رؤية الهلال بالعين المسلحة

رؤية الهلال بالعين المسلحة وعدم كفايتها عند السيد السيستاني دام ظله

الاجتهاد: سبق إن سئل سيدنا المرجع (دام ظلّه) (في مسالة رؤية الهلال بالعين المسلحة ) عمّا إذا رئي الهلال بالتلسكوب (المنظار) وحصل اليقين للرائي بكونه هلالاً، ولكن لم يمكن رؤيته بالعين المجرّدة، فهل يعتد الرائي بهذه الرؤية وهل يعتد بها غيره أم لا ؟

فأجاب (دام ظلّه) أنه ( لا عبرة بـ رؤية الهلال بالعين المسلحة سواء بالنسبة إلى الرائي وغيره) ويسأل بعض أهل العلم عن الوجه في هذه الفتوى مع أن (الرؤية) المذكورة في النصوص تعمّ بإطلاقها الرؤية بالعين المجردة والعين المسلحة ، ومجرد كون الرؤية بالعين المسلحة غير متعارفة لا يمنع من شمول الإطلاق لها كما في نظائر المورد، ولاسيما أن الرؤية طريق إلى ظهور الهلال على الأفق ولا موضوعية لها .

هذا، بالإضافة إلى صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال سألته عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره له أن يصوم ؟ قال إذا لم يشك فيه فليصم وإلا فليصم مع الناس ( تهذيب الأحكام ج٤ ص ۳۱۷ ).

فإنها لو لم تختص بذي البصر الحاد بقرينة قوله (ولا يبصره غيره) بدل (ولم يبصره غيره) فلا أقل من شمولها له بإطلاقها، وعلى ذلك فهي دليل على كفاية رؤية الهلال بالعين الحادة جدّا فتلحق بها الرؤية بالمنظار لوحدة المناط.

الجواب :

۱– أما التمسك بإطلاق نصوص الرؤية فهو مخدوش من جهة أن الهلال كان عند العرب ميقاتاً يبتدئون به الشهر القمري الذي اعتمدوا عليه في مختلف شؤون حياتهم ،

ولما جاء الدين الإسلامي الحنيف أقرّهم على ذلك، قال تعالى: (يسألونك عن الأهِلّة قل هي مواقيت للناس والحج) ومن المؤكد أن ما يصلح أن يكون ميقاتاً للناس بصورة عامة هو الهلال الذي يظهر على الأفق المحلّي بنحو قابل للرؤية بالعين المتعارفة المجرّدة ، وأما ما لا يرى إلا بالأدوات المقرّبة أو ما لا يراه إلا نادر من الناس يمتاز برؤية بصرية حادّة جدّاً فهو لا يصلح أن يكون ميقاتاً للناس عامة.

فبهذه القرينة لابدّ من البناء على أن الرؤية المذكورة في النصوص إنمّا أخذت طريقاً إلى ظهور الهلال على الأفق بحجم وبارتفاع مناسبين لأن يُرى بالعين المتعارفة غير المسلّحة لولا الموانع الخارجية من سحاب ونحوه .

۲– وأمّا صحيحة علي بن جعفر ، فالظاهر أن المراد بقول الراوي فيها ( ولا يبصره غيره ) هو مجرّد عدم تحقق الرؤية من الغير لا عدم إمكانية تحققها من جهة تفّرد الرائي بحدّة البصر بحيث لا يوجد نظير له فإنه فرض لا واقع له في أي عصر كما لا يخفى،

وعلى ذلك فليس مورد الصحيحة هو خصوص ذي البصر الحادّ جدّاً الذي يرى من الهلال ما لا يراه غيره ، وأما إطلاقها لهذا المورد فهو مخدوش لما سبق.

على أنه يمكن أن يقال أن هذه الصحيحة ناظرة سؤالاً وجواباً إلى أمر آخر وهو أن رؤية الهلال حجّة للمتفرد بها أم لا ؟ وذلك أنه لما ورد في العديد من النصوص ــ ومنها روايات محمد بن مسلم وأبي أيوب الخزاز وعبد الله بن بكير وأبي العباس (۱) ــ التأكيد على أنه لا عبرة بالرؤية إذا ادعاها شخص ولم يصدقه سائر المستهلين أراد الراوي أن يستفسر عن اختصاص هذا الحكم بالآخرين أو شموله للرائي نفسه ـ و لاسيما أنه قد ذهب عدد من فقهاء الجمهور إلى شموله للرائي و أنه لا يصوم إلا مع الناس ـ

وقد أجاب الإمام (ع) بان الرائي إذا كان متيقناً من رؤيته للهلال فليعمل بموجبها وإلا فليتابع الناس ، أي أن رؤيته معتبرة لنفسه وإن لم تكن معتبرة للآخرين.

وعلى ذلك فالصحيحة مسوقة لبيان أن رؤية المتفرد بها حجّة لنفسه دون غيره ولا ينعقد لها الإطلاق من جهة كون الهلال غير قابل للرؤية بالعين المتعارفة.

هذا كله مضافاً إلى أنه لو بني على كون المناط في دخول الشهر بظهور الهلال في الأفق بنحو قابل للرؤية ولو بأقوى التلسكوبات والأدوات المقرّبة لاقتضى ذلك أن صيام النبي (ص) والأئمة (ع) وفطرهم وحجهم وسائر أعمالهم التي لها أيام خاصة من الشهور لم تكن تقع في كثير من الحالات في أيامها الحقيقية ،

لوضوح أنهم (ع) كانوا يعتمدون على الرؤية المتعارفة في تعيين بدايات الأشهر الهلالية مع أنه قلّما يرى الهلال بالعين المجرّدة واضحاً ومرتفعاً في ليلة ولا يكون قابلاً في الليلة السابقة عليها ببعض الأدوات المقرّبة القوية، وهل هذا ما يمكن الالتزام به ؟!

الهوامش

(۱) تهذيب الأحكام ج٤ ص 317.

2- تهذيب الأحكام ج٤ ص ۱٥٦، ۱٦٠ ، ۱٦٤.

3- لاحظ المغني لابن قدامة ج3 ص 92.

 

المصدر: كتاب ” أسئلة حول رؤية الهلال مع أجوبتها وفق ما أفاده سماحة السيد السيستاني دام ظله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky