أعمال السيادة

بحث قانوني حول أعمال السيادة والاختصاص القضائي / الدكتور محمد واصل

الاجتهاد: إن أعمال السيادة هي الأعمال التي تباشرها سلطة الحكم في الدول من أجل الحفاظ على كيان الدولة من أرض وشعب وسلطة بمواجهة أخطار خارجية، أو مواجهات داخلية عامة،كتنظيم سلطات الدولة ونظام الحكم، والعلاقة بين السلطات، والنظام النقدي، والأعمال المتعلقة بالدفاع، وعقد المعاهدات، وإعلان الحرب والصلح والتنازل، وتنظيم القوات المسلحة وتدريباتها، وإعلان الأحكام العرفية وإنهائها، وكذلك الإجراءات والتدابير التي تتخذ في حالات الحرب والكوارث الطبيعية من فيضانات وبراكين وزلازل وأوبئة وجوائح وغيرها.

تعد أعمال السيادة من أهم المفاهيم في العالم المعاصر التي تتناقض إلى حد كبير مع مبدأ المشروعية أو خضوع الدولة للقانون، حيث نجد مع هذا المصطلح تراجع خضوع الدولة لرقابة القضاء من خلال نزع صلاحيته أو اختصاصه بالنظر في المنازعات المتعلقة بها، ومن ثم فهي تعمل من خلاله فوق كل المؤسسات،

وقد تلغي الحريات أو تقيدها، كما قد تعتدي على حق الملكية وتقيد التصرفات دون أن تخضع لرقابة أو محاسبة وذلك استنادًا إلى مصلحة أولى بالرعاية والحماية من كل المصالح الفردية أو الفئوية، لذلك نبين من خلال هذا البحث مفهوم أعمال السيادة والتعاريف المتداولة لها، وطبيعتها والمعيار الذي تقوم عليه، وتطبيقاتها القضائية كونها قيدًا على اختصاص المحاكم الخاضعة لقانون السلطة القضائية أو لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، والملاحظات التي ترد عليها.

مقدمة :

يقضي المبدأ الدستوري أن حق التقاضي وسلوك سبل الطعن مصون بالقانون، ومن ثم لا يمكن حرمان أحد من هذا الحق ، وعلى ذلك تختص محاكم القضاء المنشأة بموجب قانون السلطة القضائية ، والمحاكم المحددة في قانون مجلس الدولة ، بالنظر في جميع المنازعات التي يمكن أن تقع فيما بين الأفراد ، أو بين الأفراد وإدارات الدولة وفق قواعد توزيع الاختصاص بين القضاءين ، حيث يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري في جميع المنازعات الإدارية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة ، وتختص محاكم القضاء العادي ببقية المنازعات مهما كانت تسميتها .

– نصت الفقرة ( 4) من المادة ( 28 ) من الدستور السوري على أن (حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون )) .

دراسة وبحث قانوني قيم حول أعمال السيادة والاختصاص القضائي

نصت المادة (8) من قانون مجلس الدولة السوري رقم ( 55 ) الصادر بتاريخ 21 / 5/ 1959والتي تنص على أنه : يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في المسائل الآتية :

-1 الطعون الخاصة بانتخابات الهيئات الإقليمية والبلدية.
-2 المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم.
-3 الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح علاوات .
-4 الدعاوى التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية النهائية للسلطات التأديبية.
-5 الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم
عن غير الطريق التأديبي باستثناء المراسيم والقرارات التي تصدر استنادًا إلى أحكام المادة( 85 ) من قانون الموظفين .
-6 الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية.
-7 الطعون في القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية في منازعات الضرائب والرسوم.
-8 أحكام ديوان المحاسبات وقراراته القطعية .
-9 دعاوى الجنسية .

كما تنص المادة ( 9) من القانون ذاته على أن ( يفصل مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره في طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في المادة السابقة إذا رفعت إليه بصفة أصلية أو تبعية)، وتنص المادة ( 10 ) أيضًا على أن (يفصل مجلس الدولة …. دون غيره في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والأشغال العامة وا لتوريد أو بأي عقد إداري آخر .

كما تنص المادة ( 25 ) من قانون السلطة القضائية السورية وتعديلاته والتي تنص على أن :
تختص المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها في جميع الدعاوى والمعاملات التي تعرض عليها في حدود اختصاصها إلا ما استثني بنص خاص.

إلا أن هذا المبدأ لا يسري على إطلاقه، حيث وجدت قواعد وأحكام تغل يد القضاء بجهتيه عن النظر في بعض المسائل منها تلك المتعلقة بأعمال السيادة، لذلك فإننا سنحاول في هذا البحث أن نبين بإيجاز مفهوم أعمال السيادة وطبيعتها، ومن ثم سوف نبين هل يعود عدم اختصاص القضاء بنظر الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة إلى نظرية قانونية أم إلى نظرية فعلية، وسنعرض لبعض الحالات التي عددها القضاء المقارن من أعمال السيادة وحكم فيها بعدم الاختصاص وفق الآتي :

أولاً : مفهوم أعمال السيادة

يعد مصطلح أو مفهوم أعمال السيادة من المسائل المختلف عليها في عالم الفكر القانوني، حيث يضيق هذا المفهوم في الدول ذات الأنظمة العريقة في الديمقراطية التي ترسخ فيها مبدأ سيادة القانون، ويتسع في دول أخرى حتى يكاد يشمل العديد من تصرف ات الإدارة ، وأن المسألة تثير نزاعًا بين أجهزة الدولة القائمة على سلطة الحكم التي ترغب دائمًا في أن تبقى تصرفاتها وأعمالها بعيدة عن رقابة القضاء وبين القضاة في المحاكم الذين يرغبون في أن يبسطوا سلطتهم على جميع تصرفات الإدارة على اعتبار أن حق الدولة ليس أقوى من حق الفرد وأن كلاً من الحقين مستمد من القانون ولا يمكن التذرع بمفهوم أعمال السيادة من أجل استبعاد تطبيق حكم القانون لأنه في دولة القانون لا أحد فوق القانون، وفي الشريعة الإسلامية كل من الفرد والدولة يتلقى الحق من الله، وليس حق الدولة أقوى من حق الفرد، و إن تدخل الدولة في حريات الأفراد وحقوقهم إنما يكون في حدود الضرورة والصالح العام وتطهير المجتمع من الاستغلال والفساد .

هذا، وتقر الشريعة الإسلامية كما يقر التشريع الوضعي بسمو أعمال الدولة على أعمال الأفراد عندما تتصرف في دائرة الحفاظ على كيان الأمة أو ال شعب أو الدولة ، أو على أساس الحفاظ على المصالح العليا ولو على حساب الأفراد لأن مصلحة الجماعة مقدمة على مصالح الأفراد ،

لذلك يفرق فقهاء القانون بين أعمال الحكومة بوصفها سلطة تنفيذية تشرف على إدارة وتسيير المرافق العامة، وبين أعمال الحكومة بوصفها سلطة سياسية أو سلطة حكم تباشر صلاحية أوسع في تقدير ملاءمة أعمالها من أجل حماية أرض الوطن واستقلاله، وقيام الدولة بأركانها ،لذلك تكون خاضعة لحكم القانون في الحالة الأولى، وأعمالها تخضع لرقابة القضاء من حيث المشروعية والملاءمة، وعدم التعسف وغيرها من القواعد التي تحكم التصرفات الإدارية ، ولا تخضع في الحالة الثانية لرقابة القضاء ، وهي وحدها تقدر مدى ملا ءمة تصرفاتها للقيام بواجبها الدولي والوطني تجاه الأرض والشعب، إذ عدت تصرفاتها وأعمالها في هذه الحالة من أعمال السيادة .

هذا وقد عرف الدكتور محمود حافظ أعمال السيادة بأنها ( طائفة من أعمال السلطة التنفيذية تتمتع بحصانة ضد رقابة القضاء بجميع صورها أو مظاهرها ) سواء في ذلك رقابة الإلغاء ، أو رقابة التعويض ، أو رقابة فحص الشرعية .

كما عرف الدكتور سليمان الطماوي العمل السيادي بأنه ((عمل يصدر من السلطة التنفيذية ، وتحيط به اعتبارات خاصة كسلامة الدولة في الخارج أو الداخل ، ويخرج عن رقابة المحاكم ، متى قرر له القضاء هذه الصفة )) ويرى أن هذه الأعمال تتعلق بكيان الدولة الداخلي والخارجي وبأنها تشكل ثغرة خطيرة في مبدأ الشرعية وذلك لخروجها عن دائرة الرقابة القضائية.

هذا وقد قالت المحكمة الإدارية العليا في سورية : إنَّه يقصد بأعمال السيادة (تلك الأعمال والتصرفات الصادرة عن السلطات العليا في الدولة والتي يرتأي القضاء الإداري ذاته، أنها يجب أن تبقى بمنأى عن الرقابة القضائية، بسبب عدم الملاءمة أو مصلحة عليا للدولة يراها، هذا فضلاً عن طائفة أعمال السيادة المعترف لها بهذه الصفة هي في تقلص مستمر في مفهوم الاجتهاد والفقه الإداريين، فهي لا تشمل سوى الأعمال السياسية المهمة كحالات الحرب، والعلاقات الخارجية، وممارسة رئيس الدولة لبعض مهامه الدستورية، وكبعض علاقات الحكومة بالسلطة التشريعية) .

– جاء في قرار للمحكمة الدستورية العليا في مصر أن ( إن الحكمة من استبعاد أعمال السيادة من ولاية القضاء هي أنه تتصل بسيادة الدولة في الداخل والخارج ولا تقبل بطبيعتها أن تكون محلاً للتقاضي لما يحيط بها من اعتبارات سياسية تبرر تخويل السلطة التنفيذية سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقا تحقيقًا لصالح الوطن وسلامته دون تخويل القضاء سلطة التعقيب في هذا الصدد لأن ذلك يقتضي توافر معلومات وعناصر وموازين تقدير لا تتا ح للقضاء ، فضلاً عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علنا في ساحات القضاء.

وجاء في قرار آخر ( إن نظرية أعمال السيادة تقوم على أن السلطة التنفيذية تتولى وظيفتين: إحداهما بوصفها سلطة حكم والأخرى بوصفها سلطة إدارة ، وتعد الأعمال التي تقوم بها السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم من قبيل أعمال السيادة، والأعمال التي تقوم بها بوصفها سلطة إدارة أعمالاً إدارية.

في حين قالت الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية أن أعمال السيادة هي ( تلك الأعمال والتصرفات الصادرة عن السلطات العليا في الدولة وتشمل الأعمال السياسية المهمة ) لذلك وعلى الرغم من عدم وجود تعريف جامع مانع لأعمال السيادة ، فإن أهم ما يميزها هو تلك الصبغة السياسية البارزة التي تحيط بها و تصدر عن سلطة الحكم بما لها من سلطة عليا لتحقيق مصلحة الجماعة السياسية كلها والسهر على حماية النظام الأساسي للدولة وعلاقات الدولة مع الدول الأخرى وتأمين سلامتها واستقلالها وأمنها في الداخل والخارج.

وعلى هذا، نقول: إن أعمال السيادة هي الأعمال التي تباشرها سلطة الحكم في الدول من أجل الحفاظ على كيان الدولة من أرض وشعب وسلطة بمواجهة أخطار خارجية ، أو مواجهات داخلية عامة، كتنظيم سلطات الدولة ونظام الحكم ، والعلاقة بين السلطات ، والنظام النقدي ، والأعمال المتعلقة بالدفاع، وعقد المعاهدات ، وإعلان الحرب والصلح والتنازل ، وتنظيم القوات المسلحة وتدريباتها، وإعلان الأحكام العرفية وإنهائها ، وكذلك الإجراءات والتدابير التي تتخذ في حالات الحرب والكوارث الطبيعية من فيضانات وبراكين وزلازل وأوبئة وجوائح وغيرها.

كما أن نظرية أعمال السيادة، شأنها في ذلك شأن معظم نظريات القضاء الإداري الفرنسي ،هي من صنع مجلس الدولة الفرنسي ، وكانت وليدة الحاجة ومقتضيات العمل ، حيث يكون لبعض الأعمال التي تقوم بها الدولة أهمية خاصة ، فإنه من مصلحة الوطن ألا تعرض مثل هذه القضايا على القضاء ، كما أنه قد لا يكون من مصلحة الحكومة عرضها على الجمهور وأهم المعايير التي وضعها مجلس الدولة الفرنسي لأعمال السيادة هي:

-1 معيار الباعث السياسي : يعد أول معيار أخذ به مجلس الدولة الفرنسي ، وبموجب هذا المعيار ، فإن العمل يعد عملا من أعمال السيادة، إذا كان الباعث عليه سياسيًا ، أما إذا لم يكن الباعث على العمل سياسيًا ، فإنه يعد عملاً إداريًا ومن ثم يخضع لرقابة القضاء .

-2 المعيار المستمد من طبيعة العمل ذاته أو موضوعه: واستنادً ا إلى هذا المعيار ، فإن العبرة لطبيعة العمل ذاته أو موضوعه ، بغض النظر عن الدافع إليه .

ثانيًا الطبيعة القانونية لأعمال السيادة :

تختلف المواقف الفقهية والاجتهادية في التكييف القانوني للأعمال التي تعد من أعمال السيادة ، أو من تحديد النظام القانوني الذي تنتمي إليه إلا أن الرأي الراجح في أنها تدخل في طبيعة الحق الراجح للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، وأن الحفاظ على حق الحياة مقدم على الحق في سلامة عضو من الأعضاء، حيث يجوز التضحية بالعضو من أجل الحفاظ على مصلحة راجحة، ( إن درءالمغارم مقدم على جلب المغانم) ،

و هذا يعني أنها تنتمي إلى مفهوم النظام العام، ومن ثم فإن تحديد عمل من الأعمال على أنه من أعمال السيادة هو مسألة تكييف تقوم بها المحكمة المرفوعة إليها الدعوى، وتخضع في ذلك لرقابة المحاكم الأعلى ، ولا توجد قائمة أو لائحة تنص على تحديد الأعمال التي تعد من الأعمال السياسية أو أعمال السيادة التي يمتنع على المحاكم النظر فيها ، ولا عبرة لما تدفع به السلطة التنفيذية بهذا الخصوص، لأن العبرة لطبيعة العمل وليس للوصف الذي تعطيه الحكومة له.

وقد جاء في قرار للمحكمة الدستورية المصرية أنه ( رغم تعذر وضع تعريف جامع مانع لأعمال ال سيادة فإن أهم ما يميزها عن الأعمال الإدارية العادية هو تلك الصبغة السياسية البارزة فيها….) .مجموعة الأحكام ج 1 ص : 2، وجاء في قرار لمحكمة النقض السورية: ( إن قضايا تعيين الحدود لمعرفة هل كانت المخالفة واقعة داخلها أم خارجها إنما هي من أمور السيادة وتسأل عنها السلطات المختصة ولا يقررها مختار قرية أو رئيس منطقة .

هذا ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية العليا في مصر في جلسة 15 لسنة 1986 في قرار لمحكمة النقض المصرية (( من المقرر في قضاء محكمة النقض أن المحاكم هي المختصة بتقرير الوصف القانوني للعمل الصادر عن السلطات العامة ، وما إذا كان يعد من أعمال السيادة ، وأن محكمة الموضوع تخضع في تكييفها في هذا الخصوص لرقابة محكمة النقض))

و جاء في قرار للمحكمة الدستورية العليا في مصر ( إن العبرة في تحديد التكييف القانوني لأي عمل تجريه السلطة التنفيذية لمعرفة ما إذا كان من أعمال السيادة أو عملاً إداريًا هي بطبيعة العمل ذاته ، ولا تتقيد المحكمة العليا وهي بصدد إعمال رقابتها على دستورية التشريعات بالوصف الذي يخلعه الشارع على تصرفات الحكومة وأعمالها متى كانت بطبيعتها تتنافى مع هذا الوصف)) .

هذا ويرى بعض الفقهاء أنه لا فرق بين السلطة التي تمارس الضبط الإداري والسلطة التي تمارس الحكم ومن ثم فإن جميع أعمال الحكومة تخضع لرقابة القضاء ، ويرى آخر أن نظرية الأعمال السياسية أو السيادية في تقلص مستمر ، وأصبحت في الوقت الراهن مقتصرة على بعض المسائل المهمة مثل حالات الحرب والعلاقات الخارجية ، وممارسة رئيس الدولة لبعض صلاحياته ، إضافة إلى بعض علاقات الحكومة بالسلطة التشريعية ، لذلك فإن الأعمال السياسية التي تمارسها السلطة التنفيذية ( الحكومة) تنحصر في :

1 – الأعمال المنظمة لعلاقات السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية.
2 – الأعمال المتعلقة بالعلاقات الدولية.

ثالثًا: أعمال السيادة في التشريع الوضعي :

لم تنص القوانين الوضعية على الأعمال التي تعد سيادية ، ولكن بعضها نص على أنه ليس للقضاء الحق في أن ينظر في أعمال السيادة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن ثم فهي محصنة بمواجهة القضاء العدلي والإداري والدستوري ، ولا تسمع الدعوى بشأن أي عمل من أعمال السيادة ، بمعنى أنه ليس للقضاء سلطة تأويلها أو تفسيره ا ، أو إلغائها ، أو وقف تنفيذها ، أو التعويض عنها، ولكن له سلطة تكييف الأعمال لبيان هل كانت من أعمال السيادة أم لا، فإذا وجد أنها من أعمال السيادة أعلن عدم الاختصاص .

لذلك فقد نص قانون السلطة القضائية المصري على أنه ((ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أعمال السيادة ….)، كما تم تأكيد النص في قانون مجلس الدولة المصري رقم 47 لسنة 1972 على أنه (( لا تختص محاكم مجلس الدولة )بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة ) ، وهذا ما ذهب إليه المشرع السوري في قانون السلطة القضائية،

حيث نصت المادة ( 26 ) منه على أنه ((ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أعمال السيادة …))، وكذلك في قانون مجلسالدولة حيث نصت المادة ( 12 ) منه على أن ( لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة ….))، بينما نجد أن قانون السلطة القضائية في سلطنة عمان الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 90 وتعديلاته لم يتضمن أي نص يتضمن تحصين أعمال السيادة / بمواجهة المحاكم .

أما قانون إنشاء محكمة القضاء الإداري الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 91 لسنة 1999 فقد نص في المادة ( 7) منه على أن ((لا تختص المحكمة بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة أو بالمراسيم أو الأوامر السلطانية )) . وهكذا نجد أن التشريعات في بعض الدول قد نصت صراحة على عدم السماح للمحاكم بالنظر في أعمال السيادة كونها من الأعمال التي تتعلق بكينونة الدولة ومصيرها ، دون أن تضع أي معيار يتم بموجبه تعريف أعمال السيادة ، تاركة الأمر للقضاء ليقوم بذلك ، متأثرة بمضمونها بما هو عليه الحال في فرنسا .

رابعًا: أعمال السيادة في التطبيقات القضائية :

إذا كانت التشريعات المختلفة للدول لم تتناول أعمال السيادة بالتحديد إلا أن المحاكم من خلال الاجتهاد القضائي تلمست بعض الأعمال المنسوبة للحكومة وقالت عنها إنها من أعمال السيادة ، إما من خلال بيان أوصافها، أو من خلال تسميتها بأسمائها، ومنها :

-1 الأعمال المنظمة لعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية : تعد مسائل دعوة الناخبين للانتخاب، ودعوة البرلمان للانعقاد،واقتراح مشاريع القوانين من أعمال السيادة .

-2 الأعمال القضائية : تعد أعمال السلطة القضا ئية وما يلحق بها من أعمال الادعاء العام والضابطة العدلية من أعمال السيادة ، و المبدأ السائد في الفقه والاجتهاد هو عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية ، وإن كان يوجد ميل في الفقه والاجتهاد الإداري الحديث وخاصة في فرنسا يقول بمسؤولية الدولة عن أعمال السلطة المشروعة استنادًا إلى مبدأ العدالة الذي يقول : إّنه ليس من العدل في شيء أن يكون هناك شخص مضرور ولا يستطيع أن يراجع القضاء للمطالبة بالتعويض .

-3 عقد المعاهدات الدولية : يعد إبرام المعاهدات والاتفاقات الدولية والانضمام إليها عملاً من أعمال السيادة ، إلا أن مضمونها أو موضوعها ليس بالضرورة أن يكون دائمًا متصلاً بالسيادة ، إلا أن الاتفاقية المتعلقة بتنظيم إقامة الجيوش وإجراء المناورات العسكرية المشتركة تعد من أعمال السيادة .

-4 إعلان حالة الطوارئ : تعد مسألة إعلان حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية في الظروف الاستثنائية التي تتعرض لها البلاد من الأعمال السياسية السيادية التي يمتنع فيها على القضاء أمر النظر فيها ، إلا أن الفقه والاجتهاد مجمع على أن الإجراءات التي تتخذ في سبيل تنفيذ الأحكام العرفية إنما هي إجراءات إدارية وليست سياسية وتخضع لرقابة القضاء.

– جاء في قرار للمحكمة الدستورية المصرية أنه ((ليس صحيحًا إطلاق القول : إن جميع الاتفاقيات الدولية أيًا كان موضوعها من الأعمال السياسية، فالاتفاقية الدولية بإنشاء المصرف العربي الدولي تتمخض عن إنشاء بنك ، ولا يسوغ اعتبارها من الأعمال السياسية) .

– جاء في قرار لمحكمة القضاء الإداري السودانية ((إن كل قرار صادر عن فرد أو هيئة تابع للسلطة التنفيذية في أثناء
أدائها لوظيفتها يكون قرارًا إداريًا قابلاً للطعن بالإلغاء)) ، وقد جاء في قرار لمحكمة القضاء الإداري السورية (( إن الأمر العرفي هو قرار إداري مثل كل القرارات الإدارية التي تتجلى فيها إرادة الشخص العام بتعديل مركز قانوني كان يتمتع به .

-5 التدابير الأمنية : ذهبت بعض أحكام المحاكم إلى اعتبار التدابير الأمنية التي تتخذها الحكومة لمواجهة حالات الخطر على أمن وسلامة الدولة الداخلي والخارجي من أعمال السيادة وأسبغت عليها الحصانة بمواجهة السلطة القضائية .

الخاتمة

يتلازم مفهوم الشرعية مع مبدأ سيادة القانون ، فحيثما يسود القانون تسود الشرعية والعكس صحيح، كما لايمكن فصل المفهومين عن مفهوم الدولة، لأنه يقال : إن الدولة هي دولة مؤسسات ودولة قانون، أي دولة يسود فيها حكم القانون على حكم النزوات والرغبات ، وإن أي اختلاف بين المفهومين يؤدي إلى زعزعة الا ستقرار في الدولة ، ويجب أن نقصر مفهوم سيادة الدولة على فكر ة سلطتها على أرضها وشعبها ، وبأنها هي صاحبة الكلمة الأخيرة والمرجع النهائي في حسم كافة الخصومات والمنازعات جميعها، وبقوتها وحدها نضمن عناصر الأمن والاستقرار فيها ، وفي ضوء ما تقدم نورد النتائج الآتية :

-1 توجد قاعدة فقهيه ، تقرها جميع الشرائع هي أن ” الضرورات تبيح المحظورات ” وفي حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية التي تستوجب السرعة والحزم في التصرف ، تملك الدولة الحق بالخروج عن القوانين الصادرة للحكم في الظروف العادية ، إذ إن استعمال الأساليب والإجراءات الطويلة، قد يلحق ضررًا بالغًا بالدولة وإذا كان الأمر كذلك ومن أجل الحفاظ على مبدأ المشروعية تستطيع الدولة أن تعلن الأحكام العرفية لمواجهة المخاطر التي تهددها .

– جاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا في سورية 🙁 إن اتخاذ التدابير الأمنية توفيرًا للسلامة والطمأنينة العامة ، يدخل في صلب الصلاحيات والمهام التي تمارسها الحكومة وتنجو هذه التدابير من الرقابة التي يمارسها القضاء على التصرفات الإدارية والمصالح العامة، و تعد من هذه التدابير منع تجول الدرجات النارية في مدينة دمشق وبعض المدن السورية )
1980 مجلة القانون لعام 1985 العدد( 1) ص 217 .
وجاء في قرار للهيئة العامة لمحكمة النقض السورية قرار رقم 133 تاريخ 5/5/1990 ( أن أعمال السيادة هي تلك الأعمال والتصرفات الصادرة عن السلطات العليا في الدولة وتشمل الأعمال السياسية المهمة فلا علاقة لقيام إحدى الدوريات الأمنية بإطلاق النار على أحد المواطنين بداعي عدم امتثاله لإشارة الوقوف بأعمال السيادة ) .

وجاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا في سورية إن (قرار حظر التعامل مع شهود يهود الصادر استنادًا إلى أحكام مقاطعة إسرائيل هو إجراء متخذ من قبل الحكومة بما لها من سلطة في نطاق وظيفتها السياسية تستهدف به الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي للدولة وهو بهذه المنزلة يدخل في مفهوم أعمال السيادة التي استبعدت عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري) القراران: 33 و 34 ف.ط في الطعنين 99 و 100 لسنة 1966 قرارات المحكمة الإدارية العليا للأعوام 1965 إلى 1994 مجلس الدولة – المكتب الفني.

-2 يجب أن لا نضحي بوجود الدولة واستقلالها من أجل الحفاظ على مبدأ المشروعية وسيادة القانون لأن مبدأ المشروعية يتطلب أولاً وقبل كل شيء العمل على بقاء الدولة ، و إن تحديد الوقائع التي تشكل خطرًا على أمن الدولة وسلامتها ، وبيان الأعمال الحكومية اللازمة لمواجهة ذلك يعد مسألة تكييف تخضع لرقابة القضاء ، فإذا ما وجد القضاء أن الوسائل أو الأعمال أو
التصرفات التي قامت بها الحكومة تتناسب مع طبيعة الخطر الحال والداهم المهدد لكيان الدولة وأركانها قرر إعلان عدم الاختصاص ، سواء بالاستناد إلى حالة الضرورة أو بالاستناد إلى فكرة أعمال السيادة.

-3 إن التوسع في فكرة حالة الضرورة أو الأعمال السيادية يؤدي إلي تعطيل حكم القانون، ورفع يد القضاء عن رقابة كثير من تصرفات الإدارة تحت ذريعة الأعمال السيادية ، يتنافى مع ضمانات الحقوق والحريات الأساسية، وسيادة القانون المنصوص عليها في النظام الأساسي للدولة ، مع أن الإدارة في جميع الحالا ت تملك هامشًا من حرية ملاءمة تصرفاتها لمواجهة الظروف، إلا أنه يتعين عليها في هذه الحالة أن تستند إلى حكم القانون ، أي يجب أن تكون هناك صلة بين التصرف وبين القانون ، وإلا خرجنا من باب ممارسة السلطة أو الصلاحيات إلى دائرة الاعتداء المادي .

– جاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا المصرية أن (حماية مبدأ المشروعية يتطلب اولاً وقبل كل شيء العمل على بقاءالدولة، الأمر الذي يستتبع تخويل الحكومة استثناء وفي حالة الضرورة من السلطات ما يسمح لها باتخاذ الإجراءات التي يتطلبها الموقف ولو خالف في ذلك القانون في مدلوله اللفظي مادامت تبغي الصالح العام)) ، وجاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا السورية أنه (للسلطة الإدارية المشرفة على الأمن اتخاذ تدابير مؤقتة لصيانة النظام العام والأمن في حالة الضرورة ولو كان في اتخاذها مساس بحقوق الأفراد الخاصة أو حرياتهم، ولو لم تكن الأحكام العرفية معلنة) قرار رقم 133 تاريخ 5. لعام 1985 العدد( 1) ص 217 .

-4 إن مبدأ الشرعية يجب أن يسود في جميع تصرفات الإدارة، وإذا ما وجدت نفسها أنها بحاجة إلى مخالفة القانون عليها أن تستعين بالسلطة التشريعية لإصدار النص اللازم والمبرر لتصرفاتها حيال الأمر الواقع لا أن تتجاوز قواعد القانون ، لأن القانون وجد ليحكم في الظروف العادية وفي الظروف الاستثنائية ، ولا مجال لتبرير أعمال الإدارة سواء كانت سلطة إدارية أم سلطة حكم المشوبة بعيب مخالفة القانون لأن إيجاد مثل هذا التبرير يؤدي إما إلى الفوضى أو إلى الاستبداد .

مراجع البحث

أولاً الأعلام :
-1 أ. جميل حسن حقوق الإنسان في القانون الجنائي معهد البحوث والدراسات العربية . بغداد طبعة 1972
. -2 د. سليمان الطماوي القضاء الإداري القاهرة طبعة 1967
-3 د. سليمان الطماوي القضاء الإداري ورقابته على أعمال الإدارة دراسة مقارنة طبعة . عام 1961
-4 د. عبد الله طلبة الرقابة الإدارية على أعمال الإدارة مطبوعات جامعة دمشق .1976/ طبعة  1975
-5 د. عبد الفتاح ساير داير نظرية أعمال السيادة (دراسة مقارنة) رسالة دكتوراه القاهرة . 1975
-6 د. عبد السلام ذهني بك مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة العامة القاهرة طبعة .1929
-7 د. فتحي الدريني الحق ومدى سلطان ا لدولة في تقييده مؤسسة الرسالة لبنان . بيروت 1984
-8 المستشارون محمد على راتب ومحمد نصر الدين كامل ومحمد فاروق راتب القضاء . المستعجل عالم الكتب القاهرة 1985
. -9 د. محمود محمد حافظ القضاء الإداري القاهرة 1976
-10 د. محمود محمد هاشم قانون القض اء المدني ج 1 النظام القضائي جامعة عين شمس . كلية الحقوق 1981
-11 محمود الكيلاني شرح قانون أصول المحاكمات المدنية دار وائل للنشر عمان الأردن 2002 م.
. -12 د. مصطفى كيرة نظرية الاعتداء المادي في القانون الإداري القاهرة 1962
-13 ياسر قطيشان ا لشرعية وسيادة القانون الأردن بحث منشور على الانترنت : WWW.AKLAMM.NET
-14 د. يوسف حسن البشير حتمية السلطة التقديرية للإدارة بحث منشور على lwww.siprecedent.org

ثانيًا المجموعات والمجلات :
-1 مجموعة المبادئ الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا في مصر مجلة الدستورية الآن.
-2 مجموعة المبادئ الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا في مصر – مجلس الدولة – المكتب الفني.
-3 مجموعة المبادئ الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا في سورية – مجلس الدولة المكتب الفني.
-4 مجلة القانون السورية.
-5 مجلة المحامين السورية

* بحث للدكتور محمد واصل ؛ قسم القانون الخاص -كلية الحقوق جامعة دمشق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky