مواجهة الحوزة العلمية في قم مع التيارات التنويرية

خاص الاجتهاد: إنّ مرور مائة عام على تأسيس الحوزة العلمية في قم يُمثّل فرصةً ذهبيةً لفهم مكانتها ودورها في التحولات الاجتماعية، كما يُشكّل مناسبةً لإعادة قراءة تجربة قرن كامل من عمل الحوزة. ومن بين الموضوعات التي تُثار خلال هذا القرن، موضوع “علاقة الحوزة العلمية في قم مع التيارات الفكرية والتنويرية”./ حجة الإسلام والمسلمين الدكتور عبدالحسين خسروبناه

نعلم أنّ القرن الماضي قد شهد تراجعًا للتيارات الفكرية مثل عبد الرحيم الطالبوف، والميرزا ملكم خان، والأخوندزاده، وسپهسالار و…، ممّا أدّى في النهاية إلى الاستبداد الرّضا خاني. وبعد ذلك، تواصلت موجة التحديث والتغريب بقوة من قبل مفكرين مثل فروغي، وكسروي، وأحمد متين.

وشهدت العشرينيات ظهور المفكرين اليساريين. وفي نفس الفترة، برز مفكرون دينيون مثل السنكلجي، والخرقاني، والنجم آبادي، وفي الجيل التالي، مثل آية الله الطالقاني، والدكتور بازرگان. وفي العصر الحديث، يُعدّ كلّ من ملكيان، وشبستري، والدكتور سروش من بين المفكرين الدينيين.

السؤال: كيف واجهت حوزة قم العلمية ظاهرة التنوير الفكري بشكل عام، والتنوير الديني بشكل خاص؟ ما هي التأثيرات التي مارستها على تيار التنوير الفكري؟ وما هي التأثيرات التي تلقتها منه؟ وكيف يمكن صياغة العلاقة بين حوزة قم وتيار التنوير الفكري؟

الفرق بين التأسيس وإعادة التأسيس والإحياء:

يرجع تاريخ تيار التنوير الفكري في إيران إلى عهد السلالة القاجارية. نشأ هذا التيار في البداية على يد طلاب إيرانيين درسوا في أوروبا، ثم انتشر من الغرب إلى إيران. تتميز الفلسفة الأساسية للتنوير الغربي بإعطاء الأولوية للعقل المستقل، مما أدى إلى العلمانية

لكن يميل تيار التنوير الفكري الإيراني غالبًا إلى جانب العلمانية، وكان مقلدًا للغرب أكثر من اعتماده على العقل المستقل. ونتيجة لذلك، نجد أن التيارات التي تتوافق مع العلمانية في الغرب تجد صدى لها في إيران ويتم ترجمة كتبها، بينما لا مكان في إيران للأفكار التي تنتقد تيارات العلمانية اعتمادًا على العقل المستقل.

ينقسم التنوير الفكري في إيران إلى أربعة اتجاهات رئيسية:

التنوير الفكري الماركسي
لتنوير الفكري الاشتراكي
التنوير الفكري الليبرالي
التنوير الفكري الديني
ومع ذلك، يتفق جميع هؤلاء في كونهم مستهلكين لإنجازات العقلانية الغربية العلمانية

ويمكن تصنيف مواجهة حوزة قم العلمية، ظاهرة التنوير الفكري إلى ستة اتجاهات رئيسية:

الفلسفية والكلامية، والفلسفية-الكلامية، والاستدلالية-الاجتهادية، والتنوير الديني

تجدر الإشارة إلى أن أول مواجهة لحوزة قم مع التيارات الفكرية كانت على يد السيد جمال الدين أسدآبادي، لكن بما أنه كان من علماء النجف، فلن يتم تناوله في هذه المقالة

كانت أولى المواجهة الفكرية التي واجهتها حوزة قم ذات طابع فلسفي، وقد تصدى لها كل من الشيخ محمد بن حسن فاضل التوني (ت. 1341هـ) والشيخ محمد حسن رفيعي قزويني (ت. 1371هـ).

وكان هؤلاء أول من أدرك أن التيارات الفكرية، بدلاً من أن تؤدي إلى التوفيق، تُفضي إلى الإلحاد. ولذلك، سعوا إلى نشر العلوم العقلية. لكن أول من تصدى للمواجهة الفلسفية مع التيار الفكري كان العلامة الطباطبائي، ويمكن اعتبار کتاب الميزان نموذجاً بارزاً لهذه المواجهة.

كما أن كتاب “أصول الفلسفة و روش رئالیسم” (أصول الفلسفة والمنهج الواقعي) قد كتب بهذا الشأن. وسار على هذا النهج تلميذه الشهيد مطهري، ولا مبالغة إذا قلنا إنّ جميع أعماله تأتي في إطار هاجس مواجهة التنوير.

المواجهة الثانية هي المواجهة الكلامية التي ينحاز إليها أمثال آية الله العظمى صافي الكلبايكاني (قدس سره).

المواجهة الثالثة، التي يتقدمها آية الله العظمى السبحاني، هي المواجهة الفلسفية الكلامية؛ لا أنها فلسفة محضة أو كلام محض.

المواجهة الرابعة هي مواجهةٌ فعّالة، على خلاف المواجهَات السابقة التي كانت دائماً في موقف الرد. في هذه المواجهة، يتمّ التوجه إلى أسئلة العالم الحديث، ويتمّ الردّ عليها بغض النظر عن الإجابات التي قدّمها لها الغرب. ترجع هذه المواجهة إلى عشرين عاماً مضت، وانتشرت في إطار فلسفات المضافة.

المباحث التي طرحت تحت عناوين مثل فقه الاجتماع، وفقه الحكم، والفقه السياسي، وفقه الاقتصاد، وفقه النظم الاجتماعية، يتم صياغتها في إطار هذا المواجهة

من بين المواجهات التي حدثت، فإن مثل هذه المواجهة هي الأكثر طلبًا؛ على الرغم من أن المواجهة المثالية هي أن تكون الحوزة العلمية مصدرًا للأسئلة للحضارة الغربية؛ كما أنه بعد انتصار الثورة الإسلامية، أثرنا أسئلة للحضارة الغربية؛ ولكن في الوقت الحاضر، تهيمن الحضارة الغربية على العالم، ومن الناحية الاجتماعية، نحن جميعًا أناس إيرانيون مسلمون غربيون؛ لأننا على أي حال نتأثر بالمفاهيم الغربية. لا يمكن للإنسان أن ينفصل عن مفاهيم عصره أو على الأقل عن أسئلته.

المواجهة الخامسة التي يقودها المفكرون الدينيون ركزت على فقْهَة المفاهيم الحديثة. يقسّم هذا التيار الدينَ، مثل المثقفين الدينيين، إلى جوهر و عرضي، ويعتبر العبارات العرضية للدين ذات تاريخ انتهاء صلاحية، ويسعى لملء الفراغ من خلال التبرير الفقهي للمفاهيم الغربية.

المواجهة السادسة، التي تمثلها المدرسة التقليدية، تحمل عنوان المواجهة بتردد؛ لأنهم لا يشعرون بالقلق من المواجهة، وفي الواقع، ليست مشكلتهم العالم المعاصر؛ على الرغم من أنها قد تجيب أحيانًا على بعض قضاياه.

كان من الممكن أن تحدث مواجهة في الحوزات العلمية، وهي مواجهة عرفانية مع التيار الفكري، لكن لم يحدث ذلك ولم يتم استخدام قدرة المناقشات العرفانية في هذا الصدد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky