الطعام الحلال

هل اختلف مفهوم الطعام الحلال عند المسلمين عبر الزمن؟ بقلم: فيب أرمانيوس

الاجتهاد: وجد الباحثون أثناء إعدادهم بحث لكتاب: ” الطعام الحلال : تاريخ” أنَّ أعدادًا متزايدة من المسلمين يأخذون في الحسبان اعتبارات أخلاقية وصحية عند تحديد أنَّ شيئًا ما حلال، وبالطبع فإنَّ معياري الأخلاق والصحة يحتلان موقعًا مهمًا من ثقافة الطعام الأوروبية، والكثير من هؤلاء المسلمين يتمركزون في شمال أمريكا وأوروبا، ولكنهم –كما بعض المسيحيين واليهود- يعودون بشكل متزايد إلى نصوص دينية لدعم اختياراتهم. بقلم:ebe Armanios*

على ماذا ينطوي مفهوم “الحلال”؟

يتبع الطّعام الحلال بالنسبة إلى المسلمين قواعدَ محددة منصوص عليها في الشريعة الإسلامية. عادةً ما تكون هذه القواعد متعلقةً بطقوس الذبح والامتناع عن تناول بعض المواد مثل لحم الخنزير والدم والكحول. ولكن لطالما اختلف تفسير عادات الطعام الإسلامي تبعًا للزمان والمكان؛ إذ أصبح الطعام الذي كان محرمًا سابقًا – كالكافيار بالنسبة إلى الشيعة- مقبولاً على أنَّه حلال.

وللتوضيح فإنَّ معظم الأطعمة تدخل تحت تصنيف الحلال بالنسبة للمسلمين. وبموجب الشريعة الإسلامية، لا يُعدُّ ما يلي مسموحًا: الدم والكحول والمسكرات الأخرى ولحم الخنزير ولحوم الحيوانات الآكلة للحوم مثل الذئاب أو الطيور الجارحة مثل النسور والبرمائيات والثعابين والحيوانات التي تعيش على البر وفي الماء كالضفادع، كما لا تُعدُّ اللحوم والدواجن حلالاً إلا إذا كانت الحيوانات واعيةً عند ذبحها ونزفت قبل أن تموت، وذلك وفق ما ورد في سورة المائدة في الآية رقم 3: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ).

تنصُّ هذه الآية فقط على أنَّ الحيواناتِ تكون غيرَ صالحة للأكل إذا ذُبِحَت باسم آلهة غير الله، ولكنَّ الفقهاء قد قرروا أيضًا أنَّ الحيوانات يجب أن تُذبَح باسم الله وبيد شخص مسلم مؤمن، ولكن ليس هناك إجماع دائم بين الفقهاء فعلى سبيل المثال، قرَّر معظم الفقهاء أنَّ المحار حلال في حين لم يوافقهم آخرون الرأي.

وجد الباحثون أثناء إعدادهم بحث لكتاب: “الطعام الحلال: تاريخ” أنَّ أعدادًا متزايدة من المسلمين يأخذون في الحسبان اعتبارات أخلاقية وصحية عند تحديد أنَّ شيئًا ما حلال، وبالطبع فإنَّ معياري الأخلاق والصحة يحتلان موقعًا مهمًا من ثقافة الطعام الأوروبية، والكثير من هؤلاء المسلمين يتمركزون في شمال أمريكا وأوروبا، ولكنهم –كما بعض المسيحيين واليهود- يعودون بشكل متزايد إلى نصوص دينية لدعم اختياراتهم.

هل يجب أن تعني كلمة “حلال” أنَّ الطعام صحي؟

تعني كلمة “حلال” مُباح أو جائز، وتشير إلى الأفعال والسلوكيات والأطعمة المسموحة تبعًا للتفسيرات التقليدية المعترف بها للقرآن والحديث الشريف وسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). تُعرِّف الكثير من التفسيرات كلمة حلال على أنَّها “الطيِّب” مستلهمة هذا المعنى من بعض الآيات القرآنية مثل الآية 172 من سورة البقرة (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ).

تحمل كلمة “طيب” تبعًا للتقاليد الدينية في طياتها طيفًا من المعاني مثل: لذيذ وفوَّاح وجيد، وفيما يخصُّ الطعام فغالبًا ما تُترجَم إلى “صحي” أو “جيد”، ولكن بالنسبة لبعض المسلمين، فإنَّ لكلمة طيب دلالة خاصة: تشير إلى الطعام الحلال المغذي والصحي والنظيف وذي المصدر المُطابق للمعايير الأخلاقية. وفيما يتعلَّق بالخضار والفواكه، يمكن أن تشير كلمة طيب إلى: عضوي أو خالي من المبيدات الحشرية أو ليس معدلاً وراثيًا.

إنَّ مفهومَ “طيب – حلال” ذو صلة أيضًا باللحم؛ إذ يأخذ المسلمون – شأنهم في ذلك شأن الكثير من المتسوقين- بعين الاعتبار مصدر اللحم الذي يتناولونه. هل جاء من مصادر صناعية؟ كيف عُومِلَت الحيوانات؟ ماذا أُطعِمَت؟ هل أُعطِيَت هرمونات ومضادات حيوية؟

السوق يستجيب

تتوسَّع صناعة الأغذية الحلال في الولايات المتحدة سريعًا، وقد أدى تزايد عدد المسلمين بالإضافة إلى الزبائن الأصغر سنًا من غير المسلمين الذين يستهلكون هذه الأطعمة لأسباب غير دينية، إلى دفع 20 مليار دولار أمريكي عام 2016 ما يمثل زيادة بنسبة 15 % منذ عام 2012.

يُمكن للمسلمين في الولايات المتحدة شراء اللحوم الحلال من الأسواق المركزية أو محلات البقالة المتخصصة والجزارين اعتمادًا على توافرها والتعريفات المختلفة لمفهوم الحلال. يعتمد جزء كبير من قطاع اللحوم الحلال على اللحوم المنتجة صناعيًا واللحم الذي مصدره الحيوانات غير الطليقة1 ولهذا السبب، يُطالب بعض المسلمين باتباع نهج الطيب- الحلال للحصول على اللحوم، وهو نهجٌ لا يلتزم بتفاصيل طقوس الذبح فحسب، بل يعتمد أيضًا على الحيوانات التي تتمتع بصحة جيدة ولم تتعرَّض لسوء المعاملة أو السجن أو الإساءة.

فمثلاً، تعترض مزرعة نورويتش ميدوز الواقعة في شمال ولاية نيويورك على ممارسات الزراعة الصناعية، وتُعدُّ واحدة من الموردين الرئيسيين لمتجر اللحم الحلال في قلب مدينة مانهاتن تحت اسم Honest Chops الذي يبيع اللحوم الحلال العضوية والطليقة والخالية من المضادات الحيوية إلى زبائن نيويورك.

لقد تكيف أحد أصحاب مصانع الأغذية على الأقل مع تطوُّر توقعات المستهلكين المسلمين، فمثلاً يصنع متجر Saffron Road أطعمة مجمدة منخفضة الدهون ذات نسبة عالية من البروتين والألياف، ويستخدم أيضًا لحم البقر ولحم الخراف الخالي من الهرمونات والمضادات الحيوية، بالإضافة إلى الأسماك التي تُصطاد في البرية2 ، والدجاج المربى بطريقة إنسانية. وتشتمل جميع عبواته العديد من الملصقات التي تُعلن بفخر أنَّ الطعام حلال مع وجود تفسير لأخلاقيات الحلال التي تتبعها الشركة على الوجه الخلفي للصندوق.

أثَّر الاهتمام بالرفق بالحيوان على ممارسات مَنْح الشهادات في مجال صناعة اللحوم الحلال، ففي العديد من الدول الغربية، تفحص المنظمات الإسلامية – غالبًا مقابل رسوم- الأغذية ومرافق الإنتاج وتقنيات التغليف قبل التصديق على المنتجات بأنَّها خاضعة لمفهوم الحلال، وقد طوَّرت إحدى أهم الجهات المصدِّقة على الحلال في الولايات المتحدة وهي مجلس أمريكا الإسلامي للغذاء والتغذية ومقره شيكاغو نظام تصديق مرن؛ فمن جهة، يجب أن يُحقِّق اللحم “المعايير الأساسية للذبح الحلال”، ولكن للمجلس شهادة أخرى خاصة باللحم الذي حُصل عليه في المسالخ التي تخضع لإرشادات الرفق بالحيوان ولذا فهي أكثر انسجامًا مع مفهوم طيب- حلال.

بالنسبة لمناصري نهج الطيب- الحلال فإنَّ حالة الحلال المتعلقة باللحم الذي حُصِل عليه من حيوانات لم تُعامل بإنسانية سواء في حياتها أو بعد موتها هي موضع شك.

جوٌّ من التفرُّد؟

ثم إنَّ هناك عدد قليل من الناشطين المسلمين الذين يدعمون مبادئ منظمة “الناس من أجل المعاملة الأخلاقية للحيوانات” (PETA) وحركات أخرى داعمة لحقوق الحيوان، وبالنسبة إليهم فإنَّ مفهوم طيب يعني نمط حياة نباتي! ويحتج هؤلاء بأنَّه بالنسبة لمسلم مؤمن، فإنَّ النهج الجيد والإنساني للحيوانات يعني الامتناع عن إخضاعها واستغلالها وقتلها؛ إذ تُبدي التعاليم الإسلامية –التي يتمسك بها المسلمون النباتيون- قلقاً عميقاً إزاء الرفق بالحيوان. ولذا – كما يتطلب المنطق- يجب أن يكون تفسير الرفق بالحيوان في الإسلام هو تجنُّب قتله.

وفي حين أنَّ بعض المسلمين يرفضون مفهوم الطيب-الحلال، يحتجُّ آخرون بأنَّ اللحم كان من بين الأطعمة المفضلة للنبي محمد وإنَّ الأمر القرآني “كُلُوا مِنْ طَيّبَات ما رَزَقْنَاكُم” يتضَّمن بلا شك البروتين الحيواني. ويرى البعض أنَّ التركيز على المواد الغذائية الصديقة للبيئة والموافقة للمعايير الأخلاقية وذات تكلفة الإنتاج العالية سيجعل شراء الأغذية الحلال أكثر تكلفة، ويشيرون إلى أنَّ نهجَ الطيّب-الحلال معقدٌ وباهظُ الثمن وحكرٌ على مجموعة محددة من الناس – ويتعارض مع تعاليم الدين الأساسية القائمة على المساواة. كما أنَّه يضيف الكثير من المطالب إلى المبادئ القانونية الحلال المفهومة للجميع والمتفق عليها، والتي تدعو ببساطة إلى الامتناع عن عدد محدود من المواد الغذائية.

بالنسبة لهؤلاء المسلمين، فإنَّ النهج الأبسط والأكثر تقليدية في الغذاء هو الأفضل. فموضوع أخذ القيمة الغذائية للغذاء وطريقة تنميته أو تربيته بعين الاعتبار هو قرار شخصي، وليس مسألة دينية.

المصادر:

https://theconversation.com/for-many-muslim-grocery-shoppers-a-shifting-definition-of-halal-100715

https://theconversation.com/what-are-halal-foods-95696

 

أستاذة مشاركة في كلية ميدلبوري. تركز أبحاثها على الممارسات الدينية المقارنة في الشرق الأوسط ، لا سيما بين المسيحيين والمسلمين و Boğaç Ergene أستاذ تاريخ في جامعة فيرمونت وميريام رينو مرشحة لنيل درجة الدكتوراه في الفكر الديني والأخلاق في جامعة شيكاغو. ترجمة: سوسن محرز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky