التمرجع

عن ظاهرة التمرجع وانحسار الفقاهة… حوار مع آية الله السيد فاضل الموسوي الجابري(2)

خاص الاجتهاد: سيدنا بما أنكم عشتم في ايران ولكم معرفة بالنتاجات الفارسية في حوزة قم، فهل هناك كتب فارسية كنتم تحبذون أن تكون باللغة العربية وهي من المواد التي تدرّسونها؟

آية الله السيد فاضل الموسوي الجابري: الحمد لله أكثر الكتب مترجمة باللغة العربية، الآن لا أتذكر العناوين، ولكن يمكن القول بأننا بحاجة ماسّة للعديد من المناهج باللغة الفارسية ولم تترجم بعد الى اللغة العربية، خصوصاً أننا كنّا نتمنى أنّ المناهج التدريسية في الجامعات و في الحوزات الإيرانية تكون باللغتين؛ اللغة العربية واللغة الفارسية، حتى يتمكن كل أحد الاستفادة منها.

لأن عندنا مشكلة في المناهج، يوجد كتب لكن ليست مناهج. الكتاب شيء والمنهج شيء آخر. فالكتاب يكتبه شخص يسطر فيه معلومات معينة لبيان وجهة نظره فيها. أما الكتاب المنهجي فهو يبدأ من الصفر، يأخذ بيد الطالب بشكل مرحلي وتدريجي إلى أن يوصله إلى الفهم الكامل للمادة العلمية.

هذا في الواقع موجود فقط في اللغة الفارسية، وهناك بعض التجارب الجيدة في ذلك كتجربة الشيخ رضائي الأصفهاني، فقد ترجم مؤلفاته “قواعد التفسير” و”أصول التفسير و المناهج التفسيرية” إلى اللغة العربية، لكن هناك الكثير منها موجود باللغة الفارسية. أنا أعرف أقرأ اللغة الفارسية وقد استفدت كثيراً أيام وجودي في ايران.

* كما تفضلتم فإنكم قمتم بمؤتمرات واجتماعات واستضفتم الكثير من الشخصيات. هل تشعرون بأن عدم التسلط على اللغة يمثل مشكلة؟ بعبارة أخرى عندنا في حوزة قم مَن درس في الحوزة لكنه لا يستطيع أن يتكلم باللغة العربية. يعني إذا أردت أن تدعوه إلى مؤتمر ليتكلم إلى الطلاب العرب فإنه لا يستطيع لأنه لا يجيد العربية. فهل يعتبر ذلك عائقاً يقف أمام التواصل بين الحوزة النجفية والحوزة القمية؟

مشكلة الأخوة في إيران أنّ الكثير من الأساتذة المرموقين على مستوى الفقه والأصول أو على مستوى المعارف الأخرى، وهم على مستوى علمي يشار إليه بالبنان، من خلال التخصص والعمق والتفسير والشمولية، ولكن مشكلتهم أنهم بلغة واحدة، يعني اللغة الفارسية فقط. ترى الأستاذ بارع في إلقاء المحاضرات والدروس باللغة الفارسية، أما في العربية فإنه يفهم ولكن لا يستطيع أن يتكلم. وهذه مشكلة كبيرة حقاً تقف أمام الاخوة غير العرب عموما.

* هناك نوع من التوهّم لو صحّ التعبير، على أننا طلبة ونعرف العربية!

نعم، يعرفون العربية ولكن لا يستطيعون التحدّث أو الكتابة بها أو ان يكتبون بها. المشكلة أنك إذا لم تتكلم ولم تكتب باللغة العربية سوف تكون أفكارك ونشاطاتك وإبداعك ومحور حركتك التبليغية والتوعوية محصورة في دائرة ضيّقة. أما لو كنت تتكلم وتكتب العربية فإن أفكارك ستكون واسعة جداً، ولذا ترى بأنك أين ما تذهب في دول العالم الاسلامي لا يعتقدون بأن الشخص عالم ما لم يتكلم باللغة العربية.

أنا ذهبت إلى كثير من الدول فرأيت ذلك واضحاً جلياً؛ لأن العروبة ليست عنصراً وليست أبٌ وَجَدّ. العربية عبارة عن ثقافة وفكر ودين. لماذا؟ لأنها لغة القرآن ولغة الحديث ولغة الثقافة الدينية. ومن هنا يقول رَسُولِ اللَّهِ ’‏: >يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَتْ‏ بِأَبٍ وَجَدٍّ- وَإِنَّمَا هُوَ لِسَانٌ نَاطِقٌ- فَمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ فَهُوَ عَرَبِيٌّ-<.

ان لكل علم لغة، ولغة العلم في الدين الاسلامي هي العربية، ولا يمكن ان تفهم الشريعة والعقيدة ونصوصها الاساسية وتراث علمائها ما لم تكن محيطا بتلك اللغة. مثلاً إذا أراد شخص أن يصبح طبيباً أو مهندساً ولا يعرف التحدث أو الكتابة باللغة الإنكليزية، فهذا غير ممكن؛ لأن اصطلاحاته كلها اصطلاحات إنكليزية.

فثقافته وجانبه العلمي إنكليزي، فلا بدّ أن يعرف الإنكليزية حتى يصبح طبيباً، أما ان تكون طبيباً وتريد أن تعتمد على اللغة الفارسية مثلا أو اللغة العربية فهو غير ممكن. إذن يجب على الأخوة الأساتذة غير العرب أن يتعلّموا اللغة العربية حتى يستطيعوا أن يتحرّكوا في ميدان أوسع، ويوصلوا أصواتهم وأفكارهم إلى قطاع أكبر من الناس، بل سوف تفتح أمامهم آفاقاً علمية كثيرة جداً.

  

* وهل شعرتم بهذه الحاجة على المستوى العلمي؟

نعم، إنها حاجة ضرورية جداً. حتى عندما نختار أشخاصاً ليكونوا أساتذة فإن مسألة اللغة تكون عائقاً. ونحن كذلك عندما نذهب إلى مكان يطلب منا مثلاً إلقاء محاضرة في موضوع معين، فإني سوف أعتذر؛ لأنني لا أستطيع التكلّم باللغة الفارسية. نعم أنا أتكلم لغة الحوار التي هي لغة الشارع. أما لغة المحاضرة فتحتاج إلى أدبيات، والتحدّث بتلك الأدبيات يُقال له الفصحى، وهذا ما لا أجيده فعلا؛ لأنه يحتاج الى دراسة واهتمام خاص.

إذن اللغة هي عبارة عن جسر للتواصل بين الناس. فجنابك الآن إذا لم تتكلم معي باللغة العربية لا نستطيع أن نتواصل بشكل جيد، لا بدّ أن أفهمك وتفهمني بشكل جيد حتى نستطيع أن نتحاور. إنّ تسلّطك على اللغة العربية هو الذي جعلني أنفتح معك. ولو كنتَ تتكلم بالفارسية فإن نصف هذا الحديث كان سيُختصر. كن واثقاً من ذلك. اللغة هي التي جعلتنا نتواصل فيما بيننا.

* حبّذا لو تحدثونا عن عمل مؤسستكم المحترمة.

نعم، وهو العمل الثاني الذي نقوم به في الحوزة العلمية في النجف الاشرف، فانه وقبل سنتين افتتحنا هذه المؤسسة وأسميناها (مؤسسة باقر العلوم (ع) للبحوث والدراسات الاسلامية). وكان حفل افتتاحها حافلاً بالشخصيات العلمية من مراجع وفقهاء وفضلاء وطلاب.

والغرض من فتح هذه المؤسسة بالدرجة الأساس هو الاهتمام بطلاب البحث الخارج من طلاب الحوزة، وبناؤهم بناء علمياً رصيناً يؤهلهم للوصول للفقاهة والاجتهاد، من خلال منهج علمي متكامل، والأخذ بأيديهم بشتى الطرق؛ لتحقيق هذا الهدف من خلال تعليمهم كيفية استنباط الأحكام الشرعية، وإيقافهم على مفاتيح الفقاهة والاجتهاد، وتدريبهم على كتابة البحوث الفقهية والأصولية، وكيفية تتبع الآراء ومناقشة المباني الفقهية والأصولية والرجالية.

اذن الهدف الأول والأساسي – لهذه المؤسسة- هو إيجاد فقهاء ومجتهدين يرفدون الحوزة العلمية بعطائهم، ويحملون على عواتقهم مهمة حفظ الدين وإيصاله الى الناس، ومواكبة حاجات الناس المتطورة زماناً ومكاناً. كل ذلك من خلال الدرس والمتابعة وتبنى الطاقات العلمية من خلال جلسات علمية أي ورشة عمل في مجالي الفقه والاصول.

نعم هناك أيضا برامج أخرى للمؤسسة أمثال إلقاء الدروس في مجال نظرية المعرفة وعلم الكلام الاسلامي، وكذلك في مجال تفسير القرآن الكريم ومعارفه المختلفة. مضافا الى تأليف الكتب التي تحمل طابعاً تخصصياً في المعارف الدينية. وأخيراً هي مكان لاستقبال الوفود الاجتماعية من مختلف طبقات المجتمع، واعطائهم التوجيهات والمحاضرات خصوصا ايام التعطيلات الدراسية.

 السيد فاضل الجابري الموسوي

عفواً سيدنا ما هو الداعي لهذا المشروع من الناحية الواقعية؟

للأسف الشديد نجد ان هناك تلكؤاً واضحاً في الاهتمام ببناء الجانب العلمي والفقهي الصحيح من قبل العديد من أساتذة البحث الخارج تجاه طلبة الحوزة العلمية, فالعديد من الاساتذة لا شان له بطلبته على جميع المستويات، ويكتفي بإلقاء الدروس العالية في الفقه والاصول فحسب. ويترك الطالب بلا توجيه بكيفية البحث العلمي وكيفية الدخول والخروج من المسألة -كما يقال-. وهذا الأمر أدى الى انحسار الفقاهة والاجتهاد الى درجة مخيفة.

نعم، هناك خواص لهذا الاستاذ أو ذاك يهتم بهم من هذه الناحية، وبالتالي من لم يحض بالخصوصية لن ينال شيئاً من الرعاية، والنتيجة حتى لو كان مستعداً وذو همة عالية فلن يحصل على فرصته ولن يتمكن من تطوير ذاته ومستواه العلمي.

وهذا ينطبق على السواد الأعظم من الطلاب أي بنسبة (95%) وهو ينعكس على النتيجة، فان احتمالية حصول (5%) الباقية على درجة الفقاهة والاجتهاد يكون ضئيلا جدا. ومن هنا لا نجد -بصورة واضحة- وجود فقهاء ومجتهدين من جهة العدد متناسباً مع عدد طلاب العلم على مستوى البحث الخارج. نعم هناك من يدعي ذلك وهؤلاء ليسوا بالحسبان قطعاً.

البعض قد يرى ان الخلل إما في الطالب وإما في المناهج الدراسية أو طريقة البحث الفقهي والاصولي, ولكن هذا غير صحيح قطعاً؛ لأن الحوزة العلمية التي خرّجت المئات من الفقهاء والمجتهدين كانت تعتمد هذه المناهج لا غيرها، وأما الطلبة فلا أريد ان أقول ان الأكثرية لهم استعداد للتحصيل الحقيقي ولكن نسبة لا بأس بها منهم لديهم ذلك الاستعداد, حيث نراهم يبذلون الجهود ويحضرون ويتباحثون ولكنهم تائهون لا يجدون من يدلهم على الطريق أو يأخذ بأيديهم الى الهدف المنشود، فيصبح الطالب يعرف الاصطلاحات والمباني ولكنه لا يعرف كيف يستفيد منها في مجال التطبيق، أو لا يعرف كيف يؤصلها ويبلورها في المجالات العلمية المختلفة.

نعم هناك أسباب أخرى تقف عائقاً أمام الكثير من الطلبة وهي معروفة، أمثال الوضع المادي الذي قد يجبر الطالب للحضور عند أساتذة لا يقتنع بأن لهم قدرة او رغبة في اعطائه مفاتيح العلم والاجتهاد، ولكن حضوره عندهم يوفر له بعض الامتيازات المادية، فيضطر للتضحية بالجانب العلمي لصالح الجانب المادي.

وعلى كل حال نحن نسعى دائماً لحل مشاكل الطلبة في كل هذه الجوانب، وقد أسَّستُ هذه المؤسسة لأجل هذا الغرض، ولكن الجود بالموجود، والموجود قليل جداً من النواحي المادية، أما النوحي العلمية فأنا أبذل قصارى جهدي من أجل تربية مجموعة من الفضلاء عسى أن أرى فيهم ما أتمنى إن شاء الله تعالى.

* أنا وبحسب حضوري المحدود في النجف أشعر أنّ هذا الجو الحسّاس خلق هوّة بين الأستاذ والطلبة، فالطالب والأستاذ لا يصبحان صديقين خلاف ما كان في السابق.

نعم، الأستاذ كان في السابق يأتي ويجلس في بيت التلميذ ويدعوه إلى الغداء والشاي وغير ذلك. نجد أنه كانت بينهما علاقات اجتماعية متميزة، وهذا ما لا نجده في هذا الزمان الا في نطاق محدود جداً.

فالعلاقات بينهما أصبحت ضعيفة جداً, بل وأكثر من ذلك إذا ما اعتمد الطالب على قدراته الذاتية واستطاع ان يبلغ مرتبة علمية جيدة ويتصدى للأستاذية نجد ان بعض أساتذته أو غيرهم يقفون حائلاً بينه وبين ارتقائه العلمي، وكأنهم يريدونه ان يبقى دائماً حاضراً في دروسهم وتحت عبائتهم ومهما ارتقى يظلون ينظروا اليه باستصغار, في حين قد يكون – وهو حاصل كثيرا- تلميذهم بالأمس أعلم منهم اليوم (وكم ترك الأول للآخر).

* اذن مؤسستكم تسعى لتحصيل درجة الفقاهة والاجتهاد لطلابها؟

نعم بكل تأكيد، فهي مؤسسة فقهية وأصولية للتدريب واتقان الصناعة الفقهية. مهمتنا تتمثل في تعريف الطالب بمنهج الإستدلال الصحيح، الذي هو عبارة عن منهج السلف الموجود، ولكن فيه تعديلات وتحسينات وخبرات شخصية تتحقق من خلال محاولة الجمع ما بين حوزتي النجف وقم.

وأنا شخصياً لديّ خبرة في الحوزتين والمدرستين، المدرسة القمية والمدرسة النجفية، استطعت ان أخذ محسنات كل واحدة منهما ثم أبلورهما في اطار علمي وفق الصناعة الفقهية المتقنة، مع اضافة اللمسات الجديدة التي نراها ضرورية، من خلال التأمل في الكتاب والسنة وتراث السلف, ويترتب على ذلك اختلاف في طريقة البحث الفقهي والاصولي، ونتائج فقهية على مستوى الفتوى والرؤية الفقهية المعاصرة بما يتناسب مع حاجات الانسان المتجددة.

* على أي شيء اعتمدتم في ذلك؟

انتم تعرفون ان السيد البروجردي قدس سره من عظماء فقهاء الإمامية في هذا العصر، وقد ترك هذا السيد العظيم منهجاً محكماً في علمي الحديث والرجال، مضافاً الى آرائه الاصولية الخاصة، فهو يعتمد بشكل كبير على الرواية واسانيدها وطرق توثيق الرواة، ولكن وفي نفس الوقت لم يهمل الاستناد الى القواعد الأصولية في عملية الاستنباط، ولكنه لم يكن يبالغ في علم الاصول، كما هو حال المدرسة النجفية التي بالغت كثيراً في الابحاث الأصولية على حساب الابحاث الفقهية والاهتمام في علم الحديث أو الرجال.

وحينما نرجع الى الوراء نجد ان السيد البروجردي قدس سره من الطلاب المبرّزين عند الآخوند الخراساني، وهو زميل الأعلام الثلاثة النائيني والاصفهاني والعراقي، ولكنه كان يختلف عنهم في بحوثه الاصولية، ومن المعلوم ان حوزة النجف هي وريثة الأعلام الثلاثة فالسيد الخوئي والشيخ حسين الحلي والسيد الحكيم والسيد محمود الشاهرودي كانوا على شاكلة هؤلاء الأعلام لاسيما المحقق النائيني، حيث يتبعون عين المنهج.

ومن هنا حدث الاختلاف المنهجي في الأبحاث الفقهية والاصولية، فأنا من خواص تلاميذ السيد محمد مفتي الشيعة قدس سره ومجاز من قبله بالاجتهاد، وقد لازمته سنين طويلة.

وهذا السيد معروف في حوزتي النجف وقم، فهو من جهة الحوزة القمية من تلاميذ السيد البروجردي والسيد الحجة المبرّزين، ومن جهة الحوزة النجفية فهو من تلاميذ السيد الحكيم والسيد الشاهرودي والسيد الخوئي وقد اختص بالشيخ حسين الحلي قدس الله اسرارهم جميعا, وقد اخذ السيد الاستاذ من كلتا المدرستين ووقف على كلا المنهجين، فلم يكن اخبارياً متخلفاً ولا أصولياً متطرفاً ولكن أمر بين أمرين.

وقد أعطاني ما اخذه لا سيما من استاذه الشيخ حسين الحلي الذي كان استاذاً للمراجع الحاليين أي السيد السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ الفياض.

ومن المعروف ان كل مباني الشيخ النائيني هي بيد الشيخ حسين الحلي. وبالنتيجة أصبحت كلا المدرستين في متناول أيدينا فاستطعنا التلفيق والتوفيق بينهما بشكل رائع نال اعجاب السيد مفتي الشيعة بشكل كبير, خصوصاً بعد ان تجسدت لي تلك الأطر المعرفية بواسطة النظر والحضور لأبحاث الأعلام أمثال الشيخ جعفر السبحاني والشيخ مكارم الشيرازي والشيخ حسين المنتظري اللذين ينتمون الى مدرسة السيد البروجردي. ومع الاسف الحوزة النجفية غير مهتمة بهذه المدرسة التي لها طريقة تختلف في البحث والنظر يعرفها من يغوص فيها.

وفي المقابل استطعت ان أقف على مباني الأعلام الثلاثة من خلال درس الشيخ الوحيد الخراساني الذي كان شارحاً متميزاً لآرائهم في علم الاصول، مضافاً الى ما استفدته من مدرسة السيد الصدر الأصولية بواسطة درس تلميذه السيد كاظم الحائري.

وقد عرضت كل ذلك على أستاذنا السيد محمد باقر الشيرازي قدس سره في مشهد، وقد أعجب به كثيراً، ومنحني إجازة الاجتهاد على ضوئه ولله الحمد.

* وكيف هو الأمر بالنسبة للعرف؟

الفقيه لا يمكن ان يستغني عن العرف في تنقيح الموضوع أو فهم الدليل اللفظي. وبالتالي لا التطرف في الاهتمام بالجانب العقلي او قل العقل الفلسفي في فهم الدين والشريعة، ولا التخلف في الاقتصار على الروايات كما هو حال الاخباريين الذين يحاكون الحشوية وأهل الحديث من الحنابلة في الجانب السني.

مع التأكيد على وجود أمرين مهمين لابد للفقيه ان يوليهما العناية الكاملة، ولكنهما مهمشين في دراساتنا الفقهية! وهما القرآن الكريم واللغة العربية، وبالتي يمكن الجمع بين العناصر والأسس المختلفة لكي تعطينا نتائج رائعة ومميزة وهي: العقل، والنقل، والعرف، والنقل: هو الكتاب والسنة والاجماع.

والعرف: هو المرتكزات العرفية أو قل ما تعارف عليه الناس واللغة والسيرة العملية للفقهاء، ويدخل في علم الاصول كل المطالب الاصولية من القواعد المنقحة في ابوابه المختلفة.

ولابد في منهجنا من الانطلاق من العام الفوقاني وهو الرؤية الكونية المعرفية، فأي نتيجة يتوصل اليها الفقيه تتعارض مع هذه الرؤية الكونية المعرفية فتعتبر ساقطة ولا قيمة لها مطلقاً، امثال معارضتها مع مبدأ العدل الالهي كما في التكليف بغير المقدور وغير ذلك من الامثلة الكثيرة.

اذن هذه هي المبادئ الاساسية التي ينطلق منها الفقيه ويعتمد عليها في عملية استنباط الاحكام الشرعية، من دون افراط في جانب او تفريط في آخر، كما هو حاصل اليوم سواء في حوزة النجف أو في حوزة قم على حد سواء.

ففي قم يهتمون بالجانب العرفي كثيراً في فهمهم الفقهي. بخلاف ذلك في حوزة النجف فانهم يهتمون بالجانب الأصولي أكثر في الفهم الفقهي، بل يستغرقون في الدراسات الاصولية الى حد التخمة، حتى اصبح ذلك في بعض الاحيان على حساب الدراسات الفقهية.

طبعاً في مقابل الإخبارية التي تركت العقل الفلسفي و العقل الأصولي وركنتهما جانبا. وهناك امتزاج ما بين العقل الأصولي و العقل الفلسفي. واما منهجنا فهو التفكيك ما بين الفلسفة والاصول من جهة، وعدم الاستغراق في البحوث الاصولية على حساب علم الحديث والرجال، وعدم الاستغراق في المقابل في الجوانب العرفية بما يُخرج الفقه عن عمقه المعرفي من الناحية المنهجية، وانما يجب التوازن في كل ذلك بما لا يخرج الفقيه عن مساره الصحيح.

اما إقحام القضايا الفلسفية في علم الأصول فلا نراه صحيحاً ابداً؛ لأن القضايا الفلسفية تتناول الامور التكوينية الواقعية، و لها قوانين تختلف عن قوانين القضايا الاعتبارية التي يبتنى عليها علم الفقه.

ولذا نجد ان هذا المنهج تبناه كبار الفلاسفة امثال السيد الطباطبائي والسيد الخميني والسيد السبزواري وغيرهم. وانت اذا لاحظت بحوث الاعلام الاصولية في حوزة النجف او امتداداتها في قم فسوف تجد ان هناك الكثير من الالغام الفلسفية التي تتمحور عليها بحوثهم وتكون نتائجها مستندة اليها.

ولا شك بان هذا النهج سوف يقود الى نتائج خطيرة جداً على المستوى العلمي والعملي. والعجب العجاب ان حوزة النجف تحارب الفلسفة بشكل كبير جداً، وفي نفس الوقت هي غارقة فيها في طيات علم الاصول. في حين نجد ان حوزة قم تنشط فيها الفلسفة بشكل كبير الى درجة قد تعتبره من الدروس المكملة للفضيلة العلمية، ولكنهم في الوقت نفسه لا يستغرقون في ادخاله في علم الاصول.

طبعاً السيد البروجردي من الأعلام الذي لا يرى صحة اقحام الفلسفة في علم الاصول ولا الاستغراق كثيراً في علم الاصول؛ ولذا نجده يهتم في علمي الحديث والرجال بشكل كبير ويعتبرهما الاساس في الصناعة الفقهية.

السيد فاضل الجابري الموسوي

* سماحة السيد الاستاذ ما هو برنامجكم بالنسبة الى طلابكم في مؤسسة باقر العلوم؟

الآن نحن ندربهم على عملية البحث العلمي بشكل تدريجي، فبعد أن نوضح لهم المنهج على المستوى النظري نبدأ معهم في المستوى العملي، فنطلب من كل طالب أن يبحث في مسألة من المسائل المحددة من قبلنا، وأن يكتب الآراء المختلفة فيها، و لكن يكون التركيز على رأيين مختلفين فيها، وأن يتتبع أساس هذا الاختلاف وأنه ناتج عن أي شيء.

مثلاً نقول للطالب لديك المسألة رقم عشرين في صلاة المسافر، إبحث ماذا قال عنها المشهور وغيرهم ولكن نريد التركيز على رأي السيد الحكيم والسيد الخوئي؛ لأن السيد الحكيم والسيد الخوئي بينهما اختلاف في الكثير من المسائل، ولا شك بأن كل واحد منهما ينطلق من رؤية معينة وفق المباني الاصولية أو الرجالية أو العرفية أو الذائقة الفقهية.

وهذا الأمر ليس خاصاً بالسيدين الخوئي والحكيم، وإنما نجده أيضاً بين السيد الحكيم وصاحب الجواهر، وبين صاحب الجواهر وصاحب الحدائق، فكل واحد من هؤلاء الاعلام يحاول أن يعطي نظراً في قبال من سبقه، وهو بذلك يخالف ذلك السابق. ولا شك بأن ذلك هو جوهر الصناعة الفقهية التي من خلالها يتطور علم الفقه وينضَّج .

ونحن بهذه الطريقة نوقف الطالب على أول درجة من درجات التدرب على الاستنباط. ونفتح له آفاقاً لاستكشاف الآراء وسبب اختلافها، ونرشده الى كيفية المعالجة ومحاولة التوفيق بينها ما أمكن ذلك، مع اكتشاف الاشتباهات أو المغالطات أو المصادرات أو غير ذلك من أساليب فن الصناعة الفقهية. ثم نرتقي مع الطالب بقدر همته وطاقته واستعداده حتى نصنع منه عالماً فاضلاً وفقيهاً مجتهداً، ان شاء الله تعالى.

* يعني أتيتم بتلك الحلقة المفقودة إلى الحوزة؟ يعني أقمتم علاقة بين الطالب والأستاذ. وأنّ هذا صحيح وهذا خطأ؟

هذا صحيح وأكثر من مجرد علاقة بين الاستاذ والطالب وإنما، نتدرج شيئاً فشيئاً مع الطلاب حتى نصنع منهم فقهاء واساتذة. لماذا لدينا خمسة أو ستة مجتهدين فقط؟ لماذا لا يكون عندنا خمسين مجتهداً؟! ما المشكلة في ذلك؟ هل الاجتهاد عبارة عن حانوت أو سوق للتنافس؟

الاجتهاد ليس سوقاً بل خدمةً للدين، وليس الاجتهاد معناه التصدي للمرجعية. هذا فهم خاطئ. البعض يتصور بأن كل شخص يقول: أنا مجتهد، معناه أنّ الأمور خرجت عن السيطرة، لأنه سوف يطرح مرجعية جديدة فيخافون من ذلك. ولا أدري لماذا يخافون؟! الحمد لله يوجد في حوزة قم ألف درس خارج مسجّلين في جامعة المدرِّسين، أي هناك ألف استاذ فاضل يدرّس البحث خارج. هذا مضافاً الى غيرهم ممن لا ينشغل بتدريس الخارج، وانما ينشغل بالبحث والكتابة إما بشكل فردي أو مع المؤسسات العلمية الكثيرة جداً في تلك الحوزة الكبيرة والراقية جداً.

* برأيكم هل يسبب ذلك مشكلة؟

أبداً أي مشكلة في ذلك؟ هذا خير وبركة. فالفقاهة شيء والمرجعية شيء آخر. لماذا هم لا يميزون بين كلا الأمرين. الفقيه هو الذي يستطيع فهم الكتاب والسنة، وفهم الشريعة بشكل صحيح على وفق الأصول والقواعد، ويستطيع أن يربّي طلاباً، وأن يتصدى لقضايا الدين، ويكتب في تفسير القران الكريم، ويكتب في الفكر الإسلامي، ويثقّف ويعلّم الناس، ولكن يفعل كل ذلك بعد أن يكون عالماً، لا بعنوان انه طالب علم صغير لا يكاد يعرف من الدين شيئاً، فيكون نتاج عمله وتعليمه عكسياً كما هو الواقع الان،

حيث نرى من هب ودب يرتقي المنبر أو يؤم الناس في الجمع والجماعات وهو لا يميز بين العقيدة والشريعة، وبين القران والسنة، ولا يفهم المسائل الفقهية أو الكلامية أو التاريخ الاسلامي وسيرة النبي والائمة “عليهم السلام” شيئاً بل هو مثل الببغاء يردد ما يسمع ويتكلم بما لا يعلم.

أليس من الأجدر والأفضل للحوزة والناس على حد سواء، أن يكون في كل مدينة كبيرة فقيه عالم يكون ممثلاً عن الحوزة العلمية ومرجعياتها، الكبيرة يعيد ثقة الناس بالحوزة العلمية ولا يوقع المجتمع بالحيص بيص بسبب الجهل والتخبط؟

* ألا تعطون الحق لمن يخاف، من هذا الاجتهاد المبكر، حسب الأعمار؟ وماذا عن التمرجع؟

ينبغي ان يكون لكل علم سقفاً زمنياً مقدراً أو محصوراً بين أدنى وأعلى، فالطبيب يدرس ست سنوات؛ ليتخرج متخصصاً في فرع من فروعه، وإذا أراد الارتقاء أكثر فعليه أن يستمر في دراساته العليا حتى يصبح فوق التخصص، وهذه المدة لا تزيد عن ست سنوات أخرى، فيكون مجموع دراسته الجامعية مع العليا اثنتي عشرة سنة، واذا أضفنا اليها المرحلة الابتدائية والثانوية بهذا المقدار أيضا يكون المجموع أربعة وعشرين سنة، بها يكون الشخص عالماً فوق التخصص في فرع من فروع الطب، ولا شك بأنه علم واسع ومعقد جداً، وانا اخترته مثالاً؛ باعتباره أكثر العلوم يحتاج وقتاً ليكون الشخص بهذا المستوى الذي يكون مرجعاً في الطب.

وهنا نريد المقارنة حيث نسأل: ألا يكفي أن يمضي من عمر الطالب أربعة وعشرين سنة مع الحضور والجد والتحصيل والامتحانات لكي يكون مجتهداً وفقيهاً، يعني اذا دخلت أنا أو أنت الى الحوزة في عمر العشرين هل من المبكر ان أكون مجتهداً إذا وصل عمري الى الخمسين مع تدرجي بالدرس والتحصيل والجد والمثابرة لمدة ثلاثين سنة وهل يعتبر هذا مبكراً في عمر أي علم من العلوم؟

ولا، أدري لماذا لا يعتبر مبكراً لأبناء المراجع والعوائل العلمية حينما يمنحونه اجازات الاجتهاد وهو في عمر العشرين أو أكثر قليلاً ويعتبروه نابغة ويهيئوه للمرجعية؟! أليس هذه عبارة عن الكيل بمكيالين؟!

من المفترض أن يكون المعيار في التقييم هو العطاء العلمي تحصيلاً وتدريساً وتأليفاً, فبهذا يتم اعتباره مجتهداً أو لا.

مضافاً الى الطرق المعروفة من شهادة بعض الفقهاء في كونه قد وصل الى مرتبة الاجتهاد. وهذا الذي يرى نفسه مجتهداً لم يأتينا من كوكب آخر وإنما يعرفه زملاء دروسه واساتذته وطلابه وسيرته العلمية والاخلاقية والاجتماعية، ومعلوم متى دخل الى الحوزة وكم كان عمره وقتذاك، وكيف كان أثناء الدرس هل كان بليد الذهن أم كان ذكياً، وهل كان يناقش الاساتذة بشكل علمي أم لا، وهل استمر في الدرس والتحصيل أم انقطع عنهما، وما هي مؤلفاته ودروسه وووالخ، كل هذه الامور هي التي تُبرز فضيلته واجتهاده وليس الادعاء فقط. فاذا كان الأمر هكذا اذن ما هي المشكلة؟

أما بالنسبة للتمرجع فنحن لا نرى صحة هذا السلوك، أي ليس من الصحيح ان الشخص بمجرد ان يرى نفسه قد أصبح مجتهداً أو حصل على اجازات من أساتذته أن يطرح نفسه للمرجعية، فهذا هو الخطأ الكبير.

التمرجع شيء وأن يكون الشخص فقيهاً شيءٌ آخر. الأمر الذي قد يخاف منه بعض الفقهاء هو أنهم يقولون: لو أيّدت هذا الشخص وأعطيته إجازة اجتهاد؛ لأصبحت هذه الإجازة أرضية ممهدة للتمرجع. نعم قد يكون هذا الكلام صحيحاً في الجملة الا انه ينطبق على البعض دون الكل؛ لذلك يجب أن يتأكد الفقيه من الشخص الذي يعطيه إجازة اجتهاد، ويأخذ منه العهود والمواثيق بأن لا يتصدى للمرجعية إلا بعد أن تتوفر الشروط والمؤهلات والظروف المناسبة.

ان المرجعية ليست امتيازاً ابداً، بل هي وظيفة ومسؤولية عظيمة وخطيرة جداً، ولا ينبغي لعاقل أن يقحم نفسه في هذا المعترك الصعب الا في حال الضرورة القصوى، بل يجب عليه أن يفر من التصدي للمرجعية فراره من الأسد؛ لأن الانسان اذا كان يطلب الاخرة فلا أعتقد بأنه سوف يستفيد شيئاً من الأجر والثواب في تصديه لمقام المرجعية، وسوف يعرّض نفسه للسؤال أمام الله تعالى يوم القيامة عن كل فتوى وحكم، ويكون حسابه طويلا وعسيراً, واذا كان يريد الدنيا فأي دنيا يحصل عليها من يحبس نفسه بين اربعة جدران ويراقب في كل حركة وسكنة وكلمة تخرج من فمه، والناس لا ترضى عنه مهما فعل وقدّم لهم؟ بل وكل خطأ يرتكبه من في الحوزة سوف يحسب عليه ويتحمل مسؤوليته.

مضافاً الى أنه سوف لن يتلذذ بطعام فاخر ولا بمسكن فخم ومركوب جميل وغير ذلك! فاذا كان مقام المرجعية ليس فيه دنيا ولا آخرة فلماذا يتنافس عليه الناس؟! لا أرى أن هناك عاقلاً أو مؤمناً يتنافس على هذا المنصب, والذي يفعل ذلك إما هو خفيف العقل وسفيه، وإما أنه لا يعبأ بالآخرة وحسابها.

ولا شك ان ذلك بسبب وسوسة الشيطان وحب الدنيا والنفس الامارة بالسوء التي تؤدي الى سوء العاقبة. وعلى كلا التقديرين فمثل هذا الشخص لا يستحق ان ينال الاحترام والتقدير, فضلاً عن التعظيم والتقديس.

ومن هنا كانت سيرة علمائنا الأعلام وفقهائنا الكرام هي الفرار عن هذا الحطام فرارهم من الاسد الضرغام، ولا يتصدون الى المرجعية إلا مجبرين بعد أن ينحصر التكليف الشرعي بهم، ويضغط عليهم من قبل الناس، ولا يرون وجود من به الكفاية للتصدي للذود عن حريم الدين وتعليم جهلة المسلمين وان يكون مفزعاً للصالحين وكهفاً للمؤمنين.

كل ذلك باعتبار ان التصدي للأمور الحسبية واجب كفائي اذا قام به من به الكفاية سقط عن الاخرين، واما اذا لم يكن من تصدى كافياً عدة وعدداً، وقوة ومنعة، وقدرة وعلماً، وجهادا ودفاعاً، كان من الواجب على من له قدرة على إدارة أمور البلاد والعباد، وافتاء الناس في أمور حياتهم وآخرتهم، أن يتصدى لسد الخلل، وإبعاد الزلل وتعليم الجاهل والحفاظ على بيضة الاسلام.

من المفترض ان يكون غرض العالم في علمه هو نشر العلم، وتربية طلاب العلم، وخدمة القرآن الكريم من خلال تفسيره وتعليمه، وخدمة الشريعة المقدسة، والدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والدفاع عن العقيدة، كما كان أسلافنا هشام بن الحكم، ومحمد بن مسلم، وزرارة بن أعين، وابن ابي عمير وغيرهم.

الان بحمد الله هناك العديد من المراجع الكبار المتصدين لهذا المنصب الخطير -الذي لا يحسدون عليه- سواء في النجف أو في قم أو مشهد وغيرها، فماذا نريد أكثر من هذا العدد، وماذا يفعل من يريد أن يتمرجع أكثر مما يفعله هؤلاء الأعلام، سواء على مستوى الافتاء أو على مستوى التصدي لقضايا المجتمع العامة, ولذا أرى أن أي شخص يطرح مرجعية جديدة إذا لم يكن لديه غير ما عند هؤلاء بمستوى يستحق ان يتصدى لأجله فانه مخطئ جداً، وتصرفه غير عقلائي جداً، ومثله لا يؤتمن على الدين ولا يصلح ان يكون مرجعاً للمؤمنين.

* هذا التمرجع ألا يأتي من عدم وجود علاقات بين الأستاذ والطلاب؟

نعم أحد أسبابه قد يكون ذلك، رغم عدم كونه سبباً رئيسياً، أو قد يكون بسبب وجود حاجز بين طبقة من المراجع وبين عموم الطلبة أيضاً، حيث يشعر الطالب بالغبن، ويشعر بالفراغ فيريد أن يسدّ هذا الفراغ بهذا الامر، وهو ردة فعل عن واقع مر ومزر جداً، وهو انعكاس سلبي بلا شك؛ لأنه حالة نفسية ناتجة عن عقدة الحقارة بسبب سوء الاجواء الحوزوية والأمور التي أشرنا اليها في طيات حديثنا ولكن السبب الرئيسي في نظري لظاهرة التمرجع هي حب الرئاسة، وحب الدنيا، والغرور والعجب.

طبعاً هذه الظاهرة ليست موجودة في النجف فقط، بل هي موجودة في قم أيضاً. وان كثيراً من المتمرجعين لا يقلدهم حتى أقرب الناس لهم. فهو يكتب رسالة لنفسه ولا تلقى اهتماماً من أحد. في نظري مثل هذا الشخص يصبح أضحوكة في المجتمع ومثار سخرية الصغير والكبير، ولقد رأينا عدة اشخاص من هذا القبيل.

إذن نحن في الواقع يجب علينا أن نعلّم الطلاب وأن ندرّسهم أن لا يفكروا بالتمرجع، وهذا من ضمن المنهج الذي نحن نتبعه مع طلابنا.

وان هناك أدواراً أخرى يمكن أن يقوم بها العالم غير المرجعية، أمثال ان يفتح درساً في تفسير القرآن، او يفتح درسا في علم الحديث، أو يفتح درساً في علم العقائد، أو يفتح درساً في العلوم الأخرى التي يحتاج إليها الإسلام. أو ان يذهب ويعلّم الناس في أماكن متعددة.

* في الختام أطلنا على سماحتكم فهل لديكم شيء أخير تودّون إضافته؟

نشكركم كثيراً على هذا اللقاء أولاً، وثانياً، نتمنى التعاون في ما بيننا لخدمة هذه المبادئ التي سمعتموها منا، وأعتقد أنها مبادئ لا يختلف اثنان على أنها مبادئ حقة، لا نريد بذلك إلا وجه الله وخدمة حوزة أمير المؤمنين وحوزة الإمام الصادق ‘، فيكون ذلك من خلال التعاون والمشورة الطيبة والنصيحة الصادقة أيضا، ونحن على استعداد كامل لأن نضع أيدينا بأيدي كل مخلص حريص على دينه وعلى مذهبه وحوزته، لا يريد سمعة ولا عجباً ولا تكبّرا ولا دنيا، وإنما يريد وجه الله تبارك وتعالى، خالصاً لله عز وجل “قل إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت وأنا أول المسلمين” ونحن من المسلمين إن شاء الله والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

*أشكركم سيدنا لقد استفدنا كثيراً من حديثكم الله يرعاكم ويوفقكم ويسدد خطاكم في هذا السبيل الشائك.

نعم، سبيل شائك، ونحن نعرف أن هذا طريق مليء بالعقبات ومليء بالحسّاد، ومليء بشياطين الجن والإنس، و لكن كل المصلحين واجهوا الكثير من السُذّج و السّفهاء وأتباع الشياطين، ومن الله تعالى نستمد العون، وبرعاية الامام صاحب الزمان # نستمر ولا نتوقف مهما واجهتنا ظروف صعبة، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}. اهلاً وسهلاً بكم وحياكم الله وبياكم.

 

حوزة النجف وتاريخها والتحديات التي تواجهها.. حوار مع آية الله الموسوي الجابري (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky