اختلال النظام - الشيخ علي أكبر السيفي المازندراني

موارد جريان قاعدة اختلال النظام وتطبيقاتها الفقهية / آية الله السيفي المازندراني

الاجتهاد: قاعدة «حفظ النظام» أو « اختلال النظام » المطروحة في مختلف البحوث الفقهية، يستند إليها الفقهاء على نطاقٍ واسعٍ؛ وهذا الأمر يدلّ على كثرة استخدامها بصفتها قاعدة فقهية. وهي مرتكزةٌ في اعتبارها على الضرورات العقلية والسيرة العقلائية التي يقرّها المقنّن الحكيم. والنظام الاجتماعي في مختلف الشؤون يعدّ من الموارد الشائعة في استخدامها على الرغم من استخدامها أحياناً بمعنى «النظام السياسي» و«البلاد الإسلامية»

قبل التعرّض إلى تطبيقات هذه القاعدة، ينبغي التنبيه على نكتة مهمة في مجراها. وهي أن هذه القاعدة إنما هي محكّمة فيما يتوقف عليه حفظ نظام نوع الناس وتنقطع ربقة حياتهم الاجتماعي بترکه وتعطيله ولا تجري في النظامات الجزئية التي لا يوجب اختلالها اختلالاً في نظام النوع، كالنظام الثقافي في مدرسة أو جامعة أو حوزة علمية، أو النظام الإداري في دائرة من الدوائر، ونحو ذلك من النظامات الجزئية.

وبذلك يظهر عدم وجاهة استناد بعض إلى هذه القاعدة في الافتاء بحرمة غش الطلاب في الامتحانات.

وإليك نص استفتائه وجوابه.

س: هل يجوز الغش في الامتحانات إذا كان بعض المدرسين يساعدون الطلاب في الغش في الامتحانات المدرسية؟

ج: لا يجوز ذلك؛ لأنه لا يجوز مخالفة النظام في شيء من الوظائف. فان النظام يقول بأن وظيفتك الدراسة وعدم الغش. (1)
هذا، لو كان مراده الاستناد إلى هذه القاعدة.

وأما إذا كان مراده من النظام هو القانون الثقافي فلا دليل على حرمة مخالفته إلا إذا كان من قوانين الحكومة الاسلامية بتنفيد الفقيه الحاكم؛ نظراً إلى رجوع الغش في الامتحان حينئذٍ إلى مخالفة حكم الحاكم، وهو يبعد، إلاّ إذا كان له حكم ولائي في خصوص المورد.

ولو كان مقصوده مخالفة الوعد ونقض العهد، نظراً إلى التزام الطلاب بالنظام الدراسي وتعاهدهم برعاية قوانين المدرسة لدى الورود، ففيه أنّه عهد ابتدائي غير واجب الوفاء.

التطبيقات الفقهية

وقد استند الفقهاء إلى هذه القاعدة في مختلف الأبواب والفروع الفقهية.
منها: ثبوت الولاية الفقيه في عصر الغيبة، كما علل ذلك بحفظ النظام، المحقق السيد محمد آل بحرالعلوم في (بلغة الفقيه)(2)، بل علل المحقق میرزا الآشتياني(3) ثبوت ولاية النبي والوصي على الحكم، بلزوم اختلال النظام من عدمه.

وقد علل السيد الامام الخميني ضرورة الحكومة الاسلامية بقيادة الفقيه العادل ونفوذ حكمه بوجوب حفظ النظام وحرمة الاختلال فيه؛ حيث قال: «إن الأحكام الالهية سواء الأحكام المربوطة بالماليات( ضرائب) أو السياسات لم تنسخ بل تبقى إلى يوم القيامة ونفس بقاء تلك الأحكام يقضي بضرورة حكومة وولاية تضمن حفظ سيادة القانون الالهي وتتكفل لاجرائه.

ولا يمكن إجراء أحكام الله إلا بها، لئلّا يلزم الهرج والمرج، مع أن حفظ النظام من الواجبات الأكيدة واختلال أمور المسلمين من الأمور المغضوبة. ولايقوم ذا ولا يسدّ عن هذا إلا بوالٍ وحكومة». (4)

وفي موضع آخر جعل حفظ النظام من أوضح الأمور الحسبية التي لايمكن القيام بها إلا بتشكيل الحكومة الاسلامية؛ حيث قال: «و لا يخفى أن حفظ النظام وسد ثغور المسلمين وحفظ شُبّانهم من الانحراف عن الاسلام ومنع التبليغات المضادة للاسلام ونحوها من أوضح الحسبیات و لا يمكن الوصول إليها إلا بتشكيل حكومة عادلة اسلامية». (5)

وقد علّل المحقق الأردبيلي سقوط اشتراط الاذن من الامام في ثبوت الولاية على القضاء للفقيه في عصر الغيبة بحفظ النظام، وأنه لو لا القضاء بين الناس لاختل نظام نوعهم». (6)

ولا يخفى ما فيه من جهة أن حفظ النظام إنما يتوقف على أصل القيام بالقضاء بين الناس، ولا يوجب ذلك اعتبار شروط وقيود في من يتولّى القضاء والحكومة، بل إنما يستفاد ذلك من وجود أخرى، منها النصوص، كمقبولة حنظلة ومعتبرة أبي خديجة وما ورد عن العسكري في التفسير المنسوب إليه وغير ذلك من النصوص الدالة على صدور الأذن العام منهم الفقيه الجامع الشرائط الفتوى في تولي منصب القضاء والحكومة.

وقد بحثنا عن ذلك مفصلا في كتاب ولاية الفقيه من دلیل تحريرالوسيلة. نعم إثبات وجوب تولي منصب القضاء وتأسيس الحكومة على من يتمكن من ذلك لايتوقف على أمر الشارع أو إذنه، بل إنما يتوقف على استقلال العقل بلزوم الاتيان بما يتوقف عليه حفظ نظام النوع وترك ما فيه اختلال النظام. ولكن لاينافي ذلك عدم مشروعية تولي ذلك لمن لم يأذن الشارع له، ولو بالاذن العام.

وأما حكم العقل انما هو المحكم مالم يخطئه الشارع. فما منعه الشارع يكون تخطئة لحكم العقل، كما في المقام بالنسبة إلى الفاقد لما اعتبره الشارع من القيود والشروط في متولي الحكم والقضاء. نعم لو توقف حفظ النظام على تولي خصوص فاقد الشرائط للقضاء والحكومة يكون مأذونة من قبل الشارع للقطع بعدم رضى الشارع باختلال النظام ما لم ينجرّ ذلك إلى اندراس آثار الشريعة ومحو شعائر الدين.

وقد علّل السيد المحقق الخوئي(7) مشروعية القضاء بتوقف حفظ النظام عليه، ولزوم الاختلال فيه لو لا مشروعية القضاء. وبعدم الفرق في ذلك بين زماني الحضور والغيبة.

منها: حجية شهادة من ثبتت عدالته في الظاهر، وعدم اعتبار ثبوت عدالة الشاهد واقعاً، كما علّل صاحب الجواهر(8) ذلك بلزوم اختلال النظام من عدم الاكتفاء بظاهر العدالة في الشهادة وردّ من ثبتت عدالته ظاهراً.

فانه بعد مارد اعتبار العدالة الواقعية في قبول شهادة الشاهد وحكم بالاكتفاء بظاهر العدالة في قبولها علل ذلك بقوله:«بل قد يُدّعی اختلال النظام بذلك، فإنّ كثيراً من حقوق الناس من أموال وفروج ودماء تضيع بذلك. فكم من دم يهدر و كم من فرج يُغصب وكم من ولد يؤخذ».(9)

وقد علل السيد الخوئي (10) عدم سراية حجية البينة إلى غير باب المرافعات بلزوم اختلال النظام؛ بأنّا لو قلنا بعدم حجية البينة في خصوص باب المرافعات والخصومات للزم اختلال النظام. وأمّا سائر الأبواب فلايلزم هذا المحذور من عدم القول بحجية البينة فيها.

ومنها: أمارية اليد وسوق المسلمين. فقد علل الفقهاء أماريتها بلزوم اختلال النظام من نفي أماريتها، كما صرح به السيد محمد في بلغة الفقيه. (11)

ومنها: وجوب المكاسب الكفائية؛ حيث علل وجوبها في كلمات الفقهاء يتوقف حفظ النظام عليها ولزوم الاختلال فيه من تركها وتعطيلها، كما صرح به السيد الامام الخميني (12) والمحقق الميرزا الآشتياني.(13)

وقد علل السيد المحقق الخوئي وجوب المكاسب الكفائية بحفظ النظام، وقال: إن ذلك لايوجب كونها مجانية لابتناء حفظ النظام على كونهابالأجرة.(14)

وعلى ذلك فرع الفقهاء أخذ الأجرة على الواجبات الكفائية، بل العينية التي يكون وجوبها لحفظ النظام، كما عن السيد بحر العلوم في المصابيح؛ حيث نقل عنه السيد محمد آل بحر العلوم في بلغة الفقيه. (15)

وقد قوى السيد الامام الراحل صحة الاستيجار في الواجبات الكفائية وجواز أخذ الأجرة عليها، إلا إذا ثبت في كفائي اعتبار الملكية لله تعالى. وجعل جواز أخذ الأجرة على الواجبات النظامية التي يتوقف عليها خفظ النظام – مقتضى القاعدة.

ومنها: عدم قبول دعوى الاعسار من الغريم بمجرد دعوى ذلك من دون فحص. وعُلل ذلك بلزوم اختلال النظام؛ نظرة إلى عدم امکان مطالبة كثير من الديون حينئذٍ، كما صرّح بهذا التعليل المحقق الآشتياني.(16)

ومنها: ابتناء تشريع القسمة ونفوذها شرعاً على حفظ النظام؛ نظرة إلى أنه قد لا يراعي بعض الشركاء أو جميعهم ضوابط الشركة وأحكامها أو يستبدّ بالتصرف، فلا مناص للحاكم من الإقدام بالقسمة، وإلاّ لاختلّ النظام.

وقد صرح بهذا التعليل المحقق الآشتياني. (17)

ومنها: عدم مشروعية الاحتياط في جميع التكاليف وترك الاجتهاد والتكليف. فقد عللوا ذلك بلزوم اختلال النظام من تكليف الناس بالاحتياط في جميع تكاليفهم. وإن العقل يستقل معه بالقبح والمنع، كما صرّح بذلك السيد الخوئي.(18)

الهوامش

(۱) منية السائل / من استفتائات السيد الخوئي : ص ۲۱۸.
(۲) بلغة الفقيه: ج ۳، ص ۳۹۰.
(3) کتاب القضاء للآشتياني: ص ۱۷.
(4) کتاب البيع: ج ۲، ص 461.
(5) کتاب البيع: ج ۲، ص 4۹۷
(6) مجمع الفائدة والبرهان: ج ۱۲، ص ۲۸.
(7) التنقيح: ج ۱، ص ۳۸۹
(8) جواهر الكلام: ج ۱۳، ص286.
(9) جواهر الكلام: ج ۱۳، ص286.
(10) التنقيح الاجتهاد والتقلید: ص ۲۰۸.
(11) بلغة الفقيه: ج ۳، ص ۳۰۸ و ۳۱۸.
(12) المكاسب المحرمة: ج ۱، ص 4.
(13) کتاب القضاء للآشتياني: ص ۳۵.
(14) مصباح الفقاهة: ج ۱، ص ۲۷.
(15) بلغة الفقيه: ج ۲، ص ۱۲.
(16) کتاب القضاء: ص ۹۹.
(17) كتاب القضاء: ص ۲۹۱.
(18) التنقيح / كتاب الاجتهاد والتقلید: ص 35 وص 175 و ص 241

.

المصدر: كتاب “مباني الفقه الفعال في القواعد الفقهية الأساسية” للشيخ علي أكبر السيفي المازندراني( ج1) الصفحة: 20

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky