الإجتهاد: ارتأينا أن نهتم في هذا المقال بدراسة خصائص الاجتهاد لدى الشيعة الإمامية في العصر الحديث، وأن نُعنى بمدرسة الإحياء والتجديد الديني من خلال عرض تجربة الأستاذ(الشهيد) مرتضى مطهري وتقييمها. بقلم: الباحث التونسي عبدالرزاق الدغري*
شهد النصف الثاني من القرن العشرين حركة اجتهادية متميّزة قادها رواد التجديد واحياء الفكر الديني في المذهب الإمامي الشيعي، لقد ساهم المجتهدون في تجديد الفكر الديني وجعله يواكب الواقع ويستجيب للتحولات العالمية والمستجدات العصر، ومكن الاجتهاد من فتح آفاق التأويل والانفتاح على العلوم والقضايا المعاصرة. ولذلك ارتأينا أن نهتم في هذا المقال بدراسة خصائص الاجتهاد لدى الشيعة الإمامية في العصر الحديث، وأن نُعنى بمدرسة الإحياء والتجديد الديني من خلال عرض تجربة الأستاذ مرتضى مطهري وتقييمها.
ويهمّنا في هذه الدراسة أن نتبيّن قيمة الاجتهاد ومناهجه وآلياته وأن نتعرض إلى أدواره ومقاصده ووظائفه. وقد ركّزنا محور اهتمامنا على مبحثين كبيرين يتعلق الأول بدراسة وظائف الاجتهاد الشيعي المعاصر وقضاياه ويتّصل الثاني بإبراز منهج الاجتهاد وآلياته.
ففيم تتجلى أبرز مناهج الاجتهاد وآلياته؟ وأين تكمن قيمة الاجتهاد الإمامي الشيعي الحديث؟
لقد اقتصر الفقه عند الإمامية في البداية على ما يُروى عن الأئمة من الأحاديث والفتاوى، ثم أثبت الفقهاء الحاجة إلى الاجتهاد الديني، ولم يعد تقليد الأئمة من آل البيت أو انتظار الإمام المعصوم مبطلا للاجتهاد، فاختص بالاجتهاد الفقيه الجامع الشرائط وكلّ من تميّز من العلماء في عدة معارف وعلوم، وهيّأ نفسه لاستنباط الأحكام، ليقلّده الناس في اجتهاداته وآرائه.
ولما شهد الفكر الديني الشيعي تحولات فكرية ومعرفية متنوعة، توسّعت دوائر الاجتهاد ومناهج الاستدلال وطرائق التفكير وسبله وأهدافه، فشملت الفقه ومختلف جوانب الحياة الروحية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتدعّم نشاط المراجع، ونما الاجتهاد لتلبية حاجيات المجتمع وتحقيق تماهي الأحكام في الأصول والفروع مع متطلبات العصر، وهدف العلماء إلى الخروج من الفهم الضيق الحرفي للنصوص، فأنتج أصحاب الفكر الإصلاحي الشيعي ورواد الإحياء والتجديد الديني نصوصًا اجتهادية ونظريات ومواقف تهدف إلى جعل الدين يواكب الحياة ويحقق مصالح الإنسان.
لذلك بدا لنا الاجتهاد قضية تطرح عدة تساؤلات منها:
ما حدّ الاجتهاد؟ أهو إحياء الموروث واصلاح التفكير وتجديد الشريعة أم هو القطع مع فكر السلف والانزياح عن قيد النصوص الشرعية؟ ما علاقة الشريعة بالاجتهاد؟ ومن هو المجتهد؟ أهو رجل الدين أم المثقف عامة؟ وما هي مجالات الاجتهاد وحدوده وآلياته؟
ويدور محور اهتمام هذه الدراسة البحثية على مقاربة مجالات الاجتهاد وأهدافه وآلياته ومناهجه لدى العلماء الشيعة المعاصرين أتباع مدرسة الإحياء والتجديد الديني؛
لذلك يحق لنا أن نتساءل عن حدود الاجتهاد وعن مدى نجاح العلماء في تجاوز بعض الإشكاليات في المنظومة العقدية الإمامية، وعن دورهم في تطوير الأحكام وتيسير الفهم وايجاد الحلول للمعضلات التي تواجه المؤمن. وإلى أي حد استطاعوا تطوير عملية التشريع الإسلامي.
وسنركز على الفيلسوف مرتضى مطهري (ت1980) لأنه كان أحد رواد مدرسة الاجتهاد والتجديد المعاصرة وصاحب مشروع إصلاحي، ساهم في التنظير للاجتهاد وممارسته في شتى مستويات الحياة، ورسم معالم الإسلام ومستقبله، ثم توسع العلماء في دوائر الاجتهاد وآلياته،
ومن بين هؤلاء المرجع اللبناني محمد حسین فضل الله (2010) والمجتهد العراقي محمد مهدي شمس الدين (ت2001) والفقيه العراقي محمد تقي المدرسي وبعض المفكرين الإيرانيين أمثال مصطفی ملکیان ومحمد مجتهد شبستري وعبد الكريم سروش، لذلك ستكون لنا ملاحظات حول مساهماتهم الاجتهادية.
ويهمّنا في هذا المبحث أن نجيب عن إشكاليتين: ما هي مجالات الاجتهاد المعاصر ووظيفته انطلاقا من تجربة مطهّري؟ وهل استطاع مرتضى مطهري وضع منهجية قادرة على الخروج بالاجتهاد من أسر الماضي والتوفيق بين نصوص الشريعة وحاجات المجتمع الإسلامي المعاصر؟
1- قضايا الاجتهاد المعاصر ووظائفه في مشروع مرتضى مطهري :
أ- تحقيق الإصلاح وبلوغ النهضة:
ساهم مرتضى مطهري من خلال عمله الاجتهادي في إعادة قراءة التراث الديني عامة والمناداة بعدة قيم ثورية اجتماعية واقتصادية وإنسانية، فطالب بالحرية الدينية والسياسية وبمراجعة منظومة القيم والأخلاق والمعاملات السائدة لتحقيق ثورة فكرية وقيمية جديدة تتلاءم مع روح الدين ومقاصد الشريعة وقيم العصر.
وانبنت مقاربته الاجتهادية على معالجة مظاهر التخلف والانحطاط والنظر في سبل تخطيه، فسبر أغوار مجتمعه، وصاغ أطروحة تبحث في مظاهر تقدم المسلمين في الماضي وأسبابها وتنظر في علل تخلفهم في هذا الزمن، فكشف الأطراف المسئولة والعوامل الداخلية والخارجية.
ورأى أن الإصلاح يقتضي أولا الإلمام بالثقافة الإسلامية ومختلف علومها، ويستدعي ثانيا تجديد التفكير الديني ونقد الذات والنظر في أسباب التخلف والانحطاط وفهم الأنفس والعقول ومراجعة آليات التفكير وسبل العيش، يقول: والآن فلنجلس ونحاسب أنفسنا…هل التفكير الإسلامي في أدمغتنا حي أم ميت؟ …(1).
لقد اجتهد مرتضی مطهري في تقديم قراءة نقدية للنصوص واستخلاص القيم لتهذيب النفس وإصلاح الأخلاق وإزالة المفاسد، ودعا إلى الاقتداء بفضائل الإمام علي (ع) وما تميز به من العلم والحكمة والتواضع والأدب والعدالة والحرية والسخاء والمروءة واحترام الآخر وحسن معاملته، فقد أحسن إلى الخوارج وحافظ على نصيبهم من بيت المال.
وقد تمكن مرتضى مطهري بفضل اطلاعه على أدبيات الفكر الغربي وتميزه في العلوم الإسلامية من التجديد في المجال الاجتماعي والاجتهادي ومعالجة بعض القضايا الراهنة التي تتعلق بالأخلاق والعمل والمرأة والعلاقات الاجتماعية والمعاملات الإنسانية ونقد الموروث الفكري الإسلامي وعادات المجتمع وسلوكه وطرائق تفكيره، فقد وقف بجرأة في وجه الأفكار الجامدة، ونبذ الانتهازية والتواكل، ونقد فكر العلماء في الحوزة ورجال الدين،
وظل يبحث في جذور الانحرافات الدينية وفي إصلاح عقائد هذا الجيل وأفكاره، بطريقة تراعي دور الاجتهاد الشامل وتنبذ التزمّت. وبحث في سبل تحقيق التغيير الاجتماعي ومعالجة الضمير الإنساني الذي يمنح كل ذي حق حقه(2).
وتساءل عن دور المجتهدين والمؤسسات الدينية: كيف يواجهون تطلعات الجيل الجديد ؟ وما هي مسيرة التقدم؟ وكيف تتطور العلوم؟
وما مميزات القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية؟ وفيم تتمثل أسباب التخلف؟ وما هي السبيل للتخلص من الهيمنة الأجنبية؟
ويرى أن دور المجتهدين والمصلحين كبير يستوجب القيام بعمل إصلاحي شامل يساير مستوى العصر ويمثل أركان الثورة ومبادئها، يقول: “علينا أن نتعلم منطق العصر، ولغة العصر، وأفكار العصر، ثم نقوم بواسطتها بهداية الناس وقيادتهم”(3).
كما تمكّن — مثل عدة مصلحين آخرين — من صياغة نظريات في الاقتصاد الإسلامي والمعاملة البنكية والأخلاق والقيم الاجتماعية تنسجم مع خصوصيات المجتمع الإسلامي وهويته، وبحث في الأسس الفلسفية للقضايا الاقتصادية وشروط التعامل مع الأحزاب الغربية وتوجهاتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية، وانتقد الأنظمة الاقتصادية والمالية والسياسية العالمية(4).
وقد مثلت المرأة محورًا مهمًا من محاور تفكيره الاجتهادي، هدف من خلاله إلى إثبات مساهمتها في بناء المجتمع ورقيّه، وتصحيح الأراء حولها، وتمكينها من أن تنال حقوقها ومنزلتها الطبيعية، فنفى أن تكون سبب خطيئة آدم أو أن تجرّ الرجل في الحياة إلى الخطيئة.
ولئن دافع عن مساواتها مع الرجل في المنزلة الإنسانية، وأثبت كمالها، وأكد أن الإسلام يميز بينهما في بعض الحقوق والواجبات والعقوبات نظرًا لما بينهما من اختلافات غريزية وجسمية، فإنه ينبذ التشابه بينهما ولا يرضى بشكل المساواة التي يقترحها الغرب لأنها تتجاهل هذه الاختلافات(5).
وقام عمله الاجتهادي على مراجعة الأسباب الواهية التي اعتقد الناس بأنها سبب فرض الحجاب مثل ترويض النفس أو الحفاظ على سلامتها بسبب انعدام الأمن.
وبين أن فلسفة الحجاب تحقق منافع نقسية واجتماعية تمتّن العلاقة بين الأسرة، وذهب إلى أن الحجاب يحفظ لها حريتها وقوتها، ويمتّن صلتها العاطفية والجنسية بزوجها،
يقول في هذا الصدد: “إن الحجاب الذي يأمر به الإسلام للمرأة ليس البقاء في الدار وعدم الخروج منها، فليس في الإسلام ما يدعو إلى حبس المراة”(6)
ونعتقد أن الإقرار بالمساواة وبضرورة احترام المرأة وإصلاح ما ساد من اعتقادات حولها تعلقت بالخلق والمنزلة الدونية والضعف الجسدي والعقلي ونقص التَّدين يعتبر موقفًا اجتهاديًا رائدًا يثمّن حقوق الإنسان ويساهم في الإصلاح الاجتماعي والسياسي والرقي الحضاري، فلن يتحقق الإصلاح والتطور إذن، إلا بمعالجة أسباب التخلف والتمسك بأصول الشريعة.
ب – الانخراط في قيم العصر ومبادئه: الحق والحرية والتعددية والمساواة:
تركّزت اجتهادات المصلحين خلال القرن العشرين على قيم الحرية والتعددية واحترام حقوق الإنسان، وعلى تأصيل هذه القيم في البيئة والمجتمع، فأثبت مرتضى مطهري ومحمد حسين فضل الله وعلى الأمين ومحمد مهدي شمس الدين منزلة الحرية في تاريخ الإسلام وقيمة تنوع التفكير،
فقد فرض الدين الإسلامي مبادئ التسامح والاحترام لعقائد الشعوب المختلفة، وأوصي بالرفق في معاملتهم، ولم يواجه الناس أو أجبرهم على الإيمان، بل حارب الحكومات، وتصدى إلى الذين يقيّدون فكر الناس ويدفعونهم إلى الجهل والظلمات،
فمنح مرتضى مطهري وغيره من المفكرين الحرية معنى شاملًا مناسبًا للعصر لتشمل الفكر والعقيدة والتعبير والصحافة، ودافع عن حرية النقد والتعبير للمعارضين، واحترام الحريات الشخصية شرط أن يحترم كل واحد غيره، ففي مسألة شرب الخمر مثلا، يذكر مطهري أن الإسلام لم يسمح بالتجسّس على شارب الخمر أو منعه إيمانًا بحرية الفكر وبأنّ التدين يقتضي القناعة الشخصية.
أما في ما يتعلق بمنزلة الإنسان وتحقيق مساواته، فإن الشريعة الإسلامية منعت الاسترقاق والاستعباد، ونادت بالحرية الفكرية والروحية للعبيد، وأرست شرعية التنوع والاختلاف(7).
إننا نعتقد أن هذه الآراء الاجتهادية مثلت هدف الثورة وأسّ التغيير، وعبّرت عن احترام الإنسان، وبحثت عن النزعة الإنسانية للدين. (L’ Humanisme )، يقول الأستاذ مرتضى مطهري “إنني أعلن أنّ في الجمهورية الإسلامية لا يوجد تحديد ولا تقييد للأفكار أبدا، ولا يمكن أن نسمع في ظلها خبرًا عن حصر الأفكار ، يجب أن يكون الجميع أحرارا” (8).
بيد أن هذه الحرية لا يمكن أن تعني التظاهر بالمروق عن الدين أو التعارض مع التوحيد الإلهي، لذلك نجد مرتضى مطهري رفض عدة عقائد يعتبرها قائمة على الوراثة والجهالة والتقليد، وأعتقد أنها تأسست على الميولات والأهواء ورآها بعيدة عن التفكير، وتدفع إلى التعصب والغموض، وتحول دون النشاط الفكري،
وتقف حاجزًا أمام التعبير الحر والفكر المنطقي مثل عبادة بعض الحيوانات أو الأشياء والأصنام، ونلفيه يدعو أتباع كلّ مذهب ديني أو فكري مثل الشيوعيين إلى التزام الصراحة والوضوح في اختبار أسلوب تفكيرهم وعقيدتهم وتصورهم للحياة لأنهم يرفعون صور الإمام في الاحتفالات ويبطنون رفضهم للنظام الاقتصادي والفكري والعقائدي الإسلامي(9).
ونلمس لديه وعيًا بأهمية التعددية الدينية والمذهبية، فهو يرى أن المصادر الإسلامية وخاصة القرآن تتضمن إمكانات عديدة من البحث والاجتهاد والاستنباط، ونلفيه يشيد أحيانا بحق التنوع والاختلاف، ويراه ضرورة حتمية، ذلك أن الأفكار المختلفة مهمة للوصول إلى الحقيقة وتقوية الفكر وتحقيق حيوية العقيدة، فهو يعتقد أن آراء بعض المخالفين للشيعة وأعدائهم الذين يسبونهم تحفّز علماء الشيعة على البحث وتساهم في التعرف إلى الأفكار القديمة وتشذيبها وتنقيح بعض العقائد،
فيقول: إن وجود القطب المخالف ضرري حتى بالنسبة إلى المصالح البشرية كما أن القرآن الكريم يعترف بالاختلاف والتنوع … فلولا الاختلاف لما كان هناك تضارب بين الآراء والعقائد، ولولا هذا التضارب لما شهدنا هناك تقدمًا أو تطويرًا في العقائد أو أنها لا تبقى محافظة على حيويتها وبريقها وعنفوانها في الحد الأدنى(10).
ولا يجد حرجا في الإقرار بتنوع القراءات والأفكار والاعتقادات والفهم داخل المذهب الشيعي وبمبدأ التعايش مع المذاهب الأخرى، فيتحدث عن التعددية داخل الدين الواحد، ولا يعارض طرح الأفكار المختلفة في المجتمع الإسلامي، إلا أنه يرى أن المذهب الشيعي هو المذهب الحق ويرفض بشدة التعددية المذهبية بمعنى حقانية المذاهب المختلفة(11).
ونعتقد أن انتصاره للمذهب الإمامي لا يحدّ من قيمة تفكيره الريادي في مجال قبول المختلف وتوسيع دائرة الانفتاح على الأخر واحترام الإنسانية والاعتراف بحق القوميات والجنسيات والثقافات وتكريس العدالة والمساواة. فنلفيه ينبذ الإكراه والمغالاة أو التضييق على الناس في معتقداتهم ويقرّ بحق الارتداد طالما أنه لا يؤدي إلى الإخلال بالنظام الاجتماعي والسياسي، ويرى أنّ “ظهور عالم يتمتع فيه أفراد البشرية بحرية الجهر بالعقيدة ويتخلص فيه الناس من الخوف والفقر، يكون هو المثل الأعلى للبشرية(12).
والحق أن هذه الدعوة إلى احترام النزعة الإنسانية للدين تدعّمت في كتابات المفكرين والجامعيين المعاصرين مثل المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي والمفكرين الإيرانيين محمد مجتهد شبستري ومصطفي ملكيان،(13)
فكانت لديهم أطروحات تنزع إلى مراجعات جذرية للظاهرة الدينية والتخلص من المركزية الإيمانية واحترام الإنسان والنظر في القيم الإنسانية والمعنوية والعقلية والروحية التي ينبغي بسطها في المجتمع، وتثبت الوظائف التي يجب أن تضطلع بها القراءة المعاصرة للأديان.
أما في المجال السياسي فلا يخفى على بصير دعوته إلى التعددية السياسية ومدنية الدولة، وحرية الأحزاب والمساواة والعدالة، ولئن تحدث مثل غيره من المصلحين والمجددين عن الحكومة الإسلامية، فإنه رفض قيام الدولة الدينية بالمفهوم الكهنوتي، ودافع مثلهم عن مشروع الدولة والجمهورية الإسلامية وسلطة الأمة وحرية الشعب في اختيار القائد السياسي، وحقّ التداول على السلطة وتقرير المصير والحرّيات السّياسية والانتخاب وحرية الأحزاب والجماعات في بلوغ السلطة،
فقد اجتهد هؤلاء في التنظير لطبيعة الحكم والسياسة والتنظيم الإداري للدولة، وتداركوا نظرية الإمامة الإلهية لآل البيت والنيابة العامة للولي الفقيه، وآمنوا بالتلازم بين الشرع والعقل وحق الأمّة في تدبير شأنها السياسي، وبدأ الانتقال تدريجيا من الحكومة الدينية إلى الدولة الوطنية، فشمل الاجتهاد إقرار الانتخاب والدستور والدولة، وتوزيع السلطات، وتعدّد المرجعيات الدينية، ومساعدة الأمة على التشريع وممارسة الاختيار في الاجتهادات الفقهية وسنّ القوانين.
وأكّد المفكرون التواشج بين المجتمع المدني والمجتمع الديني، ذلك أن نظام الجمهورية الإسلامية يتأسس على الشريعة ولكنه منسجم مع منجزات العقل وسلطة القانون ومعطيات الحضارة والتجربة البشرية (14).
ونعتقد أن مرتضى مطهري تأثر بالتحولات التي عرفها عصر الأنوار، فقد أبدى احترامه للمبادئ العامة التي انبثقت عن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، لأنها أشادت بالعدالة والحرية والمساواة ونوّهت بحقوق الإنسان وقيمته ومكانته، وعبّر عن إجلاله لمنظميها وللفلاسفة الذين ألهموهم موادها.
لكنه يوجه نقدًا لها، فيراها لائحة فلسفية وليست قانونًا ملزمًا، لأن الثقافة الغربية غيبت الوازع الديني، وحولت الإنسان إلى آلة منتجة لا تحرّكها إلا المصالح الاقتصادية، وأفقدته روحه وأصالته، ولم تمنح المرأة مكانتها الحقيقية، وأغفلت تطبيق القيم الإنسانية للدين(15)،
فظل مرتضى مطهري يدافع عن إشكالية الهوية والقيم بالحفاظ على البعد الحضاري والتاريخي للمجتمع الإسلامي وتجنب الانصهار في ثقافة الغرب، ولم يقبل من التجديد إلا ما يتناغم مع نصوص الشريعة الإسلامية وينطلق منها.
ج – تصحيح الاعتقاد:
إن بنى الاجتهاد على مراجعة ما استقر من مسلمات تعلقت بصورة الأشخاص المهمة في التاريخ الإسلامي مثل علي بن أبي طالب والحسين (عليهما السلام) وما اتّصل بوقائع تاريخية وعقائد مثل الإمامة والتقية و “التطبير و”أو العزاء، لتطهير العقيدة ونبذ التطرف والتضخيم والبدع والخرافات واستخلاص القيم والمبادئ الحسنة التي تناسب العصر وآليات تفكيره.
وقد لا نجانب الصواب متى أقررنا بأنّ مرتضى مطهري وغيره من المجتهدين المعاصرين ساهموا في تصحيح الفكر الإسلامي وتجديده ونقده وتطويره ونبذ البدع، وإعادة فهم نصوص الشريعة، فنقد مرتضى مطهري بعض الأفكار السائدة مثل الاعتقاد بأنّ حب علي يسقط الذنوب وأنه حسنة لا يضر معها سيئة”(16).
لأن هذا التصور ينفي المسؤولية والعدل. ودرس عوامل انحطاط المسلمين الشيعة ومنها الغرور والتسليم بما روي من أخبار تعد أتباع آل البيت والمذهب الإمامي بغفران الذنوب والنجاة دون حساب، لذلك أكّد على جدوى العمل والطاعة والإيمان الصادق(17).
وشمل تصحيح الاعتقاد تنقية الاحتفال ببعض المناسبات والوقائع من الغلو والتأويل الأسطوري والخرافي مثل تحريف واقعة كربلاء، فقد ألحقت بالحادثة عدة ‘أكاذيب’ واختلق الرواة الأساطير وحرفوا سير الأئمة وصفاتهم، فنَسبوا إلى علي(ع)، مثلا، قوة خارقة وعظمة أسطورية ومؤهلات وقدرات عجيبة ليظهر في مظهر بطل من أبطال المعارك،
فقد ضرب بسيفه في معركة “خيبر” “مرحب الخيبري” ضربة قسمته إلى نصفين، فنزل جبريل ووضع جناحيه تحت سيف علي حتى يخفف من وقع الضربة ويمنع أن تنشق الكرة الأرضية إلى نصفين ويحول دون أن يعمّ الموت والخراب(18).
وفي هذا السياق نبذ الاعتقاد بأن يكون الحسين قد استشهد لغفران ذنوب الأمة يوم الحساب، لأن هذا الرأي يحد من مسؤولية المؤمن وحريته ويساهم في عقلية التواكل.
وعمل على تصحيح مفهوم العزاء والذكرى؛ أهو بكاء لضياع الحسين أم لعظمته؟ فقد أفرغ العزاء الحسيني من محتواه وأصبح البكاء والحزن هدفًا وغايةً في حد ذاته، وأضحت الشهادة رمزًا للانكسار والفشل لإثارة العواطف ضد يزيد وابنه، والحال أن العزاء يحمل مضمونًا اجتماعيًا يعبر عن الحركة والنضال الاجتماعي.
ويصف متبعي هذا السلوك بالجناة، وينسب إليهم تحريف العقيدة والمعاني الأصيلة لنهضة الحسين، ويرى أنهم يماثلون النصارى في تعظيم عيسى والدعوة إلى الحزن عليه والاعتقاد بموته الفدائي، ويودّ الأستاذ مرتضى مطهري أن يعبّر الرثاء عن التغنّي بالبطل وبشجاعته لا دليلًا على القهر ورثاء مسكين مهزوم(19).
واجتهد مرتضى مطهري في تصحيح معتقد الشفاعة وما صاحبه من ممارسات طقوسية، فلا يمكن الاعتقاد بأن الحسين شفيع الناس من خلال اللطم وسكب الدموع والعزاء، ورأى أنّ هذا التصور يماثل الاعتقاد بشفاعة الأوثان عند المشركين، ذلك أنّ الشفاعة لله وحده(20).
وأما في خصوص عقيدة التقية، فإنه يرى أن الفكر الشيعي أفرغها من مفهومها الأصلي الذي يفيد الحفاظ على الدين، وأصبحت ملاذًا للتهرب من مواجهة العدو والدخول في مجادلات جوفاء(21).
ودعا إلى تنقية نصوص الشريعة من كل ضروب التناقض والغلو والإطراء ومراجعة وثوقية الأخبار المروية عن الأئمة، وترجيح كفة العقل، فقد تضمنت سيرهم الكثير من التناقض والاضطراب كأن نجد عليا والرسول (عليهما السلام)يزهدان في الدنيا في حين أن الأئمة لم يكونوا كذلك(22).
ويؤكّد على دور الزمان والمكان في صياغة بعض الأحكام والسنن فيرى أنّ النصوص الدالة على الخضاب خاصة بظرفية زمنية ولم تكن من الأحكام العامة، وأن الحكم بتغيير الشّيب هدف إلى الرفع من معنويات المقاتلين المسلمين وتحفيزهم على القتال وحتى يشعر العدو بحداثتهم وقوتهم(23).
على هذا النحو إذن، تتجلى لنا أهمية الاجتهاد في تفكير مرتضى مطهري، فكان على حدّ رأي الأستاذ محمد عمارة صاحب ‘مدرسة اجتهادية’ أحدث مع غيره من المجتهدين ثورة فكرية ارتأت تجديد قراءة الدين واصلاح الفكر ونقده، وثارت على الإخباريين وهدفت إلى تنقية ما شاب العقيدة من انحراف كبير(24).
د- البحث في علاقة الدين والدولة وقضايا التطور والتعايش والمواطنة والعنف.
أضحى الاجتهاد وسيلة رقي وتطوّر وعملية بناء للمجتمع ونظام الدولة، وصار الوازع الديني من المداخل المهمة للاجتهاد ذلك أن الدين وما يتعلق به من قيم ومعتقدات يساهم في تحقيق الحكم الديمقراطي والتعايش السلمي والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فلعب المجتهدون دورًا فاعلًا للانخراط في الرقي الحضاري والتقدم واحترام المكلف بالعودة إلى القيم الدينية الأصيلة(25).
وقد تمیز مطهري بشجاعة فكرية برزت من خلال التطرق إلى مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية خاصة ومنها السنة والشيعة، وخلق أجواء التفاهم والتقارب والتعايش لكي يعمّ السلام والوئام داخل الوطن الواحد، ويتجاوز الشيعة عزلتهم وتتوطّد علاقاتهم، فنّوه بالتسامح والاحترام الذي أبداه الإسلام لعقائد الشعوب الأخرى، وتحدث عن “المعنوية” وهي حالة من الرقي الروحي بسبب نمو العاطفة الإنسانية والأخوة الإسلامية(26).
وكان لهذه الدعوة إلى التسامح والحوار امتدادها الواسع في الأوساط الاجتهادية الشيعية في العقود الأخيرة، ليعبر المجتهدون عن قراءة جديدة للدين تمكن من الخروج من دائرة المذهبية وبناء الدولة الوطنية والنظر في العلاقة بين الهوية الدينية والهوية الوطنية، ونزع الطائفية ونبذ السب والتكفير والإقصاء والعنف والتطرف،
فاجتهد العلماء مثل محمد حسين فضل الله ومحمد مهدي شمس الدين وعلى الأمين في تقديم قراءة حداثية للدين من خلال الحديث عن الوحدة الوطنية وحقوق المواطنة، ووجوب التعايش بين السنة والشيعة لأنهما أمة واحدة، ونشر “خطاب الاعتدال في مواجهة ثقافة التطرف والإرهاب” و “حوار الأديان والثقافات”.
لقد كان لهذا الفكر المعتدل مكانة كبرى في الأطروحات النظرية للفلاسفة المعاصرين الذين تجاوزوا فكر المراجع وسلطة الموروث، فتحدث محمد مجتهد شبستري عن “القراءة الإنسانية للدين” و”القراءة النبوية للعالم”، وصاغ مصطفی ملکیان نظرية العقلانية والمعنوية و”هي نظرية ترتكز على ضرورة تقبل الدين بصيغة جديدة وفهم جديد.
وطرح عبد الكريم سروش فكرة “القبض والبسط” التي تميز بين الدين والمعرفة الدينية البشرية المتغيرة و”الصراطات المستقيمة” أو التعددية الدينية(27).
ولا شكّ في أن هذه القراءات تعبّر عن تطور الاجتهاد في فهم النصوص الدينية نقد التدين التقليدي وتأسيس التدين العقلاني الذي ينطلق من التجربة الدينية ويشيد بالقيم والمبادئ التي جاءت بها الأديان، ويساهم في بناء الوطن وتحقيق السلام.
مما يعني أن مواضيع الاجتهاد لم تقتصر على المجال الفقهي وأنه قراءة مجدّدة للدين ولطرائق التعايش والتفاعل مع المستجدات في العالم.
على هذا النحو إذن، منح الاجتهادُ الدين حركة وحيوية وحياة ونشاطًا فكريًا مستمرًا، فقد جعل المجتهدون قراءة الدين تستوعب متطلبات الزمان وقضاياه، ورفعوا شعارات مثل “الثورة” و “النهضة” و”تجديد الفكر” و”الإسلام والاقتصاد” و”بناء الذات الثورية” للمساهمة في تحقيق مداخل الإصلاح والتقدم في الدولة .
وتوضح من خلال مرتضى مطهري أن الاجتهاد يقوم على تشخيص العلل وتعيين مواضع الفساد في مختلف المجالات وتدبير الإصلاح وتجديد التفكير، وبلوغ الاستقلال الفكري والثقافي وحماية الهوية الإسلامية والخصوصيات الثقافية من معضلات التغريب والاستشراق والدفاع عن منظومة الأخلاق والقيم الإسلامية ، وتحقيق بناء شامل للمجتمع في سبيل تحرره ونهضته وتقدمة، والحفاظ على هويته بالعودة إلى الشريعة وبالاستفادة من التنويريين فيما يخدم الدين والإنسان ولا يتعارض مع العقيدة وقيم العصر ومتطلباته.
لذلك تنوعت مواضيع الاجتهاد المعاصر ومجالاته، وهدفت إلى النهوض بالمجتمع وتأسيس فكر سياسي واقتصادي وأخلاقي حديث، وتحقيق عدة قيم ومبادئ مثل العدالة والمساواة والأخلاق والتسامح واصلاح الاقتصاد و مقاومة الفساد في السلوك والاعتقاد(28).
وقد توضّح لنا أن مرتضى مطهري اجتهد في مقاربة عدة قضايا معاصرة، ونبذ التقليد الأعمى للعلماء والفقهاء، وشكّل اجتهاده ثورة فكرية وقيمية من خلال إعادة قراءة الروايات والأخبار والمقولات والمعتقدات مثل الإمامة والنهضة الحسينية وفق قيم الثورة في إيران وما يخدم الإنسان المعاصر ويوليه مكانته، فتحدث عن محاربة الأهواء والبدع، وعن المصلح الذي يجدّد للأمّة دينها(29).
لكن رغم هذا الجهد الذي بذله فإنه لم يتجاوز في أغلب اجتهاده سياج نصوص الشريعة وعمل الدعاة، يتحدث عن الإصلاح والإحياء ونقد الفكر، ويعيد طرح الإشكالات التي أثارها بعض العلماء حول القضاء والقدر والحجاب والعدالة والإمامة والنبوة، ونلفيه يشید بحادثة كربلاء وما تجسمه من صور البطولة والفداء،
وحينما يثير مسائل جديدة يقدم إجابات المتكلم التقليدي لأنه لم يكن إيجابيًا في بعض رؤاه تجاه أهمّ الأفكار والأطروحات الحديثة، وكان يقرّ بتلازم الدين والسياسة ويعتقد أن الإسلام السياسي هو الطريق الأمثل للنهوض وتقديم الحلول للمجتمع، ولا حاجة للمسلمين للاقتباس من التيارات السياسية والفكرية الغربية لأنها تفكّك الدولة وتهدم الدين، فنقد المدارس الغربية وحذر من انتشارها في البيئة الإسلامية(30).
2- منهج الاجتهاد وآلياته في فكر مرتضی مطهري :
تركّز اهتمام المجتهدين المعاصرين بتجديد العلوم الإسلامية والمباني العقلية في معالجة القضايا الدينية والحياتية، وانشغلوا بمراجعة المسلمات وتحقيق إسلامية المعرفة وتأكيد الوعي بالتاريخ اعتمادًا على آليات اجتهادية ووسائل منهجية مختلفة في التعامل مع نصوص الشريعة تمثل أهمها في(31) :
أ- تجديد التعامل مع الموروث وتطوير العلوم الشرعية:
تأسّس التلقي المعاصر للموروث الديني الإسلامي على الوعي بضرورة تجنيد العلوم الإسلامية عبر تنويع أحكام علم الكلام ومواضيعه وأصول الفقه وتطوير وظيفتهما واستثمار حقول أخرى مثل الفلسفة والتاريخ والاجتماع والاقتصاد والنفس،
فقد حرص مطهري – مثل غيره من أتباع مدرسة الاجتهاد والتجديد إبان الثورة الإيرانية — على إيجاد إصلاحات في البني المعرفية لنظام الاجتهاد الفقهي بإضافة مجموعة من العلوم الأخرى تشمل الحديث والرجال والتفسير والعقيدة والأخلاق والقراءة التاريخية.
ولم يعد الاجتهاد الشيعي قصرًا على المجال الفقهي، وإنما اقتحم كلّ مجالات الواقع المتشعب في العقيدة والحقوق والحريات والصحة والسياسة والتطرف والاستبداد،
فاقتضى هذا الواقع تجدّد العلوم لتشمل علم الكلام والفلسفة والتحوير في بعض الأحكام دون الخروج عن النص المؤسس ومبدأ الإجماع، ذلك أن “الشرائع تتبدّل بحكم تطور متطلبات العصر … فإذا كان القصد من متطلبات العصر هو ما يسمونه اليوم بالمدنية أو المدنية المتطورة، فإن الحاجة إلى دين جديد مستمرة على الدوام(32).
وقد تجلّت محاولة تجديد العلوم التقليدية، من خلال مراجعة القواعد والمسلمات التي حكمت بنية المنظومة الفقهية الأصولية الشيعية، وباعتماد آليات متنوعة في التأويل والتحليل تعيد النظر في ما قرّ في الفكر والعقيدة، وتصوغ أحكامًا وآراء متجدّدة في التعامل مع المغاير والمختلف تهتمّ بتنقية الأخبار وتقويمها وفق النص القرآني، وترجيح آراء المجتهدين، ومراعاة تنوع ثقافة المجتهد، والاستقلال في الرأي، وتوسيع دائرة الأحكام.
فمثّل علم أصول الفقه فلسفة العلماء المسلمين في تفسير النص التشريعي والمنهج العلمي المنطقي للاجتهاد بالرأي في استنباط الأحكام فيما فيه نص،
ووضع المجتهدون نصب أعينهم مراعاة المصلحة وفقه الكل وأحكام الطوارئ وذلك للاستجابة إلى النوازل وإدارة الدولة والتفاعل مع النظام الاقتصادي والسياسي العالمي وإصلاح بنية تفكير المجتمع ورؤاه وقيمه الأخلاقية والتربوية(33).
واتسمت بعض اجتهادات الأستاذ مطهري وغيره من مجتهدي عصره بالمرونة ومجانبة كل تزمت أو تعقيد في استخراج الأحكام لتساير حاجة المجتمع وخصائصه، ومن الأمثلة التي يضربها مرتضى مطهري لتأكيد وجوب التحرر من بعض قيود الأحكام ما تعلّق بتحريم لمس جسد غير المحرم، فأباح إنقاذ امرأة في حادث وحملها إلى المستشفي دون انتظار احد محارمها لحمايتها وتحقيق نجاتها، وأما المثال الثاني فتعلّق بوجوب استدعاء طبيب جراح لامرأة في حالة مخاض لم تفلح القابلات في توليدها.
لذلك رأي مرتضى مطهري أن جهود المجتهدين “ينبغي أن تركز على المسائل الجديدة والمستحدثة التي تظهر في كل عصر ويجب التأكّد من انطباقها على ما هو موجود في الشّريعة من أحكام مجملة”(34)،
وهو يرى أنّ الاجتهاد في العصر الحالي فقد روحه لأن الناس يعتقدون أنّ مهمّة المجتهد هي فقط استنباط المسائل والأحكام الفقهية التي لها حكم واحد مهما تعاقبت الأزمنة،
وفي هذا الصدد أقرّ مرتضى مطهري بنسبية الأحكام المتّصلة بالمعاملات وتاريخيتها وبتعدّد الأحكام الفقهية لأن الشريعة ليست مجموعة من الأحكام الثابتة، فلكل عصر ضروراته وأدواته المعرفية ومناهجه العلمية وطرائق تفكيره، وعادة ما نلفيه يتحدث عن إجماع الأمة ومصالحها ومعقولية الأحكام ومدى انسجامها مع الواقع ومع النص القراني(35).
ومن الجوانب الأخرى المهمّة في تجديد قراءة الموروث ما تعلق بإحياء الشريعة وتجديد الفقه، ذلك أنّنا نلمس في مواقف مرتضى مطهري خطًا ثوريًا يهدف إلى الإحياء والتجديد، وهو يقرن بينهما ويراهما منهجين ضروريين في الاجتهاد، يعرّف الاجتهاد بأنه إحياء الأفكار الأمة وتصحيح لمواقفها تجاه الدين،
ويعرّف الإحياء بأنّه إثارة صحوة جديدة في الدين وإحياء التفكير بشأنه وببعض ما صار مهملًا منه، وإزالة الانحرافات والخرافات والتشويهات، وتجديد السنة وإماتة البدعة.
ويتمثل تجديد الفكر في تنقيته من الشوائب والخرافات والزيادة المضافة إليه، وتأمّل المتغيرات على الفكر الديني(36).
ويشمل التجديد والإحياء القيم والمبادى الإسلامية مثل العدالة والقضاء على الخلافات والحواجز الطبقية، وتحقيق استقرار المجتمع الإسلامي، والرحمة، والأخوة، وزوال الظلم والإجحاف، والقضاء على الحواجز الطبقية والمشاكل الاقتصادية، واحترام الحريات، ويرى أن الإحياء والتجديد سبيل إعادة القيم القرآنية النبيلة وتحقيق أهداف الثورة وسر دوام حكومة الجمهورية الإسلامية واستقرارها(37).
ويعتقد الأستاذ مرتضى مطهري أنّ قصور الاجتهاد في عدة أحكام إسلامية ساعد على ظهور تصورات خاطئة حول الشريعة الإسلامية تسمها بالتحجّر والتخلّف والعجز عن مواكبة العصر، وقد أعاق الجمود الفكري وتوقّف الفقه الإسلامي عن الحركة وتقديس تجربة الأقدمين والابتعاد عن مواجهة مستجدات العصر روح التجديد في الشريعة وتمسّك الناس بهويتهم،
وساهم في ابتعاد فئة من الشباب ‘المتنورين’ عن الأصول الشرقية والإسلامية وتقليدهم المطلق للمدارس الفلسفية الغربية، ويتطلب هذا الحال قيام حركة نشيطة لسنّ القوانين الجديدة انطلاقا من الواقع المعاصر ومن التعاليم الإسلامية(38).
وباتت الحاجة ماسة إلى مجابهة جمود الفقه وتخلّفه أمام القوانين والتعاليم الأوروبية في مجال الإجتماعي والقضائي والأحوال المدنية وفي كلّ القوانين والأحكام حتّى تواكب العصر ومبادئه، ويجد فيها الجيل الجديد ملاذه،
يقول مرتضى مطهري : “تحن نرجّح السير في طريق القرون السّبعة المنصرمة، بينما قرننا المعاصر يحتاج إلى طوسي (ت460ه) جديد بل إلى عشرات من أمثاله يقومون أوّلًا بتفهّم متطلبات العصر وحاجاته بضمير مشرق، وثانيًا باقتحام السّاحة العلمية بشجاعة عقلية وأدبية نظير شجاعة شيخ الطائفة وثالثًا بعدم تجاوز حدود الكتاب والسنة” (39).
يتّضح من خلال فكر مرتضى مطهري أنّ الاجتهاد حركة مستمرّة وقوّة لإحياء الفكر الدّيني القويم وتجديده وتحرّره من أسر الماضي، ينير العقول والنّفوس وينزع المفاسد، لتخطّي العقبات التي تقف حاجزًا أمام رقي الإنسان وتنويره،
يقول: “إن لدينا دينا، والفكر الديني موجود عندنا ولكننا في حالة بين النوم واليقظة، حالة بين الموت والحياة، وهي حالة من الخطورة بحيث لابد من دراستها”(40).
ويستوجب الإحياء والتجديد مراجعة الفكر الديني ومفهوم التدين ومسؤولية المسلم: “ولكن الذي يجب أن يشغل بالنا بالدرجة الأولى في الوقت الحاضر هو هذا الفكر الديني الذي نحمله نحن المتدينين المسلمين … هذا الفكر الذي تحمله نصف ميت أو في حالة خمود، هذا الفكر فينا يجب إحياؤه”(41).
ويرجع مرتضى مطهري أنحطاط المسلمين في العصر الحاضر إلى انتشار الأوهام والكسل والبطالة، بدل العمل والاجتهاد والاقتداء بآل النبي، واتخاذهم قدوة في المسؤولية وحبّ العمل، مما يعني أن الاجتهاد ينبني على العودة إلى القرآن والإجماع وفهم العقيدة وتطبيقها، ويتأسس على المسؤولية والوعي بقيمة الإنسان ودوره في الوجود.
لذلك يدعو مرتضى مطهري إلى أن يجدّد المسلمون طرائق تفكيرهم في الدين ومراجعة أفكارهم حول الإسلام، وتحدي السياسة الحاكمة في العالم التي تريد أن يبقى الإسلام بين الحي والميت، فيشمل الاجتهاد إحياء الدين وإصلاح نمط التفكير والعقول بتصحيح فهم المسلمين للإسلام، وتنقية الدين من الخرافات،
ويرى أنّ رسالة العلماء هي التوضيح والتمييز بين الدين وما هو ليس من صلب الدين ومكافحة البدعة والتحريف بالتمسك بالنص القرآني وما يجمع عليه العلماء، وأنّ المسلمين ما أحوجهم اليوم “إلى نهضة دينية إسلامية، إلى إحياء الفكر الديني، إلى انتفاضة إسلامية نيرة”(42).
ويكمن الاجتهاد في فهم النصوص الدينية من خلال سعيه إلى نقد القراءة الحرفية للنصوص وإعادة النظر في بعدها التاريخي بتقديم رؤية كونية تضع في الاعتبار قانون التحول المعرفي وفلسفة الأحكام وتحديات الحداثة، وبمنح الاجتهاد معنی شاملًا يخص عدة مسائل حياتية وفكرية تقرته بالثورة وبمعاني إنسانية، لأن الاجتهاد في فهم الموروث وفي إيجاد القيم والحلول يضمن تحقيق الاستقلال الثقافي والسلام والحرية في الجمهورية الإسلامية.
ويرى في هذا المضمار أنّ الثورة الإيرانية قامت لفك قيود التزمت والجمود وأن الحرية ينبغي أن تكون شاملة كما ينصّ الشرع، فينبذ محاكم التفتيش، وينهى عن التجسّس على معتقدات الآخرين، ويدعو إلى ترشيد الحرية وإلى إعطاء المخالف الحرية اللازمة كي يبدي رأيه ويعبّر عن معتقده(43).
على هذا النحو، خالف مرتضى مطهري اجتهاد بعض العلماء الشيعة الأوائل الذين أوّلوا الآيات تأويلًا مذهبيًا مغال، فاستخلص إثر تفسير الآيتين” إنا هديناه السبيل إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا “(الدهر 3/76) و “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” (الكهف 29/18 ) أنّ الإسلام دين الحرّية يحقّق الكرامة لجميع أبناء المجتمع وأنه “يجب أن يكون الإنسان حرًّا في فكره وقلمه وبيانه، وفي هذه الصّورة فقط تتمكّن ثورتنا الإسلامية من الاستمرار في طريق النّصر القويم”(44).
ولكن رغم هذا الجهد التّجديدي المهمّ الذي يعبّر عن شجاعة وجرأة في ذلك الزمن، فإنّ مرتضى مطهري بقي منشدًّا إلى بعض ركائز مذهبه وإلى فكره الدعوي وما أقره القرآن والعلماء السابقين له، ونستدل على صحة رأينا من خلال ما نلمسه مثلًا في موقفه من الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة (ت 2000) في مسألة إباحة الإفطار أو في رأيه السلبي أحيانا من المالكية والأشاعرة والمعتزلة والشافعية(45).
ب—التدبّر والتعقّل: دعوة إلى إعلاء منزلة العقل:
ذکر مرتضى مطهري أنّ الشّيعة استعملوا كلمة الاجتهاد بمعناها العام الدال على مطلق الجهد والسعي للوصول إلى حكم شرعي من الأدلّة الشّرعية المعتبرة، فكان الاجتهاد بمعنى التدبر والتعقل في فهم الأدلّة الشّرعية لأنّ استنباط هذه الأحكام يكون بمعرفة جملة من المعارف الشرعية كالأحاديث والأصول والتفسير، وأشار إلى أن القصور المنهجي في الاجتهاد تمثل في منع الرأي والإجماع(46).
يدعو مرتضى مطهري إلى تطبيق الاجتهاد الذي يعوّل على العقل، ويعتبر الحركة الإخبارية التي تقدس الأحاديث والأخبار حركة مناوئة للفكر،
فينفي العصمة عن العلماء والأنبياء وجميع البشر، ولا يجيز التقليد بما هو تطبيق أعمى للعادات والتقاليد وتسليم مطلق للأخبار والأحاديث المنسوبة إلى الأئمة، لأنّه يورث المفاسد،
ويشرّع مطهري للتقليد الواعي الذي يفتح الأبصار ويعبّر عن المسؤولية والحرية، وبجيز تقليد الفقهاء الصالحين، وكل مجتهد حيّ ونبذ تقليد الميت، ذلك أن الهدف من تحريم التقليد هو الحفاظ على المكانة العلمية والدينية للحوزة، وجعل العلوم تساهم في حلّ المشاكل التي لم تعالج بعد، فيديم المجتهدون النظر في المشاكل الجديدة، ويطوّروا العلوم الإسلامية بجعلها تواكب الواقع(47).
على هذا النحو إذن، عمد مرتضی مطهري — وعدد آخر من المجتهدين — إلى إعادة فهم النص والموروث عامة، وتحديد قراءته باعتماد منهج نقدي عقلاني يسمح بنقد الفكر الديني وفهم مقدّمات الاستدلال والتعامل مع الأخبار تعارضا وسندا ودلالة وإزاحة الخرافات والبدع،
فاستخدم الجهاز الاصطلاحي الفلسفي القديم مثل “المادة” و “الصورة” و “العلة” وفلسفة الأحكام التي تمكن العقل من أن يكون قادرًا على تحقيق انخراط المسلمين في قيم العصر ومعالجة مشاغل الوطن والمسلمين عامة، وتساعد على اكتشاف القوانين والنّفاذ إلى جوهر العقيدة، وترفع مكانة العقل في الاستنباط وجعله إمامًا للاجتهاد والإصلاح والتجديد (48).
والحقّ أن هذه النزعة الاجتهادية المناصرة للعقل كانت السّمة الأعم لعدد كبير من تيّار الإحياء والإصلاح والتجديد الشيعي، لأنّ العقل يدين التطرف والجمود والتحجّر، وفي هذا المجال تحدّث المرجع الشيعي اللبناني المعاصر علي الأمين عن مكانة العقل في الإسلام، ورفض أن يمارس الفنية التحليل والتحريم.
وقدّم الفقيه العراقي محمد تقي المدرسي رؤية علمية اجتماعية في فقه الأولويات تعتمد على الكتاب والسنة والعقل لإنارة الفكر، فأشاد بدور العقل في منهج الاستنباط وبقيمة التكامل بين العقل والوحي، وبالاستفادة من جميع العلوم ومنها علم السياسة وعلوم الأخلاق والمنطق.
ولاحظ أن أخلاقيات بعض القوانين التي توضع اليوم تستوجب إدامة العقل والتفكير، مثل الاستنساخ البشري واعتماد الأسلحة والاحتباس الحراري والغازات المؤثرة، ومدى مساهمتها في خدمة الإنسان وبناء الأسرة وتقدّم الحضارة(49).
ولا شك أنّ هذا الاتجاه الاجتهادي التجديدي مهم، يساعد على مواكبة الشرع للواقع وإيجاد الحلول للمسائل الحديثة المستعصية وتحقيق الانفتاح الحضاري والتّعاون الإنساني.
ج- تنظيم الاجتهاد ومعالجة واقع المؤسسة الدينية:
يری مرتضی مطهري أن الاجتهاد عامل من عوامل الإصلاح وتحقيق النهضة، يستوجب التفقّه في الدين والاعتدال ليظل القوة المحركة التي تستوعب ظروف التطور، ويقتضي من المجتهدين توسيع مجالاته وتنظيمه وإصلاح هياكله وتعيين شروطه وتحديد وظائفه وتهيئة الظروف المناسبة لممارسته في الحوزات العلمية وضمن مكتب المرجعية.
ولذلك اقترح مرتضی مطهري أن يكرّس المجتهدون جهودهم في تجديد مناهج البحث والفكر وإصلاح التعليم، بتجديد البرامج، وتدريس الفلسفة أو المنطق العقلي الأرسطي واللغات الأجنبية، وتنويع العلوم، وتحقيق الانفتاح الثقافي، وفرض نظام تقييمي وامتحانات للطلبة، والتكفل بنفقات رجال الدين(50).
إنّنا نتبين أنّ مرتضى مطهري عالج واقع المؤسسة الدينية وموقع الفقيه والخبراء، ونقد علماء الدين لأنهم عطلوا الاجتهاد وتسبّبوا في جمود المجتمع وتوقفه عن الحركة، بسبب النظام المالي واساليب ارتزاقهم، وخضوعهم إلى تأثير التقليديين وأصحاب المال، وأقرّ بأنّ ممارسة الاجتهاد تستدعي نظام التخصّصات في الفقه، والاستقلالية وحرية الرأي، وتوفير ميزانيات خاصة للحوزات العلمية والمؤسسات الدينية عامة، وإنشاء المجلس العلمي الأستشاري في الإجتهاد(51).
وقد دعّم العلماء الإمامية المعاصرون منزلة العقل لبلوغ الحقائق وممارسة الاجتهاد وتجاوز منهج التلقين وفرض الأفكار، يقول محمد تقي المدرسي “فنحن بحاجة إلى أن نعرّض أنفسنا لحركة أو هزّة أو انتفاضة عنيفة وحادّة حتى تسقط كلّ الحجب والأفكار الباطلة والضغوط لنكتشف الحقيقة بأنفسنا”(52).
واقترح العلماء أن يشرف على آليات التطوير المختصون وأن يتعدّد المجتهدون وتتوسّع مجالات عملهم، وقد مكّن الانفتاح من مراجعة العلوم الإسلامية والسماح لغير المعصوم بالإفتاء والاجتهاد، ولم تقتصر مصادر الأحكام على احاديث الأئمة، بل صار للفقهاء والعلماء المجتهدين رأي في الاستنباط ودور في قيادة المسلمين وإرشادهم،
ذلك أن الواقع البشري يتطلب أن تكون أبواب الاجتهاد مفتوحة ويستوجب الانفتاح على المذاهب الأخرى والاستفادة من العلوم الحديثة والثقافات المعاصرة، فيتواجد أخصائيون مجتهدون وفقهاء، ويتوسّع المدى التشريعي من خلال تنويع مصادر التشريع التي كانت تقتصر على القرآن وكلام الأئمة ويتجاوز العلماء الآراء القديمة التي تمنع الاجتهاد مع النص(53).
وفي هذا السياق اقترح عدد من المجتهدين مثل المدرسي مأسسة الاجتهاد وتكثيف عدد علمائه للإلمام بالظواهر الدينية والمسائل الحياتية، بأن يتم تشكيل مجالس الشورى لتنضم إلى جانب علماء الدين خبراء في الحياة وفقهاء في القانون وغيرهم، واستند لتبرير رأيه إلى ظاهرة انتشار مرض إنفلونزا الخنازير (H1N1) في موسم حج 2010، فاقد الحاجة إلى وجود خبراء في الصّحة ليحدّدوا مدى انتشار المرض وخطورته، وسبل الوقاية منه، ذلك أن الحوار معهم يمكّن من تحديد الفتوى أو الحكم(54).
غير أنّنا نرى أنّ الاجتهاد الشيعي خضع في بعض الأحيان إلى هيمنة بعض المرجعيات والحوزات العلمية وإلى سلطة رجال الدّين التقليديين المنشدين إلى حرفية النص المقدس الإسلامي والى نصوص اجتهادية قديمة، كما وجد التيّار الإصلاحي والتجديدي الفلسفي الشّيعي المعاصر أيضًا صعوبة في تحرير الفكر من هيمنة الطابع التّقليدي واعتماد مناهج البحث الحديثة (55).
د – اعتماد مقاصد الشريعة:
يبدو جليّا أن مطهري اعتمد على مقاصد الشرع والمصلحة في الحديث عن عدّة مسائل مثل المرأة والحجاب وآداب المعاملات، واجتنب الغلو والتطرف، وتوجه نحو النظر في الكليات والانتباه إلى الجزئيات،
فساهم في اعتماد منظومة عقلانية أعاد من خلالها النظر في الموروث عن طريق فلسفة الأحكام وفلسفة الوجود والمعرفة، ومستعينا أحيانا بما اكتسبه من معارف حول التاريخ الفلسفي وقيم العصر وفلسفة حقوق الإنسان.
لقد تعامل مع نصوص الشريعة تعاملًا نشيطّا يضمن مصلحة المسلمين مستقبلًا من خلال التركيز على حركية المضمون ومراعاة مقاصد التشريع وأهدافه، وإدراك الضرورات والأولويات، وتجاوز القصور المنهجي الذي يساهم في إضفاء قدسية مطلقة على الأشخاص وتراث السلف.
وقد تنامي الوعي لديه بوجوب التمييز بين النصوص الأصلية والنصوص المستنبطة منها مثل التفسير والتاريخ، وبالمراجعة النقدية للعلوم، وبضرورة الخروج بالفقه الإسلامي من دائرة الأحكام الفردية إلى دائرة الأحكام الاجتماعية وتحويل الاجتهاد إلى عمل جماعي متخصص ينجزه مجموعة من العلماء للوصول إلى إجابات تلائم الزمن الحاضر والإشكالات الراهنة قصد الاهتمام بمقاصد الشريعة وأهداف التشريع وفلسفة الفقه،
ذلك أن الاجتهاد في نظره جهد بشري براعي مصالح الأمة ويحرّرها من أسر النظرة السطحية والحرفية والمذهبية للنصوص الشرعية(56).
ومن خصائص منهجه الاجتهادي مراعاة عاملي الزمان والمكان في الإفتاء لتحقيق المصلحة العامة والاستقلالية والمراجعة النقدية والحيوية للأحكام الشريعة واستثمارها في معالجة القضايا الراهنة،
فيجب أن يقترن الاجتهاد بالتفكير والتدبر ليدفع بالفقه الاجتهادي إلى أن يواكب الزمان والمظاهر الجديدة والعلاقات بين الناس في العالم على اختلاف مذاهبهم وأديانهم وهو يرى أنّ “الاجتهاد – في العصر الراهن – من خلال الأسلوب الجديد الذي يتحوّل بتحوّل الزّمان والمكان والأحوال والعرف على أساس المصادر الشّرعية المعتبرة يمثّل دعامة محكمة ومنيعة للنظرية الحكومة الإسلامية على أساس أدلّتها في مقابل حوادث الزمان، أيّا كان نوعها، وفي جميع المجالات،
وعليه فإن تجاهل هذه الوسيلة الحيوية، بما تشتمل عليه من المناهج الحديثة، التي يمكن اعتبارها آلية محركة للفقه والفقاهة والاكتفاء بالأساليب القديمة في مقام استنباط الأحكام سيؤدي … إلى الركود والجمود في الفقه”(57)،
فقد تطلب الواقع الشيعي أن يفتي المجتهد حسب خصائص بلده وظروفه التاريخية، فتعدّد المراجع المجتهدون داخل البلد الواحد، وصار لكل مرجع مجلس ومساعدين ووكلاء ومكتب يتفاعل مع الوقائع(58).
على هذا النحو إذن حرص مطهّري وغيره من المجتهدين (محمد مهدي شمس الدين، محمد حسين فضل الله، علي الأمين، محمد تقي المدرسي ومحمد باقر الصدر (1980) ) على تجاوز النظرية الضيقة للاجتهاد
واعتمدوا على فقه الأولويات أو فقه المقاصد الذي تأسس على الاهتمام بالكليات التشريعية وتوظيفها في فهم النصوص الجزئية وردّ المتشابهات إلى المحكمات والفروع إلى الأصول، فينطلق المجتهد من منهج استقرائي شامل للربط بين الأحكام الجزئية والفروع، والقراءة الشاملة للوحي ومراعاة النسبية الزمنية والمكانية، وقاعدة “الأهم والمهم” وأهمية المصالح والأولويات لتكييف الواقع البشري مع الوحي الإلهي(59) ،
ومن أمثلة ذلك اقترح محمد باقر الصدر ضرورة التفسير الموضوعي للشريعة، فهدف إلى تأكيد روح العصر ونبضه في قراءة القرآن وفهمه بالاستفادة من الشريعة والإضافة إليها، وسعي إلى التحديت الكلامي والتفسير الموضوعي للقرآن وتجديد المنهج في تفسيره(60).
لقد ذهب محمد باقر الصدر إلى أن حركة الاجتهاد ينبغي أن تشمل التطبيق الاجتماعي، فيتجاوز المجتهد الاعتناء بالشأن الفردي فقط إلى الاهتمام بمصلحة المسلم والمجتمع عامة في مستوى سلوك الفرد وتصرفاته وحياة الجماعة البشرية ومصالحها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،
فيتّسع مجال الاجتهاد المستقبلي ليكون مدار اهتمامه المجال التطبيقي الاجتماعي أو ما يعرف بالفهم الاجتماعي للنص دون التركيز على الفقه فقط، آنذاك، فيتحول الأجتهاد إلى حركة تدافع عن مصلحة الناس وعامل قوّة تعمل على تطبيق مقاصد الشريعة، بتوسيع الهدف أو المصلحة وتطبيق الاجتهاد في شتى مناحي الحياة(61).
وقام الاجتهاد على توسيع مجال الاستنباط الفقهي ليشمل قضايا المجتمع والأمة، وتجديد النظر في أدواته التقليدية، وسعي المجتهدون إلى بناء منهج جديد في التعامل مع النصوص والأحكام، أسماه محمد تقي المدرسي بـ “المذهب القيمي في التشريع”،
وهو المنهج الذي يبني الاستنباط الفقهي عن طريق قيم الشريعة، بتجديد فهم منظومة القيم الإسلامية التي تمثل خلفية الفقيه المشرع / المجتهد، وهي قيم تتصل بواقع المجتمع وتحولاته،
فاعتمد المدرسي “فقه الواقع” أو “فقه الأولويات” ضمن رؤية علمية تهدف إلى تأسيس معالم أصولية جديدة في استنباط الحلول والأحكام، وتعوّل على الكتاب والسنة والعقل ولكنها تلائم الواقع، وتهتم بوجوب التمدن الإسلامي، وتحقق أولوية القيم وتجديدها، وتراعي دور المؤسسة الدينية وموقع الفقيه والخبراء،
فقد تطرّق المدرسي إلى المواضيع المعاصرة المهمّة التي تعبّر عن الوعي بالتاريخ وبحركة الواقع، فهو يبحث عن تأصيل القيم الاجتماعية والإنسانية التي جاء بها العصر واقتضتها الظرفية العالمية الجديدة في البيئة الإسلامية ومنها مجموعة من الأولويات أو الضرورات
مثل حق الفرد في الحرية والكرامة ورقابة الدولة على الفرد عن طريق الهاتف والاطلاع على المعطيات الشخصية(62).
ومن الأهمية بمكان أن نشير في هذا المقام إلى قيمة منهج الاجتهاد في مدرسة التجديد والإحياء التي ينتمي إليها مطهري،
فقد جند المجتهدون وسائل الاجتهاد وآلياته وذلك بترجيح كفّة العقل واتباع الإجماع وأحكام الآيات، والحدّ من النزعة الإخبارية التي تقدم الموروث الفقهي، وعمل هؤلاء على إحياء نصوص الشّريعة وتجديد أصول الفقه وعلم الكلام، فكانت المقاصد والمصالح والأولويات مشغل المجتهدين وسبيلهم في مواكبة المستجدات.
واتضح لنا أن مطهري رفض أن يكون الاجتهاد تحويرًا لحقائق الدين الثابتة القطعية أو المباني، وإنّما هو تغيير في السلوك والقيم وفي بعض المفاهيم الخاطئة.
وقد أدار ظهره مثل غيره من المجتهدين نحو المناهج والبحوث اللغوية واللسانية الغربية مثل الهرمنوطيقا (l’hermeneutique ) وعلم النفس وعلم الاجتماع، فاعتبروها لا تتناسب مع الشريعة الإسلامية وأبحاثًا مسقطة عليها.
ويتفق فضل الله وشمس الدين ومحمد تقي المدرسي ومطهري في أنّ الاجتهاد والتطوير يشمل الفروع ولا يهمّ المباني والأصول، فلا يطال حكماً ثابثا بل إنّ ذلك يعدّ ضربا من البدع والمحدثات،
فرفض المدرسي الهيرمونطيقا و رآه مصطلحًا قديمًا اعتمده المتصوفة والعرفاء، ولم يتجاوز الاجتهاد في الفروع، لأنّ مساحة الاجتهاد والتطوير تتم في الأدوات والوسائل التي لم ينّص الشرع على قدسيتها أو بين الشّرع حكمها، فكان عمله الاجتهادي من داخل دائرة عقائد المذهب وصراط آل البيت(63)،
وأمّا محمد مهدي شمس الدين فيقول: “نحن نتبنى وجهة نظر الإمام الخميني الذي يقول إني أومن بالفقه التقليدي، وبنمط اجتهاد الجواهري، ولا أرى جواز التخلف عنه، وأعتقد أن الاجتهاد صحيح بهذه الصيغة، ولكن ذلك لا يعني أن الفقه الإسلامي غير متجدد .. إننا نوافق على هذا الفهم الذي يراعي المعايير الضرورية لممارسة عملية الاجتهاد والاستنباط الفقهي، ويحترز من الوقوع في فخ الحداثة”(64).
إنّا نتبيّن من خلال هذا التحليل أنّ المجتهدين المعاصرين ساهموا عبر منهج الاجتهاد ومواضيعه في تحديد فهم الدين والتفاعل مع الحداثة والنهوض بالمجتمع ليواكب تحولات العصر، لكنهم لم يتجاوزوا دائرة الشريعة، فكان اجتهادًا تقليديًا في منهجه ومقارباته وفي بعض المسائل التي يعالجها، ولم يخرج عن سياج الخطوط العريضة للمذهب ومبادئه الكبرى.
الخاتمة:
في نهاية هذه الدراسة يمكن أن نصل إلى مجموعة من المواقف والاستنتاجات أهمها:
– إن الاجتهاد مقوم أساسي من مقومات التحديث الفكري والأصولي شمل تجديد الخطاب الديني، وبنية التفكير، وتناول المواضيع ذات الطابع المعرفي والمنهجي ومجالات مختلفة في الدين والحياة والاقتصاد والأخلاق والعلاقات والحريات والقيم،
وهدف إلى تحقيق النهضة والإصلاح ومعالجة أسباب الانحطاط والتخلف والفساد ورسم معالم التقدم، بالعودة إلى القيم الإنسانية الأصيلة والاستفادة من قيم العصر الجديد،
وعالج المجتهدون القضايا الحديثة لتحقيق التعايش واحترام الدولة الوطنية وحقوق المواطنة والانفتاح الحضاري والثقافي ونبذ التطرف والتكفير والإرهاب والعنف.
وكان لهذا الاجتهاد الجديد نتائج مهمة تجسمت في تغيير منظومة التفكير السياسية والدينية والانفتاح على الآخر، فتنوع فهم النص، وساد لون من التفكير العقلاني في الدين .
– قام منهج الاجتهاد على نزع القداسة عن المنظومة الأصولية التقليدية بتطوير أصول الفقه وعلم الكلام ووسائل الاستدلال، وتجديد قراءة الموروث وجعل العقل نبراسًا للفكر والاعتقاد، والتقليص من الأخبار المروية عن الأئمة مقابل تمكين المجتهدين من إبداء رأيهم وعيًا منهم بأنّ قضايا عصرهم وآليات تفكيرهم تختلف عن الأجيال الإسلامية الأولى، فحاولت الاجتهادات الجديدة أن تراعي مصلحة الأمة ومقاصد الشريعة وأولوياتها وأن تتسم بالوسطية والاعتدال.
-إنّ أصحاب الاتجاه التقليدي في الاجتهاد من الفلاسفة والمصلحين والمراجع العلمية غالبّا ما انشغلوا بتكثيف حركة الاجتهاد في الفروع دون التعمق في تحوير الأحكام الأصول أو المباني، وقصروا الاجتهاد على المراجع العلمية والولي الفقيه أو المرشد الأعلى وبعض رجال الدين والمؤسسات الدينية التقليدية،
فحاول المجتهدون التخلي عن نظرية الإمامة الإلهية لآل البيت وتجاوز سلطة الولي المطلقة مقابل الإفرار بتعدد الفقهاء والمراجع والاعتراف بالنظام السياسي الحديث للدولة الإسلامية والدستور وسلطة الأمة، بيد أنّ المجتهدين أصروا على عدم الاستفادة من المناهج الحديثة.
*باحث في الحضارة المقارنة، كلية الآداب القيروان،
الهوامش
(1) مرتضی مطهري، الثورة والدولة، ط1، دار الرشاد، بيروت- لبنان، 2009، ص340. و انظر مرتضی مطهري، الإسلام ومتطلبات العصر، تعريب على هاشم، ط1، مجمع البحوث الإسلامية ايران، مشهد، 1411هـ، ص516.
(2) مرتضى مطهري، الإمام علي في قوّتية الجاذبة والدافعة، ترجمة جعفر صادق الخليلي، ط1، مؤسسة البعثة، بیروت، 1990ء ص 78و106و151. ص 159. الإسلام ومتطلبات العصر، ص 268-269.
(3) مرتضی مطهري، نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضی مطهري، جمع وتصنيف مهدي جهرمي ومحمد باقري، ط1، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2011، ص ص111- 113، الثورة والدولة، ص ص 85 – 58.
(4) مرتضی مطهري، الإسلام والاقتصاد، ط1، دار الإرشاد، بيروت – لبنان، 2011. الإسلام ومتطلبات العصر ، ص 208و 232. فردین قريشي تجديد الفكر الديني في إيران، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، تعريب علي عباس الموسوي، ط1، بیروت، 2008، ص 215.
(5) مرتضی مطهري، نظام حقوق المراة في الإسلام، ط1، دار الكتاب الإسلامي، ایران، 2005، ص ص 134-145.
(6) مرتضی مطهري، مسألة الحجاب، ترجمة جعفر صادق الخليلي، ط1، مؤسسة البعثة، بیروت، 1990، ص ص82 و 79.
(7) مرتضی مطهري، الرقّية والاستعباد في الإسلام، ترجمة حسن علي مطر، مجلة الأجتهاد والتجديد، 37/36، السنتان التاسعة والعاشرة، 2015، ص ص 30 – 36. وانظر القسم الثاني ع39/38 ، السنة العاشرة، 2016.
(8) الثورة والدولة، ص 90. من المنبر والنهضة الحسينية، ص 293 ص ص 443 -444.
(9) الثورة والدولة، ص 91, وانظر : بین المنبر والنهضة الحسينية، ص ص 421-439.
(10)مرتضی مطهري، كتب الضلال وحرية التعبير،ترجمة وسيم حيدر،الاجتهاد والتجديد،ع35/34،بیروت،2015،ص 69، وص 53-58-59.
(11) النقد الفكر الدولي عن الشهيد مطهري، ص 23.
(12) نظام حقوق المراة في الإسلام، ص 158.
(13) محمد مجتهد شبستری، تأملات في القراءة الإنسانية للدين، ترجمة حيدر نجف، ط1، دار التنوير، مركز فلسفة الدين بغداد، 2014، مصطفی ملکيان، المعنوية والمحبة خلاص جميع الأديان، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، ع47-48، مركز دراسات الفلسة الدين، بغداد، 2011، عبد الجبار الرفاعي، إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين، ط2، مركز دراسات فلسفة الدين بغداد، 2014.
(14) مرتضی مطهري، قضايا الجمهورية الإسلامية، ط1، دار الهادي، بيروت – لبنان، 1981ء ص ص 12-18 الثورة والدولة، ص94 ، محمد باقر الصدر، الإسلام يقود الحياة، ط2، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران، 1403هـ، ص ص 11-46. مركز نون للتأليف والترجمة، محمد باقر الصدر، نظرية الدولة في الإسلام، ط1، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، 2011، ص ص 11-28. وراجع: مصطفی ملکیان، محمد الشبستري وأخرونه مطارحات في علانية الدين والسلطة، ترجمة أحمد القبانجي، ط1، منشورات الجمله بیروت – بغداد، 2009، ص ص 79-220.
(15) نظام حقوق المرأة في الإسلام، ص ص 155-167.
(16) نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضی مطهري، ص32 .
(17) المصدر نفسه، ص ص 29-33.
(18) نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضی مطهري، ص 39. 36-42. لقد مثّل الفكر الأسطوري قسما مهما من أقسام الثقافة الإسلامية: Fathi Triki, L’esprit historien dans la civilisation arabe et islamique, Maison Tunisienne de l’Edition et Faculté des Sciences Humines et Sociales de Tunis, 1991
(19) المصدر نفسه، ص ص 49 -52.
(20) نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضی مطهري، ص ص 57 – 59.
(21) المصدر نفسه، ص 115.
(22) الثورة والدولة، ص 487.
(23) نظام حقوق المرأة في الإسلام، ص ص 123 – 124.
(24) محمد عمارة، مقدمة کتاب نقد الفكر الدي عند الشيخ مرتضی مطهريه ص ح.
(25) المصدر نفسه ص ص 111-113.
(26) نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضی مطهري، ص ص 162-163. الثورة والدولة، ص 132و 154-163. بين المنبر والنهضة الحسينية، ص 444 , وللتوسع في علاقة السلم المعاصر بالدين انظر: Seyyed Mohammad Hussein Tabatabai, L’islam et L’homme contemporain, traduit par V.M Vis-Dousti, Assemblée Mondiale Ahlu al-bayt, 2012.
(27) انظر : علي الأمين، السنة والشيعة أمة واحده ط2، الدار العربية للعلوم ناشرون، بیروت لبنان، 2015، وكتاب خطاب الاعتدال في مواجهة ثقافة التطرف والإرهاب، مؤسسة العلامة السيد علي الأمين التعارف والحوار، بيروت – لبنان، 2015، وراجع: مصطفي ملکان، عرض ونقد لنظرية القبض والبسط النظري للشريعة، قضايا إسلامية معاصرة ع15، مركز دراسات فلسفة الدين بغداد، ص 28. ومصطفی ملکیان، التدين العقلاني، ترجمة عبد الجبار الرفاعي وحيدر نجف، ط1، مركز دراسات فلسفة الدين – بغداد، 2012. وراجع محمد حسين فضل الله، الكلمة السواء قاعدة للتعايش، فضايا إسلامية معاصرة الفلاح للنشر والتوزيع، ع20-21، بیروت، ص ص 21-37، ومحمد مجتهد شبستري، التعايش والحوار بين الأديان والثقافات، الفلاح للنشر والتوزيع، ع20-21، بيروت، ص ص 87-132. وانطر ضمن نفس العدد: عبد الکریم سروش: الصراطات المستقيمة، ص مص 133-168.
(28) نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضی مطهري، ص ص 81-33 و 116و 138، 155، 177، بين المدير والنهضة، ص 141.
(29) الإسلام ومتطلبات العصر، ص ص 263-264.
(30) الثورة والدولة، ص ص 125 و126 و 153و 245. ونقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضی مطهري، ص ص 82-83 و111. ويمكن العودة إلى علاقة الإسلام السياسي بالخطاب التبشيري الخلاصي إلي: علي الصالح مولی، مسألة الحكم لدى الشيعة الإمامية الإثني عشرية، مجلة الحجاز العالمية للدراسات الإسلامية والعربية، ع13 نوفمبر، 2015، ص236.
(31) الإسلام ومتطلبات العصر، ص ص258 -259. وراجع: أفكار النائيني وعلي شريعتي ومهدي بازرجان وحسن نصر ومطهري وسروش، ضمن: مجيد محمدي، اتجاهات الفكر الديني المعاصر في ايران، ترجمة ص. حسين، المعهد العالمي للفكر الإسلامي والشبكة العربية للأبحاث والنشر 2010
(32) الإسلام ومتطلبات العصر، ص 247.
(33)انظر مواقف محمد مهدي شمس الدين ومحمد حسين فضل الله وعبد الجبار الرفاعي وحسن الأمين ضمن مجلة: مقاصد الشريعة، ط1، دار الفكر المعاصر، بيروت-لبنان، دار الفكر دمشق، 2002.
(34) الإسلام ومتطلبات العصر، ص 174.
(35) المصدر نفسه، ص ص 163 – 164.
(36)لمصدر نفسه، ص ص 163 -164.
(37) بين المنبر والنهضة الحسينية، ص ص493 – 503.
(38) الثورة والدولة، ص ص 131-132.
(39) نقد الفكر الديني عند الشيخ مطهري، ص 137.
(40) نقد الفكر الديني عند الشيخ مطهري، ص139.
(41) الثورة والدولة، ص ص 331-334.
(42) المصدر نفسه، ص 340.
(43) الثورة والدولة، ص ص 342-344.
(44) كتب الضلال وحرية التعبير، ص ص 63-69.
(45)الثورة والدولة، ص ص 133-134 و 135-199.
(46) الإسلام ومتطلبات العصر، ص ص 53- 54و 78.
(47) الثورة والدولة. ص ص 347-351. 395. راجع تعريف الاجتهاد ضمن: jihad, Dictionnaire des symboles musulmans, Rutes, mystique et civilton, Athen Machete, Malek chehel, 1995 Paris, p12-213.
(48) الثورة والدولة، ص ص 354-364.
(49) بین المنبر والنهضة الحسينية، ص29، 109. مجتبي إلهيان، الأستاذ المطهري، الشخصية الميادين والمنهج الفقهي، الاجتهاد والتجدد، ع11/12، 2008، ص ص39-47.
(50) محمد تقي المدرسي، المذهب القيمي في التشريع وابعاد تطوير مناهج الاستنباط مجلة البصائر، ع51 ، بیروت— لبنان، 2015، ص ص 137،138، 144، 149—150. وراجع علي الأمين، زبدة التفكير في رفض السب والتكفير، ط2، دار متارك، الإمارات العربية المتحدة، 2015 ، ص ص 74-90.
(51) بين المنبر والنهضة الحسينية، ص ص 250—257. الإسلام ومتطلبات العصر، ص ص 17, 67. 78. 161، 265, 277.
(52) نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضی مطهري، ص ص 107-115، 148. بين المنبر والنهضة الحسنية، ص 235-260.
(53) المذهب القيمي في التشريع وأبعاد تطوير مناهج الاستنباط، مجلة البصائر، ع51، ص ص 146-148.
(54) الإسلام ومتطلبات العصر ، ص ص 78و 167— 164، 277.
(55) مجلة البصائر، ع50، السنة23، بیروت—لبنان 2012، ص 146. في هذا السياق يقدم العلامة اللبناني على الأمين مقترحات لتطوير الإجتهاد ومنها: تجديد النظر في عملية استنباط الأحكام الشرعية بالتاكيد على مرجعية القرآن وآياته، وتوخّي الموضوعية في الاستنباط وفتح باب الاجتهاد لمن هم أهل لذلك: السنة والشيعة أمة واحدة، ص ص 231—238.
(56)راجع في هذا الصدد مجلة نصوص معاصرة ع15-16، 2008، ع19، السنه 5، بيروت —لبنان، 2010.
(57) الثورة والدولة، ص ص 364-370. نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضی مطهري، ص151و366.
(58) مرتضی مطهري، الرقيّة والاستعباد في الإسلام، القسم الأول، مجلة الاجتهاد والتجديد، ع 36/37، السنتان 9و10، بيروت، 2016، ص ص 58—64.
(59) راجع مجلة مقاصد الشريعة، تحرير وحوار عبد الجبار الرفاعي، ط1، دار الفكر المعاصر، بيروت-لبنان، دار الفكر دمشق سورية، 2002.
(60) الإسلام ومتطلبات العصر، ص173. نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضی مطهري، ص ص 132—139، 145. وانظر مواقف فضل الله وشمس الدّين والرفاعي ضمن مجلة مقاصد الشريعة، تحرير وحوار عبد الجبار الرفاعي، (مرجع سابق).
(61)محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنية، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، قم، 1421 هـ، ص ص 29-30. راجع حسن الأمين، مجلة مقاصد الشريعة، 2002، ص 152— 153.
(62) محمد باقر الصدر، بحوث إسلامية، ط2، دار الكتاب الإسلامي، 2013، ص ص 65-79.
(63) محمد تقي المدرسي، (حوار) بمجلة البصائر، ع50، السنة23، بيروت—لبنان 2012 ص ص 142 و177-178.
(64) مجلة البصائر، ع50، ص 142، 147 ،148، 154-157 و ص 175-178.
(65)مجلة مقاصد الشريعة، ص 43 “نحن لا نوافق إطلاقا على اعتماد المناهج الغريبة في استنطاق النص باتباع المناهج الألسنية في اللغة وما إلى ذلك لأننا نعتبر أن هذه المناهج تنتمي إلى مناخ ثقافي وحضاري مختلف عن ثقافة وحضارة الإسلام”.
المصادر
*مقال: الرؤية والاستعباد في الإسلام، القسم الأول، مجلة الاجتهاد والتجديد، ع 36 /37 ، السنتان 9و10، بیروت، 2016 .
*مقال : كتب الضلال وحرية التعبير، ترجمة وسيم حيدر، مجلة الاجتهاد والتجديد، ع 34 /35 ، بیروت، 2015.
*الإسلام والاقتصاد، ط1، دار الإرشاد، بيروت – لبنان، 2011.
* الثورة والدولة، ط1، دار الرشاد، بیروت-لبنان، 2009.
*بين المنبر والنهضة الحسينية، ط1، دار الإرشاد ، بيروت – لبنان، 2009.
*نظام حقوق المرأة في الإسلام، ط1، دار الكتاب الإسلامي، ايران، 2005.
*مسألة الحجاب، ترجمة جعفر صادق الخليلي، ط1، مؤسسة البعثة، بيروت، 1990.
* الإمام علي في قونيه الجانية والدافعة، ترجمة جعفر صادق الخليلي، ط1، مؤسسة البعثة، بيروت، 1990 –
* الإسلام ومتطلبات العصر، تعريب على هاشم، ط 1، مجمع البحوث الإسلامية إيران، مشهد، 1411هـ.
*قضايا الجمهورية الإسلامية، ط1: دار الهادي، بيروت-لبنان، 1981.
المراجع باللغة العربية
أ- المراجع باللغة العربية:
– إلهيان، مجتبی، الأستاد مطهري، الشخصية المبادئ والمنهج الفقهي، الاجتهاد والتجديد، ع 12/11 ، 2008.
—الأمين، حسن، مقاصد الشريعة، تحرير وحوار عبد الجبار الرفاعي، ط1، دار الفكر المعاصر لبنان، دار الفكر سورية، 2002 .
—الأمين، علي، زبدة التفكير في رفض السب والتكفير، ط2. دار مدارك، الإمارات العربية المتحدة، 2015.
* السنة والشيعة أمة واحدة، ط2، الدار العربية للعلوم ناشرون، بیروت-لبنان، 2015.
*خطاب الاعتدال في مواجهة ثقافة التطرف والإرهاب، مؤسسة العلامة السيد علي الأمين للتعارف والحوار، بیروت، 2015 .
— الرفاعي، عبد الجبار ، إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين، ط2، مركز دراسات فلسفة الدين بغداد، 2014.
— سروش، عبد الكريم، الصراطات المستقيمة، قصايا إسلامية معاصرة 20-21، بيروت.
— مجتهد شبستري، محمد، تأملات في القراءة الإنسانية للدين ترجمه حيدر نجف، ط1، دار التنوير، 2014.
* التعايش والحوار بين الأديان والثقافات، قضايا إسلامية معاصرة ع20-21، بيروت.
— الشبستري، محمد وآخرين، مطارحات في عقلانية الدين والسلطة، ترجمة أحمد القبانجي، ط1، منشورات الحمل، بیروت، بغداد، 2009.
— شمس الدين، محمد مهدي، مقاصد الشريعة، تحرير وحوار عبد الجبار الرفاعي، ط1، دار الفكر المعاصر بيروت— لبنان، دار الفكر دمشق سورية، 2002.
— الصدر، محمد باقر ، الإسلام يقود الحياة، ط2، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران، 1403هـ .
* نظرية الدولة في الإسلام، ط1، مرکز نون التأليف والترجمة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، 2011.
* بحوت إسلامية، ط2، دار الكتاب الإسلامي، 2013.
* المدرسة القرآنية، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، قم، 1421ه.
—فضل الله، محمد حسين، الكلمة السواء قاعدة للتعايش، قضايا إسلامية معاصرة، ع20-21، بیروت.
— فضل الله، محمد حسين وعبد الجبار الرفاعي ومحمد مهدي شمس الدين وحسن الأمين ضمن مجلة: مقاصد الشريعة، ط1، دار الفكر المعاصر، بیروت- لبنان، دار الفكر دمشق، 2002.
— قريشي، فردين، تجديد التفكير الديني في إيران، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، تعريب علي عباس الموسوي ط1، بیروت، 2008.
— المدرسي، محمد تقي، المذهب القيمي في التشريع (حوار ) مجلة البصائر، 50، السنة 23، بيروت-لبنان، 2012.
— محمدي، مجيد، اتجاهات الفكر الديني المعاصر في ايران، ترجمة ص. حسين، المعهد العالمي للفكر الإسلامي والشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2010.
—ملكیان، مصطفی، المعنوية والمحبة خلاص جميع الأديان، قضايا إسلامية معاصرة، 47-48، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2011.
*عرض ونقد لنظرية القبض والبسط النظري للشريعة، قضايا إسلامية معاصرة، ع15، مركز دراسات فلسفة الدين بغداد.
* التدين العقلاني، ترجمه عبد الجبار الرفاعي وحيدر نجف، ط1، مركز دراسات فلسفة الدين – بغداد، 2012.
— مولى، علي الصالح، مسالة الحكم لدى الشيعة الإمامية الإثني عشرية، مجلة الحجاز العالمية للدراسات الإسلامية والعربية ع13، نوفمبر، 2015.
المراجع باللغة الفرنسية
Dictionnaire des symboles musulmans, Rites, mystique et civilisation, -Malek chehel, arte Ijtihad Albin Michele, 1995, Paris, pp212 213, – Seyyed Mohammad Hussein Tabitabil, L’islam et L’homme contemporain, traduit par V.M VisDousti, Assemblée Mondiale Ahlu al-bayt, 2012 • Fathi Triki, L’esprit historien dans la civilisation arabe et islamique, Maison Tunisienne de l’Edition et Faculté des Sciences Humines et