أقامت مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية في قم المقدّسة ملتقى الخطباء تحت شعار: “الخطابة الحسينية رسالة إصلاح” بعنوان: “مهمّة الخطيب بين هموم المجتمع وتطلّعاته” وذلك في يوم الاثنين 15 ذي الحجّة 1439 المصادف 27/8/2018 في قاعة مؤسّسة وارث الأنبياء.
الاجتهاد: كلمة آية الله السيّد منير الخباز في ملتقى الخطباء المنعقد في مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية في قم المقدّسة
المنبر والتحدّيات الفكرية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ*
إنَّ الآية المباركة تصف رسالة السماء بأنّها حياة للمجتمع البشري، وفي مقابل ذلك اتجاهات ومنحنيات فكرية تنفي دور الدين في الحياة، إمّا بهدف اقتلاعه أو عزله عن الحياة العامة، وحديثنا من هذا المنطلق عن دور المنبر تجاه هذه المنحنيات.
والكلام في مقامين:
المقام الأوّل: في عرض الإشكالات الفكرية
إنَّ مجمل الإشكالات والشبهات المعاصرة بشكل متسلسل تتمحور في جهتين:
الجهة الأولى اقتلاع الدين من الجذور.
الثانية عزل الدين عن الحياة.
الجهة الأولى:
أنواع ثلاثة: الإلحاد واللاادرية واللادينية.
أمّا الإلحاد فله عدّة منطلقات:
المنطلق الأوّل: عدم وجود دليل علمي تجريبي أو رياضي على وجود خالقٍ.
المنطلق الثاني: عدم حاجة الكون لفرضية الخالق لابتناءه على قوانين واضحة فاعلة بشكل تلقائي لا يتخلف ولا يختلف.
المنطلق الثالث: تساوي الفرضيات من حيث قيمة احتمال الخالق وازلية المادة والأكوان المتعدّدة.
وأمّا اللاادرية فلها عدّة منطلقات:
المنطلق الأوّل: إنّ العقل ليس أداة للمعرفة بل لتحقيق التطوّر البيولوجي.
المنطلق الثاني: عدم قدرة العقل على الوصول ليقين رياضي بأيّ حقيقة.
المنطلق الثالث: إنَّ جميع الادلة المطروحة هي صنع العقل البشري نفسه، وليس للعقل المجرد عن العوامل البيئية والثقافية قدرة على الحسم.
المنطلق الرابع: عدم قدرة العقل على تعقل فكرة واجب الوجود كي يؤمن بها.
وأمّا اللادينية: فهو التيّار الربوبي الذي يؤمن بالإله ولكنّه يرفض الدين والنبوة، وله عدّة منطلقات:
المنطلق الأوّل: عدم الحكمة لوجود الشرور.
المنطلق الثاني: عدم العدالة لوجود التمايز والتفاوت القهري بين البشر.
المنطلق الثالث: عدم وجود ما يُلزم الخالق بوضع الدين.
المنطلق الرابع: عدم الحاجة للدين؛ لقدرة العقل بواسطة التراكم المعرفي على إدارة الحياة في كلّ مرحلة بحسبها.
المنطلق الخامس: عدم إمكان اتصال الخالق اللامحدود بالمحدود اتصالا حسّيّاً.
المنطلق السادس: عدم وجود دليل حسّي على صدق النّبوّة.
المنطلق السابع: عدم معقولية خرق قوانين الطبيعة بالإعجاز.
المنطلق الثامن: التاريخ المرعب للأنبياء والأديان.
المنطلق التاسع: لم تقدّم الكتب السماوية فكراً أسمى من فكر الفلاسفة ولا انجزت انجازاً أعلى من الفكر الوضعي.
الجهة الثانية
وهي التي تتمحور حول عزل الدين عن الحياة، وتفريغ الدين من فاعليته في البشرية؛ بحيث يبقى جوهر الدين عبارة عن مجموعة من القيم الإنسانية وطريقة خاصّة في العلاقة مع الله فقط من دون أن يكون له نظام مواكب للحياة، ولهذا عدّة منطلقات متسلسلة:
🖊المنطلق الأوّل: ليس الوحي اتصالاً ملكوتياً بين نفس النبي وعالم الغيب، بل هو تجربة عرفانية تتجلّى بها بعض المعارف السماوية للنبي مع اختلاف درجاتها باختلاف المستوى العقلي والمستوى الروحي للنبي واختلاف الأوقات، ويقوم النبي بشكل تلقائي بصياغتها وتنظيمها، فهي لا تنفصل عن العامل البشري مما يحجب الثقة بكونها منظومة سماوية متكاملة.
🖊المنطلق الثاني: خطأ النبي في عدّة مواقف كمعركة أحد وقتل الأسرى ونكاح السبايا يبرز عدم سماوية الشخصية النبوية بكلّ جهاتها.
🖊المنطلق الثالث: إنّ القرآن وتراث النبي لم يقدّم رؤية كاملة حول الدولة وهيكلية سلطاتها الثلاث وتحديد وظائفها ووضع منهج اقتصادي وتعليمي لإدارة المجتمع وإنّما هي وصايا جزئية في بعض الموارد.
🖊المنطلق الرابع: عدم انسجام كثيرٍ من الأحكام الموروثة مع الحضارة الإنسانية العادلة، وعدم توافقها مع البناء العقلائي في الحضارة المعاصرة نحو أحكام الرّق وأحكام الذّمّة وأحكام الرّبا وحقوق المرأة وحدود الحرّيّات و غيرها.
🖊المنطلق الخامس: إنّ 80% من التراث الرّوائي مما لا يمكن تحصيل الوثوق العقلائي بخلوه من الوضع والإسرائيليات؛ لتداخل عوامل الوضع والدس وعدم وجود الرقابة الحازمة وسيطرة الظالمين على مفاصل الحياة في ازمنة صدور النصوص وتدوينها، ومن جهة أخرى أنّ الطريق المطروح لتوثيقها الاعتماد على منهج علم الرجال والحديث وهي علوم ظنّية تقليدية تفتقر الى العناصر والأدوات التي اعتمدها علم التاريخ والانثربولجيا المعاصر.
🖊المنطلق السادس: ان الثابت من التراث قضايا تاريخية خاضعة لعاملي الزمن والمكان والبيئة الثقافية المعاشة في تلك الحقب الزمانية ولا دليل على كونها قضايا حقيقية وقوانين كلية.
🖊المنطلق السابع: ان اغلب ما يطرح على انه دين هو نتاج بشري لاذهان الفقهاء متاثر بعوامل اجتماعية معينة فلا يمكن ان يكون ملزما للبشرية مع التطور المتواصل لفكرها وثقافتها، كما انه خاضع لضابطة اصولية قديمة اهمل فيها الاستفادة من الادوات العلمية الحديثة في فهم النص، كعلم الألسنيات والقراءة الواقعية للنص والنظر اليه من زاويتي الزمكان والثقافة المتغيرة.
🖊المنطلق الثامن: عدم اعتماد الفقه المطروح على المنطق التجريبي الذي يبرز قابلية المنتج الديني للتطبيق وملائمته لمستجدات الحياة، خصوصا في الحضارة الرأسمالية الليبرالية.
🖊المنطلق التاسع: اعتماد الفكر والفقه الامامي على مجموعة من الأركان في شخصية أهل البيت وهي الامامة المنصوصة والعصمة والولاية وهي مما لا دليل على وضوحها عند معاصري اهل البيت مما يكشف عن استحداثها، سواءً كان من احدثها علماء المذهب ليشكلوا مدرسة قبال المدارس الاخرى او وضعها جعفر الصادق بهدف المحافظة على وحدة النسيج الاجتماعي المنتمي لاهل البيت.
🖊المنطلق العاشر: اختلاف العلماء الاوائل في صفات الامام ووجود المدرسة القمّية المهتمّة بمواجهة الغلو وانقسام التشيع المذهبي لعدة مناهج اصولية واخبارية وفلاسفة ومتكلمين وغيرهم منذ الغيبة الصغرى، كل ذلك يمنع الوثوق بكون هذا الفكر هو الفكر الديني الصالح لبناء الحياة.
🖊المنطلق الحادي عشر: اعتماد مجموعة من التشريعات على فكرة نيابة الامام ومنها نظام المرجعية، والفكرة غير ثابتة لعدم قيام دليل تام على ولادة القائم فضلا عن غيبته ومشروعية الاتكاء على النيابة عنه.
🖊المنطلق الثاني عشر: إنّ نظرية التقليد لاغية لعدّة محاذير: منها حجر فهم القرآن والرواية على فئة معيّنة بحجّة التخصّص، مع أنّ هذه النصوص القيت لعامة الناس في زمانها وتفاعل معها الناس علما وعملا بلا حاجة لتقليد.
ومنها الغاء حركة التفكير النقدي للمنظومة الاجتهادية مع انها منظومة خاضعة لادوات بشرية قابلة للنقد والتخطئة ومنها فرض منهج ديني واحد على المجتمع مع تنوع ثقافاته ومدارسه الفكرية.
🖊المنطلق الثالث عشر: فكرة التقليد لشخص واحد فكرة حادثة لم تكن مُعاشة لدى الإمامية لا في عصر النصّ ولا في العصور القريبة منه، والهدف منها خلق زعامات تسيطر على عقول المجتمع ومقدّراته ومساراته الاجتماعية.
المنطلق الرابع عشر: اعتماد المرجعية على فرض صحّة الفكرة على نظام فردي يُدير شؤون الملايين من البشر ويتحكّم في قراراتهم المصيرية وثرواتهم، دون أن يتمتّع الفرد المتصدّي وحاشيته بثقافة إدارية، ولا اعتماد على المتخصّصين في مجال الإدارة والمال ولا اتخاذ لجان متنوّعة بتنوّع اختصاصاتها في الحقول المختلفة التي يبثّ المرجع فيها رأيه وقراره.
المقام الثاني حول دور المبلِّغ في مواجهة هذه التحدّيات الفكرية
ويتلخص الطريق العملي الذي قد يعالج المشكلة من جذورها او يُخفف من غلوائها في تبني الحوزة لمركز دراسات اكاديمية في الفكر الديني ويتضمّن المركز عدّة ادوار:
🖌الدور الأوّل: جمع الدراسات المتعلّقة باستقراء الشبهات ومواكبتها.
🖌الدور الثاني: تقديم بحوث علمية رصينة في مجال دحض الشبهات وتفنيدها أو في مجال تأسيس وتأصيل الفكر الديني.
🖌الدور الثالث: إقامة المؤتمرات السنوية أو الفصلية التي تعنى بفرز الطاقات الفكرية الحوزوية والثقافية وصقلها من أجل إبراز عطاءها ومن أجل اتّخاذ قرارات أكثر عملية في مواجهة التحدّيات.
🖌الدور الرّابع: دعم مجموعة من الخطباء والمبلّغين والتنسيق بين المراكز الدينية في العالم وبينهم في سبيل تمكينهم من الإرشاد والتوعية الفكرية.
🖌الدور الخامس: استغلال مجموعة من وسائل الإعلام والتواصل في سبيل تحشيد الطاقات وخلق الجوّ الفكري الديني الشامخ، وإبراز موقعية الحوزة والمرجعية في مجال القيادة الفكرية للمجتمع الإسلامي.
المصدر: موقع مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية