من يدرس السيد السيستاني فكراً وسلوكاً سوف يجده فقيه يقدم قراءة تحمل الكثير من العقلانية للنص الديني بحيث ينقل السيد السيستاني النص الديني من نص خارج التاريخ كما تقدمه التيارات السلفية المتطرفة الى نص قابل للحياة يساهم في تقديم اجابات للمشاكل والتحديات المعاصرة التي تواجهه الانسان اليوم
الاجتهاد: من يقراء التاريخ الفكري والفلسفي الاسلامي سوف تبرز امامه احدى اهم الاشكاليات الكبرى التي لم تحسم الى اليوم وهي حدود الفعل العقلي في النص الديني، حيث دخل العلماء في جدل فكري كبير ونقسموا الى مشارب عدة،
حيث ذهب البعض منهم الى اخضع العقل للنص الديني في مقابل اخرين جعلوا العقل موازيا للنص في حين عمل طرف ثالث على ايجاد معالجة توافقية بين الاثني.
ولاسباب سياسية وفكرية ومصلحية انتهى هذا جدل لصالح المدرسة الاولى التي رفضت اي دور للعقل تجاه النص الديني مما وفر اطر ابستيمولوجية تخضع بصورة نهائية العقل لصالح النص الديني غير المعقلن لنكون امام فضاء فكري يغيب فيه دور العقل في النص الديني مما وفر بيئة ملائمة للفكر المتطرف الذي يقدم قراءة غير عقلانية للنص الديني الا بل قراءة متطرفة واقصائية للاخر المختل.
في مقابل هذا الصوت المتطرف السائد اليوم برز السيد السيستاني وريث مدرسة أهل البيت والاتجاه العقلاني في النجف الاشرف ،حيث من يدرس السيد السيستاني فكراً وسلوكاً سوف يجده فقيه يقدم قراءة تحمل الكثير من العقلانية للنص الديني بحيث ينقل السيد السيستاني النص الديني من نص خارج التاريخ كما تقدمه التيارات السلفية المتطرفة الى نص قابل للحياة يساهم في تقديم اجابات للمشاكل والتحديات المعاصرة التي تواجهه الانسان اليوم،
والسيد بذلك مثلما لايخضع العقل للنص وفي ذات الوقت لايخضع النص للعقل وانما يجعل النص والعقل وحدة متكاملة تقوم على اساس تفاعلي بين الاثنين فلا يبتعد العقل على النص ولايبتعد النص على العقل ، وبذلك يعيش الاثنان علاقة تكاملية -تفاعلية تساهم في احداث توازن في الفهم العقلي للنص من جهة ومن جهة اخرى تساهم بان يكون النص حاضراً الى جانب العقل ، وبالتالي تنعكس هذه العلاقة التكاملية -التفاعلية بين النص والعقل اجتماعياً لتتحول الى سلوك متوازن وفاعل ومؤثر في الحياة بعيد عن اي صورة من صور التطرف العنيف او الانغلاق بعيداً في الماضي الساكن غير القادر على تقديم اجابات تتوفق مع حاضر الانسان ومستقبله،
وبذلك يكون النص الديني قوة روحية ايجابية في الحياة وتكون الحياة بكل تجلياتها متفاعلة مع النص الديني ومتكاملة معه.وعند البحث في صورة من صور العقلانية الروحية عند السيد السيستاني تبرز اشكالية الدولة وعلاقتها بالدين ،هل تنفصل عنه ام تخضع له ،
هنا تقدم السيستانية اجابتها في تحديد طبيعة تلك العلاقة من خلال المنهج التفاعلي –التكاملي . فالسيستانية تعمل على تعزيز مدنية الدولة وعدم خضوعها الى الادلجة الدينية التي يعبر عنها الاسلام السياسي فهي تعمل على جعل الدين طاقة روحية تساهم في دعم مدنية الدولة لتكون فضاء للتواصل بين مختلف مكونات الدولة الثقافية والدينية والمذهبية وبذلك تتحرر الدولة من هيمنة قراءة دينية او مذهبية معينة وفي ذات الوقت يتحرر الدين من ان يكون سردية لشرعنة السلوك الاقصائي لدولة الدين او الطائفة او المذهب لتصبح الدولة من خلال مدنيتها فضاء تفاعلي –تكاملي بين الجميع وليس فضاء اقصائي –تمايزي بينهم.
المصدر: كتابات