السيد محمد حسين العميدي

شبهات وردود ..الاجتهاد و التقليد .. الحلقة الأولى

 

ظهرت في الفترة الأخيرة بعض الشبهات حول موضوع التقليد ، وتم نشر منشورات تهدف الى نفي جواز تقليد الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى. ونحن في هذه الحلقات نظهر حقيقة هذه الدعوى وزيف الأدلة المذكورة في هذا المنشور إن شاء الله تعالى.

الاجتهاد: التدليس المدعي في دعواه . جعل المدعي عنوان منشوره (بطلان أدلة وجوب التقليد )، فقال:
(لا يوجد دليل شرعي من القرآن ولا من روايات أهل البيت عليهم السلام على وجوب التقليد ).
وقد ظن هذا المدعي جهلا أو تجاهلا أن الفقهاء يقولون بوجوب التقليد، مع أن الفقهاء لا يقولون بوجوب التقليد وإنما يقولون بجواز التقليد، وهنالك فرق بين الوجوب والجواز كما لا يخفى، وهذا يعني أن المدعي يناقش قضية هي أصلا لا يوجد قائل بها، وإنما اخترعها من عنده وساق الأدلة على نفيها.

وسنبين رأي الفقهاء في هذه المسألة إن شاء الله تعالى.

الواجب هو تحصيل الحكم الشرعي والتقليد أحد طرق تحصيله
من المسائل الواضحة في الفقه الإسلامي وخاصة في فقه مدرسة أهل البيت عليهم السلام أن على كل مكلف أن تكون عباداته كالصلاة والصيام ومعاملاته كالبيع والايجار والزواج والطلاق وفق الاحكام الشرعية الإسلامية، وهذا يلزم ان يكون عارفا بالأحكام الشرعية الابتلائية ويعمل على وفقها.

وهنالك طرق متعددة لتحصيل الاحكام الشرعية:
الطريق الأول هو أخذها من المعصوم مباشرة من فمه الشريف مع القدرة على الوصول الى المعصوم عليه السلام، وأيضا فلابد أن يكون المستمع لتلك الاحكام من المعصوم على قدر من الفهم والاستيعاب لقول الامام المعصوم عليه السلام.

وهذا الطريق يمكن أن يحصل للمكلف في زمن الحضور أي في زمن تواجد المعصوم عليه السلام والقدرة على الوصول اليه وفهم كلامه الشريف وما يحيط بالإمام عليه السلام من ظروف سياسية واجتماعية وغير ذلك.

الطريق الثاني هو الاجتهاد في استنباط الحكم الشرعي من مصادر التشريع وهو القرآن والسنة التي هي أقوال وأفعال وتقريرات المعصومين عليهم السلام، وهو يحتاج الى تخصص خاص كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

الطريق الثالث هو الرجوع الى الفقهاء المتخصصين العدول والاخذ بقولهم والعمل على وفق ذلك، وهو الذي يسمى بالتقليد.

وهنالك طريق آخر هو أيضا نوع من التقليد وهو الاحتياط، وهو أن يأتي المكلف بأعماله بحيث يضمن من خلال ذلك أنه جاء لما يوافق الحكم الشرعي، والمثال المشهور له هو ان من تردد في السفر أن صلاته تكون تماما أو قصرا فله ان يصلي الصلاة الرباعية مرة قصرا ومرة تماما وهو بهذا يضمن أنه قد أدى المطلوب منه.

الوظيفة في زمن الغيبة الكبرى

بما أن الطريق الأول وهو اخذ الحكم الشرعي من فم المعصوم عليه السلام مباشرة في زمن الغيبة الكبرى غير ممكن لغياب المعصوم وعدم القدرة للوصول اليه فتكون الطرق الممكنة في زمن الغيبة الكبرى تنحصر بالاجتهاد والتقليد والاحتياط.

ففي زمن الغيبة الكبرى فإن المكلف هو أحد ثلاثة مما سيأتي:
الصنف الأول ولنسميه (أ): هو المجتهد المتخصص العادل القادر على استنباط الحكم الشرعي من المصادر الشرعية.

الصنف الثاني ولنسميه (ب): هو المحتاط الذي يكرر العمل أو يفعل ما يضمن معه براءة الذمة من التكليف.

الصنف الثالث ولنسميه (ح): هو المقلد الذي يرجع الى المتخصصين العدول ويأخذ الحكم الشرعي منهم.

النتيجة
في زمن الغيبة الكبرى يجب على المكلف أن يصل الى الحكم الشرعي وأمامه طرق ثلاث وهو مخير في اختيار أحد هذه الطرق وهي الاجتهاد والاحتياط والتقليد.

إذاً التقليد ليس هو واجب ابتداء وانما الواجب هو الوصول الى الحكم الشرعي، والمكلف إذا كان مجتهدا فلا حاجة له بالتقليد، أما إذا كان غير مجتهد فيبقى أمامه طريقان لا ثالث لهما إما الاحتياط وإما التقليد.

وإنما يجب التقليد فيما إذا ترك المكلف طريق الاجتهاد وترك طريق الاحتياط فينحصر السبيل والطريق للوصول الحكم الشرعي.

فوجوب التقليد ليس وجوبا أوليا وانما تخلي المكلف عن الطريق الأول والثاني يجعله يحكم على نفسه بلزوم سلوك الطريق الثالث إذا لا سبيل سواه للوصول للحكم الشرعي.

مثال
إذا كان يجب على الانسان ان يصل الى كربلاء مثلا وكانت هنالك طرق ثلاث يستطيع الوصول فيها الى كربلاء لا رابع لها وهي طريق بغداد وطريق الحلة وطريق النجف.
فكل واحد من هذه الطرق ابتداء ليس بواجب وانما الواجب هو الوصول الى كربلاء، والمكلف مخير في اختيار الطريق، فاذا لم يرغب المكلف بان يذهب عن طريق بغداد ولا عن طريق الحلة، فصار لزاما عليه وواجبا ان يسلك طريق النجف.

ووجوب ان يسلك طريق النجف لم يكن واجبا ابتداء بل كان اختياريا لكن المكلف بتركه الطريقين الاخريين الزم نفسه بوجوب ولزوم سلوك الطريق الثالث، فصار واجبا باختيار المكلف وليس هو واجب من الأساس أو بالأصل.
مثال اخر
ان الذي يفطر يوما من شهر رمضان عليه أحد كفارات ثلاث، وهذه الكفارات ليست واجبة عليه ابتداء بل الواجب عليه ان يكفر عن افطاره.
وله ان يختار أحد هذه الكفارات اما عتق رقبة او صيام شهرين او اطعام ستين مسكين، فالمكلف حر في اختيار أحد هذه الكفارات.
فاذا لم يجد رقبة يعتقها او لم يجد ثمن العتق، ولم يرغب بصيام شهرين لأنه شاق عليه، فهو قد الزم نفسه بوجوب العمل بالكفارة الثالثة وهي اطعام ستين مسكين.
فوجوب اطعام الستين مسكين وهي الكفارة الثالثة ليست واجبة ابتداء بل هي اختيارية ويستطيع المكلف ان يتركها ويصوم شهرين متتابعين.
لكنه ان لم يقدر على عتق رقبة ولم يرغب بصيام شهرين متتابعين فليس امامه الا ان يطعم ستين مسكينا، وبهذا فهو أوجب على نفسه والزم نفسه بهذا الخيار فصار واجبا عليه والا فهو من الأول لم يكن واجبا عليه.

المسألة (1) في الرسائل العملية
عند قراءة الرسائل العملية عادة تجد أن المسألة الأولى تكون هكذا: (يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد أن يكون في جميع عباداته ومعاملاته وسائر أفعاله وتروكه مقلدا أو محتاطا …. الخ).

وهذا يعني أن المكلف إما ان يبلغ رتبة الاجتهاد او يكون مقلدا أو محتاطا، وهو يختار الطريق في الوصول الى الحكم الشرعي وتطبيقه، فاذا ترك طريقين وانحصر اختياره بالطريق الثالث فقد اوجب على نفسه ذلك وصار ملزما به.

خلاصة هذه الحلقة
أن الفقهاء لا يقولون بوجوب التقليد، إنما يقولون إن المكلف في هذه الازمان (أي عصر الغيبة الكبرى) مخير بين الاجتهاد والاحتياط والتقليد ، فاذا ترك الاجتهاد والاحتياط فصار لزاما عليه أن يكون مقلدا للفقهاء.

والسؤال الصحيح في هذا البحث هو: هل أن التقليد جائز أو غير جائز؟

السيد محمد حسين العميدي مسؤول معتمدي ووكلاء مكتب سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه الوارف)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky