خاص الاجتهاد: يتناول هذا البحث موضوع الذكاء الاصطناعي التوليدي والمعلومات الإسلامية، من خلال تحليل الفرص والتحديات التي تطرحها هذه التقنية في مجال إنتاج واسترجاع المعرفة الديني، ولا سيما الفتاوى والمحتوى الشرعي، ينطلق البحث من إشكالية رئيسية تتمثل في التوتر بين الطبيعة الاحتمالية لمخرجات الذكاء الاصطناعي وبين اليقين والقطع المطلوبين في الشريعة الإسلامية، وما ينشأ عن ذلك من مخاطر مثل انتشار المعلومات الملفقة (الهلوسة)، والتحيز الخوارزمي، وتقويض دور العلماء، وغياب القصد الروحي في الفتوى الآلية.
اعتمدت الدراسة منهجا تحليليا وصفيا قائما على الاستقراء والتحليل، وتحليل بيانات نوعية من دراسات حالة واقعية وتجارب تقييم أداء المنصات التوليدية في المجال الديني.
وتمركزت عناصر البحث حول أربعة محاور رئيسية: الفرص التي توفرها التقنية في تسهيل الوصول للمعرفة ورقمنة التراث، والمخاطر الأخلاقية والمعرفية المرتبطة باستخدامها، والإطار المنهجي المقترح لضمان الاستخدام المسؤول، وخطة عمل تطبيقية موجهة لمؤسسات الإفتاء والمطورين.
خلص البحث إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مساعدة قوية لدعم البحث الشرعي وحفظ التراث الإسلامي، لكنه لا يصلح أن يكون مرجعا مستقلاً للفتوى ؛ نظرا لقصوره في إدراك السياق والنية وتحقيق القطع الشرعي. ويوصي البحث بوضع ضوابط شرعية وتقنية واضحة، وتعزيز الإشراف البشري المتخصص، وإنشاء نماذج معرفية موثوقة خاصة بالمحتوى الإسلامي لضمان دقة ومصداقية المخرجات.
المقدمة
يشهد العالم اليوم ثورة غير مسبوقة في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليفي، الذي أصبح قادرا على إنتاج محتوى نصي وصوتي ومرئي بدرجة كبيرة من الطلاقة والقدرة على محاكاة التفكير البشري. ومع توسع استخدام هذه التقنيات في مختلف مجالات الحياة، برزت تساؤلات جوهرية حول مدى إمكانية توظيفها في حقل المعلومات الإسلامية، بما يشمل الفتوى، والدراسات الشرعية، وحفظ التراث الديني، ونشر المعرفة الإسلامية عالمياً.
ورغم الفرص الواعدة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي في تسهيل الوصول إلى المعلومة الشرعية، وتحليل النصوص الدينية الضخمة بسرعة، ورقمنة المخطوطات وحمايتها من الضياع، إلا أن هناك تحديات عميقة لا يمكن تجاهلها؛ إذ تعتمد هذه التقنيات على أنماط احتمالية للتنبؤ بالمخرجات، في حين تقوم الشريعة الإسلامية على مبادئ قطعية الثبوت والدلالة، مما يفتح الباب لظهور مخاطر مثل توليد معلومات مضللة أو مختلفة (الهلوسة)، والتحيز الخوارزمي، وتقويض مكانة العلماء، وغياب القصد الروحي في الإجابات المولدة آليا.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: ٦]، الآية الكريمة تؤكد وجوب التثبت من صحة الأخبار قبل قولها أو نشرها، وهو مبدأ أصيل يجب تطبيقه في التعامل مع مخرجات الذكاء الاصطناعي الدينية. تزداد أهمية دراسة هذه القضية مع اعتماد بعض الأفراد والمؤسسات على أدوات الذكاء الاصطناعي دون رقابة علمية، مما يهدد موثوقية المعلومة الدينية وصحة الفتاوى، ويؤثر سلباً على العقيدة الإسلامية وسلامة الوعي الديني؛ لذلك جاء هذا البحث ليحلل الفرص والمخاطر المرتبطة بتوظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في المجال الإسلامي، ويطرح إطاراً منهجياً عملياً يضمن الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات، تحت إشراف بشري متخصص، وبما يتوافق مع مقاصد الشريعة وضوابطها العلمية والأخلاقية. كما يقدم البحث خطة عمل تطبيقية وأمثلة توضيحية لكيفية دمج الذكاء الاصطناعي في خدمة المعرفة الإسلامية، دون التفريط في اليقين الشرعي أو الانسياق وراء العشوائية التقنية.
مشكلة البحث
في ظل التغلغل المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في كافة مناحي الحياة، بما في ذلك المجال الديني، تبرز مشكلة أساسية تتمثل في كيفية الاستفادة من الفرص الهائلة التي تقدمها هذه التقنيات، مثل تعزيز الوصول للمعلومات ورقمنة التراث الإسلامي. في الوقت ذاته، يجب مواجهة المخاطر الجوهرية التي تنطوي عليها، ومنها انتشار المعلومات المضللة، والتحيز الخوارزمي، وغياب المقصد الروحي.
تتفاقم هذه المشكلة بسبب التوتر الجوهري بين الطبيعة الاحتمالية للذكاء الاصطناعي، الذي يعتمد على التنبؤ الإحصائي، والمتطلبات القطعية للشريعة الإسلامية التي تستند إلى اليقين والثبوت. هذا التباين يجعل الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي في المسائل الدينية، وخاصة الفتاوى، أمراً محفوفا بالمخاطر وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المستويين الفردي والمجتمعي، مثل انتشار البدع أو الفتاوى الخاطئة أو تشويه العقيدة.
تتساءل الدراسات الحديثة عن مدى دقة وموثوقية مخرجات منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال الفتوى والفقه الإسلامي، وتبرز الحاجة الماسة لوضع ضوابط وأطر أخلاقية لضمان الاستخدام المسؤول.
إن هذه المشكلة ليست مجرد تحد تقني، بل هي تحد معرفي وفلسفي وثقافي عميق يتطلب فهماً عميقاً لطبيعة المعرفة الدينية وقيود التكنولوجيا. وأن الحل لا يمكن أن يكون تقنياً بحتاً، بل يتطلب نهجاً شمولياً يدمج المنظورات الدينية والأخلاقية والتقنية.
أسئلة البحث
• ما أبرز الفرص التي يقدمها الذكاء الاصطناعي التوليدي لتعزيز الدراسات والمعلومات الإسلامية؟
• ما المخاطر والتحديات الأخلاقية والمعرفية التي يطرحها استخدام الذكاء الاصطناعي في المحتوى الإسلامي، وخاصة فيما يتعلق بانتشار المعلومات المضللة والتحيز وتقويض الدور البشري؟
• ما الإطار المنهجي المقترح لضمان الاستخدام المسؤول والفعال للذكاء الاصطناعي في
الحصول على المعلومات والفتاوى الإسلامية الموثوقة؟
• كيف يمكن تطبيق هذا الإطار المنهجي من خلال دراسات حالة عملية؟
• بناءً على نتائج البحث، ما خطة العمل التطبيقية المقترحة لأصحاب المصلحة لتعزيز.
• الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في خدمة المعرفة الإسلامية مع الحفاظ على سلامتها؟
أهداف البحث
• تحليل الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي التوليدي لخدمة الدراسات والمعلومات الإسلامية.
• تحليل المخاطر والتحديات الأخلاقية والمعرفية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الديني.
• صياغة إطار منهجي للاستخدام المسؤول والأخلاقي للذكاء الاصطناعي في الحصول على المعلومات الإسلامية.
• توضيح الإطار المنهجي من خلال دراسات حالة تطبيقية تبرز أفضل الممارسات وتجنب الأخطاء.
• تقديم خطة عمل تطبيقية قابلة للتنفيذ لمختلف الأطراف المعنية لتعزيز دمج الذكاء الاصطناعي في خدمة المعرفة الإسلامية بشكل آمن وفعال.
أهمية البحث
• حماية سلامة المعرفة الإسلامية: يسهم البحث في وضع ضوابط علمية وأخلاقية تحافظ على أصالة المعلومة الدينية وتمنع انتشار الفتاوى المغلوطة أو المختلفة عبر أدوات الذكاء الاصطناعي.
• توجيه الاستخدام التقني في المجال الشرعي: يقدم إطاراً عملياً للمؤسسات الدينية والمطورين يضمن دمج الذكاء الاصطناعي في الدراسات الإسلامية بشكل آمن وفعال.
• دعم صناع القرار وأصحاب المصلحة: يوفر خطة عمل تطبيقية تساعد جهات الإفتاء والباحثين على الاستفادة من التقنيات الحديثة مع الحفاظ على المرجعية الشرعية واليقين الفقهي.
د/أيمن عبد المؤمن عبد العظيم