الاجتهاد: كتاب «غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام» تأليف أبوالقاسم بن مولي محمد حسن بن نزار علي، المعروف بالمحقق القمي والفاضل القمي باللغة العربية، حول موضوع فقه الاستدلالي وطبع وحقق في مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي سنة 1378 شمسية. المجلد السادس من الكتاب وهو كتاب الصوم والاعتكاف. ذكر المؤلف فيه ماهية الاعتكاف ومشروعينه واستحبابه وتأكده وايضا من يصح منه الاعتكاف.
ثم أحصى شروط الاعْتكاف الستة وهي النية، الصوم، كونه ثلاثة أيّام فصاعداً، كونه في المسجد، إذن من له الولاية وهكذا استدامة اللبث. بعد ذلك ذكر بعض احكامه ثم وصف مستثنيات حرمة الخروج منها واشتراط المعتكف الرجوع. بعد هذه الاشارات تقرر احكام الاعتكاف في ابحاث مختلفة ومن جملتها محرماته واقسام المراء واقسام قضاء الاعتكاف عن الميت وفي الختام ذكر موجبات الكفارة في الاعتكاف.
يمتاز كتاب الغنائم أيضاً بالدقّة في نقل الأقوال، فإنّا ومن جرّاء عملنا في تحقيق كثير من الكتب الفقهيّة نجد أنّ المصنّف ينسب القول إلى كتاب لا نجده فيه، أو هو أحد محتملاته، ولكن ذلك لا نشاهده في كتاب الغنائم، ولذا لم نترك قولاً في مقام الاستخراج، إلّا ما لا نتوصّل إلى كتابه. ومع ذلك هو أوّل من أضاف أحاديث الفقه الرضوي وتفسير الإمام العسكري إلى أحاديث الاستدلال.
ومن مختصّات فقهه هو الاعتماد على الشهرة، وهمّه تقوية المشهور إلى آخر حدّ، وقد يخالف المشهور ويختار بعض الأقوال النادرة، ويكثر من بيان الأدلة عليها. ولم يعتمد في كتابه هذا على ما اختاره في الأُصول من حجيّة مطلق الظنّ، وتراه كثيراً ما يعتمد على العرف والمتفاهم العرفي، ولعلّه أوّل من فتح هذا الباب في كتب الاستدلال، ولم نعهد له سابق. ويفهم من دأبه أنّه كثير العناية بما يطرح من الإشكالات، فترى كتبه مشحونة بحواشي «منه» لدفع الإيرادات.
اسمه ولقبه:
هو المحقّق الصمداني، والفقيه المسلّم، والأُصولي البارع، الميرزا أبو القاسم ابن المولى محمّد حسن بن نظر عليّ الجيلاني الشفتي الجابلاقي القمي، المعروف بصاحب القوانين، ويعرف بالمحقّق القمي، والفاضل القمي.
مولده
كان والد الميرزا القمي من أهل شَفت من أعمال مدينة رشت من محافظة جيلان في شمال إيران، فهاجر إلى أصفهان للتلمّذ على يد ميرزا حبيب الله وميرزا هداية الله، وعندها سافر هذان العالمان بأمر السلطان للتبليغ والقضاء والحكم إلى جابلاق بجيم فارسيّة وباء فارسيّة مضمومة وهي ناحية مشتملة على ثلاثمائة قرية من توابع دار السرور التابعة لبروجرد، فسافر والد الميرزا القمي هو وزوجته بنت ميرزا هداية الله معهما أيضاً، فولد له الميرزا القمي هناك حوالي عام ١١٥٢ ه، وفي عام ولادته أقوال أُخر فقيل : إنه ولد عام ١١٥٠ ه، أو ١١٥١ ه، أو ١١٥٣ ه.
حياته:
ولد الميرزا القمي في جابلاق التي هي من أعمال دار السرور كما بيّنا فأخذ يرتفع على أقرانه في الفهم والإدراك. اشتغل في علوم العربيّة على والده الذي هو أحد العلماء والفضلاء.
ثم انتقل إلى بلدة خونسار في زمن رئاسة المحقّق الأمير السيد حسين الخونساري جدّ صاحب الروضات، فاشتغل عليه في تلك البلدة عدّة سنين في الفقه والأُصول القديمة دون الجديدة، فأجازه، وتزوّج الميرزا القمي بأُخته السعيدة من شدّة اتّصاله به، ثم ترخّص من عنده في التوجّه إلى العتبات العاليات في العراق. فانتقل إلى النجف الأشرف حيث الأُستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني، فاشتغل عليه سنوات عديدة إلى أن بلغ في حضرته غاية من الغايات، ونهاية من الدرايات.
ثم إنه قدسسره أجاز له في الرواية والاجتهاد. فيكون دخوله النجف في عام ١١٧٤ ه، عند ما كان عمره ١٨ سنة، وفي هذه السنة شرع بالاشتغال عند الأُستاذ الأكمل الوحيد البهبهاني. ولكن لما كانت هذه القرية صغيرة وأسباب المعاش فيها محدودة، انتقل منها إلى قرية (قلعة بابو) من قرى جابلاق، وصار المتكفّل باموره الحاج محمّد سلطان من أعيان جابلاق وأرباب الثروة والتديّن، وأحبّ الميرزا وأعانه.
وقرأ عليه هناك رجلان، أحدهما ميرزا هداية أخو الحاج محمّد سلطان، والآخر عليّ دوستخان ابن الحاج طاهر خان، فقرءا عليه في النحو والمنطق، في شرح الجامي وحاشية ملا عبد الله، ولم يكن أهل تلك القرية يعرفون قدره، بل إنّهم استخفّوا به. فانتقل بعدها إلى أصفهان وأخذَ يدرّس في مدرسة (كاسهكران) مدّة من الزمان، فسافر إلى شيراز، وكان ذلك في أيام سلطنة كريم خان زند، فبقي هناك سنتين أو ثلاثاً. ثم رجع إلى قرية بابو، فاشتغل عليه بعض الطلاب في الفقه.
فاتّفق أن طلب منه أهل قم الإقامة في بلدهم، فأجابهم إلى ذلك، وتوطّن قماً، ودرّس بها وألّف كثيراً من كتبه بها، حتّى أصبح من كبار المحققين وأفاضل المؤسسين، وأعاظم الفقهاء المتبحّرين، والجامعين، المتفنّنين، واشتهر أمره، وطارَ ذِكره، ولقّب بالمحقّق القمي، فتوجّهت الناس إليه، وكثُر الإقبال عليه، ورجع إليه بالتقليد. كما ويعدّ الميرزا القمي حلقة الوصل بين تأسيس حوزة قم، وبين تجديد حياتها على يد الفقيه الشيخ عبد الكريم الحائري.
وفاته ومقبرته:
المشهور أنّ وفاته كانت عام ١٢٣١ هجريّة، ولكن في الروضات بعد أن ذكر ذلك قال : إنّ وفاته كانت في العشرة المشئومة أوائل السبعين، وقيل في وفاته : «از اين جهان بجنان صاحب قوانين رفت» ومقتضى كون وفاته أوائل السبعين وحساب ما قيل فيها هو كونها عام ١٢٢١ ه، لأن ولادته كانت عام ١١٥٢.
وقيل : أنّه توفّي عام ١٢٣٣ هجريّة. وقيل : إنّ يوم وفاته كان على قم كيوم عاشوراء، من الحزن، والسواد، والعزاء. ودفن في المقبرة الكبيرة في بلدة قم الطيّبة، ومرقده يُزار ويتبرّك به، ويقصده أرباب الحوائج، ويسمّى بمقبرة شيخان. ويراد بكلمة «شيخان» الشيخ ابن بابويه، والشيخ الميرزا القمي. (من تمهيد الكتاب)
مقدّمة المؤلّف: (من بداية كتاب غنائم الايام في مجلده الاول)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمدُ لله الّذي أنقذنا من شَفا جُرف الهلكات بمتابعة أمثل الأديان. وأرشدنا إلى سبيل ارتقاء مدارج أعلى الغرفات باقتفاء أفضل الإنس والجانّ.
وأوضح محجّتنا في ظُلم الشبَه والجهالة بإضاءة مصابيح آيات القرآن.
وأفصحَ حجّتنا في مهاوي الشّكوك الفاسدة والأوهام الكاسدة ببيانِ أهل العِصمة، وتبيان مهابط التّنزيل والفرقان.
صلّى الله عليه وعليهم، وعلى الأصحاب المرضيّين، صلاةً تُبلغنا إلى منتهى الرّضوان.
وتُسكننا منازل القدس وبحابيح الجنان. وبعد، فهذا يا إخواني ما سمح به قلم الاستعجال على صحائف المقال، ووَسَمَ به مياسم الفكر والخيال على وجوه وحوش الفرص في تقاليب الأحوال.
فإنّي منذُ تعارفتُ مع الزّمان، فقد أخذني على طرف الخصام لدوداً، وصيّرني في بَوادي العطلة والحيرة هائماً كئوداً، وصار عليّ في هزيمة صفوف جيوش اجتهادي مجاهداً كدوداً. وكلّما صافيته بوجه الإقبال، أدبر عنّي بتخييب الآمال.
ومهما وافيته بعرضِ المطالب في معرض النّوال، فجبّهني بالردّ وناقضني ببلبال البال.
ومتى عانقني بوجه الالتفات، فعضّني بضرس النّائبات. وحيثما ضيّفني ببسط موائد العطيّات، أطعمني بتشعّبات الأمراض، وسقاني بمشارب الحسرات، فربّ فجيعة تدهش منها مشاعر الخواطر، وربّ نزيلة ينهش قذى سمومها أناسيّ النّواظر.
وكم من ضَنَكٍ في العيش وضيق في المعيشة؟ وكم من بائقة لا ترضى بصُحبتها العيشة؟ ومع ذلك فقد كنتُ أختلس من آناتِ غفلاته فُرَصاً، مع ما كنت أتجرّع من مشارب الإحَنِ وكؤوس المحنِ غُصصاً.
وكنتُ شَرعتُ في عنفوان الشّباب في استنباط المسائل من مأخذها، وأخذت في تأليف كتاب يحتوي على مهمّات مطالبها، وسمّيته كتاب مناهج الأحكام في مسائل الحلال والحرام، وقصدت فيه بيان الأدلّة والأقوال، وذِكر ما تبتني عليه الأحكام على التّفصيل حسب ما اقتضاه الحال. وعاقني عن ذلك بَوائق الزّمان وعَوائق الدّهر الخوّان، فربّما سوّلت لي الأيّام بمخائل تبدّل الحال بأرفه من الحال، وربّما سوفتني النّفس بتأميل حصول الفراغ والوقت الأمن من القلق والزّلزال.
فاستصحبتني تلك الشّيمة إلى الحين، وقد جاوزت الان من الأربعين، ولم نكتب منه بالظنّ والتّخمين، إلّا مثل العشرة بالنّسبة إلى الستّين، على تفرّق في الأبواب، حسب ما ساعدتني الأسباب، واتّفق لي سهولة جمع المسائل في ذلك الباب.
ثمّ قد رأيت ولّى الشّباب، وألمّ المشيب، وولّى وجه المحبوب، وتدلّت شدائد قهر الرقيب، وطار غراب الأمل عن الهامة، وعشّش البُوم، وذهب يُمن الأيّام بإدراج رياح الخيبة، وبقي منها الشؤم، وخِفت عدم مساعدة العمر والأسباب لختم ذلك الكتاب، وسيّما مع قصور همم أهل الزّمان عن مراجعة مثله، وعدم إقبالهم إليه بسبب الإطناب، فأخذتُ في تأليف هذه العُجالة كهيئة العجلان، واقتصرت فيه بأقلّ ما يقتضيه الوقت، ويساعدني الزّمان.
ثمّ اعلم يا أخي : إنّي لم أقصد من شكواي إلّا النّصح لك في عدم الاغترار، وإيّاك وأن تسوّف في طلب حصول الفراغ وتيسّر القرار، فإنّ الرّاحة لم تُخلق إلّا في الجنّة، والفراغ والاطمئنان لم يودعا في دار البلاء والمحنة، واغتنم نَفَساً بعد نفس، وإن كنت في غاية اضطراب ووَجس، سيّما في مثل هذا الزّمان، الّذي غلبت عليه أحزاب الشّيطان، ورُفعت فيه أعلام الجهل والطغيان، وولّت عنه آيات؛ العلم والعرفان، واستمرّت به تلك الشّيمة والسجيّة حتّى كاد أن تكون أيّام الجاهليّة.
هذا وإنّي كالايس من إتمام ما أنا فيه إلّا من رَوح الله، فكيف أقول برجاء إتمام الكتاب الكبير بعد ذلك إلّا أن يشاء الله. فشرعت فيه بحول الله وقوّته، مستعيناً في إتمامه بعونه ومنّه، وسمّيته كتاب «غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام». وجعلته على أقسام أربعة، في كلّ قسم منها كتب.
فهرس الكتاب:
ماهيّة الاعتكاف
|
167
|
مشروعية الاعتكاف واستحبابه
|
168
|
استحبابه وتاكّده
|
170
|
من يصح منه الاعتكاف
|
170
|
شروط الاعتكاف
|
|
الشرط الأولّ: النيّة
|
171
|
كيفيّة النيّة فيه
|
171
|
هل يجب الاعتكاف بالشروع
|
171
|
وجوب السادس لو اعتكف الخامس
|
175
|
وجوب كلّ ثالث
|
178
|
وجوب الاعتكاف بالنذر ومضي يومين
|
179
|
حكم نيّة اليوم الثالث
|
180
|
الشرط الثاني: الصوم
|
183
|
الشرط الثالث: كونه ثلاثة أيّام فصاعداً
|
187
|
المراد باليوم في الاعتكاف
|
188
|
لزوم النيّة عند الغروب
|
188
|
حكم من نذر اعتكاف يوم واحد
|
189
|
حكم اللّيالي في الاعتكاف
|
194
|
هل يجب التتابع لمن نذر اعتكاف أيّام
|
198
|
الشرط الرابع: كونه في المسجد
|
200
|
مسجد الاعتكاف وشروطه
|
201
|
اعتبار إقامة الجمعة أو الجماعة وعدمه في المسجد
|
206
|
فائدة في مسجد البصرة والمدائن
|
209
|
الشرط الخامس: إذن من له الولاية
|
210
|
الشرط السادس: استدامة اللبث
|
211
|
حكم خروج بعض البدن
|
212
|
حكم صعود سطح المسجد في الاعتكاف
|
212
|
حكم الخارج مكرهاً
|
213
|
حكم من نذر اعتكاف أيّام متتابعة
|
216
|
مستثنيات حرمة الخروج
|
|
الخروج لقضاء الحاجة
|
219
|
معنى قضاء الحاجة
|
219
|
الخروج للاغتسال
|
224
|
الخروج لشهادة الجنازة
|
224
|
الخروج لعيادة المريض
|
226
|
الخروج لتشييع المؤمن وتوديعه
|
226
|
الخروج لإقامة الشهادة وتحمّلها
|
227
|
الخروج لصلاة الجمعة
|
228
|
الخروج يقدّر بقدر الضرورة ومايحرم على الخارج
|
228
|
حكم طول زمان الخروج المسموح
|
230
|
حكم الخروج نسياناً
|
231
|
عدم جواز صلاة المعتكف خارج المعتكف
|
232
|
اشتراط المعتكف الرجوع
|
|
مشروعية اشتراط الرجوع
|
233
|
كيفية اشتراط الرجوع
|
234
|
محل اشتراط الرجوع
|
236
|
فائدة اشتراط الرجوع
|
239
|
صور الاعتكاف المنذور الثمانية
|
240
|
الخروج للطاعات
|
243
|
الخروج للمباحات
|
244
|
أحكام الاعتكاف
|
|
حرمة النساء على المعتكف
|
246
|
حرمة الاستمناء على المعتكف
|
249
|
حرمة استعمال الطيب
|
249
|
حرمة شم الرياحين
|
250
|
حرمة البيع والشراء على المعتكف
|
250
|
صحة البيع في الاعتكاف
|
251
|
حرمة المراء والجدل
|
251
|
اقسام المراء
|
253
|
ماقيل بحرمته على المعتكف
|
254
|
حكم من مات قبل انقضاء الاعتكاف
|
255
|
أحكام قضاء الاعتكاف عن الميّت
|
256
|
موجب الكفّارة في الاعتكاف
|
|
الجماع موجب للكفّارة
|
260
|
الاستمناء موجب للكفّارة
|
261
|
حكم سائر المفطرات في الكفّارة
|
262
|
فذلكة وجوب الكفّارة فيه
|
264
|
حكم المحّرمات الغير المفسدة
|
270
|
تعيين كفّارة الاعتكاف
|
270
|
كفّارة المعتكف إذا كره زوجته المعتكفة على الجماع
|
270
|
تحميل الكتاب: