مصحف المشهد الرضوي

مصحف المشهد الرضوي أثر في تاريخ القرآن من القرن الأول الهجري

الاجتهاد: يتناول الباحث في العلوم القرآنية الدكتور مرتضى كريمي نيا في مقالته هذه التي تحتوي على مدخل وثلاثة فصول وخاتمة، دراسة و تحليل مصحف المشهد الرضوي الذي تمت أخيراً إزاحة الستار عنه في مدينة مشهد المقدسة وأهدى الباحث نسخة منه إلى المراجع العظام و العتبات المقدسة في إيران والعراق.

إن (مصحف المشهد الرضوي) هو أحد أهم ما تبقى من الوثائق القرآنية التي يعود تاريخها إلى القرن الأول الهجري والذي يمكنه أن يعطينا صورة واضحة ومتكاملة عن تاريخ كتابة القرآن.

وقد أطلقت في هذا المقال تسمية (مصحف مشهد أو مصحف المشهد الرضوي) على هذا المصحف القديم الذي وجدت أكثر أوراقه في مكتبة العتبة الرضوية موزعة على نسختين خطبتين برقم: (١٨ و ٤١١٦)، تتكون النسخة الأولى من (۱۲۲) ورقة والنسخة الثانية من (۱۲۹) ورقة، بحيث تمثل مجموع هذه الأوراق أكثر من (۹۰) بالمائة من النص القرآني؛ ولكننا لا نستبعد أن يتم العثور على الكم القليل المتبقي من الأوراق المفقودة؛ إما في مشهد أو في مكان آخر من مكتبات العالم وذلك من خلال بذل المزيد من البحث والتنقيب الجاد عنها”.

إن مصحف المشهد الرضوي في شكله وصورته الحالية يشابه النص العثماني للقرآن والترتيب العثماني للسور – المتن والترتيب الذي انتهجه الصحابة في عهد عثمان بن عفان للآيات والسور من تقديم السور الكبيرة منها على الصغيرة وتنسيق الآيات – فإن هذه النسخة من القرآن بترتيبه الحالي وصورته الظاهرية وترتيب سوره ومحتواه المتني – إذا لم نأخذ اختلاف القراءات وفوارق رسم بعض الكلمات بعين الاعتبار – هو نفس المتن العثماني المعهود، أي: إنه مطابق مع المتن السائد للقرآن الكريم بين المسلمين على مدى التاريخ، والذي ينسب في جمعه وترتيبه إلى الخليفة الثالث عثمان بن عفان،

ورغم ذلك كله لا يمكننا أن نقول أن هذا الأمر يصدق بشأن (مصحف المشهد الرضوي) بالنسبة لحالته وشكله الأولي في أوّل زمن تدوينه، وتعليل ذلك الأمر هو أنه يمكننا أن نعثر في هذا المصحف على الكثير من الشواهد الواضحة التي تثبت أن ترتيب سور المصحف في أول زمن تدوينه لم تكن مطابقة وموافقة للنسق المتداول والترتيب المعروف بالترتيب العثماني، بل جاء ترتيب المصحف مطابقاً مع ترتيب قرآن الصحابي عبد الله بن مسعود (ت ۳۲هـ).

وسنغتنم الفرصة في مقالنا هذا لنميز بين هاتين الحالتين من الاصطلاح المشار إليه في البحث بالحالة الأولية والحالة الثانوية أو الفعلية، ومن الطبيعي أن (مصحف مشهد) يدخل فعلياً في مضمار الحالة الثانوية ولكن إذا أمعنا النظر بدراسة تحليلية للنسخة بكل أبعادها يمكننا أن نتوصل حينها إلى خصائصها في الحالة الأولية..

دراسة مصحف مشهد تاريخياً وكيفية تحديد تاريخه

إن الحالة التي كان عليها (مصحف مشهد في وضعيته الأولية هي حالة متمايزة وخاصة جداً من بين المصاحف القرآنية القديمة الأخرى المعروفة في العالم بالخط الحجازي، فلماذا تمت كتابة النص القرآني الكامل بناء على الرواية العثمانية في حين نرى أنها مطابقة مع ترتيب ابن مسعود لسور القرآن؟

وقبل أن يتوفّر إجراء عملية الاختبار الكاربوني (١٤) من أجل تعيين قدم (مصحف مشهد) كان بإمكاننا أن نطرح نظريات مختلفة في أصل نشأة (مصحف مشهد) وسأشير في هذا المقال إلى ثلاث نظريات من الممكن توقعها وباعتقادي أن أفضلها هي النظرية الثالثة.

النظرية الأولى

إن أول ما يتبادر إلى الذهن في بيان هذه النظرية هو أن هذا المصحف قد تمت كتابته في الكوفة من قبل بعض أصحاب ابن مسعود، ممن التزم بقراءته وكان خبيراً بترتيبه، ومن جانب آخر لم تكن لهم أي رغبة بالترتيب العثماني الرسمي ولم يستحسنوا ذلك الترتيب، ولكنهم لم يتمكنوا من كتابة القرآن مخالفاً للنص الرسمي بعد انتشاره ورسميته في البلاد، فقاموا بتدوين نص القرآن بناء على النسخة العثمانية الرسمية، إلا أنهم اعتمدوا ترتيب ابن مسعود للسور، وحينما استب الترتيب العثماني بعد قرون من ذلك في جميع الأقطار ومن بينها الكوفة سعى بعض الأشخاص للقيام بترميم هذا المصحف بناء على الترتيب العثماني الرسمي .

النظرية الثانية:
إن هذه النسخة لم تكتب في القرن الأول الهجري بل تمت كتابتها فيما بعد ذلك من القرون التالية وذلك حين انتشرت النسخة العثمانية الرسمية وشاع صيتها في جميع أصقاع العالم الإسلامي، وقد فرضت هيمنتها وسيطرتها حتى في الكوفة، إلا أن من تصدى لكتابة هذه النسخة قد سعى – اعتماداً على ما ورد في الروايات التاريخية – أن يكتب ويدوّن هذا المصحف وفقاً لترتيب ابن مسعود للسور،

فبناء على هذا يمكن أن تكون تمت كتابة هذه النسخة في قرون متأخرة وبعيدة جداً عن القرون الأولى، والمؤيد أو الشاهد الوحيد على هذه النظرية ـ والذي يمكننا أن تعثر عليه – هو أن الكاتب لبعض كلمات هذا المصحف قد كتبها حسب الظاهر بناءً على ما ورد في الروايات التاريخية في الحقب المتأخرة وهو أمر ملفت للنظر جداً، فإن كلمة (يتسنه) (البقرة، (۲۵۹) كتبت في الصفحة (A172) (يتسن) (من غير هاء) وقد كتبت كلتا كلمتي (المرجومين) (سورة الشعراء، ١١٦) و(المخرجين) (سورة الشعراء (١٧٦) كل واحدة منهما مكان الأخرى في الصفحتين: (B242 و1282)

ويبدو أن هناك من قام بإصلاحها فيما بعد ذلك وفقاً للنسخة العثمانية، وهذه النماذج تذكرنا بالروايات المعروفة في كتاب المصاحف للسجستاني حيث يقول: «إن الحجاج بن يوسف غير في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً، قال كانت في البقرة: (لم يتسن وانظر …) – بغير هاء – فغيرها (لم يتسنه) … وكانت في الشعراء في قصة نوح: (من المخرجين) وفي قصة لوط: (من المرجومين) فغير قصة نوح ( من المرجومين)، وقصة لوط: (من المخرجين)”.

إن أهم ما يرد على هذه النظرية من إشكال هو أنها لم تستطع أن تبرر قدم الكلمات وغرابة رسمها في مصحف مشهد)، خصوصاً وأن ميزان الغرابة في الرسم الإملائي في (مصحف مشهد) – كما وكيفاً – قد بلغ من الكثرة حداً بحيث لا يمكن نسبتها إلى طريقة نسخ القرآن في القرون المتأخرة عن القرن الأول وبعبارة أخرى أنها لا يمكن نسبتها إلا إلى القرن الأول الهجري

النظرية الثالثة:
من الممكن أن تعثر على أفضل جواب على هذه الأسئلة وذلك من خلال بعض التغيير في النظرية الأولى؛ حيث يمكننا أن نقول: إن الشكل الأولي لـ (مصحف مشهد) مشتمل على النص العثماني (مع مميزات مدنية) إلا أنه على ترتيب ابن مسعود، ولم يتم هذا الأمر من قبل جماعة ابن مسعود، وإنما تم من قبل جماعة عثمان، أو الأفضل أن نقول: قد تم من قبل جماعة يدينون بالولاء إلى الطبقة الحاكمة.

فيها أن السنة الغالبة والسائدة في الكوفة آنذاك – وإلى ردح من الزمن – كانت على قراءة ابن مسعود واتباع مصحفه، فقد سعى حينها أحد النساخ داخل الكوفة أو خارجها أن يكتب المصحف ابتناء على الترتيب والشكل المتداول والسائد في الكوفة – وهو ترتيب ابن مسعود – وبالتالي فإن ترتيب السور فيه كان موافقاً مع ترتيب ابن مسعود ومطابقاً له، ولكن خصائص نصه ومميزاته جاءت مطابقة للمصحف العثماني الموجود في المدينة، ولذلك فإن نص هذا المصحف لم يكن مطابقاً لما ورد تاريخياً في شأن مصحف ابن مسعود ولا مطابقاً لإملاء المصاحف العثمانية الموجودة في الكوفة.

 

محتويات المقالة

المدخل

الفصل الأوّل: المصاحف بالخطّ الحجازي
أهمّ مميزات مصاحف القرون الأولى :
أ: انحناء الخط إلى جهة اليمين
ب: الكتابة على الجلد
ج: القطع العمودي في المصاحف لا الأفقي البياضي
د: استغلال أقصى حدٍّ من مساحة أوراق الجلد
هـ : عدم الالتزام بتنظيم السطور وترتيب الصفحة
و: الكتابة المتوالية والمتصلة(scriptio continua)
ز: عدم وجود التذهيب والزخارف في مطالع السور
ح: الرسم الناقص في كتابة حروف المدّ
ط: كثرة الغرائب الإملائية في رسم الخطّ
ي: وضع العلائم الدالة على نهاية الآيات
ك: تمييز البسملة بصفتها آية مستقلة
ل: سهو الكاتب وأخطاؤه المتكررة
م: كثرة القراءات الخاصة للصحابة والقراءات الشاذة
ن: عدم رعاية التنسيق المعروف في ترتيب السور القرآنية

الفصل الثاني: المصاحف المنسوبة إلى الأئمة “عليهم السلام” حقيقة أم مجرد شهرة
فهرسة مختصرة للمصاحف المنسوبة إلى الأئمة “عليهم السلام”
جدول لأهم المصاحف والأوراق القرآنية المنسوبة إلى الأئمة في المتاحف والمكتبات في العالم

الفصل الثالث: مصحف المشهد الرضوي، خصائصه وأهميته
الأولى : تبيين الخصائص الكلية لمصحف مشهد
الثانية: خصائص النص القرآني في نسخة (مصحف مشهد)
غرائب الرسم في مصحف مشهد
اختلاف مصاحف الأمصار
اختلاف القراءات
عدّ الآي
أخطاء الكاتب
الثالثة: ترتيب السور في مصحف مشهد
الرابعة: دراسة (مصحف مشهد) تاريخياً و كيفية تحديد تاريخه
ثلاث نظريات
نتائج البحث
عدة صور من المصحف
المصادر 

 

المصدر: مجلة تراثنا العدد 153 – محرم الحرام 1444.

لقراء المقالة كاملة في موقع مجلات نور التخصصية (noormags) راجع العنوان التالي:

مصحف المشهد الرضوي أثر في تاريخ القرآن من القرن الأول الهجري

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky