خاص الاجتهاد: ببالغ الأسف، تُوفي البروفيسور عبد العزيز ساشدينا عن عمر ناهز الثالثة والثمانين عامًا. كان البروفيسور عبد العزيز ساشدينا عالمًا إسلاميًا بارزًا وأستاذًا في جامعة فرجينيا، ويُعد من الشخصيات المؤثرة في مجالات علم الكلام الشيعي، والأخلاق الإسلامية، وحقوق الإنسان، والحوار بين الأديان.
ينحدر ساشدينا من جماعة الخوجة الشيعية في شرق أفريقيا، وكانت له صلات واسعة بمجتمعات الخوجة حول العالم. قضى معظم حياته في الولايات المتحدة، وزار إيران مرات عديدة لإلقاء المحاضرات والمشاركة في التعاون العلمي.
شغل منصب أستاذ الدراسات الإسلامية ورئيس كرسي معهد الفكر الإسلامي العالمي (IIIT) في جامعة جورج ميسون في فرجينيا، وله مدخلات حول موضوع المهدوية في بعض الموسوعات.
مسيرته العلمية والأكاديمية
في عام 1967م، سافر إلى إيران ودرس في جامعة الفردوسي بمشهد المقدسة. خلال هذه الفترة، كان تلميذًا للدكتور علي شريعتي وأقام معه علاقة جيدة. أشار شريعتي إلى تتلمذ ساشدينا على يديه في إحدى محاضراته. كما تابع ساشادينا دراسات حوزوية في مشهد وقم والنجف.
في عام 1972م، انتقل إلى كندا وحصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة تورنتو.
كان ساشدينا مُتضلعًا في عدة لغات، منها الهندية، والأردية، والفرنسية، والفارسية، والعربية، والسواحيلية، والإنجليزية، والغوجاراتية، والتركية، والألمانية.
استفادت الولايات المتحدة من خبرته؛ فقد كان مستشارًا لوزارة الدفاع الأمريكية في شؤون الشرق الأوسط، وساهم في صياغة الدستور العراقي بعد سقوط النظام البعثي.
للفقيد كتاب يدور حول نقاشاته ومباحثاته مع آية الله العظمى السيد السيستاني، ولكنه تعرض مؤخرًا لانتقادات لبعض آرائه وعقائده من قبل مكتب المرجع التقليد، وهي خلافات ذات طبيعة فكرية وكلامية.
ترك الراحل مؤلفات ومقالات عديدة في مجالات علم الكلام الشيعي، والفقه، والأخلاق، والإلهيات التطبيقية.
عبد العزيز ساشدينا: مفكر بين الأصالة والحداثة وإرثه الخمسيني في الدراسات الإسلامية
انتقل إلى رحمة الله الدكتور عبد العزيز ساشدينا، الباحث الإسلامي والأستاذ المرموق في الدراسات الإسلامية بالجامعات الأمريكية، عن عمر يناهز 83 عاماً.
ساشدينا، وهو شيعي من أصول هندية، كان قد أكمل دراسته الجامعية في الدراسات الإسلامية بجامعة عليكر الهندية، ثم التحق بجامعة الفردوسي بمدينة مشهد المقدسة، في إيران عام 1967م لدراسة اللغة الفارسية وآدابها. خلال هذه الفترة، استفاد من المرحوم الدكتور علي شريعتي، وتلقى جزءاً من العلوم الحوزوية في مشهد وقم والنجف الأشرف. سافر إلى كندا عام 1972م وحصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة تورنتو. بعد ذلك، انخرط في التدريس والبحث في مختلف الجامعات بالولايات المتحدة وكندا ودول أخرى، كما عمل أستاذاً زائراً في جامعة الفردوسي بمشهد لفترة. تولى أيضاً رئاسة كرسي المعهد الدولي للفكر الإسلامي (IIIT) في جامعة جورج ميسون.
بعد صراع دام سنوات مع المرض، توفي الدكتور ساشدينا يوم أمس عن عمر 83 عاماً، بعد مسيرة علمية امتدت لخمسة عقود.
مسيرة علمية فريدة: مزيج من الحوزة والجامعة
يُعد الدكتور ساشدينا من القلائل الذين ساروا في مسار علمي طويل ونادر: سنوات من التلمذة في الهند، جامعة الفردوسي، والحوزات العلمية في مشهد وقم والنجف، ثم إكمال الدراسة في جامعة تورنتو وحصوله على الدكتوراه، وأخيراً أكثر من خمسة عقود من التدريس والبحث حول الإسلام في الجامعات الأمريكية المرموقة. إن هذا المزيج القيّم من الأصالة الحوزوية والتعليم الجامعي الغربي هو ما أكسبه مكانته العلمية البارزة.
لقد كان ساشدينا، الذي يُعد من تلامذة المرحوم علي شريعتي، قد أجرى حواراً جاداً بين التقليد الإسلامي الكلاسيكي والقضايا الجوهرية للعالم المعاصر. تركزت محاور أعماله الرئيسية على: حقوق الإنسان وحماية البيئة.
في كتابه “الإسلام وتحدي حقوق الإنسان” (Islam and the Challenge of Human Rights)، بيّن أن الإسلام يمتلك القدرات الذاتية للدفاع عن الكرامة الإنسانية والعدالة.
وفي كتابه “الجذور الإسلامية للتعددية الديمقراطية” (The Islamic Roots of Democratic Pluralism)، أكد على أن التنوع الديني والفكري متجذر في التراث الإسلامي.
كما قدم في كتابه “الأخلاق البيوطبية الإسلامية” (Islamic Biomedical Ethics) مقاربة دقيقة ومحورها الأخلاق للقضايا الطبية المعقدة.
على الرغم من بعض الانتقادات التي وجهها له التقليديون وبعض التجديديين، فقد ظل استقلاله الفكري، ونزاهته العلمية، وحرية تفكيره، وشجاعته الأخلاقية، ووضوحه، وشخصيته الإنسانية واضحة المعالم. لُقّب بأنه جسر بين الأصالة والحداثة، وبين العالم الإسلامي والغرب. وعُرف في كلا العالمين بأنه باحث أدخل التشيع في الحوار العلمي العالمي، وأسس للأخلاق البيوطبية الإسلامية، وسعى إلى إعادة قراءة علاقة الإسلام بحقوق الإنسان والديمقراطية.
لمحة عن سيرة عبد العزيز ساشدينا العلمية
عبد العزيز عبد الحسين ساشدينا (مواليد 1942م) كان من أبرز الباحثين الشيعة في مجال الدراسات الإسلامية المقارنة، اللاهوت الشيعي، الأخلاق البيوطبية، وحقوق الإنسان. وُلد في شرق أفريقيا لعائلة ذات أصول هندية–شيعية، وأنهى دراساته الأولية هناك. هذا التنوع الثقافي فتح ذهنه منذ البداية على تساؤلات الهوية، قبول الآخر، والحوار الديني؛ وهي هواجس استمرت طوال حياته العلمية.
التعليم وتشكيل الهوية العلمية
في سن المراهقة، توجه ساشدينا إلى الهند ودرس العلوم الإنسانية في الجامعة الإسلامية في عليكر. ثم، لإكمال أسسه الدينية والتعرف المباشر على التشيع، قدم إلى جامعة الفردوسي بمشهد حيث دمج بين الدراسة الحوزوية والجامعية. تشكّلت خلال هذه السنوات محاولته الواعية للربط بين “الدراسة النصية” و”المنهج العلمي”.
في عام 1967م، سافر إلى إيران ودرس البكالوريوس في اللغة الفارسية وآدابها بجامعة الفردوسي بمشهد. كان خلال هذه الفترة تلميذاً للمرحوم علي شريعتي، كما تلقى بعض العلوم الحوزوية في حوزات مشهد وقم والنجف.
الخطوة الحاسمة التالية كانت هجرته إلى كندا والتحاقه ببرنامجي الماجستير والدكتوراه في جامعة تورنتو، حيث كانت رسالته للدكتوراه حول “تطور عقيدة المهدوية في الإمامية”، والتي أصبحت فيما بعد النواة لكتابه الشهير “الموعودية في الإسلام” (Islamic Messianism). يُعد هذا العمل نقطة تحول في دراسات التشيع بالمنهج التاريخي–النقدي في الغرب.
المسيرة الأكاديمية والنمو الفكري
بدأ ساشدينا نشاطه الأكاديمي في السبعينيات، ودرّس لأكثر من ثلاثة عقود في جامعة فيرجينيا كأستاذ لعلم الأديان. انتقل لاحقاً إلى جامعة جورج ميسون لتولي “كرسي المعهد الدولي للفكر الإسلامي (IIIT) للدراسات الإسلامية”.
شملت مجالات تدريسه: الإلهيات الإسلامية (الشيعي والسني)، تاريخ الفكر الإسلامي، الأخلاق البيوطبية الإسلامية، الإسلام وحقوق الإنسان، التعددية الدينية، والدراسات القرآنية المقارنة.
لم يقتصر نشاطه على التدريس، بل كان له دور جاد في البناء المؤسسي الفكري، والحوار بين الأديان، ولجان الأخلاق الطبية.
التوجه البحثي والتحول الفكري في أبحاثه، تداخل محوران رئيسيان دائماً:
الدراسات الشيعية التاريخية – الفكر السياسي والكلامي: سعى في أعمال مثل “الموعودية في الإسلام” (Islamic Messianism) و “الحاكم العادل في الإسلام الشيعي” (The Just Ruler in Shiʿite Islam) إلى تحليل الفكر الشيعي في سياقه التاريخي–الاجتماعي: “ديناميكية مفهوم الإمام والولاية”، “نشأة نظرية الحكومة العادلة”، “تحولات المهدوية في القرون الأولى”، “دور الانتظار في الفكر السياسي الشيعي”.
خلافاً للتقليد الكلامي الكلاسيكي، يؤكد ساشدينا على قابلية الفكر الديني للتطور وارتباطه بالتحولات الاجتماعية.
الأخلاق، الحداثة، والعلوم المعاصرة:
منذ التسعينيات، اتجه نحو مجالات الأخلاق التطبيقية، وكان من أوائل من أسس “البيواتيك الإسلامي” بشكل منهجي. يجمع كتابه “الأخلاق البيوطبية الإسلامية” بين: “الفقه والأصول”، “فلسفة الأخلاق”، “القانون الطبي”، و”مواجهة الإسلام للتقنيات الحديثة”.
خلال هذه الفترة، كان شاغله الأساسي هو إيجاد لغة مشتركة بين التراث الإسلامي والقيم العالمية مثل حقوق الإنسان، الكرامة الإنسانية، وحرية الضمير. ويُعد كتاب “الإسلام وتحدي حقوق الإنسان” إجابة نظرية على هذا الموضوع.
أهم أعماله
من بين أعماله العديدة، تشكل الأعمال التالية أعمدة فكره:
Islamic Messianism: The Idea of Mahdi in Twelver Shi‘ism (الموعودية في الإسلام: فكرة المهدي في الشيعة الإثني عشرية)
The Just Ruler in Shiʿite Islam (الحاكم العادل في الإسلام الشيعي)
Islamic Biomedical Ethics (الأخلاق البيوطبية الإسلامية)
Islamic Roots of Democratic Pluralism (الجذور الإسلامية للتعددية الديمقراطية)
Islam and the Challenge of Human Rights (الإسلام وتحدي حقوق الإنسان)
لديه مقالات وأعمال عديدة في الأخلاق، الفقه المعاصر، الالهيات التطبيقية، والدراسات بين الأديان. من أعماله المترجمة إلى العربية: “جاودانگی شهادت امام حسین(ع)” (خلود شهادة الإمام الحسين)، “مبانی همزیستی اجتماعی در اسلام” (أسس التعايش الاجتماعي في الإسلام)، “حقوق بشر و برخورد فرهنگها” (حقوق الإنسان وتصادم الثقافات)، بالإضافة إلى ترجمته لكتاب “البيان في تفسير القرآن” (للسيد أبي القاسم الخوئي) إلى مقدمة باللغة الإنجليزية، وترجمة كتاب “دادگستر جهان” (للشيخ إبراهيم الأميني) إلى الإنجليزية.
أكثر أعماله تحدياً هو كتابه “الموعودية في الإسلام؛ فكرة المهدي في الشيعة الإثني عشرية”، وهو في الأصل أطروحة الدكتوراه من جامعة تورنتو. رافق نشر هذا الكتاب ردود فعل من آية الله السيستاني تجاه بعض القضايا وأسلوب كتابة المؤلف.
الاجتهاد موقع فقهي