الاجتهاد: يقول الإمام الخمينى “قدس سره” في كتاب الأداب المعنوية للصلاة: (إن ليلة القدر صارت صاحبة قدر لأنها ليلة وصال النبى الخاتم وليلة وصول العاشق الحقيقي إلي محبوبة، حيث أن تنزل الملائكة ونزول الوحي يكون بعد حصول الفناء والقرب الحقيقي.
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
عندما تحدثت سورة القرأن الكريم عن ليلة القدر في السورة المباركة، قال الله تعالي: ( وما أدراك ماليلة القدر ) مع أن المخاطب هو الرسول الأعظم صلوات الله عليه واله، الذى هو مظهر تام للعلم الألهي، ثم عرفها بخصائصها وليس بذاتها، فقال الله عز وجل: ليلة القدر خير من ألف شهر.. وهذا يدل علي أن معرفة حقيقة ذاتها أمر صعب مستصعب.
ليلة وصال النبى الخاتم
يقول الإمام الخمينى قدس سره في كتاب الأداب المعنوية للصلاة: (إن ليلة القدر صارت صاحبة قدر لأنها ليلة وصال النبى الخاتم وليلة وصول العاشق الحقيقي إلي محبوبة، حيث أن تنزل الملائكة ونزول الوحي يكون بعد حصول الفناء والقرب الحقيقي)
أقول : إن الإمام الخمينى في هذا التعريف ينظر لليلة القدر بإعتبارها ليلة نزول القرأن علي قلب الرسول الخاتم ،يقول الله تعالي : (وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) سورة الشعراء:192-195
وحيث أن القرأن هو كلام الله عز وجل، فإن هذا النزول للقرأن يعتبر لحظة وصال ووصول النبى الخاتم وهو العاشق الحقيقي إلي محبوبه وهو الله عز وجل.
وحيث أن تنزل الملائكة ونزول الوحي لا يكون إلا بعد حصول الفناء والقرب الحقيقي، حتى يكون الرسول الأكرم مهئ لتلقي الوحي والفيوضات الألهية، وهذا لا يكون إلا بالوصول إلي عالم الوحي والخروج عن حدود العوالم الإمكانية،
يقول الله تعالي : وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )
وعند العارفين المقصود بالبيت هو النفس ، والمقصود ( بالموت ) الموت المعنوي بالفناء في الله.
يقول الإمام الخمينى في نفس المصدر : (فليعلم أن القلوب التى تسير إلي الله بطريق السلوك المعنوى والسفر الباطنى وتهاجر من منزل النفس المظلم وبيت الإنية والأنانية طائفتان بالطريق الكلى :
الأولى : هم الذين يدركهم الموت ( المعنوى ) بعد إتمام السفر إلي الله ويبقون في هذه الحالة من الجذبة والفناء والموت فقد وقع إجرهم علي الله ،وهؤلاء محبوبون فانون تحت قباب الله لايعرفهم أحد ولا يرتبطون بأحد إلا الحق تعالي، ففي الحديث القدسي: (أوليائي تحت قبابى لا يعرفهم غيرى)
الطائفة الثانية : ( هم الذين فيهم قابلية أن يرجعوا إلي أنفسهم بعد تمامية السفر إلي الله وفي الله ، وتحصل لهم حالة الصحو والتنبه ، هؤلاء الذين قدر إستعدادهم إنتجبهم الله لتكميل العباد وتعمير البلاد) ـ (يقصد الإمام الخمينى الانبياء وعلى رأسهم النبى الخاتم وأهل البيت صلوات الله عليهم)
ليلة التقدير
وهو أنها تسمى ليلة القدر لتقدير أمور أيام السنة فيها، وهذ المبحث مرتبط بحقيقة القضاء والقدر، والذى نهي عامة الناس عن الغور في أطرافه، كما يقول الإمام، ولكن يهمنى هنا أن أذكر قول الإمام الخمينى: ( وبالجملة فجميع التغيرات والتبدلات وزيادة الأجال وتقدير الأرزاق تقع عند الحكماء في لوح القدر العلمى ( وهو عالم المثال ) ، وعند الكاتب (الإمام الخمينى ) تقع في لوح القدر العينى الذى هو محل نفس التقديرات علي أيدى الملائكة الموكلين بها ). إنتهى.
إن العلاقة بين (القرأن) وبين (الإمام) واضحة في النصوص القرأنية والروائية، فيقول الله تعالي عن القرأن: (مافرطنا في الكتاب من شئ )
ويقول عن الإمام : (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين )
فالإمام هو الكتاب الناطق ، وهم في المعنى حقيقة واحدة ، وهذا معنى ماورد في حديث الثقلين : تركت فيكم الثقلين : كتاب الله وأهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض …
والمقصود بالإفتراق هو في المعنى ، فهم في بعض المقامات العليا حقيقة واحدة.
سلام هى حتى مطلع الفجر
يقول الإمام الخميني(رضوان الله عليه): (هذه الليلة المباركة هى السلامة من الشرور والبليات وألأفات حتى مطلع الفجر، او انها سلام علي اولياء الله وأهل الطاعة، أو ان ملائكة الله التى تلاقيهم لتسلم عليهم من الله تعالى إلي طلوع الفجر)
ومن الناحية العرفانية، ففجر ليلة القدر هو وقت ظهور أثار شمس الحقيقة من خلف حجب التعينات، وطلوع الشمس من أفق التعينات فجر يوم القيامة أيضا …. وهي سالمة من تصرفات الشيطانية مطلقاَ )
ونختم هذه الكلمة بحديث شريف في فضل ليلة القدر :
عن النبي (ص) قال (تفتح أبواب السماء ليلة القدر فما من عبد يصلي فيها إلا كتب الله له لكل سجدة شجرة في الجنة لو يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها. وبكل ركعة بيت في الجنة من در وياقوت وزبرجد ولؤلؤ وبكل أية تاجاً من تيجان الجنة.وبكل تسبيحه طائر من العجب (طائر بحجم الحمام جميل اللون ) وبكل جلسة درجة من درجات الجنة.
وبكل تشهد غرفة من غرف الجنة. وبكل تسليمه حلة من حلل الجنة). وبكل تمجيده حوراء من حور الجنة فإذا انفجر عمود الصبح أعطاه الله كاعبة من الكواعب المؤلفات .والجواري المهذبات والغلمان المخلدين. والنجائب المطيرات والرياحين المعطرات. والأنهار الجاريات والنعم الراضيات. والتحف والهدايات . والخلع والكرامات .وما تشتهي الأنفس وتلد الأعين وهم فيها خالدون)