مجتبى إلهي الخراساني

في ذكرى استشهاده.. الخراساني: الإمام الجواد نور في الظلام وكاشف الغمة عن المسلمین

خاص الاجتهاد: قال حجة الإسلام مجتبى الهي الخُراساني رئيس قسم تطوير وتمكين العلوم الإسلامية في مكتب الإعلام الإسلامي وأستاذ الفقه وأصوله في الحوزة العلمية بمدينة مشهد المقدسة بمناسبة شهادة الإمام الجواد (عليه السلام) أن في عهد الإمام الرضا (عليه السلام)، كان استمرار الإمامة مصحوبًا بمخاوف، حيث رأى المسلمون الشيعة حينها أنه لم يعد هناك أي علامة على وجود أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ توفي الإمام الرضا (ع) وليس لديه أبناء كبار، لتأتي ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) التي كانت نور في الظلام وكاشفة الغمة عن المسلمین الذين فقدوا الأمل بوجود إمامٍ يخلف الإمام الرضا (عليه السلام)

غير أنّه وبحسب الشیخ الهي الخُراساني فإنّ مولد الإمام الجواد (عليه السلام) لم تنزع جميع المخاوف، بل وضعت سؤال جديدًا أمام الجميع، وذلك نظراً لكبر سن الإمام الرضا (عليه السلام)، حيث أنّ الإمام الرضا ونتيجةً لكبر سنه كان يواجه خطر الموت أو الاستشهاد وقد كان وشيكاً!، كما أن صِغر عمر الإمام الجواد (عليه السلام) أشارت إلى أنه يجب إعطاء المذهب الشيعي للطفل حديث الولادة.

هذا القلق الذي عايشه جميع أتباع الإمام الرضا (عليه السلام) والنابع من تربيته لهم كان وكما يقول الخراساني بسبب اعتقاد بسيط هو أن الإمام إنسان يتمتع بصفات خاصة، غير أنّه إنسان عادي يجب أن تتاح له الفرصة للدراسة والحصول على الفضائل والمؤهلات اللازمة للقيادة والإمامة.

ولم يكن من الممكن تصحيح هذا الاعتقاد المغلوط وايجاد الخط الصحيح والدقيق “للإمامة الإلهية” بالوصف والشرح فقط، حيث أنه يمكن اعتبارها ُمبررًا ومَبالغًا ومحاولات من قبل البعض للإطاحة بزعمائهم.

ويورد الاستاذ الهي الخراساني في هذا السياق عدّة حقائق أو يجب أخذها بعين الاعتبار وهي:

الخطوة الأولي وتتمثل في تأكيد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وفي فترات مختلفة من تاريخ الإسلام على الوضع الإلهي للإمامة وأن الفضائل والعلم الغزير لدى الإمام هو على مرتبط بشكل وثيق بخزائن العلم الإلهي وليس له أي علاقة بالعمر أو التجربة العملية، حيث يقول أبو بصير وهو من صحابة الإمام الصادق (عليه السلام): “دخلت إليه ومعي غلام يقودني، خماسي لم يبلغ، فقال لي: كيف أنتم إذا احْتُجَّ عليكم بمثل سِنِّه”.

أما الخطوة الثانية هي التأكيد على تحذير الإمام الرضا (عليه السلام) من الكفاءة المطلقة لطفله في الإمامة والتذكير بأن النبوة والإمامة هما من عند الله تعالى، وردًا على أولئك الذين كانوا يطرحون موضوع العمر للامامة حيث، قال الإمام الرضا (عليه السلام): “كان عمر يسوع عندما نال نبوته أقل من عمر طفلي”، و قد روى بعض من رفاق الإمام الرضا (عليه السلام) ما قد سمعوه عن الإمام الجواد (عليه السلام) ، ومنهم علي بن جعفر، صفوان بن يحيى، حسين بن شبار، وابن أبي نصر البيزنطي، وحسن بن جهم، وكثير غيرهم ممن رووا هذه الروايات، وقد أحضرها الشيخ المفيد في كتاب الارشاد وأيضاً نقل العلامة المجلسي في كتابه بحار الانوار هذه الروايات.

وكانت الخطوة الثالثة هي اللقاء المباشر بين كبار مشايخ الشيعة وعامة مريدين أهل البيت (عليهم السلام)، مع الإمام صاحب القامة العالية ولكن في جسد طفل عمره ثمانية سنوات.

وأضاف حجة الاسلام الهي الخُراساني إنّه خلال حياة الإمام الرضا (عليه السلام) وبعد ولادة الامام الجواد (عليه السلام)، اعتمد عدد من صحابة الإمام وكبار مشايخ الشيعة من الذين كانت لهم علاقة كبيرة مع الإمام الرضا (عليه السلام)، على إرشادهم وتطمينهم وتوجيههم نحو إمامة الجواد (عليه السلام)،

ولكن مرحلة الطفولة التي كان يمر بها الإمام الجواد (عليه السلام) كانت مصدرًا للقلق، حيث أن قد البعض ظنّوا أن الإمامة لعبد الله بن موسى (عم الإمام جواد)، ولكن بعد الكثير من البحث والتقصي وجدوا أنه ليس جديرا للإمامة، وابتعدو عنه، ولكن كان هناك البعض من العامة انضموا لأحمد بن موسى ولكن ووفقاً للنوبختي، فإن سبب ظهور هذا الخلاف هو أن العديد ما زال يعتبر النضج من شروط الإمامة، و لقد كان صحابة الإمام وكبار علماء الشيعة دومًا مُلزمين بفحص جميع مؤهلات الإمام بعناية شديدة.

ومن ثم، ووفقاً لبعض الروايات، فقد اجتمع نحو ثمانين من كبار مشايخ الشيعة في المدينة المنورة خلال فترة الحج وناقشوها أمر الإمامة، وفي البداية ذهبوا إلى عبد الله بن موسى ولكنهم ولم يروا خصائص الإمامة فيه، ثم ذهبوا إلى الإمام جواد (عليه السلام)، وقدموا العديد من الأسئلة العلمية والتعليمية للإمام الجواد (عليه السلام)، واختبروا معرفته القلبية والفطرية غير المكتسبة، من أجل ضمان معرفته السديدة والرشيدة، وهو أمر ضروري لسلطة الإمامة الإلهية، وأجاب الامام الجواد (عليه السلام) على جميع أسئلتهم وكانوا مقتنعين وسعداء بردود الإمام كمؤشر واضح للإمامة والمعرفة الإلهية، وكانت هناك أيضا مناقشات أخرى، وأخيرًا تم حل جميع الشكوك والتساؤلات حول إمامة الإمام الجواد (عليه السلام).

وينقل الشيخ الخُراساني ما قاله إسحاق بن إسماعيل الذي كان المجموعة التي طرحت الأسئلة على الإمام الجواد: “كتبت أيضاً في رسالة عشر مسائل لأطلب من الإمام الاجابة عليها، وفي ذلك الوقت كانت زوجتي حاملاً، قلت لنفسي:” إذا أجاب على أسئلتي أطلب منه أن يُصلّي للصبي وبعد أن طرح الناس أسئلتهم؛ وعندما رآني الإمام (عليه السلام) قال: يا إسحاق؛ سمِّه “أحمد”، بعد ذلك أنجبت زوجتي صبيًا وأطلقت عليها اسم أحمد.

ويرى الخُرساني أنّ حوار الإمام الجواد مع القاضي الشهير يحيى بن أكثم في سن التاسعة هو أيضاً دليلٌ على معرفته الإلهية، فعندما سأله ابن الأكثم عن حكم شخص قد قام بالصيد في الإحرام، رد الإمام بمحادثات مختلفة على القضية، وقال: قل لي أي واحد منهم، لأن كل واحد له حكم منفصل، كان يحيى بن أكثم مندهشًا، وظهر الضعف والحزن في وجهه.

من علي بن جعفر إلى الفقهاء المعاصرين:
إنّ ما يُعتبر الصفة المميزة للإيمان والأخلاق لدى الشيعة هو أنه بعد التأكد من الإمامة، دون أي معاندة أو غيرة، كانوا مطيعين لهم، وأصبحوا فخورين تماماً بإخلاصهم.

ويؤكد الخرساني أّن الكليني (ره) يروي عن محمد بن الحسن بن عماد أنه كان في حضرة الإمام علي بن جعفر (عم الإمام الرضا عليه السلام، وهو وأحد أعظم فقهاء تاريخ الشيعة) في المدينة المنورة جالسًا، ولمدة عامين كاملين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلام، ويقول ابن عماد كنت اذهب إليه وكان يروي لنا أنه سمع من أخيه الإمام الكاظم (عليه السلام)، وكنت أكتب ما يروي لنا (وكنت تلميذه)، وفي ذلك الوقت رأيت فجأة أبو جعفر (الإمام الجواد عليه السلام في سن مبكرة) في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم،

ورأيت علي بن جعفر (وكان مُسنًّا) حين رأي الإمام الجواد (عليه السلام) فقام اليه وبدون أن يرتدي حتى نعليه ذهب إلى الإمام الجواد عليه سلام وقبله يديه وقدم له احتراماً كبيراً، وقال الجواد (عليه السلام) له : (يا عمي اجلس، بارككم الله”، فقال علي بن جعفر: “يا سيدي، كيف يمكنني الجلوس، على الرغم من أنك تقف)، وعندما عاد علي بن جعفر إلى المجلس الذي كان يُعطي الدروس به، ألقى تلاميذه اللوم عليه وقالوا: “أنت عم والده (الإمام جواد (عليه السلام)، ولكنك انت ذهبت اليه وقمت بتقبيل يده و …”، فقال علي بن جعفر: “اصامتوا، ثم أخذ لحيته وقال:” إذا كان الله لا يعتبر هذه اللحية البيضاء جديرة (بالإمامه)، واعتبر هذا الطفل جديرًا وأعطاه مثل هذا الموقف، فكيف لي أن أنكر فضيلته،؟ إنني ألتجئ إلى الله من حديثكم هذا فأنا عبده”.

وفي الختام فقد رأينا في أيامنا هذه مراجع كبيرة وقادة عظماء لا ينقصهم شيء من القوة والفطنة والكياسة ونرى أنهم يعتبرون أنفسهم تحت حكم المرشد الأعلى وقيادة النظام الإسلامي ويدعون الناس بضرورة اتباعه، هذا هو النهج الباقي الذي استمر من وقت وجود الأئمة حتى غيابهم، وهو وثيقة من صدق وأخلاق وإيمان شيوخ الشيعة وفقهائهم، رضي الله عن من توفي منهم وليحفظ الله الباقين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky