الاجتهاد: صنّف فقهاؤنا العظام الكثير في الفقه الاستدلالي، ولكلّ واحد من هذه الكتب سماته ومميّزاته، من متانة الاستدلال والجامعية وكثرة التفريعات ونقل الأقوال والإيجاز وغيرها. ويمتاز كتاب مستند الشيعة للمولى أحمد النراقي بالإضافة إلى ذلك بالدقة البليغة والأسلوب العميق، مع فرز جهات المسألة وجوانبها المختلفة وبيان تعارض الآراء وأسانيدها بالنقض أو الإبرام، كلّ ذلك ببضع أسطر أو صفحات.
وقد قال بعض الأعلام في مقدّمة الطبعة الحجرية من الكتاب ما نصّه :
لا يعادله كتاب في الجامعية والتمامية، لاشتماله على الأقوال، مع الإحاطة بأوجز مقال، من غير قيل وقال، وارتجاله في الاستدلال، وما به الإناطة بأخصر بيان ومثال، من دون خلل وإخلال، فلقد أجمل في الإيجاز والإعجاز، وفصّل في الإجمال حقّ الامتياز ، فهو بإجماله فصيل ، وفي تفصيله جميل ، سيّما في كتاب القضاء ، فقد اشتهر بين الفضلاء أنّه لم يكتب مثله.
ثمَّ إنّه لا يدع برهانا أو دليلا إلاّ واستقرأه واستقصاه إثباتا لمختاره ومدّعاه، غير غافل عن التعرض لما تمسّك به للأقوال الأخرى من الوجوه والأسانيد خائضا فيها خوض البحر المتلاطم ناقضا عليها بألوان الوجوه والحجج.
ولعل ما يكسب الكتاب قيمة ومكانة تفرّسه ـ رحمهالله ـ في سائر العلوم، كالفلك والرياضيات، وترى آثار هذه المقدرة الفذة بارزة في بحث القبلة وكتاب الفرائض والمواريث وغيرها من المباحث التي يشتمل عليها الكتاب.
والمشهور والمعروف عن مستند الشيعة أنّه اختصّ وامتاز بكثرة تفريعاته إلى غاية ما يمكن، وذلك بعد تحقّق أصل المسألة عنده وإثبات مشروعيتها، وعلى سبيل المثال لا الحصر تراه في مبحث: أنّ نصف الخمس لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من أهله عليهالسلام دون غيرهم ،
يذكر أولا اعتبار السيادة أو عدمها، ثمَّ يعرّف السادة ويبيّن أدلّة استحقاقهم الخمس، ثمَّ يتناول كيفية النسبة إلى بني هاشم. هذا ، مع أنّه يذكر لكلّ فقرة من فقرات البحث الأقوال المختلفة فيها مع ذكر أدلتها ثمَّ الإشكال والردّ على المخالف منها وتدعيم وتوجيه المختار.
وحكي عن الفقيه المتتبع آية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي صاحب الأثر الجليل كتاب العروة الوثقى أنّه كان يراجع كتاب المستند في تفريعاته الفقهية، ويأمر تلامذته بالاستخراج منها.
هذا ويستفاد من مطاوي الكتاب عدّة مبان للمؤلّف، فإنّا نشير إليه لا بنحو الاستقصاء، بل هي شوارد جالت للبصر وفي فترة كتابتنا للمقدّمة.
منها : انقلاب النسبة فيما كان التعارض بين أكثر من دليلين.
منها : أنّ الشهرة الفتوائيّة جابرة وكاسرة لسند الرواية.
منها : أنّ قاعدة التسامح تفيد الاستحباب وتجري حتى لفتوى الفقيه.
منها : أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ.
منها : أنّ الجملة الخبريّة لا تفيد الوجوب والتحريم.
منها : ذهابه إلى عدم اجتماع الأمر والنهي.
منها : أنّ مقتضى القاعدة في تعارض الخبرين بعد فقدان المرجّح هو التخيير لا التساقط.
منها : عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلّي.
رابط قراءة الكتاب من مكتبة مدرسة الفقاهة