واقعة الغدير

واقعة الغدير ثبوتها ودلالتها / الأستاذ السيد محمد باقر السيستاني

الاجتهاد: هذه بحوث حول اصطفاء أهل البيت (ع) في الإسلام، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى اختار محمداً وآل محمد (ص) من هذه الأمة،

وجعل آله من السلالات المصطفاة بالعلم والحكم أسوة بالسلالات المصطفاة من عترة الأنبياء في الأمم السابقة كآل إبراهيم، كما علّم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه أن يقولوا في الصلاة عليه: (اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد)،

وقد عُلم أن آل إبراهيم من السلالات المصطفاة كما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمينَ) ،
وقال جل جلاله: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عظيما).

وقد جعلت محور هذا البحث (واقعة الغدير) من جهة أن هذه الواقعة هي التي تضمنت الإعلان العام عن اصطفائهم، واشتملت على نصبهم هداة للأمة عصمهم الله سبحانه من الضلالة، وأناط نجاة الأمة من الضلالة والهلاك بهم، كما تضمنت عقد الولاء لأوّل أهل البيت (عليهم السلام) – وهو الإمام علي (عليه السلام) على حد ولائه (صلى الله عليه وآله) على المسلمين وأولويته بهم من أنفسهم.

وكان قد تيسر لي تأمّل هذه الواقعة ودلالاتها في نفسها وفي ضوء سائر النصوص والأحداث الواردة في السيرة النبوية، وتأكد لي بوضوح بالغ دلالة هذه الواقعة على الولاء الخاص للإمام (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) .

قيام الحجة بهذه الواقعة المتفق عليها على عامة المسلمين

وقد لاحظت خلال تتبع الروايات التي رواها جمهور المسلمين وصححوها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في شأن الإمام علي (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) أنها تفي بإثبات ذلك بوضوح إذا أحسن الباحث تأملها واستنطاقها وتفطن لدلالاتها ومعانيها، على الرغم مما شاب بعضها من كتمان أو تحريف لفظي أو معنوي أو وضع فيما يقابلها، إلا أن ذلك كله يعرف بشيء من الدقة والتفطن لطبيعة الأمور وعوارض النصوص إذا خالفت الاتجاه الحاكم السائد بين الناس.

ولذلك يمكن القول إنّ الله سبحانه وتعالى قد حفظ الحجة على اصطفاء أهل البيت (عليهم السلام) على المسلمين كافة في ضمن التراث الثابت والمتفق عليه بينهم؛ إذ كان في تراث جمهور المسلمين – فيما صححه نقاد الحديث ويعوّل عليه أهل السيرة النبوية ـ ما يدل على هذا الأمر الأساس في الدين، فلا يضل عنه إلا غافل أو متغافل.

ولأجل ذلك لم أتوسع في البحث عموماً بذكر سائر ما ورد في التراث الإسلامي العام مما تعرّض لمناقشة مقبولة عند النقاد منهم من علماء الحديث وأئمة الجرح والتعديل مما قد يعد عندهم خروجاً عن الموازين وتشبثاً بالأخبار الضعيفة والمريبة والموضوعة، ويؤدي ذلك إلى وقوع الشبهة في أذهان الباحثين عن الحق، وإن كان بعض تلك المناقشات محل نظر وبحث، لكن النظر والبحث فيها يبتني على إيجاد أساس أوّلي وفق الأحاديث الثابتة والمحكمة، على أنه قد لا يؤثر إيرادها في إقناع جمهور أهل العلم الطالبين للحق منهم، فضلا عن سائر الباحثين عن الحق فيما بينهم، بل قد يوجب دخول الشبهة عليهم وتشويه الاستدلال بما صح لديهم.

تحرير البحث
وقد تيسر لي تدوين ما تأملته في ذلك، ورأيت أن تعميم ذلك لسائر الأخوة قد يكون فيه نصيحة من المسلم لأخيه في الدين وتذكرة قد ينتفع بها عامة المؤمنين، ولم أسعَ فيه إلى طريق الجدل والمراء، ولا إثبات حق بباطل، ولا توسعت في الوسيلة للبلوغ إلى الغاية التي أرى صوابها، ولم أقصد فيه الإساءة إلى فئة من المسلمين، ولكن خطورة هذه المسألة في الدين لم تكن تدع مجالاً للغض عنها والمداراة مع الناس بكتمانها، وقد أخذ الله سبحانه على أهل العلم أن يبينوا ما وقفوا عليه من الحجة ولا يكتمونه عن الناس، ولولا ذلك لكن الأحب إلى الإعراض عما هو مظنة للخلاف وعرضة للفرقة والاختلاف.

وكنت قد بدأت بتحرير بحث موجز حول ذلك ليكون جزءاً من البحث عن الرسالة، إلا أنني رأيت أنّ هذا البحث يـ ث يقتضي بعض البسط والتفصيل، ولا يتيسر إلحاقه ببحث الرسالة.

وقد كان العنوان الذي قد قدرته للبحث من قبل هو اصطفاء أهل البيت (عليهم السلام) في الدين، ولكنني رجحت لاحقاً أن أجعل مدار البحث (واقعة الغدير)؛ لأنها الواقعة الفصل في الإعلان عن ذلك وعقد الولاء لهم في الإسلام، ولكني أدرجت البحث عن الاصطفاء بعنوانه في أحد أقسام الكتاب.

وعلى الناظر أن يعتبر هذه الأوراق استشارة منه مع هذا الأقل في التحقق من حقيقة الدين للبلوغ إلى الحق وإحقاقه كما أراد الله سبحانه وتعالى ورسوله (ص) وليجتهد في ذلك، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَ الْمُحْسِنِينَ.

على أنني لم أستوف في هذه الأوراق ما كنت أرجوه، ولا بلغت ما كنت آمله من جهة تزاحم الأعمال وتعدد المشاغل، ولكني آمل أن يكون فيما تيسر تذكرة نافعة لأهلها، ولعل الله سبحانه يسهل فيما بعد إتمام ما قصدت، ومنه سبحانه أستمد التوفيق والتسديد.

وربما وقع تكرار في ذكر بعض المعاني في ضمن الأقسام أو الإيضاحات بالنظر إلى الحاجة إلى ذكرها للنظر فيها في المواضع المختلفة من زوايا مختلفة، أو كان التكرار لأجل الاهتمام بإكمال صورة المطلب عند التعرض للموضوع حذراً من أن يؤدي الإحالة إلى ضعف قناعة الباحث، ومساعدة اكتمال جهات الموضوع على وضوح الفكرة وحسن تلقيها، وربما طرأ التكرار من جهة إضافة في الموضوع أو تقرير أوفى للمعنى، على أن الانقطاع الطارئ في تحرير هذه الأبحاث ربما أدى إلى أن يكون تأليفها أشبه بتأليف كتب أو مقالات مستقلة وإن انتظمت تحت غاية واحدة وموضوع رئيسي مشترك، فاقتضى ذكر كل ما هو محل استشهاد في البحث المعقود نفسه، وكان حذف التكرار بحاجة إلى جهد جديد لم يتسع له الوقت على أني أرجو أن يكون في بعض هذا التكرار ما ينفع الباحث في الانتباه والتركيز على الأمور المهمة.

هذا، وقد اهتممت عموماً بالاستيثاق في أصل المنهج وأصول مطالبه، ولو أمكن أحيانا التوقف في بعض الجزئيات لم يؤثر على مجمل الفكرة وأساسها، فلا ينبغي أن يكون مثله ـ لو اتفق – صارفاً عن التحقق من أصول المطالب وأركانها.

وقبل الخوض في البحث نذكر أموراً حول أهمية اصطفاء أهل البيت (ها) في الإسلام، وأهمية واقعة الغدير ومنهج البحث وملامحه، وأقسام الكتاب مع إيجاز عما تضمنه هذا القسم من الكتاب .

 

المجلد الأول

تحميل الكتاب 

واقعة الغدير (ج ١)

وهو القسم الاول من سلسلة (واقعة الغدير) .

تبحث هذه السلسلة عن اصطفاء أهل البيت (عليهم السلام) في الإسلام، مع تسليط الضوء على واقعة الغدير التي تضمنت الإعلان العام عن ذلك وعقد الولاء لأمير المؤمنين (عليه السلام) كأول فرد من المصطفين من هذه الأمة.

ويتناول هذا الجزء من هذه السلسلة واقعة الغدير من جانبي (الثبوت) و(الدلالة)، فيبين كونها من الحوادث الثابتة التي تواتر نقلها، ويتناول دلالاتها بجزئيها اللذين تألفت منهما (الحدث والخطاب)، حيث يوضح الأبعاد الاجتماعية والسياسية للحدث، ويحلل الخطاب الذي ألقاه النبي صلى الله عليه وآله والعناصر الكثيرة التي اشتمل عليها.

كما وتضمن هذا الجزء التركيز على الكثير من الزوايا في هذه الواقعة كدلالة الأمر بالتمسك بأهل البيت (عليهم السلام) على اصطفائهم في الإسلام، وبيان المقصود من الولاء فيها على ضوء القرائن اللفظية والملابسات المحيطة بالكلام والحوادث السابقة عليه واللاحقة له، وغير ذلك من الأبحاث المهمة.

محتويات المجلد الأول 

 

المجلد الثاني

تحميل الكتاب 

واقعة الغدير ج (٢)

يتناول هذا الجزء من سلسلة (واقعة الغدير) السياقات والملابسات التي احتفت بهذه الواقعة وأدت دوراً في تكوين دلالاتها أو التنبيه عليها بما يتضح به وضوحاً لا لبس فيه أن النبي (ص) كان ناظراً في خطبة الغدير إلى إيلاء أمر هداية الأمة والولاية عليها بعده إلى الأشراف المصطفين من أهل بيته، وإلى عقد الولاء للإمام علي (عليه السلام) بعد وفاته على حد ولائه على الأمة في حياته.

ومن الملابسات التي تم إيضاحها في هذا الجزء: فهم أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة لنص الغدير في العصر الأول، ودلالات غياب أي إرشاد من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الولاء البديل من بعده، ودلالات الهواجس التي يثيرها إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقرب وفاته ووداعه للناس فيها، وغيرها.

كما تمت الإجابة عن بعض الأسئلة والإشكالات التي قد تثار حول دلالة الواقعة كاحتمال تعويل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الشورى كنظام للحكم بعده، وسبب تأخير الخطبة عن مشاعر الحج وإلقائها في الطريق بدلاً عن ذلك، وما طرحه البعض من ربط واقعة الغدير بشكوى بعض سرية اليمن من الإمام علي (عليه السلام).

 

فهرس محتويات المجلد الثاني 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky