الاجتهاد: صدر حديثاً عن مركزِ تُراثِ الحِلَّةِ، كتاب أجوبة المسائل المهنائية، وهي عبارةٌ عن أربعِ رسائلَ في مسَائل جَمَّة عَرَضَها السيِّدُ مُهَنَّا بنُ سِنانٍ المَدَنيّ، وأجَابَ عنها عَلَّامةُ الدهر، وفَقِيه كُلِّ عَصر، الشَّيخ حَسَن ابنُ الُمطَهَّر الحِلّيُّ، ووَلَدهُ فَخرُ المحقِّقينَ (قُدِّس الله أسرارهم).
قدَّم لها، وحقَّقَها سَماحةُ الشيخ حسين الواثقي (حفظه الله)، وراجعها وضبطها مركز تراث الحِلَّة التابع لقسم شؤون المعارف الإسلاميَّة والإنسانيَّة في العتبة العبَاسيَّة المقدَّسة.
ويعدُّ هذا الجهد الكبير مميَّـزًا، ولافتًا؛ لكونه قد حُقِّقَ مقابلةً على (47) نسخةً، إلى جانب ما حواه من نُكتٍ علميّة، وأجوبة نوعيّة، تنوَّعت طوائف سؤالاتها، وموارد حوزتها، ما بين فقهيّة، وأدبيّة، وتفسيريّة، واستدلاليّة.. وغيرها، وبتوفيق من ربّ العِباد، لا ينقطع المداد، كما نسألُه تعالى السّداد، إنّه كريمٌ جواد.
تقديم شعبة الإعلام المعرفي في العتبة العباسية المقدسة للكتاب: يعدُّ كتابُ أجوبة المسائل المهنائية الذي صدر عن مركز تراث الحِلَّة التابع لقسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية مؤخَّراً، سِفراً خالداً من أسفارِ عُلماءِ الإماميّة،
ففيه خلاصةُ أربعِ رسائلَ سألَ فيها الفقيهُ القاضي السّيد مهنّا بن سنَان المدَنيِّ، علّامةَ عصرهِ وفريدَ دهرِه الحسنَ بن المطهّرِ الحلّي – العلّامة – وولدَه الفخر – رضوان الله تعالى عليهم-, فكانت ثلاثٌ من الرسائل عليها أجوبة العلّامةِ، ورسالةٌ واحدةٌ كانت بين ابن سنان المدَنيِّ ومحمّد بن الحسن فخرِ المحقّقين، وكانت المراسلاتُ بينهم في مُدَدٍ مُتتابعَةٍ، فإحدى رسائل السيد ابن سنان أرسلها عندما كان في الشّام والأخرى وهو في بغدادَ، والثالثة عندما كان في المدينة، والرّابعة عندما جاء إلى الحِلّة عام719هـ وحضرَ بين يدي العلّامةِ و ولدِه الفَخر.
يقول مدير المركز الشيخ صادق الخويلدي: إنَّ كتابَ أجوبة المسائل المهنائية يحتوي على مسائل تنيفُ على المئتين، وفي مختلفِ مواردِ الفقهِ وفروعِه، وجاءَ الكتابُ على فصلينِ:
الفصل الأوّل: في ترجمة عامّةٍ للسّيد نجم الدين مهنّا بن سنان الحُسينيّ المدَنِيّ، وكلامِ الأعلامِ فيه ونسبهِ وآثارِه ومُناظراتهِ ورَسائلهِ والإجازاتِ الّتي حصلَ عليها.
الفصل الثّاني: وينقسمُ على خمسةِ أقسام:
أوّلها: كان متعلّقاً بالتّحقيق ونُسخِ المخطوطاتِ والمنهجِ العلميّ في التّحقيق، وعدد النُّسخ، وترتيب المسائل وعنواناتها، وصورٌ من النُّسخ المعتمَدة في التَّحقيق.
ثانيها: وفيه الطّائفة الأولى من المسائلِ، وتشتملُ على أغلب موارد الدّين، من الاعتقادِ حتّى العِبادات والتَّفسير والحديث الشَّريف، وتشتمل هذه الطّائفة على ( 185) سؤالاً وجواباً بين ابن سنان والعلّامة.
ثالثها: وفيه الطّائفة الثّانية من مسائلِ ابن سنان للعلّامة، والإجازةِ الأولى التي أجازَ فيها العلّامةُ ابنَ سنان المدنيّ، وتشتملُ هذه الرسالةُ على مجموعةٍ واسعةٍ من المسائل في الصّلاة والطّهارة والجِزيةِ وتحريف القرآنِ والحجّ وسؤالٍ عن (سُليم بن قيس الهلالي) وغيرِها من المسائل، الّتي تدلُّ على حذقِ السّيد مهنا بن سِنان وسِعةِ عِلمِ العلّامةِ وشِدّة فطنته، وهي أربعون مسألة.
رابعها: وفيه الطّائفة الثّالثة من الاستفسارات والأسئلةِ وجوابات العلّامةِ عليها، وفيها كلمة لابن سنان -رضوان الله عليه- واشتملت على ثمانٍ وعشرين مسألةً في النّجاسة والتفسير والتّنجيم ومسّ الميتة والغناء والتّكليف والتّفسير، وفي أحكام الجهرِ والإخفات وغيرها.
خامسها: وفيه الطّائفة الأخيرة من أسئلةِ القاضي المدَنِيّ وعليها أجوبةُ محمّد بن الحسن فخر المحقّقين وإجازته للسّيد مهنّا الحسينيّ، واشتملت على ستة وعشرين سؤالاً في الاعتقاد والعقل والشّهادة والخُمس والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ومعرفة علم النحو والشّك في الأهِلَّةِ وزكاة الفطرة والأدب.
جديرٌ بالذِّكر أنَّ هذا الكتاب يعدُّ مصدراً مهمًّا في الفقه الإمامي، إذ اشتمل على الكثير من الأسئلة الابتلائيّة التي يمكن أن يُبتلى بها المكلَّفُ في يومه وليلته، وقد قام مركز تراث الحِلَّةِ بجهد كبيرٍ ومميَّز في ضبطِ وتدقيقِ وتحقيقِ مخطوطاتِ هذه الرسائل التي بلغت( 47) مخطوطة، ممّا يدلُّ على حرص المركزِ والعاملين فيه على إظهار نفائس التُّراثِ الحِلِّي الإماميِّ المغمورة لتصبحَ بين أيدي الباحثينَ والمتخصِّصينَ والمهتمّين.
ترجمة مهنا بن سنان باختصار
هو مهنا بن سنان بن عبد الوهاب بن نميلة بن محمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب قاضي المدينة ابن الأمير أبي عمارة المهنا الأكبر ابن الأمير أبي هاشم داود بن الأمير أبي فليتة أحمد بن القاسم شمس الدين بن أبي علي عبيد الله بن أبي الحسن الطاهر بن أبي الحسن يحيى النسابة ابن أبي الحسن جعفر الحجة ابن أبي علي عبيد الله الأعرج الأول ابن الحسين الأصغر ، هو نجم الدين الجعفري العبيدلي الحسيني المدني.
قال العسقلاني في الدرر الكامنة ج ٤ ص ٣٦٨ ( مهنا بن سنان بن عبد الوهاب ابن نميلة الحسيني الإمامي المدني قاضي المدينة، اشتغل كثيرا، وكان حسن الفهم جيد النظم ، ولأمراء المدينة فيه اعتقاد، وكانوا لا يقطعون أمرا دونه، وكان كثير النفقة، متحببا الى المجاورين، ويحضر مواعيد الحديث، ويترضى عن الصحابة إذا ذكروا ويتبرء من فقهاء الإمامية، مع تحقق المعرفة، وحسن المحاضرة، ومات سنة ٧٥٤ ).
ويظهر من كلام العسقلاني أنه كان من الإمامية ، وحيث كان قاضيا زعيما تخضع له الأمراء والسواد فكان يتقي في مذهبه أشد الاتقاء. ويدعم هذا الزعم ما وصفه به شيخنا العلامة قدس الله روحه الطاهرة في اجازتيه التي منحها للمترجم واجازة من شبل العلامة الشيخ فخر المحققين وقد استوعبت مدحا كثيرا وثناءا جزيلا.
قال شيخنا الطهراني في طبقات أعلام الشيعة في المائة الثامنة ص ٢٢٤ ( والإجازات كلها موجودة فيها المدح والثناء الكثير ، ويظهر منها أنه كان مرجعا للاحكام والقضاء في المدينة ، ولما زار العتبات بالعراق كتب المسائل المهنائية ( ذه ـ ٢٣٦ ـ ٢٣٩ ) وأرسلها إلى العلامة ، فأجاب عنها العلامة وقد قرأ السائل الجوابات على العلامة بداره في الحلة سنة ٧١٧ كما في نسخة ـ عبد الحسين الحجة بكربلا ـ وقد وصف العلامة السائل في أول جواب المسألة الأولى بقوله وبعد رجوعه إلى المدينة سأله الشيخ عز الدين بن نور الدين علي أبي سعيد أن ينسخ المسائل والجوابات له فنسخها صاحب الترجمة ، ومن نسخته انتشرت النسخ ).
وقال العلامة في جواب المسائل الثانية ( سيدنا الكبير الحسيب النسيب النقيب ، المعظم المرتضى ، مفخر آل طه ويس ، جامع كمال العمل والعلم المتصف بصفة الوقار والحلم نجم الملة والحق والدين مهنا بن سنان بن عبد الوهاب الحسيني أحسن الله اليه وأفاض من بركاته عليه بالإجازة والرواية ).
وقال العلامة في جواب مسائله الثالثة ( لله الحمد. لما كان امتثال أمر من يجب طاعته ، وتحرم مخالفته من الأمور الواجبة والتكاليف اللازمة ، سارع العبد الضعيف حسن بن يوسف بن مطهر اجابة التماس مولانا السيد الكبير الحسيب النسيب المرتضى الأعظم، الكامل المعظم فخر العترة العلوية، سيد الأسرة الهاشمية، أوحد الدهر وأفضل العصر الجامع لكمالات النفس والمؤيد بنظره الثاقب الى حضرة القدس نجم الملة والحق والدين ، أعانه الله على المستعدين ببركة أنفاسه الشريفة وأدام عليهم نتائج مباحثه الدقيقة اللطيفة ، وما تلطف به من الاعتذار فهو من جملة تطولاته وإحسانه وتكرماته وامتنانه ، فان الواجب على من يعتقد بقلبه الايمان السعي إلى بين يديه وتقبيل قدميه. ).
هكذا يعرف شيخنا العلامة العظيم ابن المهنا رضوان الله تعالى عليه ويظهر من مطاوي الأسئلة وجواباتها انه كان من العلماء والمحققين وكان من الشرفاء المهتدين وكانت له منزلة كبيرة عند العامة والخاصة وكان إماميا عدلا ثقة الا أنه كان يتقي من أبناء زمانه. ( مقدمة المحقق محيي الدين الممقاني على كتاب أجوبة المسائل المهنائية نشر: مطبعة الخيام (1401هـ)
من هو المحقق الشيخ حسين الواثقي
يقول الأستاذ المحقق أحمد الحلي النجفي: قليل من الرجال الذين لا يبلغ المدح ثناءهم، ولا يبلغ القلم كنه وصفهم، ومن أولئك الأفذاذ فضيلة حجّة الإسلام الشيخ حسين الواثقيّ ـ دامت بركاته ـ ، الرجل الذي نذر نفسه لخدمة التراث الشيعيّ المتعلّق بمدينتي مكّة والمدينة المنورة، فقد صدر له (11) كتابًا في موسوعة تحت عنوان (ذخائر الحرمين الشريفين)، وفيهما ذكر (الأعلام، والمؤلّفات، والمستنسخات، والإجازات، و..)، وكلّ ما يتعلّق بتلك المدن المقدّسة.
وسمعته مرّة يقول: (يأتي زمان على الناس يقول فيه البعض: إنّ لا شيعة في مكّة والمدينة عبر التاريخ)، وسعى لذلك بكلّ جهده وكدّه، حتّى كتب على كتابه أعلام المجاورين في مكّة المكرّمة: (إنّي جمعت مادّة هذا الكتاب من ألف مخطوطة)، فأكثر مواد كتبه جديدة من النسخ الخطّيّة، وهذا ما يميز عمله عن الآخرين.
وسمعته يقول: إنّ لا أحد يعينه في ذلك، فهو يعمل لوحده، وقد استخدم كلّ تركة والده في إحياء هذا التراث، وجدّ واجتهد في السفر والحضر لجمع لآليء التراث المكّيّ والمدنيّ، وهمته معروفة، فتراه يتنقل بين مكتبة الأستانة الرضويّة، ومكتبة المرعشيّ، ومكتبة مجلس الشورى، ومكتبة الإمام الحكيم، ومكتبة كاشف الغطاء، ومؤسسة كاشف الغطاء، وبين البلدان الإيرانيّة والعربيّة، وقد طالع المئات من فهارس المخطوطات (مخطوطها ومطبوعها)، وهو لا يفتر في البحث عن المعلومة، فحدّثني إنّه سافر لتبريز من أجل التثبت في تاريخ وفاة الأسترآباديّ (الرجالي المعروف)، ولم يكن يرتدي الملابس الشتويّة ولم يتهيأ لذلك البرد القارص، فمرض في قطار الرحلة حتى أصبح لا يستطيع الكلام لأيام، فقد ذهب الصوت من شدّة البرد، ورأى النسخة التبريزيّة التي سافر من أجلها، وباءت رحلته بالخسران كونه لم يجد ما يسعفه في النسخة.
وهو دقيق في عمله ومتثبت، فقد حقّق أخيرًا كتاب ( أجوبة المسائل المهنائية ) للعلّامة الحلّيّ، وقابله على خمسين نسخة خطّيّة، وللكتاب في العالم (52) نسخة، واعتذر كونه لم يعرف كلمة واحدة غير مقروءة في الكتاب، واسعفه الله تعالى في اللحظة الأخيرة، وسيطبع عمله هذا في مركز تراث الحلّة.
وهو كريم في إعطاء المعلومات ومصورات النسخ والكتب، ومراجعة الكتب لغيره فهو مفيد ومستفيد، ويذكر كلّ أحد ساعده في معلومة، ولا يبخس حقّ من يساعده، حتّى إنه تجد اسمي واسم غيري في مقدّمات كتبه، وتعلّمنا من ذلك الكثير، هذا مع خلق وكرم وضيافة، فجزاه الله تعالى ألف خير عن كلّ ذلك، وجعل عمله نجاة له ولغيره يوم لا ينفع مال ولا بنون، وسلام عليه كلّما كتب وقرأ وقابل ونشر.
في الصورة الشيخ حسين الواثقي وعلى يمينه آية الله العظمى الشيخ لطف الله الصافي وعلى يساره الشيخ أبو الفضل حافظيان
أجوبة المسائل المهنائية