خاص الاجتهاد: حجة الإسلام الشيخ مجتبى الهي الخراساني في ندوة ” تحديات الفقه في العالم المعاصر “: من التحديات التي تواجه الفقه في العالم المعاصر هي الازدواجية. يوجد لدينا العديد من الثنائيات؛ النهج المزدوج والحداثة، والبحوث الفقهية المعاصرة في المستحدثات في حالة من الصراع، وهي في طور البقاء والبحث. اقتراحنا هو تعميق النهج الاجتهادي في فقه المستحدثات وإنشاء خطة لاستكمال الأساليب في فقه المستحدثات”.
عقد مكتب الإعلام الإسلامي في مدينة خرسان رضوي -شرق إيران- جلسة حوارية تحت عنوان “مواجهة التحديات التي تواجه الفقه المعاصر” وذلك بمشاركة حجة الإسلام السيد محمد علي ايازي الأستاذ في جامعة المفيد بمدينة قم المقدسة، وحجة الإسلام الشيخ مجتبى إلهي الخراساني رئيس مركز التنمية وتمكين العلوم الإسلامية والدكتور محمود حكمت نيا عضو الهيئة العلمية بمركز الفكر والثقافة الإسلامية بمدينة خراسان رضوي.
وخلال الندوة أشار حجة الإسلام أيازي الذي درس “ذبائح الكتاب” إلى أنّها المواد التي ابتلينا بها، مؤكدًا على أنّ فقهنا فقه حديث، ولا يلتفت إلى آيات القرآن بالشكل اللازم.
ونوّه السيد ايازي إلى أنّه مبدأ في القرآن الكريم، إلا أنهم لم يلتفتوا إليه، وأثاروا مسئلة قاعدة نفي السبيل “ويقصد بهذه القاعدة نفي تشريع أيّ حكم يستلزم علوّ الكافر على المؤمن، أو مساواته له”، ولكنهم لم يحددوا قاعدة العدالة، والتي يمكن أن تكون في حد ذاتها أساسًا للاستدلال على الأحكام.
وأضاف حجة الإسلام أيازي: “لذلك، وفي أحد الجوانب هناك مشكلة النص والمشكلة الأخرى هي أن المبادئ الأساسية للقرآن لم يتم الاهتمام بها، مما سبب مشاكل”.
وأشار السيد أيازي إلى أنّ الموضوع الذي يجب بحثه هو الآية الكريمة: “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ، وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ”، والتي تعني أن أي شيء طاهر هو محلل لكم، وطعام أهل الكتاب أيضاً محلل لكم، وطعامكم محلل لهم، ولكن وبصراحة، هل يعترفون بأنّ طعام أهل الكتاب محلل، في فقهنا واستناداً إلى روايتين حول هذا الموضوع؛ قيل إن ذبائح أهل الكتاب غير مسموح بها.
وقال أيازي إن المبدأ الآخر الذي يعتمد عليه الفقه هو الادعاء بتوافق الآراء، قالوا إن الإجماع هو أنّ ذبائح أهل الكتاب لا تجوز، وسبب هذا الإجماع هو ادعاء الراحل الشيخ الطوسي، هذا على الرغم من حقيقة أنه وقبل فتوى هذا العالم؛ عارض العديد من العلماء هذه الفتوى، وقالوا: ما هو هذا الإجماع الذي استند إليه الشيخ؟
ماذا يقول القرآن الكريم عن مبدأ الحلال والحرام للذبائح؟
وقال الأستاذ بجامعة المفيد: “على هذا الأساس، عندما يتم الحديث عن الذبائح؛ ماذا يقول القرآن الكريم عن مدبأ الحلال والحرام؟”، وأضاف أيازي: “في هذه المسألة هناك رأيان يتمحور الرأي الأول حول اتخاذ القرار، فيما يتعلق الرأي الثاني بالإنسان نفسه، ويتركز المحور الأول على ضرورة ذكر اسم الله على الذبيحة، أو عدم ذكر غير الله”.
وتابع أيازي:” أما أصحاب الرأي الذي يقوم على الأشخاص فإنهم يركزون على الإنسان، إذ يقولون إن الشخص الذي يقوم بالذبح يجب أن يمتلك صلاحيات هذا الأمر، وأنّ هذا الشخص هو الشخص المسلم، وحتى بعض الفقهاء الذين لديهم درجة أكبر من التشدد أكدوا على أنّ الشخص الذي يقوم بالذبح لا يكفي أن يكون مسلم أو مؤمن فقط؛ بل يجب أن يكون مؤمنًا كاملًا يؤمن واعتقادًا راسخًا.
ونوّه أيازي إلى أنّه قلة من رجال الفقه العظماء لدينا مثل آية الله السيد السيستاني، والعلامة فضل الله “ره” وغيرهم، يعتقدون بالرأي الأول القائم على اتخاذ القرار وهذا دليل على أنّهم يعتمدون على الروايات.
وأشار أيازي لوجود 5 آيات في مجال الذبح، وإذا ما تم جمع هذه الآيات الخمس؛ فسيكون من الواضح تماما أننا سنخرج من هذه الإشكالات وهذا الغموض.
وأضاف أيازي: “الآية الأولى تقول “وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ”، وتتحدث هذه الآية بصيغة ضمنية، كما أنّها لا تُشير إلى الشخص الذي يقوم بالذبح.
وقال أيازي إن الفقهاء ذكروا أن هناك شرط التسمية، وأن أهل الكتاب لا يقومون بالتسمية، وقد استشهد العديد من الفقهاء بهذه الآية، بينما جميعنا يعلم أن هذه الآية وردت في سورة الأنعام وهي سورة مكية ولم يكن يوجد أهل كتاب في مكة في ذلك الوقت.
حجة الإسلام أيازي وحول طرح سؤال عن من تتوجه إليه الآية؟ قال: “كانت رسالة إلى المشركين الذين كانوا خلال الحج يقومون بذبح الذبائح وقراة اسم الأصنام عليها، والآية هنا تُشير إلى هذه النقطة”.
يستخدم القرآن في معظم الحالات الطعام بمعنا اللحم
وتابع أيازي: “الآية الثانية التي يشير إليها العديد من الفقهاء لدينا هي: : “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ، وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ”، وهذه الآية بها بعض النقاط.
وأضاف: “كلمة اليوم عندما ذكرت في القرآن حملت معنا الامتنان، ووفقا لفقهائنا فإن كلمة “إليوم” تعني أن القرآن يريد أن يدلي ببيان لم يقله من قبل”، وتابع الأستاذ بجامعة المفيد: “على سبيل المثال في بحث تكميل الدين، وهذا يعني أنّه لم يكن سابقًأ قد اكتمل، وأنّ شيئاً لم يُقل سابقًا والآن يريد أن يقوله.
وأضاف حجة الاسلام أيازي: “السؤال هو أنه يريد أن يقول للمسلمين أنه بإمكانك تناول عدس وفطر وقمح أهل الكتاب؛ وهل هذه مسئلة تحمل اسم الذبيحه، وأنّهم لم يكونوا يتناولوها سابقًا، والآن يمكنهم تناولها؟ وبناءً على هذا من الواضح أن المسئلة هي مسئلة الذبيحة.
وأشار أيازي إلى أنّ الطعام هو الغذاء عادةً، الغذاء هو المطبوخ. وهناك نقطة أخرى هي أن القرآن الكريم وفي معظم الحالات استخدم كلمة الطعام للدلالة على اللحم.
وأضاف الأستاذ الجامعي والحوزوي إن النقطة التي يجب أخذها بعين الاعتبار في هذه المرحلة هي حقيقة أن نص الآية يقول أيضا أن الطعام هو الذبيحة، وعندما يتم استخدام الآية ويُرايد تخصيصها وكسر كل العموميات، فهو أمرٌ يُراد له نقاش.
معيار حُرمة الذبيحة هو الفسق
وأضاف حجة الإسلام أيازي: “يقول القرآن في الآية 121 من سورة الأنعام: ” وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ”، ولا تأكل ما لم يذكر عليه اسم الله، أنه فسق وشر.
قال: لماذا يقول القرآن أنك لا تأكل ما لا يُذكر اسم الله عليه؟ لأنه فسق، فسق بدليل أنّه ورد في القرآن والآية المشار إليها هنا، بمعنى ذكر اسم الأصنام عليها، نحن نعرف أنه إذا أكل شخص ما ذبيحة أهل الكتاب، فلا فسق في ذلك، وعلى هذا الأساس يجب أن يكون الأمر عمليًا يجب أن يكون معيار الحُرمة هو الفسق.
وتابع أيازي: “وبناءً عليه فإنّ مصطلح “لا تأكلوا” هو للذبيحة التي لم يُذكر عليها اسم الله، وإذا كان المسلم لم ينتبه أو لا يعرف، فهذا ليس من الفسق، وكذلك أهل الكتاب إذا لم يذكروا اسم الله، فإنه ليس من الفسق.
وأضاف: “إذا قيل أنّ ذبيحة أهل الكتاب لا تُأكل فحتما يوجد دليل على ذلك وسبب خاص لها، ولم يُراد إطلاق هذا الحكم على على كل ذبائح أهل الكتاب”.
المنهج الفقهي والقانوني لظواهر العالم المعاصر
وفي متابعة الجلسة تحدث الحقوقي الدكتور محمود حكمت نيا، عضو الهيئة العلمية بمركز الفكر والثقافة الإسلامية حول موضوع الفقه والمنهجية القانونية لظواهر العالم المعاصر، حيث يقول: “إننا نواجه أحيانًا مشكلة واحدة وأحيانًا نظام واحد، والأنظمة النظم لديها حدودها المعرفية والسلوكية التي تتعامل بها فيما بينها”.
وأشار حكمت نيا إلى أنّ التدفقات بين النظم المعرفية والقانونية والأخلاقية في بعض الحالات تسبب الغموض ويجب أن نكون حذرين في هذا المجال.
وأضاف حكمت نيا إن فترة الشرك وجاهلية العرب هي فترة من المعتقدات الثقافية والدينية، وهي أول المواجهة التي واجهها الإسلام، مع هذا هو تبقى مسألة كيفية تحديد الحدود وكيفية عزل بنية الثقافة العربية.
وقال حكمت نيا: “يجب أن تكون هناك حدود ثقافية دقيقة ،” قولوا لا إله إلا الله تُفلحوا” وهذا يعني تغيير المؤسسات الثقافية والمعرفية من نظام إلى نظامٍ آخر.
وتابع حكمت نيا: “عندما يُراد مواجه بقية الأديان، فإنّنا نحتاج إلى تبيين الحدود الأيديولوجية والسلوكية والثقافية، و”أشهد أن لا إله إلا الله” هي حدودنا الثقافية.
وقال عضو الهيئة العلمية بقسم الفقه والقانون بمركز الأنظمة الإسلامية: “إنه ينظم بعناية العلاقات ويمكنك أن ترى في الأدبيات الفقهية مناقشة المعاملة والزواج وكيفية التعامل بين الأفراد.
وطرح حكمت نيا سؤال عن الكيفية التي واجه بها الإسلام مثل هذه النقطة وتلك الحدود التاريخية، وكيف تمكن من إدارة هذا الإشكال، وكيف غيّر العناوين؟ وأضاف: “في بعض الحالات، استفدنا أيضًا من أساليب الجاهلية”.
وأضاف حكمت نيا: “لقد حددنا المعتقدات الدينية في الثقافة الدينية، ولكن في صدر الإسلام؛ لم يفهموا متطلبات الإسلام، لذلك تم الاستفاده من المؤسسات الجاهلية، وتم أخذ البيعة”.
وقال عضو في الهيئة العلمية لمركز الثقافة والفكر الإسلامي: “التفاعل الأول هو التفاعل مع فترة الشرك، ويجب علينا الأخذ بالاعتبار المتطلبات الثقافية، عندما نواجه بعض الآيات والروايات والحجج الفقهية، فإننا لا نولي اهتماما بالجوانب الثقافية”.
وتابع: “اليوم، إننا نواجه عالمًا معاصرًا، نحن لا نواجه عالم الشرك”، إننا نواجه العالم المعاصر، الذي يمتلك مؤسسات ثقافية، وطرق للاستنباط، بالإضافة إلى المبادئ والقواعد الأخلاقية.
وأضاف: “إن مشكلة العالم المعاصر هي أنه يعتقد أنها يتفوق، علينا أولاً أن نعترف بأننا نواجه عالماً أو إجماع عام له معناه الخاص، حيث يقوم بأعماله ويقول ما يُريد، وإذا أردنا الاستفادة من هذا العالم، يجب علينا أولاً أن نفهم بالضبط ما يفعله هذا العالم.
ونوه حكمت نيا إلى أنّه ما كان يجري في صدر الإسلام هو أنّه إذا أراد أن يرسم الحدود مع المشركين؛ فإنه حدد الحدود المعرفية وحدد سلوكه وتفاعله معه.
تحديات الفقه المعاصر
وفي ختام الجلسة أشار حجة الإسلام الشيخ مجتبى إلهي الخراساني رئيس قسم تطوير العلوم الإسلامية وتمكينها، أشار إلى أنّ أهم تحديات الفقه المعاصر هو موضوع المستحدثات، مضيفاً: “إن وضع الفقه في مجال المستحدثات هو إيجاد حلول أكثر دقة للمشاكل وهناك تحديات لا تعني بالضرورة التناقض مع ما قبلها، بل هي قضايا تحتاج إلى معالجة.
وأضاف إلهي الخراساني: “التحدي الأول لدينا هو أن القضايا متعددة الأوجه ومركبة في طبيعتها، وذلك يعود إلى تشابك جوانب مختلفة من الحياة وأسلوب الحياة مع التكنولوجيا”.
وتابع الاستاذ البحث الخارج في حوزة مشهد العلمية: “إن الظواهر التي نواجهها اليوم متعددة الأوجه”، مضيفًا يجب الأخذ بعين الاعتبار القنوات والشبكات الافتراضية، حيث تحولت هذه الظاهرة من ظاهرة بسيطة استخدمت للتراسل في الماضي، إلى أداة تمتلك في نفس الوقت وسائل الإعلام الفنية والاتصالات ومجتمع المعلومات ودراسة العديد العلوم.
الحاجة إلى الدراسات متعددة التخصصات في القضايا الجديدة
وأشار إلهي الخراساني إلى أنّه ونتيجة هذه الطبقات المتعددة والجوانب ذات القضايا متعددة الأبعاد، لا شك بأنّ هذه المسألة فقهية محضة، لذا يجب حلها عن طريق المعرفة الفقهية، لأن جوانبها المختلفة مرتبطة بالمعرفة المختلفة، وبناءً عليه فإن الحاجة إلى الدراسات متعددة التخصصات في مجال الموضوعات الجديدة أمرٌ جدي للغاية.
وتابعإلهي الخراساني: “اعتمادًا على التفاسير في الفن والفلسفة، يختلف موقفك من العمل الموسيقي، ورأيك في أداء حفل موسيقي سيختلف من خلال تفسيرك لتلك الظاهرة.
النهج المزدوج والحداثة
ويرى الاستاذ إلهي الخراساني أن التحدي الثاني هو الازدواجية التي يواجهها الفقه المعاصر، يوجد لدينا العديد من الثنائيات؛ النهج المزدوج والحداثة، والبحوث الفقهية المعاصرة في المستحدثات في حالة من الصراع، وهي في طور البقاء والبحث.
وأضاف رئيس المركز الإسلامي للتنمية والتمكين: “اقتراحنا هو تعميق النهج الاجتهادي في فقه المستحدثات وإنشاء خطة لاستكمال الأساليب في فقه المستحدثات”.
وأضاف: “هناك طريقتان النص والعرف، فهما من ناحية يحافظان على روح النص إلى حدٍ ما، ويسمحان لنا بالتحرك نوعا ما تجاه النص الديني، ومن ناحية أخرى، يمكننا فهم المتطلبات الجديدة المستحدثة في العرف، وأقترح أن يكون مجال لإعادة قراءة وتحديث النص والعرف.
وختم إلهي الخراساني: “القضية الأخرى هي تطوير قدرة الاجتهاد على هضم وإعادة إنتاج القضايا الجديدة”، فعلى مدى 200 عام لم يتغير فقهنا، ونحن بحاجة إلى كتب جديدة لفهم المستحدثات، منوّهًا بوجود قضية أخرى ألا وهي عولمة الفقه الفقهي الأدب والنظريات، يجب أن يتم تبادل أدبياتنا الفقهية مع فقه المذاهب الأخرى، ويمكن أيضاً تبادلها مع علوم القانون والعلوم السياسية والإدارة.