَّ الزَّمان إنما هو زمان التفسُّخ، والانفلات، والانفتاح على الشَّيطان بكلِّ الوسائل المتاحة باسم الحرية وما شاكل، فذهبت صفة الحياء عن عامَّة النَّاس، ولم تعدّ الفواحش والموبقات أمراً يعاب عليه الإنسان، بل يفتخر به، والعالَم بابك..

وأمَّا الروايات الصادرة من أهل بيت العصمة والطهارة فتعطيك ما يخبرك بمنزلة هذه الصِّفة وأثرها، وخطر فقدها حتى ورد«الحياء خيرٌ كلُه». وهنا أمور:

ممَّا يدلُّ على أهمية الحياء، جعْلُه قرينا بالإيمان، ويعني ذلك أنَّ عدم الحياء من الفسق والكفر، «الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه» «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة» «لا إيمان لمن لا حياء له»، فإنَّ من لم يستحِ لم يتورَّع عن الموبقات. وعن رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم” : «ينزع اللهُ من العبد الحياء فيصير ماقتاً ممقتاً، ثمَّ ينزع منه الحياء، ثمَّ الرَّحمة، ثمَّ يخلع دين الإسلام من عنقه فيصير شيطاناً لعيناً».
من آثار الحياء، تكفير الذنب، وهو أثر أخروي.

والحياءُ زينة كلِّ شيء وهو أثر دنيوي: عن النَّبي الأعظم ” صلى الله عليه وآله وسلم” : «ما كان الفخر(الفحش) في شيء قط إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه».
وهو موجب لستر العيوب: كما في وصية أمير المؤمنين”عليه السلام” لمحمد بن الحنفية قال: «ومن كساه الحياء ثوبه اختفى عن العيون عيبه»، وهذا أيضاً من الآثار الدنيوية ظاهراً.

-نعم، لا حياءَ في الدين، بمعنى أنَّه لا ينبغي أن يستحي الإنسان في السُّؤال عن أمور دينه، وعن الصادق”عليه السلام” : «من رقَّ وجهُه رقَّ علمُه». فإنَّ ذلك يؤدي إلى بقاء الإنسان جاهلاً.

الأمر العاشر: العفو والصفح وكظم الغيظ

لا يخلو النَّاس من أخطاء تصدر من بعضهم تجاه بعض، والأخذ بالظلامة وإن كانت حقاً للمظلوم، إلا أنَّه لو أخذ كلُّ النَّاس بظلاماتهم في كلِّ صغيرة وكبيرة ولم يكن للعفو من سبيل بينهم لكانت البغضاء والشحناء، ولأجل ذلك حثَّ الشارع المقدَّس على هذه الصِّفة المهمَّة، وقد أفرد المصنف لهذه الصِّفة باب «استحباب العفو» وأبوابا أخرى تدخل في نفس المعنى.

فالعفو ليس ضعفاً، بل «لا يزيد العبدُ إلا عزاً، فتعافوا يعزكم الله» كما عن النبي الأعظم ” صلى الله عليه وآله وسلم” ، بل «عفو المَلِك أبقى للملك»، و«أولى النَّاس بالعفو أقدرهم على العقوبة».

عن الإمامين السَّجاد والرِّضاi في تفسير قوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}(الحجر:85) قالا: «العفو من غير عتاب». ثمَّ إنَّ القدرة على العقاب تعتبر نعمة تستوجب الشُّكر، وشكرها إنما عن طريق العفو، «إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه»، كما عن الأمير”عليه السلام” .

هل يشمل العفو الممدوح، العفو عن الظالم؟

لا شكَّ في ذلك ولا ريب، فإنَّ العفوَ لا يكون أصلاً إلا لمن ظلمك أو أخطأ في حقِّك، ولهذا عنون المصنف الباب المائة والثلاث عشرة(113) تحت عنوان: «استحباب العفو عن الظالم..». ونصوصه كثيرةٌ في هذا المضمون، بل هو سنة وسيرة الأئمةi، يقول إمامنا الصادق”عليه السلام” :«إنَّا أهلُ بيت مروءتنا العفو عمَّن ظلمنا»، وكم تجرعوا الغيظ من أعدائهم فصبروا وعفوا، بل يرون صبرهم نعمة من الله تعالى، وفي ذلك روايات عن عدة عنهم، منها ما قاله إمامنا السَّجاد لابنه الباقر”عليه السلام” : «ما من شيء أقرُّ لعين أبيك من جرعة غيظ عاقبتها صبر، وما يسرني أنَّ لي بذل نفسي حمر النعم».

ملاحظة: إنَّ العفو والصبر إنَّما على الأذى المتوجه إلى الشَّخص(الأذى الشَّخصي)، وأمَّا من يخطأ في حقِّ الدِّين وقادته فلا يحقُّ العفو عنه، بل أمرهم بما يأمر به قادة الدين.

الأمر الحادي عشر: الصمت والكلام

غالبية النَّاس تحبُّ الكلام والحديث الكثير وفي كلِّ شيء، وقد نظر الإسلام إلى هذه المسألة بعمقٍ شديدٍ يوازن فيه ما يجدر الحديث فيه، وما يحسن السكوت عنه، فهل الصمت في حدِّ نفسه صفة حسنة؟ وهل هناك موارد يكون الكلام فيها خيرا من الصمت؟ الروايات تجيبنا على ذلك.

للصمت محاسن كثيرة: فهو من علامات الفقه، وباب من أبواب الحكمة، ويكسب المحبة، ودليل على كلِّ خير، وهو كنز وافر، وزين الحليم، وستر الجاهل، وراحة العقل، وبكثرة الصمت تكون الهيبة، وهذا يعني أنَّ الصمت «في نفسه» خيرٌ من الكلام، وفي وصية لقمان لابنه: «يا بني، إن كنتَ زعمتَ أنَّ الكلام من فضَّة فإنَّ السكوت من ذهب».

ثمَّ إنَّ الصمت صعب يحتاج إلى دربة وتربية، وقد ورد أنَّه «كان الرجل من بني إسرائيل إذا أراد العبادة صمت قبل ذلك عشر سنين».
نعم، «كلام في حقٍّ، خيرٌ من سكوتٍ على باطل» وأنَّه «لا خيرَ في الصمت عن الحكم، كما أنَّه لا خيرَ في القول بالجهل».

وشرط أفضلية الكلام على السكوت معرفة آفاته، ورد عن مولانا علي بن الحسين”عليه السلام” أنَّه سئل عن الكلام والسُّكوت أيهما أفضل؟ فقال”عليه السلام” : «لكلِّ واحدٍ منهما آفات، فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت، قيل: وكيف ذاك يا بن رسول الله؟ فقال: لأنَّ الله”ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنَّما بعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنَّة بالسكوت، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا وقيت النار بالسكوت، ولا تجنب سخط الله بالسكوت، إنما ذلك كلُّه بالكلام، ما كنت لأعدل القمر بالشمس، إنَّك لتصف فضلَ السكوت بالكلام، ولستَ تصفُ فضلَ الكلام بالسكوت».

وأمَّا ما يؤدي إليه كثرة الكلام في غير حقٍ وهدىً فيبينه لنا إمامُ الحكمة أمير المؤمنين”عليه السلام” في كلمة تحتاج إلى تأمُّلٍ طويل، يقول: «من كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلَّ حياؤه، ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبُه دخل النَّار». وفي ذمِّ كثرة الكلام روايات كثيرة ذكرها المصنف، فراجع.
ثمَّ إنَّه في عصرنا الحاضر لا يقتصر الكلام على النُّطق، بل كلُّ ما نكتبه وفي شتَّى الوسائل يعدُ كلاماُ يحتاج إلى توقُّف، فتأمَّل أيُّها المؤمن.

ومن يكثر الكلام خصوصاً في حقِّ الآخرين فإنَّ للآخرين لساناً أيضاً، وينتج عنه التناوش والمعاداة، ومن لطيف ما أوصى به علي”عليه السلام” بنيه أن قال لهم: «إنَّ الكلام ذكَرٌ والجواب أنثى، فإذا اجتمع الزوجان فلا بدَّ من نتاج، ثمَّ أنشأ يقول:
سليم الـــــعِرض من حَذَرَ الجـــوابا ومَنْ دارى الرِّجـــــــالَ فقد أصابَا
ومَنْ هــــابَ الرِّجــــــالَ تهـــــيَّبوهُ ومَنْ حَـــــقَرَ الرِّجــــــالَ فـــــلنْ يُهابا

الأمر الثاني عشر: الأخوة الإيمانية وحقوقها

أبواب عديدة ومتنوعة تطرَّق إليها المصنِّف تتعلَّق بحقِّ المؤمن وما ينبغي أن تكون عليه علاقة المؤمنين فيما بينهم، نشير إلى بعضها:
للمؤمن عشرات الحقوق ذكرتها الروايات، بل عن الصادق”عليه السلام” في جوابه للمعلى بن خنيس عن حق المؤمن، أنَّها: «سبعون حقا لا أخبرك إلا بسبعة، فإنِّي عليك مشفق أخشى أن لا تحتمل»، وفي بعضها أنَّ: «أيسر حقٍّ منها أن تحبَّ له ما تحبُّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك..»، وهذا الحقُّ لو تأملنا فيه فإنَّه كفيل بتقوية وتمتين العلاقة بين المؤمنين لو التزمنا به، و«ما أقبح بالرجل أن يعرف أخوه حقَّه، ولا يعرف حقَّ أخيه»، والمهم التأمل في حكمة هذه الحقوق، وليس النَّظر إليها من منظار الوجوب والاستحباب، والثواب والعقاب فقط.

هذه الحقوق وإن لم تكن كلُّها واجبة بالوجوب الفقهي، إلا أنَّ من يقرأ الرِّوايات يتعجب من التشدُّد فيها، ولهذا فإنَّ عقاب من يسلب حقَّ المؤمن شديداً جداً، أكتفي بنقل هذه الرواية عن مولانا الصادق”عليه السلام” : «إنَّ من حبس حقَّ المؤمن أقامه الله خمسمائة عام على رجلِه حتى يسيل من عرقه أودية، ثمَّ ينادَى منادٍ من عند الله جلَّ جلاله: هذا الظَّالم الذي حبس عن اللهِ حقَّه، قال: فيوبَّخ أربعين عاما، ثمَّ يؤمرُ به إلى نار جهنَّم».

من الأمور الراجحة بين المؤمنين والتي ورد الحثُّ فيها في الروايات: التزاور والتلاقي، والتراحم، والتعاطف، وقبول العذر عند الخطأ، والتصافح (وأكدت عليه الروايات كثيراً)، والإقبال بالوجه، والتعانق.

يكره المراء وإن كان محقاً، والتباغض، والتعادي، والتخاصم، وفي الحديث: «إياكم والخصومة، فإنَّها تشغل القلب، وتورث النِّفاق، وتكسب الضغاين»، ويحرم الحسد، والغش، والمكر، والخيانة؛ فإنَّ المكر والخديعة في النَّار، كما يحرم هجر المؤمن بغير موجب أكثر من ثلاث، وورد في الهجران روايات شديدة اللهجة، ويحرم إهانته وخذلانه، وإذلاله واحتقاره، والاستخفاف به، وإذاعة سرِّه، وسبِّه، كما يحرم إحصاء عثراته وعوراته لأجل تعييره بها، وغيبته، فضلاً عن بهتانه، بل يجب ردُّ غيبة المؤمن عند سماع من يغتابه، وعلى المغتاب أن يستغفر لمن اغتابه، وتجوز غيبة الفاسق المعلن بفسقه، وصاحب الهوى، والإمام الجائر.

كما يحرم تهمته، وسوء الظنِّ به، وإخافته ولو بالنَّظر: قال رسول اللهمن نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها أخافه الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله، وحشره في صورة الذر بلحمه وجسمه، وجميع أعضائه وروحه، حتى يورده مورده، وقال صلى الله عليه وآله: من أحزن مؤمنا ثم أعطاه الدنيا لم يكن ذلك كفارته ولم يوجر عليه.

المصدر: العدد66 من مجلة رسالة القلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky