خاص الاجتهاد: عبر تاريخ حوزة النجف الأشرف، هيمنت عادات وأعراف على نظم التعليم، وسادت أساليب مخصوصة في التدريس، وشاعت تقاليد في اعتماد المتون. ولكن كل ذلك لم يمنع هذا الفضاء الحضاري، من أن يكون مسرحًا نشطًا لدعوات إصلاحية، ومشاريع تجديد للتعليم الحوزوي وأساليبه. ومن أهم هذه المشاريع الإصلاحية التي تجاوزت ما قبلها وشكلت تحديًا لما بعدها، تجربة الشيخ محمد رضا المظفر الله.
والدراسة بين أيدينا محاولة لإثبات هذه الفرضية، وهي مراجعة مسلحة بمنهجية تحليلية نقدية استقصائية، قوامها خطوات ثلاث:
أولا: قراءة موضوعية للحوزة هوية، ومقومات وتشخيص روح التعليم الحوزوي وجوهره.
ثانيا: التعرف على الشيخ المظفر من جهة كونه شخصية مجبولة على الإصلاح، ولصيقة به، حتى غدا قرينا للإصلاح والأخير قرينا له.
ثالثاً: شمولية المشروع الإصلاحي للشيخ المظفر وأبعاد هذا المشروع، وتجليات نجاحاته.
وفي الاستخلاصات تقودنا المعالجة إلى حقيقة مفادها أن هذه المسيرة الإصلاحية للشيخ لا تزال منارة إلهام للعديد من التجارب المعاصرة، سواء سواء، أكانت شخصية أم مؤسساتية، في تجديد التعليم الحوزوي.
لا ينقصي الحديث عن التجديد الحوزوي، ولا تتناهى فصوله، فإرهاصات التغيير والنهوض تتصاعد داخل هذه المؤسسة، بل غدا هذا الهاجس اليوم أكثر حيوية من أي وقت آخر لعوامل عدة:
أولا: التحولات الاستراتيجية التي حصلت في العالم الإسلامي في الخمسين سنة الماضية، نتيجة تصاعد موجة الإحياء الإسلامي، وبالخصوص بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، التي لاتزال تجربتها في الحكم (نظام الجمهورية الإسلامية) مستمرة ومتصاعدة. وهذا الإحياء الإسلامي، أثمر التفاف الشباب من جديد حول العلماء، وتوجههم نحو مؤسسات التعليم الديني.
ثانيا: تنامي الجدل حول البرامج التعليمية الدينية، واشتداد وطيس الحروب الإعلامية التي تشنها الدوائر الاستخباراتية العالمية، وأبواقها الإعلامية المحلية، ترددها النخب المتغربة داخل العالم الإسلامي التي انسلخت عن دينها وتراثها، وهي تسبح صباح مساء بمجد الغرب وحضارته وعلمانيته، و تنتقد بقسوة برامج التعليم الديني، وتحط من أهمية التراث الديني، وتحقر من موقع المؤسسات العلمية الدينية (تصاعدت الموجة في العقدين الأخيرين)
ثالثا: التحديات العالمية التي يواجهها التشيع بالذات اليوم، والحروب التي تشنها بعض الأطراف ضد كيانات المذهب ومجتمعاته ومؤسساته، وعلى رأس هذه المؤسسات المستهدفة المرجعية الدينية والحوزة العلمية.
رابعا: الطفرة العلمية التي حصلت في مجال مناهج التدريس وأساليبه، والتحولات التي عرفتها أنظمة التعليم والتدريس في العالم، عمقت الهوة أكثر فأكثر بين نمط الحياة المعاصرة في مجال التعليم والتدريس وبين الأساليب التقليدية التي لا تزال تحافظ عليها الحوزة العلمية.
ولهذا الاصلاح والتجديد الذي تشربت له الأعناق تاريخ عريق يضرب بجذوره في مطلع القرن الماضي بالخصوص. ومنطق التكامل يقتضي أن تنهل التجارب المعاصرة من هذا الرصيد التاريخي الثمين، والبناء عليه، ففي التجربة علم مستأنف”.
ومن التجارب التأسيسية الرائدة في الحوزة، تجربة الشيخ محمد رضا مظفر الله والتي يجدر الوقوف عندها دراسة، وتحليلا، وتقويما.
فمن هو الشيخ المظفر؟ وما هي معالم تجربته الإصلاحية وأهم إنجازاتها؟ وما مآلات هذه التجربة؟ وأين تقف التجارب المعاصرة في الإصلاح من مشروع الشيخ المظفر الله؟
تحميل المقالة
إصلاح التعليم الحوزوي.. الشيخ محمّد رضا المظفّر أنموذجًالإ
بقلم: الشيخ الأسعد بن علي قيدارة؛ باحث في الفكر الإسلامي وأستاذ في جامعة المصطفى العالمية، من تونس.
المصدر: مجلة الحياة الطيبة العدد 50 – 51