الاجتهاد: اتخذ تجديد أصول الفقه عبر مراحله مظاهر عدة. وفي هذا البحث يحاول الباحث الدكتور ساعد غلاب لدراسة مظهر من مظاهر تجديد أصول الفقه في عصرنا الحاضر وهو الاجتهاد الجماعي لدى المجامع الفقهية. وانتظم هذا البحث ثلاثةَ مباحث: أولها في حقيقة التجديد الأصولي …،وثانيها في تعريف المجامع الفقهية…، وثالثها في دراسة نموذج للتجديد الأصولي وهو الاجتهاد الجماعي لدى المجامع الفقهية.
من منطلق التجديد المحمود الذي يقوم على المحافظة على الثابت واختيار المناسب في المتغير؛ فإن من مظاهر تجديد الفقه الإسلامي المعاصر إنشاء مؤسسات علمية للفتوى والاجتهاد تحقيقا لأهداف سامية؛ منها: ربط المسلمين بدينهم وجمع شملهم عليه، وإجابة المسلمين عن أسئلتهم التي يحتاجون إلى معرفة الحكم الشرعي فيها، وقطع دابر فوضى الإفتاء، وسد الباب في وجه المتجرئين على الكلام في الشرع من غير أهلية… وغير ذلك من المقاصد الشريفة.
ولقد بزغ نور هذه المؤسسات العلمية في عدد من بلدان الإسلام نتيجة أسباب ملحة منها: حاجة المسلمين إلى تعلم دينهم الذي حاول أعداؤهم بوسائل شتى إبعادهم عنه ليحققوا أهدافهم الوضيعة حيث علموا أن مكانة المسلمين في تمسكهم بالدين واعتصامهم بحبل الله المتين.
ومنها: كثرة المستجدات في الحياة وشدة تعقدها، مما دفع الناصحين للأمة الإسلامية إلى تجنيد الطاقات العلمية على مستويات مختلفة وفي مجالات متعددة وبصيغ متباينة؛ لإيجاد الأجوبة والحلول الشرعية لها.
فإذا كان من مظاهر تجديد الفقه إنشاء المجامع الفقهية كما ذكر هذا كثير من فقهاء هذا العصر، فهل يكون من مظاهر تجديد أصول الفقه هذا الاجتهاد الجماعي الذي تقوم به المجامع الفقهية والذي يعد من أعظم وظائفها؟
يهدف هذا البحث إلى دراسة مظهر من مظاهر تجديد أصول الفقه وهو الاجتهاد الجماعي لدى المحامع الفقهية وذلك من الناحية النظرية والتطبيقية.
كما يهدف البحث إلى تنبيه المهتمين بهذا العلم الشريف تعلما وتعليما وتوظيفا في الاجتهاد والاستنباط أن علم أصول الفقه علم مرن قابل للتطور والتجديد بحسب ما يتطلبه الاجتهاد في نوازل العصر ووقائعه من قواعد وأصولٍ تتناسب مع خصائص هذه النوازل.
فلا يصح تعلم أصول الفقه ولا تعليمه ولا الاجتهاد في النوازل وَفْقَه إلا إذا تعاملنا مع هذا العلم الشريف بهذه النظرة التجديدية.
ونهجت في هذا البحث للوصول إلى الهدف المنشود المنهج الاستقرائي فتتبعت القرارات الأصولية للمجامع الفقهية، وما وصلتُ إليه من البحوث والدراسات حول المجامع الفقهية من الناحية الأصولية.
كما نهجت المنهج التحليلي الاستنباطي لتحديد معالم تجديد الاجتهاد الجماعي لدى المجامع الفقهية،
الاجتهاد الجماعي بين الحقيقة والخيال / أ. الدكتور طه جابر العلواني
ويتضمن هذا البحث المباحث التالية:
المبحث الأول: تجديد علم أصول الفقه: حقيقته، الموقف منه، ضوابطه.
المبحث الثاني: المجامع الفقهية: تعريفها، خصائصها، أهميعها.
المبحث الثالث: تجديد الاجتهاد الجماعي لدى المجامع الفقهية.
خلاصة المواقف من تجديد علم أصول الفقه(1) تتمثل فيما يلي:
أولا: يرى بعض العلماء المعاصرين إلى أنه في سبيل الارتقاء بالاجتهاد في العصر الحاضر لا بد من تجديد أصول الفقه وتطويره باعتباره منهج الاجتهاد وعماد الفقه، وهذه الدعوة قد عارضها علماء آخرون يرون أن أصول الفقه قد بلغ شأوا لا يحتاج معه إلى تجديد أو تطوير خصوصا فيما يتعلق بمضمون أصول الفقه فقد نضج واكتمل.
ثانيا: ويرى بعض العلماء أن أصول الفقه بحاجة إلى تجديد في إطار الشكل والصياغة، ولا يحتاج إلى تجديد في المضمون، وذلك أنه من حيث المضمون قد نضج واكتمل ولكنه من حيث الصياغة والأسلوب قد شابه الكثير من الإشكالات، مما يحتم ضرورة إعادة صياغته بأسلوب سهل عبارته ويقرب مضمونه إلى الدارسين.
ثالثا: وذهب جماعة من المفكرين – وهم في الغالب ليسوا من المتخصصين في الأصول – إلى أن علم أصول الفقه بات مجرد أفكار نظرية جامدة لم تعد قادرة على إنتاج اجتهاد يحل مشاكلنا، وبواكب عصرنا، وأنه لذلك لا بد من تجديد أصول الفقه بما يتضمن تجاوز مفرداته القديمة، وبناء منهجية أصولية جديدة، وقد لقي هذا الاتجاه انتقادا واسعا وكبيرا، ورأى البعض بأن هذا الاتجاه سيفتح للكثير من الانحرافات الفكرية والمنهجية.
رابعا: توسط بين الاتجاهين السابقين اتجاه ثالث يرى ضرورة تجديدُ أصول الفقه تجديدا لا يقف عند حدود الشكل بل يتجاوزه إلى تجديد المضمون وفق معالم منهجية منضبطة تؤدي إلى تجديده والنهوض به مع المحافظة على روحه ومقصده وأسسه القطعية ومن تلك المعالم صياغة المباحث الأصولية بأسلوب سهل يقربها للدارسين، وتصفية أصول الفقه من المسائل والأقوال التي لا يترتب عليها أثر في الفقه الإسلامي والربط بين القواعد الأصولية والفروع الفقهية، والاهتمام بدراسة مقاصد الشريعة دراسة وافية، ودراسة تاريخ علم أصول الفقه بتوسع يظهر مراحل تطوره، وسمات كل مرحلة والخروج من ذلك بموجِّهات عامة تساعد على تطوير هذا العلم.
وإعادة هيكلة المادة الأصولية بما يتيح فهما أعمق واستعمالا أفضل لقواعد الأصول في التحليل والاستنباط وكذلك تطوير مفاهیم
بعض الأدلة مما يجعل أمر تطبيقها في واقعنا اليوم أكثر يسرا وأكثر إمكانا، ومن معالم تجديدُ أصول الفقه استخدام أدوات ومفاهيم العلوم الاجتماعية في دراسة بعض المسائل الأصولية.
إن الاتجاه الثالث في التجديد حري بالمراجعة والنظر، والأخذ به، لكونه لا يتنكر الفضل علماء الأصول وما بذلوه من جهد في خدمة الشريعة وعلومها ولا يسعى إلى هدم جهود السابقين، ولا يخرج عن القطعيات في الأصول، وإنما يركز على الظنيات التي هي محل للاجهاد واختلاف الرأي، ليجدد فيها ويطور من خلالها بما يمكن أن يكون إضافة نوعية إلى جهود السابقين ولبنة بناء وتطوير في تراثنا وفكرنا الإسلامي العظيم.
قال الباحث: وباستقراء قرارات المجامع الفقهية نجدها تتبنى هذا الاتجاه الوسط في تجدیدُ علم أصول الفقه كما سيأتي التدليل عليه ببعض النماذج التي هي من معالم التجديد.
الهوامش
(1)- ” أخذت هذه الخلاصة من بحث: تجديدُ أصول الفقه (تاريخه ومعالمه) عبد المجيد محمد السوسوة الشرفي. مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والإنسانية مج3، ع2، جمادى الأولى 1427 هـ، يونيو 2006 م. ص / 363-364. وللاستزادة، راجع: الفرق بين التجديد والتبديد من كتاب: التجديد والمجددون في أصول الفقه، د، أبو الفضل عبد السلام بن محمد. ص/81-88 وقف على نماذج لغلاة القول بالتجديد في أصول الفقه في: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، 2 /1015-1016
تحميل المقالة
1_1611169630http://ijtihadnet.net/wp-content/uploads/2022/06/1_1611169630.pdf