الإمام الصادق

الإمام الصادق (ع) وجهوده في منح الشيعة هوية مستقلة

 
الاجتهاد: خلال ندوة “الإمام الصادق (ع) ودوره في مواجهة التحديات في عصره”: جهود الإمام الصادق (ع) لمنح الشيعة هوية مستقلة/الإمام الصادق (ع) بتربية شخصيات علمية وأخلاقية حافظ على كيان الشيعة وتراثها.

أقيمت ندوة “الإمام الصادق (ع) ودوره في مواجهة التحديات في عصره” بمشارکة أساتذة جامعیین وعلماء من الحوزة العلمیة في وکالة “ابنا” التابعة للمجمع العالمي لأهل البیت(ع).

بمناسبة اقتراب أیام استشهاد الإمام الصادق(ع) عقدت وکالة “ابنا” التابعة للمجمع العالمي لأهل البیت(ع) ندوة بحضور اثنین من الباحثين الإسلاميين وخبيرين في تاريخ الإسلام الأستاذ الدکتور “أحمد ناظم” وأيضا الخبير في الفلسفة حجة الإسلام الدكتور “الشيخ أمين جامعي” في تحت عنوان “الإمام الصادق (ع) ودوره في مواجهة التحديات في عصره”.

ومن جانبه تحدث الاستاذ الدكتور “أحمد ناظم” حول دور الإمام الصادق (ع) مواجهة التحديات في زمن، في محاور التالية:

نظرة عابرة على خصائص الشيعة وسماتها

قبل الحديث عن موضوع جهوده وطاقاته،هناك مقدمة موجزة ترتبط بموضوع البحث، فبحسب ما ورد في علم الادارة وبالتحديد الادارة الاستراتيجية، إنّ كل فرد أو كل نظام أو كل مؤسسة في مسار نشاطها وفعالياتها قد تواجه مجموعتين من العوامل؛ العوامل التي تؤثر على مصيرها وحركتها وهما العوامل الداخلية والعوامل الخارجية.

اهم العوامل الداخلية تنقسم الى نقاط القوة ونقاط الضعف يعني ان الشيعة كسائر الانظمة والمؤسسات كانت لها نقاط قوة. نعم، ربما في بعض الحالات تتغلب نقاط القوة، وفي حالات أخرى تتغلب نقاط الضعف، مثلا: من نقاط ضعف الشيعة في صدر الاسلام انها كانت في المجتمع الاسلامي عددهم قليل القلة وهذه تسبب الضعف والفشل احيانا بشكل من الأشكال.

ومن نقاط قوة الشيعة يمكننا ان نذكر ان قاده هذا النظام هم معدن العلم وهم ائمة الشيعة. والمعدن العلم سواء كان هذا العلم موهوبا من الله أو ماخوذا من النبي (ص) حسب اختلاف المبادئ الكلام وكذلك لهم الفخار في انهم ينحدرون من اصول طاهرة من ذريه رسول الله صلى الله عليه هذه العوامل الداخلية. وأهم العوامل الخارجيه فهي ايضا تنقسم الى قسمين: الاولى العوامل التي تهدد كيان الشيعة وبقائها وتقدمها والمثال على ذلك قضاء الأمويين للشيعة والقتل والتشريد والتعذيب وتنجي فكان هذا تحديدا خارجيا على الشيعة.

القسم الثاني من العوامل الخارجية هي العوامل التي تعد فرصة للتقدم والتطور وابرز مثال على ذلك هي الفرص اتيحت وتوفرت في فترة ما بين سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية حيث انشغل الأمويون بمواجهة خصومهم، وغفلوا عن مراقبة الإمام الصادق عليه السلام فاستغل الإمام هذه الفرصه لتنمية الشيعة باعتبارها النظام الفكري لو سمعته الخاص، وبناء على هذا يمكن ان نقول ان المدير الناجح أو القائد الناجح والذي يعرف، ويفهم هذه العوامل جيدا.

وفي المرحله التاليه يعتمد على نقاط القوه ويستغل الفرص والقضاء على التحديث هذه هي السماعات المدير من رؤية الادارة الاستراتيجية. بعد هذه المقدمة القصيرة يعني اشير بشكل عابر الى بعض التحديات التي واجهتها الشيعة في عهد الإمام الصادق عليه السلام وكذلك الاستراتيجيات التي اتخذها الإمام لمعالجة هذه المشاكل والتحديات. احدى هذه التحديات هي تعميم مفهوم الشيعة للتيارات والحركات غير الشيعة بمعنى انه بعد واقعه عاشوراء توسع النطاق واظهار مفهوم الشيعة بحيث كان هذا المفهوم يشمل الحركات والتيارات التي لا تتوافق فكريا وسياسيا مع الشيعة باعتبارها نظام سياسي وفكري خاص وبعبارة أخرى اصبح هناك وجوه مشتركة بين الجماعات الشيعية وغيرها واصبحت الشيعة تعرف بهذه الوجوه.

جهود الإمام الصادق (ع) لمنح الشيعة هوية مستقلة

ذكر المؤرخون ثلاثه قواسم مشتركة لهذا المفهوم العام المفهوم الشيعة اولا المحبة لاهل البيت عليهم السلام، ثانيا العداء لبني أمية، وثالثا المطالبة بالثار للامام الحسين (ع) واصحابة الذين استشهدوا في واقعه عاشوراء. إذن فكل ما يحب اهل البيت ويطالب بثائر الإمام الحسين يدخل في نطاق الشيعة بالمعنى العام. وفي الحقيقة هذا التعميم كان يعتبر تهديدا على الشيعة من جهتين: اولا كل ما تقوم به هذه الجماعات غير الشيعية ستحسب باسم الشيعة وباسم الأئمة عليهم السلام بدون ان يكونوا مؤيدين، كما ان العديد من الثورات قامت باسم الشيعة بدون ان يكون بدعم وتاييد من الأئمة عليهم السلام، ثانيا من هو الخطر.

الاهم هو الضربان الشيعة تدريجيا في هذه التيارات غير الشيعية بدون ان تتمتع بهوية مميزة تفصلها عن سائر المدارس والحركات الفكرية والسياسية في مواجهة هذا الخطر، وهذا التهديد سعى الإمام الصادق عليه السلام من خلال الاعتماد على المنهج المعرفي سعى الى منح وإضفاء هوية مستقلة ومتميز للشيعة باعتبارها نظام فكري وسياسي وهذه الهوية المستقلة تحققت من خلال تحديد معايير وسمات خاصة للمذهب الامامي بحيث لا يمكن بسهولة تنفيذ اي عملية في المجتمع تحت اسم الإمامية وقادتها.

هذه العملية يعني إضفاء الهوية للشيعة تم تنفيذها من خلال النهضة العلمية الواسعة التي أسسها الإمام الصادق عليه السلام حيث بيّن من خلالها الخصائص الفكرية والفقهية والكلامية للشيعة، بحيث اشتهر هذا المذهب فيما بعد بالمذهب الجعفري، وهذه كانت نتيجة للجهود التي بذلها الإمام. صحيح ان هداية الناس وتقديم التعاليم الإسلامية الأصيلة هي من الصميم واجبات الإمام باعتباره حجه الله وباعتباره خليفه النبي، ولكن نتيجة هذه الجهود هو منح هوية مستقلة للشيعة وابرزها كنظام فكري وديني مميز.

هنا توجد نقطة لطيفه ومهمه؛ لانه ربما يتصور ان التاكيد على هذه الهوية المستقلة قد يؤدي الى انفصال وانعزال الشيعة عن المجتمع الاسلامي. ولاجل تدارك هذه المشكلة اختار الإمام الصادق عليه السلام إستراتيجية أخرى وهي إستراتيجية التاكيد على التقارب الاجتماعي والتباعد السياسي والتقارب الاسلامي من الناحية الاجتماعية، والتضارب من الناحية السياسية والتباعد. بحسب هذه الإستراتيجية يجب ان لا تؤدي هذه الهوية المميزة الانفصال الشيعة عن جسد المجتمع الاسلامي، ولا تجعلها كظاهرة مختلفة وغريبة، بل الغاية من إضفاء هذه الهوية هي المنع من ذوبان الشيعة في التيارات الدينية والفكرية الاخرى. اذن، الى جانب الجهود المبذولة لرسم الحدود وبناء الهوية تم التاكيد على التقارب الاجتماعي حتى لا تنفصل الشيعة عن المجتمع الاسلامي.

على سبيل المثال ورد في كتاب الكافي ان معاوية بن وهب سأل الإمام الصادق عليه السلام كيف ينبغي لنا ان نتعامل كالشيعة مع المسلمين من سائر الفرق، فقال الإمام تنظرون الى ائمتكم الذين تهتدون بهم فتصنعون ما يصنعون، يعني نقتدي بالأئمة في هذا المجال، فوالله انهم، أي: الأئمة ليعودون مرضاهم يعني مرضى غير المسلمين ويشهدون جنائزهم ويؤدون الامانه اليهم.

هذه احدى الروايات التي تؤكد على ضرورة التقارب الاجتماعي بين الشيعة والمجتمع الاسلامي رغم التباعد السياسي والافتراق في هذا المجال. اذن، تعميم مفهوم الشيعة وتوسع نطاقها الى حركات غير الشيعية واحد من التحديات التي واجهتها الشيعة خلال عصر الإمام الصادق عليه السلام، كما اشرنا قام الإمام بتحديد هوية مميزة للشيعة الإمامية من خلال نهضته العلمية.

نشوء بعض فرق الشيعة بعد واقعة الطف

الى جانب هذا التحدي أو التهديد، يعني تعميم مفهوم الشيعة هناك ظاهرة أخرى تعتبر نقطة ضعف للشيعة وهي انقساماتها الداخلية. كما تعرفون انقسمت الشيعة داخليا واصبحت هناك فرق مختلفة. ان الشيعة بعد واقعة عاشوراء خرجت من مسارها الموحد وذهب البعض منهم الى امامة محمد بن الحنفية بدلا عن قبول امامة الإمام زين العابدين عليه السلام. هذه الفرقة سميت في مصادر الملل والنحل بالكيسانية ومن المعتقدات المنسوبة الى هذه الفرقة القول بأن محمد الحنفية هو المهدي الموعود، وكذلك القول بالتناسخ مع اشياء أخرى. طبعا تنسب اليهم في هذه المسائل؛ لانه لم يصل الينا اي مصدر من مصادر الكيسانية هذه فرقة بائدة كل ما وصل الينا هي من جانب مصادر الملل والنحل.

انقسام آخر حدث في عصر الإمام الباقر عليه السلام هو ان بعض الشيعة وعلى رأسهم زيد بن علي واصحابه ذهبوا الى انه يشترط في الإمام القيام بالسيف يعني اعتقدوا بان الإمام هو الذي يمارس السياسة ويقوم ضد الحكم الظالم ويسعى للاخذ بزمام الحكم، وليس من لزم بيته وركز على العمل الديني والثقافي، كما انهم يعني الزيدية اعتقدوا بجواز امامة المفضول على الفاضل ومن هنا قبلوا بخلافه الشيخين وقد مال الكثير من الشيعة الى هذه الفرقة، مال الكثيرون من محبي اهل البيت الى هذه الفرقة، وطبعا الزيدية ايضا بدورها انقسمت الى عدة فرق، وكل فرقه لها آرائها الخاصة، ما يخصنا هنا في هذه الندوة هو القاسم المشترك بين هاتين الفرقتين يعني الكيسانية والزيدية رغم افتراقاتهما العقدية.

فهذا القاسم المشترك هو التاكيد على النشاط السياسي والسعي للاخذ بزمام الحكم من خلال الثورة ضد الأمويين وبعد ذلك العباسيين لكن هذا الاتجاه لم يحظى بتاييد ودعم من قبل أئمة الشيعة عليهم السلام منهم الإمام الصادق؛ لأن هذه الحركات لم تكن مدروسة مما جعلتها تفشل بسرعة الإمام البطش الدولة الأموية، كما انها عرضت العديد من الشيعة للقتل والتشريد والحبس والتعذيب، بينما كان الأئمة عليهم السلام يحرصون على دماء الشيعة والحفاظ على كيان هذا النظام. إذن، التحديات التي واجهتها الشيعة خلال عصر الإمام الصادق ظهور فرق شيعية تميل الى النشاط العسكري والسياسي. في قبال هذه الظاهرة ركز الإمام الصادق عليه السلام على النشاط الثقافي كما اكد على ضرورة التقية وكتمان الامر وعدم افشاء السر.

وهناك العديد من الروايات من الأئمة وخاصة ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في التاكيد على مراعاة هذه الأمور، وكل هذه الروايات لاجل الحفاظ على نفوس الشيعة من جهه والحفاظ على كيان المذهب الامامي والشيعي من جهه أخرى؛ لانه كما اشرنا كانت الشيعة هم الأقلية في المجتمع الاسلامي.

ورد في كتاب رجال الكشي ان المفضل من عمر الجعفري دخلت على ابي عبد الله عليه السلام يوم الذي سلب فيه المعلى. المعلى بن خنيس هو احد اصحاب سر الإمام الصادق وهو احد وكلاء الإمام، وله مكانة سامية عند الإمام. قال الإمام للمفضل: رحم الله المعلى قد كنت اتوقع ذلك -طبعا قتل المعلى على يد العباسيين- لانه أذاع سرنا. يبدو ان المعلى لم يكن أن يلتزم بالتقية وكتمان الأمر، وهذا ادى الى مقتله.

وعلى الصعيد نفسه تحدث الباحث الإسلامي والخبير في الفلسفة الشيخ الدكتور “أمين جامعي” حول دور الإمام الصادق (ع) والمهام التي قام بها في زمنه، وقد أشير إليها ضمن المحاور التالية:

سمات التحديات التي كانت في زمن الإمام الصادق عليه السلام

كما تفضل الدكتور ناظم في هذه القضية بأنّ الحقبة الزمنية التي عاش فيها الإمام الصادق عليه السلام وانطلاقا من هذا الموضوع، هناك ثلاث محاور في هذه القضية: المحور الاول التحديات التي كانت موجودة في عصر الإمام الصادق عليه السلام وسمات وخصوصيات هذا العصر هذا اولا، وثانيا مشروع الإمام الصادق عليه السلام في هذا العصر، وثالثا المحور الثالث كيفية معالجة هذا المشروع وتصدي هذا المشروع لهذه التحديات ولمعرفة كيفية تصدي الإمام الصادق عليه السلام يجب ان نتعرف على هذا العصر يعني ولو بصورة نبذة، وناخذ بان هذا العصر كيف كان، وما هي خصوصيات هذا العصر؟

خصوصيات عصر الإمام الصادق عليه السلام

إن هذا العصر هو عصر عصيب جدا في الأمة الإسلامية، ونستطيع ان نقول عصر أفول دولة وقيام دولة أخرى، ولأجل هذا نحن نرى بان في هذا العصر اصبحت السجالات القمعية بين البلاط الأموي وبين المجموعة الثائره وهي مجموعة العباسيين هذه اولا، وفي هذه الصراعات السياسية عادة تتحقق هناك حركات قمعية بين الفريقين بين يعني اطراف الصراع السياسي، لكن من لم يكن في كانون هذا الصراع يستطيع ان ينجو من هذه القضية نوعا ما.

ان صح التعبير نستطيع ان نقول بان الشيعة فتحت لها مجال ومتنفس في هذه القضية؛ لانها كانت خارج من الصراع السياسي وهذه القضية قأئمة بأئمة الشيعة، يعني هذه القضية حملوها على عواتقهم أئمة الشيعة بانه جعلوا الشيعة خارج الصراع السياسي؛ لأن قبل هذا أنّ الشيعة كانوا يتصدون الصراع السياسي، يعني الى قضية الإمام الحسين عليه السلام الشيعة كانت في واجهة الصراع السياسي، لكن في زمن الإمام الصادق عليه السلام وخاصة في الحكم الأموي والحركات القمعية التي واجهتها الشيعة من قبل الدولة الأموية هزت كيان الشيعة.

ولاجل هذا الإمام الصادق عليه السلام اراد ان يتحفظ على هذا الكيان بخروجه من الصراع السياسي يعني لم يكن في الكانون الصراع السياسي فاصبح هذا الامر متنفسا للشيعة، لكن نحن نتكلم بان الصراع السياسي ليس بمعنى انه الإمام لم يتدخل في السياسة؛ لأنّ الانسان لا يخلو من ثلاثه أمور:

الأول الفلسفة يعني الانسان لا يستطيع ان يعيش من دون رؤية كونية، ثانيا الأخلاق، فالانسان لا يستطيع ان يعيش بلا اخلاق، والثالث السياسة. يعنى إذا انخرط الإمام في الأمور السياسية بصورة مواجهة مباشرة. نعم، الإمام قد دخل في السياسة. واذا كان الإمام انحيادي كذلك الإمام دخل في السياسة؛ لانه سياسته هكذا.

والمحور الثالث بان الإمام اذا كان لديه نوع من التعامل مع الحكومة كذلك دخل في السياسة. ومن هذا المنطلق الإمام باي تصرف يدخل في السياسة، لكن نحن نقول الإمام لم يدخل في الصراع السياسي. نعم كان لديه سياسة، لكن سياسته التحفظ على الشيعة ولاجل هذا لم ينخرط ولم يدخل بمواجهة مباشرة مع الحكومة.

كلامنا عن الدولة الأموية، البلاط الأموي فالإمام عليه السلام عاصر الايام الاخيرة من الدولة الأموية، والدولة الأموية كانت لديها نظرية الامتداد يعني كانت تعتقد بان الحكومة يجب ان تمتد وتبقى، وهذه النظرية التي أصّل لها أبو سفيان وكان يجسدها معاوية. يعني أبو سفيان بعد ما توفى رسول الله صلى الله عليه واله جمّع بني أمية وقال يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة بينكم فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار، وهذه نظرية أبو سفيان الذي اصّلها وكان يجسدها معاوية.

ولاجل هذا في العهد الأموي نرى بان الفتوحات توسعت؛ لأن بني أمية كانت تتبنى هذه النظرية بان الحكومة يجب ان تمتد وتبقى ولاجل هذا بنو أمية كانت لديها حركة توسعية بالنسبة للخارج وحركة قمعية بالنسبة للمنتقدين في داخل الحكومة الإسلامية ولاجل هذا ترى بان مثلا حركة عبد الله بن زبير وحركة بعض ابناء الصحابة في البرهة الذي حكموا فيها واجهت القمع شديدا.

النهضة الحسينية والثورات التي تلتها وانهيار الأمويين وظهور بني العباس

لكن قضية الإمام الحسين عليه السلام وثورته بددت مشروع الأموي بشكل غير طبيعي. يعني ما كان في الحسبان بان مشروع الأموي بكل يعني هيمنته وبكل سلطنته يتبدد هكذا بعد قضية ابي عبد الله الحسين وقضية اندلاع الثورات التي صارت تتلا بعضها الاخرى بعد قضية الإمام الحسين عليه السلام واستشهاد الإمام الحسين واهل بيته في قضية كربلاء، فصارت الدولة الأمويه والبلاط الأموي تنكمش شيئا فشيئا وتتقلص شيئا فشيئا، فصار الثورات تتلا بعضها الاخرى في النطاق الجغرافي الذي كان يحكمون بنو أمية.

فقضية الإمام الحسين عليه السلام والنهضة العارمة لابي عبد الله الحسين عليه السلام ادت الى فشل مشروع الأموي، وصارت الدولة الأموية تنكمش شيئا فشيئا وتتقلص شيئا فشيئا الى ان انتهت الى زوال هذه الحكومة الطاغية، وجاؤوا بنو العباس بشعار الرضا من آل محمد، وكان من المتوقع بان الامر يصل الى الشيعة لكن تصدت لها وشحت عليها انفس ومع الاسف قضية وصول الحكومة الى الأئمة سلام الله عليهم لم يتحقق. في هذا الخضم الإمام الصادق عليه السلام اغتنم الفرصة لتنمية الشيعة من الداخل. لماذا؟

نشاطات الإمام الصادق (ع) عند انتقال الحكم إلى العباسيين

قلنا بان قبل هذه القضايا، الشيعة كانت في الواجهة، يعني كان الصراع السياسي قائم بين المدرسة الأموية ومدرسة اهل البيت سلام الله عليهم، والشيعة كانت في واجهة القضية، وواجهت حركات قمعية في زمن الإمام الصادق عليه السلام كوناً الإمام خرج من الصراع ومن كانون الصراع السياسي اصبح متنفسا للشيعة والإمام عليه السلام في هذا الخضم صار الإمام اولا يربي كوادر يعني من الشيعة تعرف على -يعني بغض النظر عن علم الإمام بالنسبة الى النفوس وعلم الايمان بالنسبة شخص يحتوي في داخلي- الإمام تبنى هذه القضية بان يجسد وصية الإمام الباقر عليه السلام.

فالإمام الباقر عليه السلام عندما كان طريح الفراش في ايامه الاخيره من عمره وجّه هذه الوصية الى وصية الإمام الصادق بانه لا تجعل الشيعة يعتازون الى شيء، والإمام الصادق عليه السلام جسد هذه القضية حيث في زمن الإمام الصادق أنّ الرجل من الشيعة في مصر ولا يمد يده الى أحد. يعني الإمام الصادق عليه السلام شكّل مجموعة يمولون الشيعة ولا يجعلون الشيعة يحتاجون الى احد يعني عزز الكيان الشيعة من هذه القضية؛ لأن الاقتصاد له دور هذا اولا.

ومسالة ثانية الإمام الصادق عليه السلام كذلك جسد وصية الإمام الباقر عليه السلام في قضية الحلقة الدراسية التي اسسها الإمام الباقر عليه السلام، فالإمام الصادق عليه السلام تعرف على الشيعة واستقطب تلك المواهب التي موجوده كانت في طيات هذه المجموعة وهذه الشريحة، وعززها ورباها حيث خرج من مدرسة الإمام الصادق الكثير من الأصحاب. مسالة اشير اليها، عادة الحكومات الطاغية ينظرون الى البشر وينظرون الى الانسان كاداة، يعني اذا كان الانسان واذا كانت المجتمع في مسارهم وفي مسار طموحاتهم، فإنهم مع المجتمع، الحكومات الطاغية هكذا.

اذا المجتمع وقف الإمام هذا الطغيان ووقف الإمام هذه الطموحات التي لا حد لها نرى بان الحركة القمعية تواجه الاطياف المختلفة من المجتمع، وفي قضية بني أمية كان هكذا. فبنو أمية طالما المجتمع خاض معهم في الحروب وفي الفتوحات الإسلامية كانوا مع المجتمع، لكن المجتمع عندما قام في وجه هؤلاء الطغاة نرى بان الحركة القمعية واجهت المجتمع وصارت مقتلة عظيمة، يعني لم ينظروا الى الانسان بما هو اشرف المخلوقات، “انا كرمنا بني ادم” هذه العبارة لم تكن موجودة في الرؤية السياسية عند بني أمية.

كثيرا ما يعني نرى في بعض المنظّرين انه يقولون بان التوسعة الجغرافية تحققت في زمن بني أمية بينما في زمن امير المؤمنين سلام الله عليه نرى بان الفتوحات توقفت؛ لان امير المؤمنين سلام الله عليك كان يتبنى هذه النظرية “يجب ان نعالج انفسنا اولا” والمجتمع الاسلامي يجب ان يخرج من هذا الداء العضال الذي كان في المجتمع الاسلامي انذاك وهو حب الدنيا، والأئمة سلام الله عليهم كانوا ينظّرون ويجسدون هذه القضية، يعني كانوا استمرارا لحركة امير المؤمنين سلام الله عليه بان يربون المجتمع؛ لان الانسان هو اصلا المبتغى للاديان الالهية، والإمام الصادق عليه السلام هكذا جسّد نظريته في قضية الانسان وفي قضية الدين، “ولقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط”، يعني تربية الكوادر.

هناك حديث في الجوامع الروائية ذكرت يمكن بعض المحدثين يضاعفون، لكن الحديث من جهه المحتوى جدا عالي وهو “الانسان بناء الله الانسان بناء فلعنة الله على من هدم بناء الله”، يعني الكعبة يمكن ان تهدم قبر ابي عبد الله عليه السلام كم مرة هدم وبني مرة، لكن الانسان اذا هدم لم يبنى.

الإمام الصادق (ع) بتربيته شخصيات علمية وأخلاقية حافظ على كيان الشيعة وتراثها

ركز الإمام الصادق عليه السلام كل جهوده وطاقاته، وبذل بكل غال وثمين ليربي الانسان على مستوى الشيعة، يعني ربّى الانسان على مستوى الشيعة. ربى زرارة، وربّى هشام بن الحكم، ومؤمن الطاق. ربّى شخصيات عظيمة اثروا في الاسلام تاثيرا بالغا، وصاروا بصمة باقية في شريحة الشيعة، يعني كثير من التراث الذي موجود عندنا من خلال هؤلاء الشخصيات. هناك مسالة كذلك بان في زمن الإمام الصادق عقلية المذاهب اندلعت.

قبل الإمام الصادق عليه السلام هذه العقلية لم تكن موجودة اصلا، يعني مثلا في زمن الخلفاء ما كانت عقيلة مثلا عمرية، وبكرية، أو في زمن الزبيريين ما صارت مثل الزبيرية، لا ولكن في زمن الإمام الصادق اندلعت يعني عقلية المذاهب: الكيسانية، الواقفية، الاسماعيلية وما شابه ذلك. فالإمام عليه السلام بتربيته هذه الشخصيات العلمية والاخلاقية اولا حافظ على كيان الشيعة، يعني خلد تراث الشيعة، وادل دليل باننا نحن الان ننسب انفسنا الى الإمام الصادق عليه السلام، فنقول: الشيعة الجعفري، لماذا؟ لان هو الذي اصّل، كيف أصّل؟ أصّل بتربية الناس، أصّل بتربية جيل مثقف؛ لان الإمام الصادق كان كأجداده الطاهرين يعلم بان بقاء الاسلام من خلال تربية الإنسان.

من يحمل اعباء الاسلام هو الانسان كما قال امير المؤمنين سلام الله عليه في كلمته لمالك الأشتر: الناس قوام الدين، يعني انت لا تستطيع ان تبني مجتمعا اسلاميا أو حكومة إسلامية في الفضاء. لا، الحكومة الإسلامية محل طلائها في المجتمع. فاذا لم تكن هناك نفوس تستقبل هذه القضية. فالامام استفاد من هذه البرهة الزمنية ومن هذا المتنفس لتربية جيل مثقف وكوادر مثقفة خلدت تراث الاسلام الاصيل، ولا نقول الشيعة، وهو ما نراه الان، يعني الإمام الصادق عليه السلام حمل اعباء الاسلام الاصيل، وهذا جدا مسالة مهمة، يعني من خلال تربية الجيل اولا حافظ على كيان الشيعة. جعل للشيعة سمات، وجعل للشيعة اعلاما كأصحابة، وصار سببا لحمل هذه التراث جيلا بعد جيل الى ان وصل هذا التراث الينا. فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا.

استراتيجة الإمام الصادق (ع) وسائر الأئمة لحل مشكلة التواصل بينهم وبين الشيعة

وتابع الدكتور ناظم في حديثه حول التحديات التي كانت تواجهها الشيعة وما كانت تعانيها في تلك الحقبة الزمنية، وقال:

المشكلة الثالثة حسب ترتيب بحثي هي الانتشار أو التوزيع الجغرافي للشيعة. كان الأئمة يقيمون بالمدينة المنورة يعني كان موطنهم الرئيسي هو المدينة باستثناء فترات زمنية محددة تم استدعائهم من قبل الخلفاء العباسيين، خرجوا من المدينة مثل الإمام الرضا عليه السلام الذي استدعاه المامون الى خراسان والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري الذين تم اشخاصهم الى سامراء، ولكن بشكل غالب كان موطن الأئمة هو المدينة المنورة، ولكن المجتمعات الشيعية تكونت خارج المدينة يعني ظهرت هذه المجتمعات الشيعية في مدن مدن العراق وخراسان وسيستان واليمن ومصر وغيرها، مع أنّ موطن الأئمة هي المدينة هذا الانتشار والتوزيع رغم انه يعد من نقاط القوة يعني يدل على النجاح الشيعة في توسعة نظاق دعوتها، الا انه من جهه أخرى تعد هذه النقطة مشكلة؛ وذلك بسبب صعوبة التواصل بين الأئمة وبين الشيعة من حيث بعد الطريق اولا.

وثانيا وخصوصا مع حساسية الدولة الأموية وكذلك الدولة العباسية على هذا التواصل بين الأئمة وشيعتهم؛ فهذا البعد كان مشكلة. الإستراتيجية التي اتخذها الإمام الصادق وكذلك سائر الأئمة لحل هذه المشكلة هي انشاء نظام تواصل سري متماسك يعتمد على شخصيات يثق بهم الأئمة، ويعرف هذا النظام الاقتصادي بالتواصل باسم تنظيم الوكالة أو شبكة الوكالة أو نظام الوكالة.

بدات هذه الشبكة نشاطها بشكل متكاثف ومتماسك منذ عهد الإمام الصادق في نشوء والعمل الجاد، ويظهر من الاخبار ان المعلى بن خنيس كان ابرز واهم وكلاء الصادق ولكنه قتل على يد العباسيين بسبب عدم التزامه بالسرية في عمله ولذا اصبحت السرية فيما بعد من ميزات هذه الشبكة حيث ان النشاط الوكلاء واتصالهم بالإمام كان يتم في السرّ.

وختاما يجدر ان اذكر ملاحظة وهي ان الشيعة منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه واله كان كأقلية دينية وسياسية، وكانت منذ البداية عرضة للظلم والاضطهاد وانواع التعذيب وتشريد، كما كانت محرومة ايضا عن حقوقها الاقتصادية والاجتماعية في بعض الفترات وخاصة في العهد الأموي وبشكل مفجع خلال حكم الحجاج بن يوسف الثقفي، بحيث بلغت توتر الاوضاع في عهد الحجاج الى درجة وصفه المؤرخون بان الاتهام بالزندقة والمجوسية في عهد الحجاج كان اسهل وافضل من الاتهام بالتشيع يعني مجرد اتهام الشخص بالتشيع كان يكفي ان يتعرض انواع الاضطهاد.

في مثل هذه الاجواء والظروف حيث ان الشيعة كانت أقلية تفتقد الى اي قوة للدفاع عنها وكانت تتعرض لأشد القتل والتنكيل كان المتوقع زوال وفناء الشيعة في تلك الظروف. لكنها صمدت واستقامت بقيت الى يومنا هذا. صحيح ان الله سبحانه وتعالى يقول في الية 8 من سورة الصف “يُرِيدُونَ لِيُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ”، يعني ان الله يؤيد دائما المؤمنين كما انه وعد المستضعفين بان يرثوا الارض “ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض”، لكن لا يعني أن هذا النصر يحصل بالاعتماد على الامدادات الغيبة فقط.

هذه نقطة مهمة. ولا يعني انه لا نحتاج الى بذل الجهود واتخاذ التدابير والاستراتيجيات في مواجهة الاخطار والتحديات. وعندما نقرأ التاريخ نجد بالفعل ان أئمة الشيعة اتخذوا تدابير واستراتيجيات مدروسة للحفاظ على كيان الشيعة، ومنهم الإمام الصادق عليه السلام الذي استطاع بفهمه الصحيح لظروف الزمان وكذلك باختيار الاستراتيجيات المناسبة، استطاع التغلب على الاخطار والتحديات، والشاهد على ذلك ان المذهب الامامي اشتهر فيما بعد بالمذهب الجعفري، هذه نتيجة الجهود التي بذلها الإمام الصادق في تعزيز كيان ومكانه مدرسة اهل البيت عليكم السلام وإضفاء هوية مستقلة لهذا المذهب.

والجملة الختامية هو انه في عصرنا الحاضر اذا اردنا الاستفادة من الاستراتيجيات والحلول التي قدمها الأئمة واذا اردنا الاعتماد عليها في مواجهة مشاكلنا وتحدياتنا في هذا العصر، يجب اولا دراسة سيرتهم من منظور تحليلي ليس مجرد قراءه تاريخية، ويحتاج الى استلخاص واستخراج هذه الاستراتيجيات وفقا لما ورد في علم الادارة الإستراتيجية الادارة الإستراتيجية بشكل مكون ومدون. وثانيا العمل على تطبيقها على متطلبات هذا العصر وتكييف تلك الاستراتيجيات مع ظروف الشيعة في عالمنا اليوم.

وأوضح هذا الباحث الإسلامي أن اهم تحدي هو الاتجاه الثوري والسياسي في عصر الإمام الصادق، يعني تغلب هذا الاتجاه على سائر الاتجاهات ان لم يكن هناك تعادل وتوازن بين الاتجاهات، وبما ان الشيعة لم نحصل على مكانتها الاجتماعية والثقافية بعد، ومجرد الاتجاه العسكري والثوري من دون تهيئة دون البنى التحتية الثقافية، الأمر الذي لا يؤدي الى نتيجة مطلوبة؛ لهذا ركز الإمام الصادق عليه السلام على البنية التحتية والعقدية والثقافية، وبعد ذلك يمكن بناء السياسة والحكومة على هذا البنى التحتية.

“التفقه في الدين” شعار الإمام الصادق (ع) لتثقيف الشيعة

وفي الختام تحدث الدكتور جامعي قائلا: لا يمكن يعني مواجهة مشروع الشيطان الا من خلال تربية كوادر متخلقة وعالمة. من اكبر التحديات التي كانت موجوده في زمن الإمام الصادق عليه السلام الرؤية القشرية التي كانت يعني تبلّغ لها الحكومة، يعني في زمن الأمويين كانت المساجد دائرة، وكذلك كانت هناك اماكن معروفة في الشام تقدم الخمرة للناس؛ لماذا؟ لان معاوية عندما استلم الحكم كان لديه علاقة مع الحكومة البيزنطية، وحتى ادخل العمله البيزنطية البلاد الاسلامي، يعني علاقات معاوية مع الحكومة البيزنطية معروفة.

ويزيد تربى في احضان الثقافة المسيحية لأنّ خواله كانوا مسيحيين، وكانوا جديدي العهد في الاسلام. بعباره أخرى انبهار معاوية بالنسبة للثقافة البيزنطية وتاثره من هذه الثقافة، وكذلك عندما جاءوا اهل المدينة ليروا ماذا فعل معاوية في الشام راوا بان الحكومة التي يبلغ لها الرسول صلى الله عليه واله، بان الحكام يجب ان يكون متواضعين، باتت غير ذلك وقد تحولت الى حكومة هرقلية، وقصور، وصارت تختلف وفاصل كبير وشاسع بينه وبين ما قدمه رسول الله صلى الله عليه واله.

طبعا الدولة الأموية كانت تتبنى هذه القضية وكانت تبلغ لهذه القضية بان الناس يكونوا قشريين بالنسبة للدين وليسوا متعمقين، ولاجل هذا ترى أن الإمام الصادق عليه السلام في زمنه صار شعاره ”وددتُ لو أن أصحابي ضُرِبُوا بالسياط حتى يتفقهوا في الدين“، لماذا جعل الإمام الصادق عليه السلام هذا شعاره؟ لان التحدي الذي كان موجودا في زمنه كان يبلّغ وكان يدعم هذه النظرة القشرية في المجتمع الاسلامي.

ولاجل هذا ترى بان التكالب على قضية الحكومة اندلعت في زمن الإمام الصادق عليه السلام يعني الأمويين تكالبوا على الحكومة حتى كانت هناك صراعات في داخل البلاط الأموي، والاحداث التي توالت بعضها الاخرى تبين بان بني أمية اساسا لم يكن لديهم رؤية عميقة بالنسبة للدين. إن أبو سفيان الذي هو كبير بني أمية جمعهم في مكان واحد قال والذي يحلف به أبو سفيان …..، بنو أمية حتى ولو لم نستند بهذا الكلام تصرفات بني أمية ناجمة عن حب الدنيا، وبنو أمية كانوا سياسيين، ولم يكونوا رجال دين وجعلوا الدين ملعبة وذريعة للاستيلاء على الحكم، بينما الإمام الصادق عليه السلام ركز وبذل كل جهوده ليربي شعبا مثقفا، وبناء شخصية وهذه مسألة جدا مهمة. وجسد هذه الاية “فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون”، يعني قضية التفقه في الدين نتيجتها الانذار، يعني الناس يتبعون من التكالب على الدنيا يتوجهون الى الله سبحانه،

فالإمام الصادق عليه السلام على العكس من هذه النظرة -التي تقول بانه كان انحيادي وبعيد عن السياسة- لا، الإمام الصادق عليه السلام كان سياسا وهم ساسة العباد لكن بالمعنى الخاص الذي نحن تكلمنا بان قادوا الأمة الإسلامية نحو تلك القمم العالية التي رسمها الرسول صلى الله عليه واله وقال: ايها الناس خلقتم للبقاء ولا للفناء. فالانسان والحكومة يجب ان تهيئ هذه الاجواء لكي يحلق الناس في سماء المعنوية وهذا ما قام به الإمام الصادق عليه السلام في هذه البرهة التي عاش وهي برهة عاصر مجموعة من حكام بني أمية وكذلك بني العباس فأدرك البرهتين. فنستطيع ان نقول:

إن الإمام الصادق عليه السلام هو الإمام الهمام الذي اصّل لهذه الفكرة وربى جيلا مثقفا. ما لدينا الان كلها من هذه التضحيات العظيمة. لدينا في التاريخ بان منصور الدوانيقي جرع الإمام الغصص. كان ياتي بالإمام في منتصف الليل يجره، فلولا الإمام لم يكن في الصراع السياسي بالمعنى الذي قدمناه، لماذا فعلوا هكذا بالإمام عليه السلام؟ راوا بان الإمام له تاثير، وأنه نبراس للامة، وأن الإمام بدأ يربي جيلا واعيا مثقفا ولاجل هذا نرى بانه جرعه الغصص حتى استشهد الإمام عليه السلام بذلك السم الفتاك الذي دفع اليه.

أخذ الدروس من الإمام الصادق (ع) لعصرنا الحاضر

بالنسبة للوقت الراهن الذي نحن نعيش فيه حاليا، فنحن نعيش في زمن بعض الطواغيت، وقد وجهوا تهديدات لايران ولشريحة الشيعة ولمحور المقاومة، لكن لم يستطع ان يجسد هذه التهديدات، لماذا؟ لاننا على قوانا، يعني الشيعة ومحور المقاومه الان لهم كلمتهم، لكن المسألة هم بدؤوا بالغزو الثقافي.

اذا عرفنا السياسة كما عرفنا بانها ليست بمعنى فقط الصراع السياسي، بل السياسة كل شيء وهي برمجة لتثقيف المجتمع للفهم الصحيح. هذا كذلك يدخل في نطاق السياسة، فالسياسة لها معنى واسع جدا فاذا انت ربيت جيلا فهيما متفقها، فأنت رجل سياسي. فعندما سالوا الإمام الخميني رحمه الله قالوا اين جنودك؟ قال جنودي الان في المهد. راينا بان ما بذله الإمام الخميني في قضية التثقيف وكذلك طلاب الإمام وهم الشهيد المطهري رحمه الله والشهيد بهشتي هذا ما جعل الناس سياسيين حقيقة، يعني الانسان اذا حمل ثقافة هل يستطيع ان يكون حياديا عن السياسة؟

فإذن، الإمام عليه السلام بالمعنى العام كان سياسيا متخضرما فذا، حيث جعل هذا النهج وهذا الطريق مستمرا الى الان. يعني ما نراه الان، اذا نحن ليس لدينا اصول وليس لدينا بناء وشاكلة هل نستطيع ان نبقى ونقاوم؟ فاذا الإمام بهذا المعنى قدم خدمة عظيمة للسياسة وأصّل للسياسة.

نحن لدينا الرؤية الحدية والرؤية الشاملة الرؤية الحدية والرؤية هذا ما تعلمناه في مدرسة اهل البيت سلام الله عليهم بانه اذا كانت الظروف مهيئة، كامير المؤمنين يشكل حكومة، ويبذل قصارى جهوده بانه يقدم ويؤسس، لكن اذا لم يتهيأ له هذه الاجواء. هل يستطيع ان يرفع يده من السياسة؟ لا، بهذا المعنى الذي قدمناه بان اهل البيت سلام الله عليهم لديهم نوع من الانسيابية في السياسة، تاره رؤية شاملة اذا كانت الاجواء مهيئة واذا لم تكن الاجواء مهيئة يقدمون على حسب الظروف.

المصدر: وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky