الاجتهاد: تجيب الدراسة على الأسئلة الآتية: ما هي حقيقة الضرر، والضرر المعنوي؟ وكيف صانت الشريعة الإسلامية جانب الضرر المعنوي؟ وهل ما يصيب الإنسان في شرفه وعاطفته وعرضه من فعل مشين أو قول مهين يعد هدراً في الشريعة الإسلامية؟
إن المسائل الرمزية المعنوية هي من أعمق ما يجول في خاطر النفس البشرية، يفوق أهميةً وأثراً على العوامل المادية التي تظهر على السطح فيطغى بريقها أحياناً، إلى أن ينكشف زيفُها أو تفاهتها، أو تُستحضر أبعاد مادية من أجل تدعيمٍ إضافيٍ لأصلٍ فحسب. وعلى صعيد الحياة الخاصّة والصداقات وتربية الأولاد ومعاملة النساء، تتصدّر الأبعاد المعنوية.
وكذا في الحياة العامة نرى أهمية الرموز الجماعية ومقام أهل العلم ومنزلة قادة المجتمع، بحيث لو تمّ الاعتداء عليها لأحدث ذلك غضبة عامّة رغم غياب الأذيّة المادية المباشرة. وفي كل ذلك لا يستقيم إلا وأن تهتمّ الشريعة الغرّاء بهذه الأمور.
غير إنه لا بدّ من التنبيه إلى أن البحث يستحضر صورة اجتماعٍ مسلمٍ تحضُر فيه المؤسسات الفطرية كالأسرة والجيرة والعشيرة، بحيث يتمّ السعي إلى الصلح وتبعُد الحاجة إلى الإحالة للقضاء. وحتى القضاء يومها كان حميم الاتصال بحياة الناس، من ناحية مكانة القاضي وكونه عالِماً من لُحمة المجتمع، ومن ناحية الاحتفاء بالأعراف ومعالجة الأمور بالتراضي ما أمكن.
ولقد لزم هذا التنبيه من أجل أن نُبعد صورة القانون في دولة الحداثة، حيث أصبح بمثابة سلاحٍ للمبارزة، وأهمل الأعراف وربما زهد بالقيم والضوابط الأخلاقية، معتمِداً على طريقة تفكيرٍ ميكانيكية، ففسح المجال للتلاعب بالإجرائيات وَفق منطق حيتان يوم السبت. ولعلّ أوضح صورةٍ للوضع البائس لممارسات الثقافة الغربية اللبرالية يظهر في مسائل حضانة الأطفال، حيث يتأذّون بذات عملية الانفصال القانونية علاوة على تأذّيهم النفسي بذهاب العشّ الأول.
ومثله مسائل الطلاق والخلاف الزوجي وتحويله إلى حلبة ملاكمة قانونية. ويلتقي هنا العَمَه النظري مع التحكّم الأداتي، فطفت مفاهيم لا تستقيم عقلاً ولا شرعاً، وإسقاط فكرة مسؤولية إعالة الزوج، ومن جهة الأدوات يجري تسييس القانون ومحاولة حيازته على الفضاء الخاص. وإن أهل النهى من هذه الثقافات نفسها أصبحوا يوصون بالابتعاد عن المحاكم في هاتين المسألتين بخاصة.
وبالمناسبة ندرك أن بعض القوانين في مسائل الأسرة التي تعتمدها المحاكم في المجتمعات المعاصرة للمسلمين تعتمد فتاوى مرجوحة أو قيلت لوضع مختلف عن أحوال هذا الزمان.
عودة إلى صورة المجتمع المسلم المِثال الذي تخاطبه الشريعة، فإنها تعتمد ما ذكرناه من الأدوات الوسيطة البعيدة قدر الإمكان عن القهر المؤسسي. ولكن حين يصل الأمر إلى القضاء، لا بدّ من تنزيل الأحكام ومراعاة الحال، وقد يرافق محاولة الإنصاف تعويضٌ مادّي أو قد لا يرافقه، حيث لا يمكن أصلاً اختزال معالجة المعنوي بما دونه من المادي. ومن هنا يأتي موضوع البحث أدناه من أجل بيان شمول الشريعة وفي أن الفقهاء والعلماء لاحظوا البُعد المعنوي وأولَوه أهميةً واعتباراً.
مشكلة الدراسة:
تجيب الدراسة على الأسئلة الآتية:
ما هي حقيقة الضرر، والضرر المعنوي؟
وكيف صانت الشريعة الإسلامية جانب الضرر المعنوي؟
وهل ما يصيب الإنسان في شرفه وعاطفته وعرضه من فعل مشين أو قول مهين يعد هدراً في الشريعة الإسلامية؟
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة: في أن موضوع الضرر الأدبي من المواضيع التي لها أهميتها في الوقت الحاضر وكل الأوقات خاصة وأنها تمس حياة الناس، وتشغل بالهم، لما فيه من مراعاة لمشاعر الإنسان وأحاسيسه واعتباره وعواطفه وكرامته. ناهيك عن حفظ حقوقه المادية.
والشريعة الإسلامية حرّمت كثيراً من التصرفات والأفعال والأقوال التي تلحق الضرر الأدبي بالإنسان، كالقذف والغيبة والسخرية والسب والشتم والتنابز بالألقاب في كتاب الله العزيز أو في سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لما تحدثه هذه التصرفات من أثر بالـغ في نفس الإنسان.
الدراسات السابقة:
تناول بعض الفقهاء المعاصرين موضوع الضرر الأدبي في كتبهم وإن كانوا لم يفردوه بكتاب مستقل ومن هذه الدراسات:
1. محمد فوزي فيض الله، نظرية الضمان في الفقه الإسلامي العام، مكتبة التراث، الطبعة الأولى، الكويت.
2. علي الخفيف، الضمان في الفقه الإسلامي، معهد البحوث والدراسات العربية، بدون طبعة.
3. وهبة الزحيلي نظرية الضمان ط. دار الفكر، دمشق سوريا، الطبعة 2 (1418ﻫ -1998م).
منهجية الدراسة:
تعالج هذه الدراسة التأصيل الشرعي لمبدأ المؤاخذة عن الضرر الأدبي، لذا فإن اعتمدت منهج:
منهج الإستقراء: عنيت بتحرير واستقراء النصوص الشرعية والأقوال الفقهية من الكتب والمؤلفات المختلفة من غير التقيد بمذهب أو مشرب معين من تلك الكتب. مع الإعتماد على منهج المقارنة بين الحين والحين متى اقتضى الأمر ذلك، لأن الأمور لا تتميز إلا بأضدادها، ولما في المقارنة من بعد عن التعصب وإثراء للفكر.
تعريف الضرر المعنوي:
تعددت تعريفات العلماء للضرر المعنوي، وتنوعت حدودهم، غير أنها في مجملها لم تتجاوز حدود إلحاق الأذى والمفاسد في الأعراض والكرامات والشرف والسمعة.
فمما ذكر من تلك التعريفات والحدود:
تعريف محمد فوزي فيض الله للضرر المعنوي بأنه:” إلحاق مفسدة في شخص الآخرين لا في أموالهم، وإنما يمس كرامتهم أو يؤذي شعورهم، أو يخدش شرفهم أو يتهمهم في دينهم أو يسيء إلى سمعتهم أو نحو ذلك من الأضرار التي يطلق عليها اليوم اسم الضرر الأدبي”.
ومثله قول صاحب المعاملات المالية المعاصرة دبيان بن محمد:” الضرر الأدبي والمعنوي كالضرر الذي يلحق الإنسان بسبب الإعتداء على حريته، أو في عرضه، أو في سمعته، أو في مركزه الإجتماعي، أو اعتباره المالي”.
فالضرر الأدبي المعنوي ليس محله أموال المضرور أو جسده، وإنما يصيب مصلحة غير مالية ولا مادية محسوسة كالحرية والعرض والشرف.
وما ينبغي الإستهانة به بدعوى أنه معنوي فحسب، فليس من السهولة تجاهل هذه الأضرار، بل قد يكون وقعها أعظم وأشد من الضرر المادي، خاصة وأن المادي قابل للتعويض والبدل، أما المعنوي فلا يمكن تعويضه بحال. وكل محاولات ترميم الإنكسار وجبر الخواطر لا تعدو أن تكون من قبيل قول ابن الرومي مواسيا نفسه بعد فقد فلذة كبده: بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي // فجودا فقد أودى نظيركما عندي
ولذلك كان لهذا النوع من الضرر اعتبار شرعي، ومنزلة في الشريعة. ولا أدل على ذلك ما أعده الله تعالى لمن سعى في إلحاق الأذى بالناس واتهامهم وخدش أعراضهم قال سبحانه:” إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المومنات لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم”.
يقول الدكتور أحمد الزرقا:” تقرير لمبدأ مهم وهو أن الضرر الأدبي بالمقياس الشرعي والاجتماعي له اعتباره المتميز في نظر الشريعة الإسلامية، وأنه قد يكون بحسب نوعيته أشد وأعظم في الميزان الشرعي من الأضرار المادية الكبرى.
فإذا ارتكبه إنسان عدوانا وافتراء استحق القمع في الدنيا، والعذاب في الآخرة، حتى قد يصبح من الملعونين في الدارين”. فكل ضرر مهما كان نوعه يتنافى وتكريم الإسلام للجنس البشري، ومن التكريم صيانة الأعراض وحفظ المكانة.
الاطلاع على البحث كاملاً من هنا
الباحث المغربي يوسف العزوزي
تخصص: أصول الفقه والمقاصد
الماجستير في الدراسات الإسلامية
السنة الثالثة بسلك الدكتوراة بكلية الشريعة بفاس/المغرب