دروس في علم الاصول

في رحاب كتاب دروس في علم الأصول (الحلقات) / سماحة السيد على أكبر الحائري

الاجتهاد: يعتبر– بحق – كتاب دروس في علم الأصول الذي اشتهر بكتاب (الحلقات) من أهم مؤلفات سيدنا الاستاذ الشهيد الصدر (رضوان الله تعالى عليه) في علم الأصول، وبدأ يفتح طريقه في الأوساط العلميّة ليحتل مكان الكتب الأصولية التي كانت متداولةً إلى زماننا هذا في الحوزات العلميّة في مرحلة السطوح العليا،

فإن هذه الكتب وإن كان لكلّ منها مقامه العلمي الرفيع وهي على العموم تعتبر – حسب مراحلها التاريخية – كتباً تجديدية ساهمت إلى درجة كبيرة في تطوير الفكر العلمي الأصولي، إلا أن هذا لا يحول دون محاولة تطوير الكتب الدراسية وتحسينها في الحوزات العلميّة إذا وجدت مبررات تدعو إلى ذلك.

أسباب وضع لكتاب دروس في علم الأصول:

وقد وجد السيّد الشهيد الصدر (رحمه الله) أكثر من سبب يدعو إلى التفكير في استبدال هذه الكتب بكتب اخرى في مجال التدريس، لها مناهج الكتب الدراسية بحق وأساليبها في التعبير وشرائطها.

وذكر في هذا المجال مبررات أساسية أربعة للتفكير في هذا الاستبدال، عرضها مشروحةً في المقدمة المفصلة التي كتبها (رحمه الله) للحلقات الثلاث لتوضيح الاسباب التي دعت إلى وضعها وما لوحظ فيها من خصائص وبعض الارشادات في مجال تدريسها.

ولا بأس بالاشارة هناك إلى تلك المبررات باختصار:

المبرر الاول: إن الكتب الأصولية التي كانت متداولةً في الحوزات العلميّة تمثل مراحل مختلفة من تطور الفكر الأصولي في طول التاريخ، وإن أحدثها تاريخياً – أعني كتاب (الكفاية) – يمثل نتاجاً أصولياً يعود لما قبل مائة سنة تقريباً، وقد حصل علم الأصول بعد ذلك على خبرة مائة سنة تقريباً من البحث والتحقيق على يد أجيال متعاقبة من العلماء المجددين، وهي جديرة بأن تأتي بأفكار جديدة كثيرة، وتطور طريقة البحث في جملة من المسائل، وتستحدث مصطلحات لم تكن من قبل، ومن الضروري إن تنال الكتب الدراسية اليوم حظاً مناسباً لها من هذه الافكار والتطورات والمصطلحات، لئلا يفاجأ بها الطالب في بحث الخارج دون سابق إعداد.

المبرر الثاني: إن الكتب الأصولية السابقة لم تؤلف من قبل أصحابها بهدف استعمالها ككتب دراسية، إنما الفت لكي تعبر عن آراء المؤلف أفكاره في المسائل الاصولية المختلفة، وفرق كبير بين كتاب يضعه مؤلفه لكي يكون كتاباً وكتاب يؤلفه ليعبر فيه عن أعمق وأرسخ ما وصل اليه من أفكار وتحقيقات، لإن المؤلف في الحالة الأولى يضع نصب عينيه الطالب المبتدئ الذي يسير خطوة فخطوة في طريق التعرف على كنوز هذا العلم وأسراره،

وأما في الحالة الاولى يضع نصب عينيه الطالب المبتدئ الذي يسير خطوة فخطوة في طريق التعرف على كنوز هذا العلم وأسراره، وأما في الحالة الثانية فيضع المؤلف في تصوره شخصاً نظيراً له مكتملاً من الناحية العلميّة ويحاول إن يشرح له وجهة نظره ويقنعه بها بقدر ما يتاح له من وسائل الاقناع العلمي. ومن الواضح إن كتاباً يوضع بهذا الاعتبار لا يصلح أن يكون كتاباً دراسياً مهما كانت قيمته العلميّة وإبداعه الفكري.

المبرر الثالث: إن المقدار الذي ينبغي أن يعطي للطالب من الفكر العلمي الاصولي في مرحلة السطح إنما هو ما تتكون به ثقافة عامة عن علم الأصول لمن يريد أن يقتصر على تلك المرحلة، والاعداد للانتقال إلى مرحلة الخارج لمن يريد مواصلة الدرس. ولا حاجة في هذه المرحلة إلى الاستطرادات المفصلة التي وقعت فيها الكتب الاصولية السابقة من استعراض شتى الفروع، وشتى الاقوال، ونقل الادلة، واستيعاب النقض والابرام، وألوان من التوسعات الاخرى التي تزيد عن حاجة مرحلة السطوح.

المبرر الرابع: إن البحث الاصولي من خلال اتساعه وتعمقه بالتدريج منذ أيام الوحيد البهبهاني إلى زمان صاحب الكفاية (رضوان الله تعالى عليهما) طرح قضايا كثيرة جديدة ضمن معالجته للمسائل الاصولية الموروثة تاريخياً، وكثير من هذه القضايا تعتبر من الناحية الفنية والعملية معاً أهم من جملة من تلك المسائل الموروثة، بينما ظلت هذه القضايا في الكتب الاصولية المتداولة تحت الشعاع، ولا تبرز الا بوصفها مقدمات أو استطرادات في تلك المسائل الموروثة.

هذه هي أهم المبررات التي دعت أستاذنا الشهيد (رحمه الله) إلى التفكير بصورة جادة في استبدال الكتب الدراسية التي كانت قائمة في مجال علم الاصول في الحوزات العلميّة[1]، فقام بتأليف الحلقات الثلاث سداً لهذه الحاجة تحت عنوان (دروس في علم الأصول ).

المنهج الجديد في كتاب دروس في علم الأصول:

وقد أخذ السيّد الشهيد (رحمه الله) في كتابه هذا بعين الاعتبار جميع المبررات التي دعت إلى استبدال الكتب السابقة، فوضعه بمنهج فني جديد يناسب الكتاب الدراسي بحق، من حيث التدريج في مستوى الحلقات الثلاث، والتدريج في كلّ حلقة من السهل إلى الصعب، ومن السابق ربطه إلى اللاحق، ومن حيث وحدة المنهج في الحلقات الثلاث رغم اختلافها في المستوى العلمي الملحوظ، فإن كلّ واحدة منها تستوعب علم الاصول بكامله، ولكنها تختلف في مستوى العرض كماً وكيفاً بنحو يتناسب مع ثلاث مراحل دراسية لهذا العلم.

وقد التزم (رحمه الله) في الحلقات الثلاث جميعاً تقسيماً رئيسياً واحداً للأبحاث الاصولية، حيث ابتدأ بمجموعة من المقدمات الضرورية العامة – من قبيل تعريف علم الاصول، وموضوعه، وتقسيم الاحكام، وتوضيح الفرق بين الامارات والاصول… والبحث عن حجية القطع بوصفها أوسع القواعد الاصولية – ثم قسم البحث إلى (الادلة المحرزة) و(الاصول العملية) بوصفه تقسيماً رئيسياً لأبحاث علم الاصول، بدلاً عن تقسيمها إلى مباحث الالفاظ ومباحث الالفاظ ومباحث الحجج.

وقد صنف القسم الاول – أعني (الادلة المحرزة) – إلى (الادلة الشرعية) و(الادلة العقلية) وتحدث في الادلة الشرعية ضمن ثلاث مراحل، هي: تحديد دلالات الدليل الشرعي، وإثبات صغرى الدليل الشرعي، وحجية الدلالة في الدليل الشرعي، كما تحدث في الادلة العقلية ضمن مرحلتين، وهما: إثبات القضايا العقلية – التي يمكن إن يستنبط منها حكم شرعي – وحجية الدليل العقلي.

ثم تكلم في القسم الثاني – أعني (الاصول العملية) – حول ثلاث قواعد رئيسية، وهي: القاعدة العملية في حالة الشك، وقاعدة منجزية العلم الاجمالي، وقاعدة الاستصحاب.

ثم تحدث في الخاتمة حول تعارض الادلة، وقسم ذلك إلى تعارض مستقر وتعارض غير مستقر، واستعرض القواعد التي يتمسك بها في كلّمن القسمين.

هذا هو المنهج الجديد الذي اتبعه الاستاذ الشهيد الصدر (رحمه الله) في الحلقات الثلاث جميعاً – عدا بعض الفوارق الجزئية الناشئة غالباً من الاختصار في الحلقة الاولى – وقد استطاع (رحمه الله) في هذا المنهج الجديد أن يضع كلّ بحث من الابحاث الاصولية في الموضع المناسب له، ويبرز القضايا ذات الاهمية تحت عناوين خاصة بها وإن لم يكن لها عناوين خاصة موروثة تاريخياً في علم الاصول،

كما استطاع أن يعرض الافكار والتطورات والمصطلحات التي استحدثت في علم الاصول على يد العلماء في القرن الاخير، بالقدر الذي يناسب الطالب في مرحلة السطح، وبالتالي استطاع (رحمه الله) أن يوفر للطالب ما يوصله إلى مرحلة الاعداد لبحث الخارج، ويجعله على درجة من الاستيعاب للهيكل العام لعلم الاصول ومن الدقة في فهم معالمه وقواعده تمكنه من هضم المادة العملية التي تعطى له في أبحاث الخارج هضماً جيداً.

بعض العقبات دون كتاب دروس في علم الأصول:

وبالرغم من أن هذا الكتاب بدأ يفتح طريقه في الاوساط العلميّة ليحل محل الكتب الاصولية السابقة بكلّ جدارة واستحقاق، الا أنه ما زال يوجد بعض العقبات دون هذا الكتاب تؤدى إلى شيء من الانكماش أو التشكيك حوله في بعض الاوساط. ونحن نعتقد إن هذه العقبات تعبر عن أسباب وعوامل موهونة تتجه تدريجاً إلى الزوال، حتى يسفر هذا الكتاب في موضعه الطبيعي اللائق به.

ولعل من جملة تلك الاسباب ما يلي:

أولاً: المقايسة الخاطئة التي يجريها البعض بين كلّ واحدة من الحلقات الثلاث وواحد من الكتب الاصولية السابقة، فيضع الحلقة الاولى في مقابل كتاب المعالم، والحلقة الثانية في مقابل كتاب الرسائل، والحلقة الثالثة في مقابل كتاب الكفاية، فيقيس كلّ واحدة بما يقابلها، ويتراءى له أن بعضها ليس جديراً بالاستبدال،

فمثلاً يجد أن كتاب المعالم الرسائل أعمق وأوسع منه في الحلقة الثانية، في حين أن هذه الطريقة التجزيئية في المقابلة والقياس غير صحيحة أصلاً، في حين إن هذه الطريقة المقابلة والقياس بين مجموع الكتب السابقة ومجموع الحلقات الثلاث، ولا شك أن مجموع الحلقات الثلاث أجدر بكثير من مجموع الكتب السابقة لتربية الطالب في مرحلة السطوح وإعداده لبحث الخارج.

هذا بالاضافة إلى أن تعقيد بعض المطالب أو سعتها لا يعني كونها أعمق – من حيث النتيجة – وأقرب إلى الصواب، فكتاب المعالم مثلاً رغم الصعوبة والتعقيد الفكري الموجود في كثير من مطالبه ليس بأعمق من حيث النتائج عن الحلقة الاولى، بل هو بعيد جداً عن آخر ما توصل إليه العلماء من النتائج العلميّة في علم الاصول، بخلاف الحلقة الاولى التي صممت على أحدث النظريات العلميّة تقريباً وإن تجنبت التعقيد في أسلوب العرض والاستدلال بحكم كونها حلقةً بدائية ليس الغرض منها سوى إعطاء فهرسة إجمالية لعلم الاصول والالمام السريع بمطالبها بغية التمكن من الانتقال إلى الحلقات الاخرى ذات الطابع الاستدلالي.

ثانياً: العامل النفسي الذي يمنع كثيراً من الناس عن تقبل كلّما يستجد على الساحة ويجعلهم يتمسكون بالحالات السابقة دائماً، الامر الذي عبر عنه السيّد الشهيد (رحمه الله) – في محاضرته عن المحنة – بالنزعة الاستصحابية، وشكا بعض الاوساط العلميّة عن ذلك، قائلاً:

«لابد لنا إن نتحرر من النزعة الاستصحابية نزعة التمسك بما كان، حرفياً» بالنسبة إلى كلّ أساليب العمل، هذه النزعة التي تبلغ القمة عند بعضنا، حتى إن كتاباً دراسياً مثلاً – أمثل بأبسط الامثلة – إذا أريد تغييره إلى كتاب دراسي آخر أفضل منه، حينئذ تقف هذه النزعة الاستصحابية في مقابل ذلك.

إذا اريد تغيير كتاب بكتاب آخر في مجال التدريس – وهذا أضأل مجال التغيير – حينئذ يقال: لا، ليس الامر هكذا، لابد من الوقوف، لابد من الثبات والاستمرار على نفس الكتاب الذي كان يدرس فيه الشيخ الانصاري (رضوان الله عليه) أو المحقق القمي (رضوان الله عليه). هذه النزعة الاستصحابية التي تجعلنا دائماً نعيش مع أمة قد مضى وقتها، مع أمة قد ماتت وانتهت بظروفها وملابساتها…»[2]

أجل هذه النزعة الاستصحابية التي يمكن إن نسميها أيضاً بالنزعة التقليدية او الجمود والتحجر ضمن الاساليب والاطر القديمة تشكلّ مانعاً نفسياً كبيراً في بعض الاوساط عن تقبل الحلقات الثلاث كبديل أجدر وأفضل من الكتب الاصولية السابقة.

ولا يخفى أن النص الذي نقلناه عن استاذنا الشهيد (رحمه الله) بهذا الصدد قد صدر منه قبل تأليفه لكتاب الحلقات بأكثر من ثماني سنوات.

ثالثاً: ما قد يتوهمه البعض من إن الحلقات الثلاث من هذا الكتاب بمنزلة الاجزاء الثلاثة من كتاب واحد، فيتعامل معها كدورة واحدة ذات أجزاء متساوية في المستوى العلمي، فيلحظ الحلقة الاولى – بوصفها الجزء الاول من هذه الدورة – فيجدها كتاباً لا يصلح الا للطالب المبتدئ، فيقيس عليها باقي حلقات الكتاب – بوصفها أجزاء اخرى من هذه الدورة – دون أن يلحظها ويتأمل في محتواها، وعلى هذا الاساس يعتقد ويحكم أيضاً بعدم صلاحية هذا الكتاب لإعداد الطالب لبحث الخارج كبديل عن الكتب الاصولية السابقة.

رابعاً: الرواسب التي خلفتها مظلومية أستاذنا الشهيد (رحمه الله في أوساط الحوزة العلميّة، الامر الذي لا نريد الدخول في تفاصيله ضمن هذا البحث، فإن الحديث عنه ذو شجون.

خامساً: وجود بعض المصطلحات الحديثة في كتاب دروس في علم الأصول، فإن أستاذنا الشهيد (رحمه الله) رغم حرصه في هذا الكتاب على مسايرة العلماء السابقين في لغتهم العلميّة ومصطلحاتهم كي لا يبتعد الطالب عن فهم المصادر والكتب الاصولية الاخرى، استخدم في هذا الكتاب بعض المصطلحات الحديثة التي لا تأنسها الاوساط العامة في الحوزة العلميّة، وهذا الامر قد يشكلّ حجر عشرة أمام بعض الطلاب بل أمام بعض الاساتذة الذين تخرجوا من غير مدرسة الشهيد الصدر (رضوان الله تعالى عليه)

وبالتالي يؤدي إلى تلكؤ سير كتاب دروس في علم الأصول في تلك الاوساط. هذا بالاضافة إلى عدم استئناس هؤلاء ببعض النظريات العلميّة الحديثة التي طرحها السيّد الشهيد (رحمه الله) في هذا الكتاب إلى جنب النظريات العلميّة المعروفة.

المصطلحات الحديثة في كتاب دروس في علم الأصول:

ولا بأس هنا بالاشارة إلى بعض المصطلحات الحديثة التي أدخلها أستاذنا الشهيد (رحمه الله) في علم الاصول واستخدمها في هذا الكتاب، فإنه وإن كان قد وضح مقصوده بها غالباً في بداية استخدام كلّ واحد منها، الا أن بعضها قد تكرر استخدامه بدون توضيح جديد، وبعضها لم يوضح توضيحاً كافياً من أول الامر، وبعضها كان معروفاً من قبل في معان معينة وقد استخدمه (رحمه الله) في معان جديدة غير معروفة، فرأيت من الراجح – لهذه الاسباب وغيرها – أن نذكر تلك المصطلحات في هذا المجال مع توضيح مختصر عما قصده بكلّ واحد منها:

1– (العناصر المشتركة) في عملية الاستنباط. يقصد بها القواعد العامة التي يمكن استخدامها في استنباط أحكام شرعية عديدة في أبواب فقهية مختلفة.

2– (العناصر الخاصة) في عملية الاستنباط. يقصد بها القضايا التي تستخدم في استنباط أحكام شرعية معينة وتتغير من مسألة إلى اخرى.

3– (الادلة المحرزة). يقصد بها الادلة التي تكشف عن الحكم الشرعي إما كشفاً قطعياً أو كشفاً ظنياً حكم الشارع باتباعه وقبوله. وقد وضع السيّد الشهيد (رحمه الله) هذا المصطلح في مقابل (الاصول العملية) وهو أوسع من مصطلح (الامارات) لانه يشملها ويشمل الادلة القطعية معاً.

4– (الحفظ التشريعي). وهو عبارة عن الموقف التشريعي الذي يصدر من المولى لحفظ الملاكات الواقعية المطلوبة له.

5– (التزاحم في مقام الحفظ التشريعي) وقد يعبر عنه أيضاً بالتزاحم الحفظي، وهو التزاحم بين الملاكات كلّ نوع منها الحفاظ عليه بنحو ينافي ما يضمن به الحفاظ على النوع الاخر. وقد ذكر استاذنا الشهيد (رحمه الله) هذا النوع من التزاحم في بحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي، وهو ليس عبارة عن التزاحم في عالم الملاك – بالمعنى الذي جاء في لسان المحقق الخرساني (رحمه الله) – كما نه ليس عبارة عن التزاحم في عالم الامتثال – بالمعنى الذي جاء في لسان المحقق النائيني (رحمه الله) – بل إنما هو عبارة عن التزاحم في عالم حفظ الملاكات حفظاً تشريعياً. ويمكنك الحصول على توضيح ذلك بصورة أوسع في تقريرات بحثه (رحمه الله)[3].

6– (نظرية القرن الاكيد). وهي من النظريات التي أبدعها استاذنا الشهيد (رحمه الله) في علم الاصول، وقد فسر بها عملية (الوضع) في بحث الدلالة، وحاصلها أن الوضع عبارة عن اقتران مؤكد بين تصور اللفظ وتصور المعنى يستدعي إثارة أحدهما للآخر في الذهن.

7– (مسلك حق الطاعة). وهو أيضاً من إبداعات أستاذنا الشهيد (رحمه الله) في علم الاصول، حيث أسس هذا المسلك في مقابل مسلك القائلين بقبح بلا بيان، معتقداً إن من حق الله تبارك وتعالى على العبادة أن يطيعوه في جميع التكاليف القطعية والظنية والاحتمالية، ما لم يصل إليهم الترخيص من قبله في ترك الاحتياط.

8– (ترك التحفظ). يقصد به ترك الاحتياط.

9– (القطع الموضوعي). تارة يستخدم في مقابل (القطع الطريقي) وأخرى في مقابل (القطع الذاتي). والاول مصطلح قديم جاء في لسان الشيخ الانصاري والمحقق الخراساني وغيرهما من علماء الاصول (رحمهم الله) كما جاء في لسان السيّد الاستاذ الشهيد (رحمه الله) أيضاً تبعاً لهؤلاء. والثاني مصطلح حديث جاء في لسان السيّد الشهيد (رحمه الله) تعبيراً عن القطع الذي يحصل للإنسان عند مواجهته لمبررات موضوعية لهذا القطع من دون إن يتأثر بعوامل ذاتية خاصة كالامراض النفسية أو العواطف الهائجة التي قد تدفع الانسان إلى جزء بقضية لا يجزم بها الانسان المتعارف في الظروف الطبيعية.

10– (القطع الذاتي) يقابل القطع الموضوعي بالمصطلح الحديث الذي جاء في لسان أستاذنا الشهيد (رحمه الله) وهو القطع الذي يحصل للإنسان متأثراً بعوامل ذاتية خاصة من دون وجود مبررات موضوعية كافية.

11– (تنوين التنكير). وهو في مصطلح النحاة عبارة عن التنوين «اللاحق لبعض الاسماء المبنية فرقاً بين معرفتها ونكرتها، ويقع في باب إسم الفعل بالسماع كصه ومه وإيه، وفي العلم المختوم بويه بقياس، نحو: جاءني سيبويه وسيبويه آخر»[4]. لكن أستاذنا الشهيد (رحمه الله) قصد بذلك: التنوين الذي يلحق الاسم النكرة لإفادة قيد الوحدة، مثل: (أكرم فقيراً) أي فقيراً واحداً.

12– (تنوين التمكين). وهو في مصطلح النحاة عبارة عن التنوين «اللاحق للاسم المعرب المنصرف إعلاماً ببقائه على أصله، وأنه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع الصرف، ويسمى تنوين الامكنية أيضاً وتنوين الصرف، وذلك كزيد ورجل ورجال»[5]. لكن أستاذنا الشهيد (رحمه الله) قصد بذلك التنوين اللاحق للاسم المتمكن لا لإفادة قيد الوحدة بل لمجرد الاعلام ببقائه على التمكين مثل قول القائل: (رجل خير من امرأة) قاصداً بذلك جنس الرجل.

13– (وسائل الاحراز الوجداني). يقصد بها الاسباب والطرق التي توجب العلم – ولو ضمن شروط معينة – بصدور الدليل من الشارع، وأهمها: التواتر، والاجماع، وسيرة المتشرعة.

14– (وسائل الاحراز التعبدي). يقصد بها الوسائل التعبدية التي توجب البناء على صدور الدليل من الشارع، وأهمها خبر الواحد الثقة.

15– (التعارض المستقر). هو التعارض بين دليلين لا يوجد بينهما جمع عرفي، وذلك فيما إذا لم يكن أحد الدليلين المتعارضين قرينة عرفية على تفسير مقصود الشارع من الدليل الاخر.

16– (التعارض غير المستقر). هو التعارض بين دليلين يمكن الجمع بينهما عرفاً بتأويل أحدهما وفق ظهور الاخر، وذلك فيما إذا كان أحد الدليلين المتعارضين قرينة عرفاً لتفسير مقصود الشارع من الدليل الاخر.

هذه هي أهم المصطلحات الحديثة التي أدخلها استاذنا الشهيد (رحمه الله) في علم الأصول واستخدمها في هذا الكتاب.

 

الهوامش
[1] وقد ذكرها (رحمه الله) مدعومةً بأدلة وأرقام كثيرة يمكن ملاحظتها في المقدمة التي وضعها للحلقات الثلاث.
[2] المحنة: 78– 79.
[3] بحوث في علم الاصول/الجزء الرابع: 203.
[4] مغني اللبيب / الجزء الاول / الصفحة 445.
[5] المصدر السابق.

 

المصدر: مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر (قدس سره)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky