الاجتهاد: من أهم تلك الكتب التي كانت – وما تزال – عرضة للتساؤل والاستفسار و موردا للبحث والنقاش بين الأعلام – هو الكتاب الماثل بين يديك – الفقه المنسوب الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه الصلاة والسلام. لقد تناول المحققون والعلماء هذا الكتاب بالبحث والدراسة المتعمقة وذهبوا في ذلك مذاهب شتى اتسم البعض منها بقوة الاستدلال وحجية المنطق وأصالة الرأي.
رغم الحملات المسعورة التي شنها الحكام الجائرون والظلمة العتاة، ضد أهل بيت عصمهم الله من الزلل. وأذهب عنهم الرجس طهرهم تطهيرا، مستهدفين إطفاء تلك الأنوار الإلهية والقبسات الربانية، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.
ورغم التشريد والملاحقة التي واجهت الرسالين المؤمنين بربهم، الملتزمين بعقيدتهم، الأوفياء لمبادئهم، فقد كانوا كالبنيان المرصوص. لم تهزهم تلك الرياح الهوجاء والعواصف العاتية.
بيد أن للباطل جولة وللحق دولة، فأتعب المخلصون أنفسهم، وبذلوا الغالي والرخيص لحفظ ذلك التراث الإسلامي العظيم، الموروث من أهل بيت العصمة والطهارة، خوفا عليه من الدس والاندراس والتلف والضياع.
يحدثنا التاريخ عن أخت محمد بن أبي عمير، وعن كيفية دفن الكتب التي كانت عنده خوفا من السلطة الحاكمة التي اعتقلته، وما آلت إليه تلك الآثار الثمينة من التلف، وكيف أصبحت مراسيل ابن أبي عمير كالمسانيد، جزاء لذلك الإخلاص والتفاني في سبيل الحق والمبدأ.
هل ينسى التاريخ الهجوم الوحشي الكاسر، الذي شنه طغرل بك السلجوقي على دار شيخ الطائفة في بغداد لإحراق كتبه، ورمي القسم الآخر منه في الماء، وإحراق كرسي كان يجلس عليه عند إلقاء دروسه، هذا الكرسي الذي هو اعتراف من خليفة بغداد، بأعلمية الشيخ الطوسي في عاصمة الإمبراطورية الواسعة.
كم وكم قاسى الشهيدان الأول والثاني، وغيرهما من أعلام الطائفة، من جهلة عصرهم وطواغيت زمانهم. فكان أن تلف القسم الكثير من ذلك الموروث الحضاري العظيم، وسرق القسم الأوفر مما تبقى منه وسلم من عوادي الزمان، ليستقر في خزانات المتاحف البريطانية والإسبانية والإيطالية و و. أو في خبايا المكتبات الشخصية أو المهجورة.
ولكن جهود الباحثين بعد التتبع الشاق العسير، توصلهم إلى نسخة من تلك النسخ في إحدى المكتبات المطمورة – بعد بقاء القسم الأكبر منه رهينا بيد الأقدار تتلاعب به كيفما أرادت وشاءت – وتكثر حينذاك حول هذه النسخة علامات التساؤل والاستفسار، وتوضع على طاولة التشريح، في أي قرن ألف الكتاب، وما هو موضوعه؟
ولمن هذه الكتب؟ و و.؟
وتزداد بذلك علامات الحيرة والاستفهام أكثر فأكثر.
ومن أهم تلك الكتب التي كانت – وما تزال – عرضة للتساؤل والاستفسار و موردا للبحث والنقاش بين الأعلام – هو الكتاب الماثل بين يديك – الفقه المنسوب الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه الصلاة والسلام. لقد تناول المحققون والعلماء هذا الكتاب بالبحث والدراسة المتعمقة وذهبوا في ذلك مذاهب شتى اتسم البعض منها بقوة الاستدلال وحجية المنطق وأصالة الرأي.
وإنا إذ نذكر أولا أهم الآراء والاحتمالات المروية في الباب ومن ثم نتطرق إلى ذكر أدلة كل واحد منهم، وهي:
١ – أنه للإمام الثامن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
٢ – كونه متحدا مع كتاب الشرائع الذي كتبه أبو الحسن علي بن موسى بن بابويه لولده الشيخ الصدوق.
٣ – كونه مجعولا كله أو بعضه على الإمام الرضا(عليه السلام).
٤ – أنه عين كتاب المنقبة للإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)
٥ – أنه من مؤلفات بعض أولاد الأئمة بأمر الرضا (عليه السلام).
٦ – أنه من مؤلفات بعض أصحاب الإمام (عليه السلام).
٧ – التوقف.
٨ – أنه كتاب التكليف لمحمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني الذي رواه عنه الشيخ أبو الحسن علي بن موسى بابويه.
وعلى فرض إحدى الاحتمالات المذكورة، فهل أنه مورد اعتماد الأصحاب، وهل يمكن التعويل عليه في استنباط الأحكام أو لا؟ …..
منهجية التحقيق
في ضمن الخطة المرسومة في مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث في التحقيق الجماعي، تم تحقيق كتاب الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام) بمشاركة عدة لجان موزعة حسب الإختصاصات العلمية.
واستنادا للتقرير المرفوع من الأخ الفاضل حامد الخفاف – مسؤول لجنة مصادر البحار – عن اللجان التي عملت في هذا الكتاب.
فهي كالآتي:
١ – لجنة المقابلة: وعملها مقابلة النسخ الخطبة التي اعتمدناها في التحقيق وقد وصفت في المقدمة.
٢ – لجنة الأحاديث: وقد عنيت بتخريج الأحاديث من المصادر التي يمكن اتحادها مع الأصل، والعز وإليها في الهامش وتألفت من أصحاب السماحة حجج الإسلام السيد محمد علي الطباطبائي، والشيخ محمد رسولي، والسيد حمزة لو،والشيخ محمد الكاظمي.
٣ – لجنة تقويم نص الكتاب، وضبط عباراته، وتعيين المصحف من الصحيح، حيث لم تسلم كلتا النسختين من التصحيف والتحريف والأغلاط، مما يجعل الاعتماد على نسخة معينة أمرا غير محمود في منهج التحقيق السليم،خصوصا في مثل الحالة التي عليها كتاب الفقه المنسوب،
فكان ذلك باعثا لنا على أن نعتمد التلفيق بين النسختين في تقويم نص الكتاب، وإبراز المتن صحيحا منقحا، واستدعى الأمر في أن نرجع في عدة موارد إلى ما نقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار عن كتاب فقه الرضا (عليه السلام) علنا نجد ما يرشدنا إلى الصواب، وبالفعل فقد أثبتنا ما سقط من النسختين من كلمات بين المعقوفين ][ بالاستفادة من كتاب البحار. مع الإشارة إلى ذلك في الهامش.
وقد قام بهذه المهمة الأستاذ الفاضل أسد مولوي.
٤ – كتابة الهوامش، وتعيين الصحيح من الخطأ، وقد قام بهذه المهمة الأخ الفاضل السيد مصطفى الحيدري.
علما بأن الملاحظة النهائية كانت بعهدة أخينا الفاضل المحقق حجة الإسلام السيد علي الخراساني كما وأن المؤسسة بكافة لجانها وأعضائها قد بذلت ما في وسعها وسعت سعيا بالغا كما هو دأب أعضائها في خدمة التراث الشيعي، سائلين الله عز وجل أن يحفظ العاملين بكلاءته ويدرأ عنهم شر الأشرار إنه نعم المولى ونعم النصير.
جواد الشهرستاني
قم المقدسة في شوال 1406هـ
السؤال
هل کتاب فقه الرضا ثبتت نسبته للإمام الرضا (ع)؟
الجواب الإجمالي
هناک عدة آراء حول نسبة کتاب “فقه الرضا” إلى الإمام الرضا (عليه السلام). و نحن نستبعد أن یکون الإمام (عليه السلام) قد کتب بنفسه هذا الکتاب. طبعا هذا الرأی لا یعنی رفض جمیع الکتاب و روایاته برمتها، بل إن مجمل الکتاب بشکل عام مقبول لدى الکثیر من الفقهاء و قد نقلوا عنه بعض الروایات.
الجواب التفصيلي
التعریف بالکتاب:
هناک عدة آراء حول نسبة کتاب “فقه الرضا” إلى الإمام الرضا (عليه السلام).
أقدم نسخة موجودة لهذا الکتاب ترجع إلى زمن حیاة العلامة المجلسی و والده، و لم یأت ذکر لهذا الکتاب قبل زمانهما.
یقول العلامة الشیخ محمد تقی المجلسی (ره) فی شرحه الفارسی لکتاب “من لا یحضره الفقیه”: “لقد ظهر هذا الکتاب فی قم و لدینا موجود، و لقد استنسخه الثقة العادل أمیر حسین قبل حوالی عشر سنین”.[1]
و قال العلامة الشیخ محمدباقر المجلسی (ره) حول کتاب فقه الرضا: “کتاب فقه الرضا ع أخبرنی به السید الفاضل المحدث القاضی أمیر حسین طاب ثراه، قال قد اتفق فی بعض سنی مجاورتی بیت الله الحرام أن أتانی جماعة من أهل قم حاجین و کان معهم کتاب قدیم یوافق تاریخه عصر الرضا صلوات الله علیه… فأخذت الکتاب و کتبته و صححته”.[2]
و ینقل صاحب المستدرک عن المیرزا عبد الله الأصفهانی فی ریاض العلماء أن هذا الکتاب قد کتب بید الإمام الرضا (ع) نفسه و هو موجود فی مکة و فی ضمن کتب السید علی خان التی بقیت فی مکة. إن خط هذه النسخة کوفی و کتب فی تاریخ مئتین بعد الهجرة، کما قام علماء کثیرون بإجازته و تأییده.[3] و هناک أقوال أخرى فی العثور على هذا الکتاب و لکن لا یسعها هذا الموجز.[4]
انتساب فقه الرضا
الخطوة الأولى لدراسة هذا الکتاب معرفة مؤلفه. لم یتفق العلماء فی تشخیص مؤلف کتاب فقه الرضا فهناک عدة آراء بعضها لم تتعدّ الظن و الاحتمال:
1ـ یعتقد البعض أن هذا الکتاب هو تألیف الإمام الرضا (ع) نفسه، هذه هی عقیدة أمثال القاضی أمیر حسین من علماء القرن الحادی عشر حیث کان یعتقد أن النسخة الأصلیة لهذا الکتاب قد خطت بید الإمام.[5]2ـ إن هذا الکتاب هو نفس “رسالة الشرائع” لعلی بن بابویة القمی و قد حدث هذا الالتباس بسبب التشابه الاسمی بینهما.
یقول المرحوم السید حسن الصدر حول هذا الاحتمال: إن کثیرا من فتاوى الشیخ الصدوق و والده و الشیخ المفید تطابق فتاوى فقه الرضا کما أن العبارات الموجودة فی کتاب الشرائع تطابق عبارات فقه الرضا، و خاصة عبارات شرائع علی بن بابویه حیث إن أکثر عباراته تماثل عبارات فقه الرضا… .[6]
3ـ إن هذا الکتاب إنما هو تألیف أحد أصحاب الإمام الرضا(عليه السلام). و قد احتمل هذا المعنى السید محسن الأعرجی صاحب المنظومة الفقهیة.
4ـ إن هذا الکتاب تألیف أحد الأصحاب المتقدمین و هو فی مستوى کتاب المقنع للصدوق و …
5ـ لم یعتمد الشیخ حر العاملی على کتاب فقه الرضا و لم ینقل عنه روایة فی کتابه إذ اعتبر أن مؤلفه مجهول.[7]
6ـ و قد احتمل المرحوم البهبهانی أن هذا الکتاب هو تألیف أحد أولاد الأئمة المعصومین(عليه السلام) و إنما تمّ تألیفه بأمر من الإمام الرضا (عليه السلام).[8]
7ـ کتاب فقه الرضا، هو نفس کتاب التکلیف للشلمغانی. و قد ألف المرحوم السید حسن الصدر کتاب “فصل القضاء فی الکتاب المشهور بفقه الرضا” لإثبات هذا الأمر.[9]
بعض الإشکالات على کتاب فقه الرضا
1ـ لو کان هذا الکتاب للإمام الرضا (عليه السلام) حقا، فلماذا لم یکن له أثر و لا ذکر طوال ألف سنة، و لماذا لم یشر إلیه الأئمة الأربع بعد الإمام الرضا (عليه السلام)، ثم لو کان کذلک لاشتهر هذا الکتاب بین الأصحاب و العلماء قبل القرن العاشر و لأشاروا إلیه على الأقل فی کتبهم الروائیة.
2ـ لقد جاءت فی الکتاب عبارات یبعد صدورها عن الإمام الرضا (عليه السلام) من قبیل “أروی…” أو “روی…” أو “یروی…” أو “نروی…”.
3ـ توجد فی بعض مقاطع الکتاب هذه العبارة ” صفوان بن یحیى و فضالة بن أیوب جمیعا عن العلاء بن رزین عن محمد بن مسلم عن أحدهما”. إن ذکر أسماء الرواة بهذه الطریقة ینسجم مع أسلوب الکتب الروائیة لأصحاب الأئمة لا الأئمة أنفسهم (عليه السلام)، و لهذا من المحتمل أن یکون هذا الکتاب من تألیفات أحد أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام).
4ـ لو کان هذا الکتاب للإمام الرضا (عليه السلام) حقا، لکان المفروض أن یذکره علی بن بابویه، والد الشیخ الصدوق، أو شیخ الصدوق نفسه فی کتاب عیون أخبار الرضا (ع).[10]
أما باعتبار أن أکثر العلماء قد استندوا إلى هذا الکتاب نستطیع أن نخرج بهذه النتائج التالیة:
1ـ إن انتساب کتاب فقه الرضا إلى الإمام الرضا (عليه السلام) أمر بعید، و الاحتمال الأقوى هو أن الإمام (عليه السلام) لم یکتب هذا الکتاب، بل لعل أحد أصحابه الثقاة قد کتب ذلک و هناک احتمالات أخرى مرّ ذکرها.
2. و لکن رفض هذا الانتساب لا یعنی رفض کل الکتاب و جمیع الروایات الموجودة فیه، بل قد اعترف بمجمل الکتاب کثیر من الفقهاء و استندوا إلى روایاته فی أبحاثهم؛ و لهذا نجد أن کثیرا من العلماء بعد العلامة المجلسی (ره) قد استفادوا من هذا الکتاب و نقلوا عنه روایات کثیرة، مع کون أکثرهم لم یقروا باستناده إلى الإمام الرضا، و لکن تعاملوا مع روایاته کباقی الروایات، فأقروا بصحة بعضها بعد مناقشتها سندا ودلالة.
الهوامش
[1]. المجلسی، محمد تقی، لوامع صاحب قرانی در شرح من لا یحضره الفقیه، ج 1، ص ۶۱۳، مؤسسه اسماعیلیان، قم، الطبعة الثانیة، 1414ق.
[2]. المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 1، ص 11، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404ق.
[3]. النوری، میرزا حسین، خاتمة المستدرک، ج 1، ص 242، مؤسسه آل البیت (ع)، قم، الطبعة الأولى، بی تا.
[4].من أجل الحصول على المزید راجع: الأستاذی، رضا، تحقیقی پیرامون کتاب فقه الرضا (دراسة حول کتاب فقه الرضا)، 154، 158، مجلة مشکوه، العدد 72 و 73، الصادر فی صیف 1380ش.
[5]. بحار الأنوار، ج 1، ص 11.
[6]. فصل القضاء، ص 27 – 28، نقلا عن: مقالة تحقیقی پیرامون کتاب فقه الرضا (دراسة حول کتاب فقه الرضا).
[7]. الشیخ الحر العاملی، هدایة الأمة إلى أحکام الأئمة علیهم السلام، ج 8، ص 551، العتبة الرضویة المقدسة، مجمع البحوث الإسلامیة، مشهد، الطبعة الأولى، 1414ق.
[8]. نقلا عن خاتمة المستدرک، ج 1، ص 234.
[9]. للحصول على المزید راجع: الأستاذی، رضا، تحقیقی پیرامون کتاب فقه الرضا (دراسة حول کتاب فقه الرضا)، ص 157 – 158.
[10]. للحصول على المزید من الإشکالات الموجهة إلى نسبة کتاب فقه الرضا إلى الإمام الرضا (عليه السلام) راجع: چهارسوقی، محمد هاشم بن زین العابدین، رساله فی تحقیق حال کتاب فقه الرضا، ص 474 – 482، تحقیق: هوشمند، مهدی، مجلة میراث حدیثی شیعه، العدد السابع، بی تا. ( المصدر : اسلام كوئست نت)
عن الكتاب:
الكتاب: الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام) علي بن بابويه الوفاة: ٣٢٩
تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث – قم المشرفة
نشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا )عليه السلام( – مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى – شوال ١٤٠٦ ه. ق
العدد: ٣٠٠٠ نسخة
تحميل كتاب الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام