خاص الاجتهاد: شهدت الجلسة العلمية العاشرة التي عُقدت ضمن برنامج “التأملات العلمية”، والتي تمحورت حول كتاب “تعارض الأدلة واختلاف الحديث” تقديم دراسةٍ بحثية موثّقة حول تقريرات ثلاث دورات من دروس البحث الخارج لسماحة آية الله السيستاني في أحد المباحث الأساسية والمحورية في علم الأصول.
وقد قام فضيلة حجة الإسلام والمسلمين السيد مسعود مرتضوي بتحليلٍ تطبيقي لهذه التقريرات، مُبيّنًا مسيرة التحول المنهجي والتطور المضموني الذي طرأ عليها. وقدم كذلك عرضًا وافيًا ومفصّلاً لآلية تأليف كتاب “المنهج في علم الأصول” وخلفياته العلمية الدقيقة.
وفقًا لموقع “الاجتهاد”، استضافت “مؤسسة الاجتهاد للبحوث والدراسات” الجلسة العاشرة من سلسلة “التأملات العلمية”، والتي خُصصت لمناقشة كتاب “تعارض الأدلة واختلاف الحديث” القيم، بحضور جمعٍ من الأساتذة والفضلاء من الحوزة العلمية في مشهد. وفي هذه الجلسة، قام محقق هذا الأثر الجليل فضيلة حجة الإسلام والمسلمين السيد مسعود مرتضوي، بتقديم عرضٍ مفصل وشامل حول الدورات التدريسية وتقريرات دروس بحث الخارج لسماحة المرجع الديني آية الله السيد السيستاني (دام ظله)، حيث قدّم معلومات وافية وذات فائدة كبيرة للحضور الكرام.
المكانة المحورية لمباحث تعارض الأدلة في علم الأصول
استهلّ السيد مرتضوي حديثه بالإشارة إلى المكانة المرموقة لمباحث “تعارض الأدلة” في علم الأصول، مؤكدًا أنَّ هذه المباحث تُعدُّ من أكثر المباحث الأصولية تطبيقيةً وتأثيرًا في حقل المعرفة الفقهية. وبيّن أن العديد من أعلام علم الأصول قد صنّفوا مؤلفات مستقلة في هذا المجال، كما نُشرت تقريراتٌ متعددةٌ لدروس العلماء حول هذا الموضوع.
وفي سياق متصل، أشار إلى العناية الخاصة التي أولاها آية الله السيستاني لهذا المبحث، موضحًا أنَّ سماحته قد قام خلال ما يقارب عشرين عامًا، بتدريس موضوع “تعارض الأدلة واختلاف الحديث” ثلاث مرات، وقد تضمنت كل دورة من هذه الدورات مستجدات علمية ومنهجية جديرة بالاهتمام.
شرح العنوان الدراسي “تعارض الأدلة واختلاف الحديث”
صرح السيد مرتضوي بأن آية الله السيستاني قد قدّم هذا المبحث بعنوانه الدقيق “تعارض الأدلة واختلاف الحديث”، وهو يتألف من جزأين متمايزين: “تعارض الأدلة” و”اختلاف الحديث”. وقد تم تنظيم الجزء الأول من هذا المبحث وفقًا للمنهجية المتبعة لدى كبار العلماء، بينما استند تنظيم الجزء الثاني إلى الأصول الروائية.
التعريف بتقارير الدورات الثلاث لمبحث “تعارض الأدلة واختلاف الحديث”
الدورة الأولى للتدريس: 1388 – 1389 هـ
بدأت الدورة الأولى لتدريس هذا المبحث عام 1388 هـ، واختُتمت في جمادى الأولى عام 1389 هـ. وقد كان لسماحة آية الله الشيخ مهدي مرواريد حضورٌ فعالٌ في هذه الدورة، وقام بـتقرير المباحث. شملت هذه التقارير مواضيع مثل: تعريف التعارض، الفرق بين التعارض والتزاحم، أسباب وتاريخ اختلاف الحديث، الجمع العرفي، الأخبار العلاجية، انقلاب النسبة، وغيرها.
بعد انتهاء هذه الدورة، اقترح آية الله السيستاني تنقيح وتدوين المباحث المدَرَّسَة بشكلٍ مُحكَم ومنقّح. وقد قام الأستاذ مرواريد بتنظيم التقريرات بدقةٍ عاليةٍ. هذه التقارير متاحةٌ حتى مبحث “نفي الثالث” واختلاف الأقوال فيه، ولكنها للأسف لم تُستكمَل بشكل كامل.
الدورة الثانية للتدريس: شوال 1397 – جمادى الأولى 1398 هـ
انطلقت الدورة الثانية لتدريس هذا الدرس من شهر شوال عام 1397 هـ، واستمرت حتى جمادى الأولى عام 1398 هـ. وقد حضر هذه الدورة نخبة من الفضلاء والأساتذة البارزين من الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مما دفع آية الله السيستاني إلى تدريس المباحث بدقةٍ وتوسعٍ أكبر. وقد تم تنظيم تقريرات هذه الدورة من قبل الأساتذة: الشيخ مهدي مرواريد، السيد مرتضى المهري، والسيد هاشم الهاشمي(ره).
تقريرات الأستاذ السيد هاشم الهاشمي (ره)
لقد قام الأستاذ السيد هاشم الهاشمي (ره) بنشر تقريرات هذه الدورة على مرحلتين:
المرحلة الأولى: صدرت تحت عنوان “اختلاف الحديث، من محاضرات آية الله السيد علي السيستاني”، بصورة مختصرة (196 صفحة) وتم نشرها إلكترونيًا. وقد شملت مباحث مثل: الفرق بين التعارض والتزاحم، الورود والحكومة، نفي الثالث، معرفة المشرِّع، الناسخ والمنسوخ، التفويض، الأحكام الولائية، وأسباب كتمان الحديث.
المرحلة الثانية: صدرت تحت عنوان “تعارض الأدلة واختلاف الحديث؛ تقرير مباحث آية الله العظمى السيستاني”، بصورة مفصلة في مجلدين (نُشرا عام 1441 هـ)، وتم نشرها أولاً إلكترونيًا ثم طُبعت.
النقطة المهمة في هذه التقريرات هي أنها لم تكن مجرد انعكاس للدورة الثانية فحسب، بل تضمنت أيضًا تطبيقًا ومقارنة بين الدورتين الثانية والثالثة. وقد صرّح المُقرِّر نفسه في المقدمة بقوله: وصلتني الدورة الجديدة للأستاذ التي طرح فيها دروس تعارض الأدلة، وكان سعيي هو المقارنة بين الدورة الثانية التي حضرتها والدورة الجديدة التي لم أحضرها.
تقريرات الأستاذ السيد مرتضى المهري
نُشرت تقريرات هذا الأستاذ الجليل على موقعه الخاص، ولكنها لم تُستكمل حتى الآن، وهي متاحة فقط حتى بداية مباحث “الأخبار العلاجية”.
تقريرات الأستاذ الشيخ مهدي مرواريد
صدرت تقريرات الأستاذ مرواريد تحت عنوان “المنهج في علم الأصول؛ تعارض الأدلة واختلاف الحديث”. وتغطي هذه التقريرات، التي تتعلق بالدورة الثانية للتدريس، جميع المباحث التي طُرحت في تلك الدورة.
نظرًا للمكانة العلمية للأستاذ مرواريد، والدقة العالية في التقرير، والجودة الممتازة لعرض المباحث من قبل آية الله السيستاني في تلك الدورة، بالإضافة إلى عدم اكتمال التقريرات الأخرى، فإن هذا الأثر يحظى بمكانة وأهمية خاصة.
الدورة الثالثة للتدريس: شعبان 1406 – ربيع الأول 1407 هـ
بدأت الدورة الثالثة والأخيرة لتدريس مباحث “تعارض الأدلة” في شعبان 1406 هـ وانتهت في ربيع الأول 1407 هـ. وقد تم تقرير هذه الدورة أيضًا من قبل مجموعة من الفضلاء.
وفي هذا اللقاء، أشار حجة الإسلام السيد مسعود مرتضوي إلى مراحل تحقيق هذا الأثر، بما في ذلك المقابلة، وتخريج المصادر، والطباعة، وتقويم النص، وفهرسته. ووصف العمل بأنه نتيجة لـجهد جماعي، منوهًا إلى الإشراف المباشر لسماحة آية الله الحاج الشيخ مهدي مرواريد على هذه العمليات. ووصف هذا التقرير بأنه من أوثق وأدق التقارير المطبوعة لدروس آية الله السيستاني.
في الجزء الثاني من الجلسة، وفي إجابته على أسئلة الحاضرين، تناول السيد مرتضوي نقاطًا حول تسمية كتاب “المنهج في علم الأصول”، وقسم “الفوائد والقواعد” في نهاية الكتاب، وحركة الأفكار العلمية والبحثية المستندة إلى تقريرات تعارض الأدلة. وسيتم نشر هذه التفاصيل بشكل موسع لاحقًا.
يفيد موقع “الاجتهاد” بأنَّ “مؤسسة الاجتهاد للبحوث والدراسات” قد بادرت مؤخرًا إلى نشر التقريرات العلمية والدروس الأصولية لسماحة آية الله السيستاني، بقلم الأستاذ الجليل آية الله الحاج الشيخ مهدي مرواريد (أحد أبرز تلامذته).
تصدر هذه التقريرات القيمة ضمن موسوعة بعنوان “المنهج في علم الأصول”، ويُعدُّ المجلد الأول من هذه المجموعة كتاب “تعارض الأدلة واختلاف الحديث”. وقد نُظّم هذا الأثر في مجلدين، يبلغ مجموع صفحاتهما 750 صفحة.
يُعدّ الكتاب المذكور انعكاسًا لسلسلة دروس الدورة الثانية من مباحث “التعادل والتراجيح” لسماحة آية الله السيستاني، وقد تم تحقيقُه وتنظيمُه بـدقةٍ وإحكامٍ علميٍ من قبل حجة الإسلام السيد مسعود مرتضوي، وصدر بجهود انتشارات “دار الكتاب الحكيم”.
أهمية تقرير مباحث “تعارض الأدلة واختلاف الحديث”
تجدر الإشارة إلى أن تقرير مباحث “تعارض الأدلة واختلاف الحديث” لا يعكس فقط الدقة العلمية والمنهجية الاجتهادية لآية الله السيستاني في تحليل أحد أهم المباحث الأساسية في علم الأصول، بل يمثل أيضًا تطورًا في الفهم الأصولي للأدلة المتعارضة والأحاديث المختلفة.
إن نشر هذه المباحث في كتاب “المنهج في علم الأصول” يُعد خطوة مهمة نحو توثيق وتنظيم والاستفادة البحثية من الكنز العلمي لحوزة النجف الأشرف؛ هذا الكنز الذي يمكن أن يكون مصدر إلهام لجيل جديد من الباحثين في علم الأصول.