الاجتهاد: في يوم 4 شهر رجب سنة 1442هـ جمعني التوفيق مع جناب الفاضل الشيخ سلطان الفاضل الأفغانيّ(*) في قسم المعارف في العتبة العبّاسيّة، وهو من تلاميذ آية الله الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر لتسع سنوات، وتحدّث مسترسلاً عن دراسته في النجف الأشرف وقت نشوئه في مجلس خاصّ، ولم أنشرها بسبب ما فيها من أشياء خاصّة تأدّباً، فدوّنت للتاريخ ما يتعلّق بمرجع الطائفة السيّد السيستاني (دام ظلّه)،
علماً أنّي عرضتها عليه لطلب رضاه فوافق ووعد أن يغيّر بعضها، فانتظرت طويلاً إلى هذا اليوم ولا من إجابة رغم لقائي به ورجائي منه، فرأيت أن أحذف ما يتعلّق به شخصياً وأنشر ما يتعلّق بغيره، علماً أنّه هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1388هـ، وهاجر من العراق إلى سوريا سنة 1399هـ في الليلة التي ترأس فيها صدام على العراق، وهذا ماذكره:
: السيّد الصدر والسيّد السيستانيّ:
كان السيّد محمّد باقر الصدر يمدح السيّد السيستانيّ كثيراً، وقد سمعت ذلك منه مراراً، ففي يوم من الأيّام سألت السيّد السيستانيّ أسئلة كثيرة، فسألني عند من قرأت؟ فقلت: عند السيّد الصدر. فقال: نعم الأستاذ ونعم التلميذ.
فنقلت كلامه هذا للسيّد الصدر، فأعطاني خمسة دنانير هدية منه، ومدح السيّد السيستاني كثيراً، وقال هو أفضل من السيّد محمّد الروحانيّ، مع أنّ السيّد الروحانيّ كان دائماً يقول: إنّ السيّد الصدر قرأ عندي.
وكان السيّد الصدر لا يتسم بالعنصريّة، وكذلك السيد السيستاني، فهو بعيد عنها أبداً، حتى يخيّل للإنسان أنّه ليس إيرانيّاً، ومن ذاك الوقت هو معروف بذلك، وقال هو بنفسه عندما كان مدرساً عظيماً وقبل مرجعيته بكثير: أنا أعارض قضية العنصريّة.
وكنت التقي بالسيّد السيستانيّ في طريق زيارة الحرم، وكان ولده السيّد محمّد رضا يصاحبه صغيراً، وكنت أسأله كثيراً، ولـمّا رجعت من سوريا إلى العراق ذهبت لزيارة السيّد السيستانيّ، فرأيت أنّ كلّ هذه الذكريات عالقة في ذهنه، ومن جملتها نظرية التعويض في الأسانيد، فطلاب السيّد محمّد باقر الصدر يرون أنّ هذه النظرية هي من مبتكرات أستاذهم الصدر، فسألت السيّد في الطريق عن ذلك، فتبسم في وجهي قليلاً، وقال راجع كتاب المير داماد الرواشح السماويّة.
ابتلى السيّد الصدر بالمرجعيّة والرسالة العمليّة والتعارض، بينما لم ينشغل السيّد السيستانيّ بأمثال ذلك إلى حين تسنمه المرجعية، وبحسب نظري وعقيدتي أنّ السيّد السيستانيّ في الدراية والرجال أقوى من السيّد الخوئيّ والسيّد الصدر، وهو أفضل علماء النجف بالرجال في ذاك الوقت؛ لأنّه تلمّذ عند السيّد حسين البروجردي لأكثر من سنتين، فقد حضر عنده كما حضر الشيخ المنتظريّ، وابتلي الأخير بالثورة ومجرياتها، وأمّا السيّد السيستانيّ فبعد قدومه للنجف الأشرف انزوى لطلب العلم والدرس والتدريس، وقرأ عند السيّد الخوئي والشيخ حسين الحليّ.
السيد السيستاني دام ظلّه:
كانت له نظريات جديدة في الفقه، وكان دائم التفكر والتأمّل في المطالب العلميّة، وهو ذكيٌّ جدّاً، ولسانه وتدريسه في ذاك الوقت كان باللغة الفارسيّة، وكان أكثر الطلبة الخراسانيين يدرسون عنده، وكان درسه قائماً في بيته، وكان مستغنياً قبل خمسين سنة حين ورودي للنجف الأشرف عن الدرس، ودرسه في بيته بالبراق، ولم يدرّس بعيداً عن بيته؛ حتى لا يفوته الوقت في الذهاب والإياب.
ورأيت احترامه لأستاذه السيّد الخوئيّ وكان يذهب إليه، ورأيته ليلة عند السيّد الخمينيّ، وكان عند زيارته له صاحب وقار، ولهيبته عند رؤيتي لهما قلت في نفسي: إنّهما قد تساويا في الوقار الزائر والمزور.
وكان لا يبحث عن الشهرة، ولا يسأل أيّ أحد عن تقليده، وكان ورعاً تقيّاً، وهو في المرجعيّة مثل الشيخ الأنصاريّ والمجدّد الشيرازيّ، فالمرجعية مشت إليهم، ولم يمش هو إليها، فقد طلب منه السيّد الخوئيّ أن يقبل المرجعيّة، ولم يطلبها هو بنفسه.
تدوين أحمد علي مجيد الحليّ النجفيّ.
*سماحة الشيخ سلطان فاضل الافغاني (دامت تأييداته) استاذ البحث الخارج في حوزات السيدة زينب (عليها السلام) في سوريا لمدة عشرين سنة ومعتمد المرجعيات الدينية هناك، من خريجي مدرسة النجف الاشرف حيث حضر بحث أستاذ الفقهاء السيد الخوئي “ره” منذ عام 1967 (تقريبا) وكذلك آية الله الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر لتسع سنوات ولازمَ بحث الشهيد الصدر الاول (قدس سره) وقرّر ابحاثه حتى هاجر من العراق عام 1979 بسبب مطاردة النظام البعثي المقبور لتلامذة السيد الشهيد الصدر الحاملين لفكره واستقر في سوريا حتى هُجّر بسبب الاحداث الاخيرة وعاد الى العراق واستقر في كربلاء المقدسة حيث يواصل بحثه الخارج.