خاص الاجتهاد: شهدت قاعة الأشتر في المركز الحسيني للدراسات بلندن صباح الجمعة العاشر من آب أغسطس 2018م ندوة عامة حضرتها شخصيات علمية وأكاديمية ودينية وسياسية واجتماعية من جنسيات مختلفة، تناول فيها الدكتور صاحب الحكيم سفير السلام العالمي الطرق السليمة لإدارة الدولة ونشر ثقافة حقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم على ضوء بنود عهد الإمام علي(ع) إلى واليه على مصر مالك الأشتر النخعي، كما أقرتها الأمم المتحدة في تقريرها السنوي الصادر عام 2002م عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (United Nations Development Programme) (UNDP).
في مستهل الندوة قدّم الباحث في دائرة المعارف الحسينية الدكتور نضير الخزرجي تعريفًا عامّا بعهد الإمام علي(ع) في مجال الإدارة والحكم، وحاجة الأمة إلى تطبيق بنوده وهي تواجه محبطات الفقر والجهل وتسلط حكومات ظالمة، وأهمية ما جاء في العهد المتطابق مع وحي السماء والمنسجم مع الفطرة الإنسانية، مما جعل المنظمة الدولية في تقرير السنوي لعام 2002م الموجه الى الدول العربية تدخله في تقريرها كوثيقة تاريخية فاعلة داعية الحكومات العربية وغيرها إلى العمل به لضمان إزدهار البلاد وإزالة عوامل الجهل والتخلف والفقر.
الدكتور صاحب الحكيم سفير السلام العالمي ورئيس منظمة حقوق الإنسان في العراق، تحدث بالتفصيل عن تقرير الأمم المتحدة السنوي لعام 2002م الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم، حيث دعا التقرير الأممي الدول العربية إلى اتخاذ الإمام علي بن أبي طالب (ع) مثالاً لتشجيع المعرفة وتأسيس الدولة على مبادئ العدالة، وقد احتوى التقرير الصادر في 169 صفحة على ست نقاط رئيسة أوصى بها الإمام علي (ع) مثلت العدالة والمعرفة وحقوق الإنسان.
وأضاف الحكيم: اشتمل التقرير الدولي على التعاليم التي قدمها الإمام علي(ع) في عهده إلى مالك الأشتر والداعية إلى ضرورة المشورة بين الحاكم والمحكوم ومحاربة الفساد الإداري والمالي والمسائل السيئة الأخرى، وأن تمنح العدالة لجميع الناس وتحقيق الإصلاحات الداخلية، واقتبس التقرير الدولي مقتطفات العهد الخاصة برئيس الدولة: “مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ”.
وفيما يخص الضرائب واستصلاح الأراضي وضرورة التنمية ومحاربة الفقر نقل التقرير الدولي جانباً من خطب الإمام: “وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد”.
وأما عن التعليم فقد ضمّن التقرير وصية الإمام علي(ع) إلى ممثله في مصر: “وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به للناس قلبك”.
وجاء في التقرير أيضاً عن ضرورة قول الحق وعدم السكوت عن الباطل: “ولا خير في الصمت عن الحكم كما انه لا خير في القول بالجهل”.
وأما عن الصالحين وتواضع الحكام والنهي عن الإسراف في صرف الموارد وضرورة تبيان الحقائق للشعب، أضاف الدكتور الحكيم أن التقرير الدولي ذكر وصية الإمام (ع) التي قال فيها: “المتقون فيها من أهل الفضائل. منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير”.
وأهم ما جاء في تقرير الأمم المتحدة كما يؤكد سفير السلام العالمي هو كيفية تعيين الحكام والمحافظين والمدراء في الدولة وكيفية أن يكونوا عدولاً مع الشعب بل وتحمل المعارضة السياسية فيذكر التقرير الدولي إرشادات الإمام (ع) لرئيس الدولة: ” ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَلَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَلَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَلَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَلَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَلَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَلَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَأُولَئِكَ قَلِيلٌ”.
وفي ختام عرضه للتقرير الدولي أشار الحكيم إلى إن التقرير قد وجه انتقاداً إلى الدول العربية وفيه: (إنَّ الدول العربية ما تزال بعيدة عن عالم الديمقراطية ومنح تمثيل السكان، وعدم مشاركة المرأة في شؤون الحياة، وبعيدة عن التطور وأساليب المعرفة..)، وحثها على الاستفادة من وصايا القائد الإسلامي الإمام علي (ع) في إدارة وتطوير أركان الدولة.
وقبل ختام الأصبوحة الثقافية أجاب المتحدث على أسئلة الحاضرين، كما تداخل في النقاش عدد من الباحثين والأكاديميين والجامعيين، وفي نهايتها ثمَّن الدكتور صاحب الحكيم الجهود المعرفية والعلمية التي يبذلها منذ عشرات السنين المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي والتي توّجها بدائرة المعارف الحسينية في أكثر من تسعمائة مجلد في النهضة الحسينية صدر منها حتى الآن مائة وإثنا عشر مجلدا ناهيك عن أكثر من ألف مصنف في علوم مختلفة، مؤكدًا على أهمية هذا الصرح المعرفي المقام في لندن منذ عام 1987م وهو يستقبل باستمرار الباحثين والمحققين والأدباء والفقهاء وهم يستسقون من معين المعرفة وفكر المؤلف والمكتبة الكبيرة التي يضمها المركز الحسيني للدراسات الذي تصدر عنه مؤلفات المحقق الكرباسي.
هذا وأهدى الدكتور الحكيم لراعي الموسوعة الحسينية الفقيه آية الله الكرباسي لوحة تمثل النص الإنكليزي وترجمته العربية لوصايا الإمام علي(ع) في إدارة شؤون الدولة كما تضمنها تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2002م.
وكان الفقيه الكرباسي قد أشار في كلمة قصيرة إلى أهمية العمل بما جاء في عهد الإمام علي (ع) إلى مالك الأشتر باعتبار أن العهد هو دستور عمل وخارطة طريق لكل من يريد أن يؤسس لحكومة عادلة، لا سيما وقد تكالبت علينا في زماننا هذا القوى الساعية إلى تمزيق الأمة والبلاد العربية والإسلامية مستفيدة من التقاطع الحاصل بين الحكومات والشعوب بسبب سوء الإدارة.
على صعيد آخر ذي صلة بالعلم والمعرفة قامت جامعة آل البيت العالمية ومركزها مدينة قم المقدسة في إيران عبر مندوبها الزائر إلى المملكة المتحدة الدكتور عبد الغني مسباح وبحضور جمع من الباحثين والجامعيين والأدباء والشعراء بتكريم الفقيه المحقق الكرباسي بنسخة من القرآن الكريم من طباعة الجامعة عرفانا بجهوده المعرفية والفقهية حيث فتح أبواب الموسوعة الحسينية للباحثين والدارسين من أساتذة وطلبة جامعيين، وقد جرى الحفل في قاعة الأشتر بالمركز الحسيني للدراسات بلندن يوم الجمعة السابع والعشرين من تموز يوليو 2018م، كما تم في هذا الحفل تكريم عميد الدراسات العليا في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية الدكتور إبراهيم العاتي بدرع الإبداع العلمي والمعرفي.