الاجتهاد: تشتهر في الفقه الإسلامي مسألة لمس و مصافحة المرأة الأجنبيّة، ويحكم الكثير من الفقهاء عند المذاهب كافّة بحرمتها([1])،بل إنّ المركوز في الأذهان أنّ هذا الحكم قطعيٌّ واضح ومسلَّم، وأنّه إجماعي اتفاقي بين الفقهاء.
ويمرّ الفقهاء على هذا الموضوع بسرعة وعجلةٍ عادةً عندما يدرسون الأحكام المتعلّقة بالستر والنظر من مقدّمات كتاب النكاح في الفقه، وهذا ما يرشد أيضاً إلى وضوح الأمر عندهم أو عدم وجود سجال حادّ فيه، لا أقلّ في القرون الأخيرة.
وقد خالف في هذه المسألة بعض العلماء تارةً بنحو كلّي فأجازوا المصافحة مطلقاً، وأخرى بنحو جزئي، كما في حال معيّن مثل كون المرأة عجوزاً، فممّن قال بالحليّة مطلقاً بشرط عدم الفتنة الشيخ تقي الدين النبهاني (1977م) في رأي أحدث جدلاً واسعاً في الأوساط الإسلاميّة وما يزال([2])، وقد نافح أنصاره عنه ودافعوا عنه إلى يومنا هذا.
وفي الفترة الأخيرة، وبتاريخ 28 ـ 2 ـ1381هـ.ش (2002م)، استُفتي المرجع الديني الراحل الشيخ حسين علي منتظري، من قبل بعض المتديّنين المقيمين في أوروبا، حول موضوع مصافحة الأجنبيّة وما يسبّبه هذا الأمر من قلق وإحراج هناك.
وقد كان جواب الشيخ المنتظري قائماً على عدّة نقاط:
1ـ إنّ الكثير من روايات حرمة النظر إلى الأجنبية وردت في سياق احترام المنظورة، فلو كانت ترضى بذلك ولا تجده هتكاً لحرمتها ولم تكن تستر نفسها كان النظر جائزاً، والملاك نفسه لا يبعد وجوده في المصافحة.
2 ـ إنّ نصوص حرمة المصافحة منصرفة إلى المسلمات دون غيرهنّ.
3 ـ إنّ المصافحة مع الضرورة العرفيّة أمرٌ جائز بدون مفسدة أخلاقيّة، ولو أمكن أن تكون من وراء الثوب كان أفضل للاحتياط([3]).
وقد صدر عن الشيخ المنتظري فتوى أخرى بتاريخ 9 ـ 8 ـ 1382ش (2003م) تلتقي مع مضمون الفتوى الأولى.
لكنّ هذه الفتوى لم تثر ضجّة إلا بعد بضع سنوات على صدورها، إثر ملابسات معروفة لا شأن لنا بها هنا.
كما ذهب الشيخ علي جمعة ـ أحد كبار علماء الإفتاء في جمهوريّة مصر العربيّة ـ في حوارات تلفزيونيّة مشهودة، إلى حليّة المصافحة واللمس بين الرجل والمرأة شرط أمن الفتنة وعدم الشهوة، وقد رأينا تصريحاته برأيه هذا مباشرةً على التلفاز أكثر من مرّة، وفي بعض الأحيان كان يرى ذلك جائزاً عندما تقوم المرأة ببدء السلام على الرجل وتهمّ بمصافحته، لكن يظهر منه النقاش في كلّ أدلّة التحريم المطروحة، ويخلص إلى أنّ المسألة عرفيّة، ففي بعض البلدان كدول الخليج واليمن يعدّ من المعيب مدّ اليد لمصافحة النساء، بينما في بلدان أخرى في العالم يعدّ من المعيب عكس ذلك تماماً. وقد صدرت مواقف مؤيّدة للشيخ جمعة، كما فيما نسب للشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر في القاهرة.
وأصدر الشيخ يوسف القرضاوي فتوى أخرى أيضاً بجواز المصافحة مع أمن الفتنة في حالات الحاجة العرفيّة التي قد لا تبلغ حدّ الاضطرار، كما في إقدام النساء على مصافحة الرجل في القرى والأرياف أو في البلدان الأجنبيّة، ورأينا ذلك منه مباشرةً على التلفاز وهو يرفض أدلّة التحريم.
وسوف يأتي ـ عند استعراض دليل الإجماع ـ أنّ ابن سعيد الحلّي في القرن السابع الهجري قد يظهر من عبارته أنّه يرى كراهة المصافحة لا الحرمة، وأنّ جمهور علماء الإماميّة قبل العلامة الحلّي، لا يوجد نصّ واضح لهم في التحريم، وإنّما ظهرت نظريّة التحريم عند الإماميّة منذ زمن العلامة الحلّي على ما يبدو.
وبصرف النظر عن هذه الفتاوى، يجدر بنا النظر إلى هذا الحكم ودراسة أدلّة القول بحرمة لمس المرأة ومصافحتها، وهي قضيّة شديدة الابتلاء وواسعة الانتشار عالميّاً.
لكن يلزمني ـ قبل الشروع ـ التعليق على ما أفاده العلامة الشيخ جعفر السبحاني في هذه القضيّة، إذ اعتبر أنّ الأصل هنا هو الحرمة كسائر موارد الشك في الحليّة، ولا أدري هل هو من القائلين بأصالة الاحتياط في الشبهات التحريميّة، فيكون الخلاف مبنائياً، مع أنّه من الأصوليين المعروفين بالذهاب إلى أصالة البراءة؟
بل حتى لو أراد الحديث عن مسألة الأعراض والفروج، فإنّ الأصل هنا أيضاً هو الحليّة، وعلى هذا ديدنهم وطريقتهم، فلم يظهر لي الوجه في اعتبار الأصل هو الحرمة، لكي نبحث عن دليل الترخيص، بل الأصل هو البراءة كما هي القاعدة، والمفترض البحث عن دليل التحريم.
أولاً: نظريّة حرمة لمس المرأة ومصافحتها، الأدلّة والشواهد
يستدلّ لحرمة لمس المرأة الأجنبية ومصافحتها بعدّة أدلّة هي:
1 ـ دليل الملازمة والأولويّة العرفيّة بين النظر واللمس
الدليل الأوّل: ما ذكره بعض الفقهاء من الملازمة العرفية بالأولويّة بين حرمة النظر وحرمة اللمس، بمعنى أنّه كلّ ما حكم فيه بحرمة النظر حكم فيه بحرمة اللمس والمس، لاسيما وأنّ اللمس مدعاة للفتنة بشكل أكبر من النظر. وهذه الملازمة إنما تقع في طرف الحرمة دون الجواز، بمعنى أنه لو جاز النظر إلى المرأة في مورد ما ـ كالوجه والكفّين ـ فلا يعني ذلك جواز مسّها أو مصافحتها([4]).
وهذا الكلام قابل للمناقشة؛ وذلك:
أولاً: إنّنا لا نحرز مثل هذه الأولويّة العرفية في مورد عدم وجود ريبة أو تلذّذ أو مفسدة أخلاقيّة؛ فإنّه إذا أخذنا عنصر الشهوة بعين الاعتبار، فقد يتمكّن الفقيه من العثور على هذه الأولويّة العرفية، فإذا لم يجز النظر الشهواني لم يجز اللمس كذلك، لكونهما من باب واحد ومفضيان إلى أمرٍ واحد.
إنما الكلام لو كان اللمس غير شهواني ـ لا نوعاً ولا شخصاً ـ كما في مثل المصافحة في بعض الأحيان على الأقلّ، فإنّ النظر إذا كان حراماً في هذه الحال فإنّ تحريم اللمس لن يكون إلا قياساً باطلاً.
وأغلب الظنّ أنّ الأولويّة العرفية المدعاة قد تمّ الخلط فيها بين حالتي الريبة والتلذّذ وعدمهما. ولهذا فما ذكره بعضهم من أنّ علّة وملاك تحريم النظر هو تهييج الشهوة كما ورد في بعض الأخبار كما سيأتي، وهذا ثابت في اللمس بدليل الفحوى([5])، غير صحيح، إذ لو اُخذ بإطلاقه بحجّة أنّه إطلاق لنصّ تعليلي كخبر محمّد بن سنان القادم، فهذا يعني تحريم ما اتفق الكثير على حلّيته، أليست محادثة الرجال والنساء توجب الشهوة كثيراً أيضاً؟! أليس خروج النساء في الشوارع ومشاهدة الرجال لهنّ وهنّ ساترات لكلّ ما يلزم ستره.. يوجب الشهوة أيضاً في كثير من الأحيان لكثير من الرجال والشباب؟! فيلزم على ذلك تحريم كلّ هذه الأمور بحجّة إيجابها الشهوة تحريماً مطلقاً، حتى لو افتقدت تحقّق ووقوع الشهوة فعلاً! بل ماذا نقول في نصوص المصافحة الآتية التي تجيز المصافحة من وراء الثوب؟ أليس ذلك موجباً أيضاً للشهوة ولو من غير غمز إذا سرنا مع طريقة المستدلّ هنا؟! فليتأمّل كلّ واحد في الموضوع، فسيجد أنّ الفروقات ليست كبيرة، ومن ثمّ فإطلاق عنوان (موجب التهييج) بوصفه عنواناً عامّاً تحريميّاً يؤدّي ـ بقانون سدّ الذرائع ـ إلى تحريم الكثير مما يُعلم بحليّته.
وأمّا القول بأنّه لو أمن الفتنة على نفسه فكيف يأمنها على الطرف الآخر؟! فهو ضعيف؛ فإنّ الأصل عدم الفتنة، وهو تماماً مثل النظر إلى الوجه والكفّين، فكيف يأمن الرجال أنّهم لو أبرزوا وجوههم لم تقع الفتنة من النساء؟! وكذا العكس؟! إنّ هذه الطريقة في معالجة الموضوع غير دقيقة.
وأمّا القول بأنّه لا يمكن ضبط إيقاع هذه الأمور، فكيف يعرف أنّه قد يقع في الفتنة، ثم لو صافح فوقع في الفتنة فهل يمتنع في اليوم الثاني عن مصافحة هذه المرأة نفسها؟! ألا يوجب ذلك ارتباكاً في تطبيق هذا المفهوم الهلامي على أرض الواقع؟!
هذا القول غير دقيق؛ فإنّه ما لم يحرز الشهوة والريبة ليس عليه الامتناع عن المصافحة، وإلا لزمه تجنّبها، وأمّا إدارة هذا الموضوع فإنّه لا إشكال فيه، إذ نماذجه كثيرة على أرض الواقع في كلّ فتاوى الفقهاء، فلو كان ينظر إلى أخته أحياناً بريبة أو يلمسها كذلك، فماذا نقول له؟! ولو كان ينظر اليوم بريبة إلى زميلته في العمل وغداً ليس عنده هذه الحال، فهل نقول له بأنّ بإمكانك اليوم التحدّث إليها وغداً تمتنع وتصدمها بامتناعك؟! وهكذا في عشرات المواضع الأخرى التي تواجه الظاهرة نفسها وفق الكثير من فتاوى الفقهاء..
إنّ المطلوب في هذه الحال هو أن يعمل ما يلزمه بأيّ حجّةٍ كانت، علماً أنّ الشهوة يمكن أن نطالبه بالتحكّم النفسي بها أيضاً؛ لأنّ الشهوة لها بعد نفساني وبعد جسماني، كما وله أن يستنّ بسنّة رسول الله فيترك المصافحة لا بوصفها محرّمة، بل بوصفها مرجوحة، غاية الأمر نرفع له حالات الحرج ولو غير الشديد فنجيز له المصافحة، فمثل هذه الأمور كثيرة التحقّق وعلى المكلّف إدارة حركته على أرض الواقع، وإلا فمثل هذه الأمور لا توجب تغيير الأحكام الشرعيّة. والغريب أنّ بعض من يفكّر بهذه الطريقة يعتبر أنّ تطبيق الحكم مربك، فيما يدعو إلى الحزم والوضوح في شخصيّة المؤمن بترك المصافحة، مهما كان الأمر مربكاً له، وعلى الآخرين احترام خصوصيّاته وقناعاته!
وأمّا القول باستحالة اللمس بلا شهوة والمصافحة من دونها، فهذا عهدته على مدّعيه، وهو تطبيق لهذه القضية من قبل شخص يعيش الأجواء الدينية التي اعتادت على الفصل بين الرجال والنساء، ولكي نختبر هذا الموضوع علينا أن نذهب إلى المجتمعات الأخرى التي تكاد تعتبر فيها المصافحة ضرورة يوميّة وليست خياراً، فهل كلّ مصافحاتهم تقع فيها الشهوة من الطرفين مهما كان سنّهما؟ فليُسألوا ولننظر.. إنّ إسقاط المناخ الديني المحافظ على القضيّة هنا، ومحاولة استكشاف واقع الأمر من خلال هذا المناخ، هو في نفسه خطأ أساسي، فكم من رجال في مجتمعات محافظة جداً عندما يأتون لمجتمعات أقلّ محافظةً تثيرهم الكثير من ملابس المحجّبات بينما لا يُثار المتديّن الذي يعيش في البلد الثاني بسبب اعتياده على ذلك.
ثانياً: إنّ هذا الدليل لا يثبت الحرمة مطلقاً كما تطرح في الفتاوى الفقهيّة؛ لأنّ غاية ما يدلّ عليه حرمة لمس ما حرم النظر إليه، وهو ساكت عن تحريم لمس ما جاز النظر إليه حتى لو لم نقل: إنه يُثبت جوازه؛ لعدم جريان الملازمة في الجواز.
وذلك أنّ الفقيه الذي يجيز النظر إلى الوجه والكفين، لا يمكنه الاستناد إلى هذا الدليل هنا لتحريم لمسهما أو المصافحة؛ لعدم تحقّق معيار قانون الملازمة هذا، وهكذا لو قيل بجواز النظر إلى القدمين وجواز كشفهما للمرأة، فالعنصر الرئيس هنا وهو المصافحة لم يندرج ضمن قانون التحريم في هذا الدليل.
وهكذا الحال مع نساء أهل الذمة أو اللواتي لا ينتهين إذا نُهين، أو النظر إلى الإماء في شعورهنّ ـ على قول ـ فإنّه في هذه الموارد لا يُثبت دليل الملازمة هذا حرمةَ المسّ أو المصافحة مطلقاً.
ثالثاً: لو كانت هناك أولويّة عرفية حقّاً بحيث يفهم العرف ذلك من أدلّة النظر، فكيف وردت الأسئلة إلى الأئمة بعد قرن من نزول تحريم النظر في القرآن والسنّة، حول موضوع المصافحة، في الروايات الآتية؟! لعلّ هذا مؤشّر ـ ولو بنحو التأييد الموجب لإرباك الاستدلال ـ على عدم وجود أولويّة حاسمة بشكل مطلق، وأنّ الفهم العرفي لا يرى ثبوت حرمة المصافحة من خلال دليل حرمة النظر.
رابعاً: هذا كلّه لو قام دليل على حرمة النظر غير الشهوي وغير الموجب للفتنة النوعيّة والشخصيّة وغير الموجب لهتك أحد الطرفين عرفاً، وسيأتي ما يشير إلى أنّ هذا الدليل قد يناقش فيه أساساً، وأنّ المحرّم هو النظر الشهويّ أو الفتنويّ أو الهتكي أو العدواني على خصوصيّات الآخرين، ممّن لا يريدون الاطلاع على خصوصيّات جسدهم، وأنّ بُنية التشريعات الإسلاميّة في باب النظر قائمة ـ بعد مقارنتها ومقاربتها ـ على هذه المعايير النوعيّة، فإذا كانت المصافحة عبارة عن عادة لا توجب أيّ معنى غرائزيّ استثنائي، كما هي الحال اليوم في المجتمعات التي اعتادت عليها، ولا تكون بأشدّ من مطلق خروج المرأة من بيتها بين الرجال أو من النظر إلى الوجه والكفّين بلا شهوة، أو من أصل الاختلاط ولو في العمل والوظيفة والسوق.. ففي هذه الحال يصعب جداً القول بتحريم المصافحة، استناداً إلى أدلّة تحريم النظر.
2 ـ مستند النصوص والمجموعات الحديثية
الدليل الثاني: الروايات الخاصّة، وهي على مجموعات:
المجموعة الأولى: نصوص النهي عن المصافحة
1 ـ خبر أبي بصير (المعتبر عند المشهور)، قال: قلت لأبي عبد الله×: هل يصافح الرجل المرأة ليست بذي محرم؟ فقال: «لا، إلا من وراء الثوب»([6]).
فهذه الرواية واضحة في النهي عن مصافحة الرجل المرأةَ الأجنبية دون أن يستثني سوى حالة واحدة، وهي أن تكون هذه المصافحة من وراء الثوب.
والخبر في كتاب من لا يحضره الفقيه ورد بطريق الصدوق إلى أبي بصير، وفي الطريق بعض من لم تثبت وثاقتهم، مثل محمد بن علي ماجيلويه، ومحمد بن خالد البرقي عندي، وعلي بن أبي حمزة البطائني، أمّا الطريق في الكافي، فتام على المشهور، إلا أنّ فيه إبراهيم بن هاشم الذي سبق أن علّقنا على موضوع وثاقته والأخذ بما تفرّد به.
2 ـ صحيحة سماعة بن مهران، قال: سألت أبا عبد الله× عن مصافحة الرجل المرأة، قال: «[لا] يحلّ للرجل أن يصافح المرأة؛ إلا امرأة يحرم عليه أن يتزوّجها: أخت أو بنت أو عمة أو خالة أو ابنة أخت أو نحوها، فأما المرأة التي يحلّ له أن يتزوّجها فلا يصافحها إلا من وراء الثوب، ولا يغمز كفّها»([7]).
وهذه الرواية التامة السند أكثر وضوحاً من سابقتها، كما أنّها تضيف حالةً جديدةً، وهي عدم غمز الكف لو كانت المصافحة من وراء الثوب.
3 ـ خبر أبي هريرة وعبد الله بن عباس، قالا: خطبنا رسول الله’ قبل وفاته.. فقال: «أيها الناس… ومن صافح امرأةً حراماً جاء يوم القيامة مغلولاً ثم يؤمر به إلى النار..» ([8]).
وهذا الحديث صريح في حرمة المصافحة، إذ لا معنى للغلّ والأمر به إلى النار مع عدم الحرمة.
وقد اعتبر ابن الجوزي هذا الحديث موضوعاً، وضعّف رجال سنده([9])، والسند عند الصدوق ضعيف من جهات؛ ولا أقلّ أنّ فيه حماد بن عمرو النصيبي، وهو رجل ضعيف عند الفريقين، فضلاً عن عدّة مجاهيل، وأما السند عند أهل السنّة ففيه محمد بن الحسن بن محمد بن خراش البلخي المهمل.
يضاف إلى ذلك طول الخطبة، وقدرة ابن عباس وهو صغير السنّ على حفظها بأكملها، فالسند غير تامّ.
4 ـ حديث مناهي النبي، بالسند إلى الصادق×، إلى أمير المؤمنين علي× قال: «نهى رسول الله… من صافح امرأةً تحرم عليه، فقد باء بسخطٍ من الله..»([10])، وهي رواية طويلة معروفة في المناهي.
وظاهر هذا الحديث تحريم المصافحة مطلقاً، من هنا استظهر المحقّق النراقي إطلاق الحرمة فيه، في مقابل من خصّه بالمصافحة بشهوة([11]).
وسند الحديث ضعيف، فقد ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق والصدوق في (الفقيه) مرسلاً بلا سند، أما في أمالي الصدوق فقد جاء مسنداً، لكن في سنده محمد بن زكريا الجوهري البصري، وهو مجهول، كما أنّ شعيب بن واقد مهمل، وكذلك الحال في عبد العزيز بن محمد الأبهري (الأظهري)، فالسند لا يعتمد عليه إطلاقاً.
5 ـ خبر جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام الباقر× ـ في حديث حول أحكام النساء ـ أنّه قال: «.. ولا يجوز للمرأة أن تصافح غير ذي محرم، إلا من وراء ثوبها، ولا تبايع إلا من وراء ثوبها.. » ([12])، فهي تدلّ على تحريم المصافحة.
إلا أنّ الاستدلال بهذه الرواية ضعيف؛ وذلك:
أولاً: إنّها ضعيفة السند جداً من عدّة جهات، فلم تثبت وثاقة جملة من الرواة الواقعين في السند كأحمد بن الحسن القطان، والحسن بن علي العسكري (السكري)، ومحمد بن زكريا البصري، وجعفر بن محمّد بن عمارة، وكذلك محمد بن عمارة الكندي، بل لم تثبت عندي وثاقة جابر بن يزيد الجعفي نفسه، وهذا يعني أنّ كلّ رواة السند لم تثبت وثاقتهم، فهو في غاية الضعف.
ثانياً: إنّ هذه الرواية تشتمل على مجموعة كبيرة من أحكام النساء، ولكنّ قسماً منها ليس من الأمور الإلزاميّة، فقد جمعت هذه الرواية بين الواجبات والمستحبات والمحرّمات والمكروهات، ومعه يصعب ـ عرفاً ـ فهم التحريم من نصوصها ما لم يعضد بدليل خارجي يوضح ذلك، فتكون مؤيّداً في المقام.
هذه هي مجموعة روايات المصافحة، وقد تبيّن أنّ من بينها رواية واحدة على الأقلّ صحيحة السند.
إلا أنّه مع ذلك، اُورد على الاستدلال بها من عدّة نواحٍ:
الناحية الأولى: إنّ ظاهر هذه الروايات هو حرمة المصافحة، مع أنّ العديد من الفقهاء فهم من هذه الأحاديث حرمة مطلق المسّ([13])، وهذا مما لا موجب له، إلا على ضربٍ غير جائز من القياس، فإنّ كلامنا هنا في المس غير الشهويّ، وأيّ تلازم في التحريم بين حرمة المصافحة التي هي ظاهرة اجتماعية متكرّرة وتستدعي ارتباطاً وتواصلاً، وبين حرمة مطلق المسّ، من هنا مال السيد محسن الحكيم وغيره إلى اختصاص موارد النص بمماسّة الكفّين لولا الإجماع([14])، مع أنّ الإجماع لو تمّ كان مدركيّاً لا حجيّة له، وحتى تعدّي السيد الحكيم إلى مطلق مماسّة الكفين غير واضح، بل المراد نحو خاص هو ما يسمّى بالمصافحة، والمصافحة ظاهرة مستقلّة لها آثارها لا تنصهر في سائر أنواع المسّ، والأولويّة غير واضحة، بعد أخذ البعد الاجتماعي التواصلي في موضوع المصافحات.
ويشهد لذلك أنّه قد وردت بعض الروايات الناهية عن مصافحة اليهودي والنصراني، وهي لا تدلّ على حرمة مطلق مسّه عند الفقهاء، بل هي أقرب إلى مفهوم قطع التواصل والاختلاط؛ نظراً لكون المصافحة مظهراً اجتماعياً في التواصل.
غير أنّ هذه الملاحظة على وجاهتها لا تساعد عليها بشكلٍ قويّ ظواهر بعض الروايات هنا، فإنّه لا معنى للحديث عن المصافحة من وراء الثوب، أو النهي عن الغمز، فإنّ هذا ناظر إلى عنصر التماسّ بين البدنين، دون العنوان الاجتماعي للمصافحة فقط، بل لمس اليد هو أسهل أنواع اللمس، فهل يقال بحرمة اللمس في اليد مع جوازه في البطن أو الفخذ أو الذراع أو الرقبة أو غير ذلك؟!
الناحية الثانية: ما ذكره بعض المعاصرين من أنّ ظاهر هذه الروايات بيان حكم الرجل دون المرأة، فلسانها لسان مصافحة الرجل المرأة، ومن غير الواضح إمكان التعدّي منها إلى حكم المرأة([15]). أو يقال بأنّ ظاهرها إقدام الرجل على المصافحة، أمّا لو أقدمت المرأة على المصافحة فلا تفيد هذه الروايات حرمة استجابة الرجل، فإنّه يقال: هي صافحته، وهو استجاب، ولا يقال: هو صافحها.
وهذا الإيراد ـ في شقّه الأوّل ـ في محلّه، فإنّ لسان النصوص نهي الرجل عن مصافحة المرأة لا العكس، ولا داعي للقول بعدم الفصل أو للاحتجاج بالإجماع بعدما تقدّم، وإمكان الفصل واضح؛ فإنّ هناك الكثير من الموارد التي يحرم على الرجل النظر إليها من المرأة دون العكس، وقد تحرّم الشريعة على الرجل مصافحة النساء نظراً للخوف من مناخ الشهوة فيه، لكنّها لا تجد الأمر إلى هذا الحدّ في النساء إلا إذا أحرزن حصول الشهوة عندهنّ من المماسّة.
لكن يمكن أن يقال: إنّ الأوامر ذات الطرفين لا يُفهم منها الاختصاص بأحدهما، بل يفهم السريان إليهما معاً، فعندما تحرُم مصافحة الرجل للمرأة فهذا معناه عرفاً أنّ المصافحة حرام، لا أنه يجوز لها أن تقدّم يدها للمصافحة ولا يجوز له الإجابة! نعم لو ورد عنوان (المسّ) لأمكن ذلك.
إلا أنّه مع ذلك لا تبدو النصوص واضحة في تحريم الفعل على الطرفين، لو تركنا باب الإعانة على الإثم ونحو ذلك، فأيّ مانع أن يكون الرجال قد حظرت الشريعة عليهم مصافحة النساء أو مسّهنّ مطلقاً، وأمّا النساء فلا يجوز لهنّ المصافحة غير المصحوبة بشهوة أو فتنة، من باب حرمة المصافحة على الرجل، لا من باب حرمة المصافحة على المرأة، بحيث لو جاز لهذا الرجل المصافحة لسبب ٍأو لآخر، فلا يوجد دليل يُثبت الحرمة في المرأة، وإمكان التمييز وارد جداً، من حيث إنّ المصافحة قد تُحرّك غرائز الرجل بنسبة أكبر من التحريك للمرأة في الحالة العادية، أو من حيث إنّ الرجل قد يتمادى في تصرّفه بخلاف المرأة عادةً، فالاطمئنان بشمول النصوص للمرأة بعنوان ذلك محرّماً أوّلياً في حقّها، قد يبدو عسيراً وإن كان محتملاً. وهذا مثل باب الأوامر، فإنّ قولنا: احترم والدك، لا يعني أنّنا نأمر الوالد باحترام الولد، كقولنا لزيد: لا تلقي السلام على عمرو، فإنّ هذا لا يعني أنّنا نطلب من عمر أن لا يجيب لو سلّم عليه زيد، أو أننّا نطلب من عمرو أن لا يسلّم هو على زيد. فأيّ مانع أن يحرم على الرجال لمس النساء، بينما لا يكون ذلك حراماً على النساء إلا مع شهوة أو مظنّة الفتنة والريبة، وينتج عن ذلك أنّ معالجة الرجل للمرأة تحتاج لدليل الاضطرار والضرورة، بينما معالجة المرأة للرجل تكون جائزةً على مقتضى الأصل ما لم تكن هناك شهوة.
ولعلّ ما يرشد لذلك ـ لو قبلنا دلالة نصوص بيعة النساء للنبي كما سيأتي بحثه ـ أنّ النبي هناك لم يقل بأنّني لا أقبل بمصافحتكنّ؛ لأنّ المصافحة حرام عليّ وعليكنّ، بل قال: إنّني لا أصافح النساء، ممّا يعني أنّه غير ناظر إلى وجود حيثية تحريميّة على النساء في الموضوع، وإلا لبيّنها، فقد كان وقتها مناسباً لذلك، وإنّما الأمر تحرّزٌ للرجال أن لا يفعلوا ذلك، ولهذا لاحظوا كيف أنّ باب النظر قد أفرد له القرآن الكريم جملتين: واحدة للرجال، وأخرى للنساء، فقد أمر الطرفين مرّتين بأن يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم (النور: 30 ـ 31). إلا أنّ الجزم بهذا التفريق يبدو صعباً على النفس بعض الشيء، وإن كنت أميل إليه جدّاً.
نعم، خبر جابر بن يزيد الجعفي واضح في نهي المرأة عن مصافحة الرجل، فلا يرد هذا الإشكال فيه، لكنّه حديث متفرّد في بابه، ضعيف السند جداً، إذ مجموعة الأحاديث (في المصافحة ومطلق اللمس كما سيأتي) ناظرة للرجل دون المرأة.
وأمّا القول بأنّ ظاهر الأحاديث هو حرمة إقدام الرجل على المصافحة لا حرمة استجابته بعد مبادرة المرأة بنفسها لها، فهو غير واضح؛ لأنّ صدق عنوان المصافحة غير متقوّم بالقصد والنيّة والابتداء، فلو استجاب صدق أنّه صافح المرأة، تماماً مثل محادثته للمرأة، فإنّه حتى لو شرعت المرأة بالحديث فاستجاب وتكلّم معها، صدق أنّه حادثها، ففرض النيّة والقصد والمبادرة غير واضح.
الناحية الثالثة: إنّ الرواية الثالثة المتقدّمة لا يُفهم منها أنّ كلمة (حراماً) وصف للمرأة، بل وصف للمصافحة، فيكون المعنى: ومن صافح امرأة مصافحةً حراماً كان..، فتكون أجنبية عن بيان طبيعة الحكم، فلعلّها ناظرة إلى المصافحة عن شهوة، وإلا فتكون مصافحة امرأة هي حرام عليه معصية، مع أنّها ستكون من المحارم، وهكذا الحال في الرواية الرابعة([16]).
إلا أنّ هذا الإشكال غير وارد؛ لأنّ المراد من الحرمة هنا أنّه يحرم عليه أن يتعامل معها تعامله مع زوجته ومحارمه، فيكون الوصف إشارة إلى كونها أجنبية عنه تحرم عليه، ومعه فلا يخدش ذلك في الاستدلال بالحديث.
الناحية الرابعة: ما أشار إليه الشيخ المنتظري كما تقدّم، من أنّ هذه الروايات منصرفة إلى المسلمات دون غيرهنّ.
وهذا الكلام غير واضح في هذه المجموعة من الأحاديث؛ لأنّ ظاهرها الإطلاق «صافح امرأةً»، وليس فيها أيّ إشارة إلى الإسلام في المرأة التي يصافحها الرجل. ومجرّد أنّ المناخ المحيط بالسائلين يحكي عن الابتلاء بنساءٍ مسلمات لا يكفي لفرض الانصراف، وإلا لزم أن نصرف أغلب الأحكام إلى خصوص العلاقات بين المسلمين؛ لأنّهم الذين يقعون في محلّ الابتلاء، علماً أنّ نساء غير المسلمين من محلّ الابتلاء أيضاً، فقد كانت نساء اليهود والنصارى موجودات بكثرة في المجتمع الإسلامي، كما وكان المسلمون يسافرون إلى بلاد غير المسلمين للتجارة كثيراً.
نعم إذا قصد المناقش هنا أنّ باب اللمس والنظر وما يتصل به يرجع إلى نكتة الاحترام فهذا بحث آخر سيأتي التعرّض له بحول الله تعالى.
وقد ينطلق الشيخ المنتظري هنا من منطلق آخر في حصر التحريم بالمسلمات، وإن لم تعبّر عنه كلماته، وذلك أنّ أقوى الروايات سنداً هنا هو صحيحة سماعة بن مهران، وهي تقول: «لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة؛ إلا امرأة يحرم عليه أن يتزوّجها: أخت أو بنت أو عمّة أو خالة أو ابنة أخت أو نحوها، فأما المرأة التي يحلّ له أن يتزوّجها فلا يصافحها»، فهذه الرواية جعلت المدار على حليّة الزواج وعدمه، فكلّ امرأة لا يجوز الزواج منها تجوز مصافحتها، والكافرات ـ لا أقلّ غير أهل الكتاب ـ لا يجوز الزواج منهنّ، فتحلّ مصافحتهنّ. والعكس سيكون صحيحاً، فإنّ المرأة المسلمة لا يجوز لها الزواج من أيّ كافر، وعليه فيجوز لها مصافحة غير المسلمين من الرجال.
إلا أنّ هذه المقاربة للموضوع غير مقنعة أيضاً؛ فإنّه لا يراد من تحريم النكاح هذا المفهوم العام، بل المراد وجود المحرميّة بين الطرفين لا وجود الحرمة، ويشهد لذلك أنّ الإمام مثّل للموضوع بالبنت والأخت والخالة والعمّة، وهنّ من المحارم، كما يشهد له أنّ سائر الروايات ذكرت عنوان: (ليست له بمحرم) وهذا يدلّ على أنّ المدار هو عدم المحرميّة لا مطلق عنوان عدم الزواج، وإلا لزم أيضاً الترخيص بمصافحة الزوجة التي طلّقها بائناً بالطلاق التاسع، فحرمت عليه مؤبداً وأمثال هذه الموارد! ولا أقلّ بعد هذا من الشك في إرادة الإطلاق في هذه الرواية لمثل هذه الموارد.
الناحية الخامسة: ما ذكره بعض المعاصرين، من أنّ الروايتين الأولى والثانية هنا صدرتا في عصر الإمام الصادق، فكيف يُعقل أن يسأل فقيهان: مثل أبي بصير وسماعة بن مهران عن حكم المصافحة، ألا يعلمان أنّها حرام بعد أكثر من قرن على عصر النبي؟ مع أنّ أهل البيت لا يؤسّسون أحكاماً، وإنما يبيّنون ما في الكتاب والسنّة؟([17]).
والتعليق على هذا الكلام أنّه في روحه كبرويٌّ، وقد أثرنا الحديث عن الحيثية الكبروية التي فيه في مناسبة أخرى، فمثل حكم المصافحة يفترض أن يكون واضحاً بديهياً لكثرة الابتلاء به، فكيف لم يدركه فقهاء في القرن الثاني الهجري. نعم يمكن فهم هذا الأمر عندما نفترض أنّ السائل لم يكن يريد الاستفهام الحقيقي الذي ينشأ عن جهله بالأمر، وإنما طرحت هذه القضية في ذلك الزمان وناقش فيها بعضٌ، فجاء إلى الإمام كي يأخذ موقفاً في مقابل القضية المثارة، وهذا أمرٌ معقول، فما دام هناك احتمال معقول في مثل هذه الحالات، فلا يصحّ طرح الرواية. والاحتمال المذكور وأمثاله معقول هنا، فلا ترد هذه المناقشة في المقام وإن كانت في نفسها جيّدة.
علماً أنّنا لا ندري ما هو تاريخ السؤال، فقد يكون في زمان شبابهما، وهما لا يعرفان الكثير من الأحكام الشرعيّة بعدُ، وقد وردت الرواية الصحيحة السند (وهي صحيحة عيسى بن السري أبي اليسع)([18])، الدالّة على أنّ الشيعة المحيطين بالأئمّة كانوا غير مطّلعين على الأحكام الشرعيّة حتى عصر الباقرَين، وأنّه منذ ذلك العصر بدأت حركة الوعي بالأحكام الشرعيّة بين الشيعة، وفي مناخ من هذا النوع يحتمل جداً أن لا يكون سماعة وأبو بصير عالمين بتفصيل هذه الأحكام، لاسيما لو كان عدم المصافحة هو الظاهرة الاجتماعيّة السائدة عرفاً آنذاك، بحيث لم تكن المصافحة محلّ ابتلاء.
وعليه، فمعتبرة سماعة بن مهران تامة السند والدلالة هنا على حرمة عنوان المصافحة.
المجموعة الثانية: نصوص بيعة النساء للنبي الأعظم
هذه المجموعة شكّلت مستنداً رئيساً في الفقه السنّي، ومؤيّداً في الفقه الشيعي الإمامي، على خلاف المجموعة الأولى التي كانت العمدة في الفقه الإمامي.
وروايات هذه المجموعة هي:
1ـ خبر عائشة زوج النبي‘ أنها قالت: «كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي‘ يمتحنهنّ بقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ..﴾ إلى آخر الآية. قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقرّ بالمحنة، فكان رسول الله‘ إذا أقررن بذلك من قولهنّ، قال لهنّ رسول الله‘: انطلقن فقد بايعتكنّ، لا والله ما مسّت يد رسول الله‘ يد امرأة قط (إلا يد امرأة يملكها) غير أنّه بايعهنّ بالكلام، والله ما أخذ رسول الله‘ على النساء إلا بما أمره الله، يقول لهنّ إذا أخذ عليهنّ: قد بايعتكنّ كلاماً»، وورد بصيغ أخرى مختلفة بعض الشيء([19]).
وقد صدرت فتاوى ومواقف أهل السنّة اعتماداً على هذا الخبر([20]). وذكر ابن حجر أنّ مبايعته لهنّ كانت بالكلام، ومعناه أنّها لم تكن بالمصافحة، كما هي الحال في البيعة عموماً([21]).
والخبر معتبر السند عند أهل السنّة، إلا أنّه يناقش بأنّ غاية ما يفيده أنّ هذا الفعل كان مرجوحاً، وأنّ رسول الله‘ ما فعله قطّ، إلا أنّ الحديث لا يدلّ على حرمة هذا الفعل؛ فإنّ ترك رسول الله‘ لفعلٍ لا يعني حرمته، بل قد يكون مكروهاً كراهةً شديدة أو لا يليق صدوره منه، وأنّ في صدوره منه ما فيه مخالفة الأولى نظراً لمكانته وخصوصيّته، والفعل النبوي صامت، ولو كان حراماً لقالت عائشة ما يوضح أنّ رسول الله‘ لا يفعل الحرام. بل إنّ بعض روايات المجموعة الأولى المتقدّمة هنا تجيز المصافحة من وراء الثوب، فلماذا لم يقبل النبيّ بمطلق مصافحة النساء ولو من وراء الثوب لو كانت القضيّة هي من باب الحكم العام، وليست أمراً مختصّاً به أو أراد هو التنزّه عنه؛ لكراهته ولو من وراء الثوب؟!
على أنّ هنا سؤالاً عن كيفية علم عائشة زوج النبي بهذا الأمر مع أنها لم تكن طيلة حياة النبيّ معه، فكيف جزمت إلى حدّ الحلف بالله أنه لم تمسّ يده امرأةً قط، إلا إذا كان النبي نفسه هو الذي أخبرها بذلك، مع أنّه كان من المناسب أن تشير إلى قول النبي ليكون أقوى حجّةً، لاسيما إذا بنينا على أنّ هذا الحديث هنا جاء رداً على من روى أنّ مبايعة النبي للنساء كانت بالمصافحة؛ فإذا صحّ هذا الافتراض كان من المناسب جداً أن تنقل السيدة عائشة نصّ القول النبوي، مع أنّها لم تفعل، وإذا لم تكن هذه المعلومة قد حصلت عليها بطريق النصّ النبوي فكيف اطّلعت عليها؟! إلا إذا قلنا بأنّ تعاضد هذه الفكرة في جملة من الأحاديث الواردة عن غير عائشة يؤكّد خبرها، ويرفع هذه الإشكاليّة فيه، ليُفهم في سياق شهرة هذه القضيّة عن النبيّ بوصفها سيرةً معروفة بينهم له.
يضاف إلى ذلك أنّ غاية ما يفيده هذا الحديث هو المصافحة، وقد قلنا سابقاً بأنّ هناك من قال بأنّه من غير البعيد اختصاص الحكم بها دون أن يعني حرمة مطلق المسّ. كما يحتمل أن يكون نفي عائشة بلحاظ حادثة البيعة لا مطلقاً.
2 ـ خبر أميمة بنت رقيقة (وغيرها)، وهي تتحدّث عن بيعة النساء التي شاركت فيها، حيث قالت النسوة بعد الإقرار بمضمون البيعة: هلمّ نبايعك يا رسول الله! فقال رسول الله‘: «إني لا أصافح النساء، إنّما قولي لمائة امرأة كقولي (مثل قولي) لامرأة واحدة..»([22]).
وورد هذا المقطع/الشاهد في المصادر الشيعيّة الإماميّة ضمن سياق أخبار البيعة، مع بعض الاختلاف فيما سبقه ولحقه، مع إشارة إلى إدخال يده في الماء وأيديهنّ([23]).
والسند شيعياً تام، بصرف النظر عن مسألة إبراهيم بن هاشم، وقد ضعّفت بضع طرق هذا الخبر سنياً وصُحّحت أخرى. وقال الترمذي وابن كثير والألباني وشعيب الأرناؤوط وغيرهم بأنّ إسناده صحيح([24]).
وقريب من هذا الحديث خبر عبد الله بن عمرو بن العاص من أنّ الرسول لم يكن يصافح النساء في البيعة([25]).
والقضية على المستوى الدلالي لا تعدو أن يكون النبي متعهّداً بعدم مصافحة النساء، فهو يحكي عن نفسه، وقد قلنا في علم أصول الفقه أنّ دليل التأسّي بالنبي‘ يتبع جهة صدور الفعل منه، فلا يكفي أن يصدر منه فعل أو ترك حتى يجب التأسّي به، بل يتأسّى بالنحو الذي كان الفعل قد صدر، فلو صدر الفعل منه بوصفه مستحباً لم يكن التأسّي به بنحو يصير الفعل واجباً علينا، بل يكون التأسّي بالإتيان بالفعل بداعي استحبابه، فإذا لم يكن النبي يصافح فإنّ التأسّي به هو أن لا نصافح بالمنطلق نفسه للفعل النبوي، فلعلّه لا يصافح كراهةً أو احتياطاً، فلا يصحّ التأسّي قبل إحراز حيثيات الفعل الذي نتأسّى به فيه، فالخبر هنا غير دالّ أيضاً؛ لأنّ غاية ما يفيد أنّ النبي لا يصافح النساء، أمّا هل ذلك منه لأجل أنّه حرام عليه وعلى أمّته أو لأجل كونه مكروهاً وهو لا يريد التورّط في فعل المكروه، لاسيما لمن هو بمثل مقامه ومنزلته..؟ فهذا شيء لا تحكي عنه هذه الحادثة التاريخيّة.
وأمّا قول بعضهم بأنّ غاية ما يدلّ عليه الحديث هو عدم المصافحة في خصوص البيعة لا خارجها([26])، فهو غير واضح؛ إذ يبدو من الحديث وسائر الروايات التاريخية المتصلة بحادثة البيعة أنّ دأبه وعادته كانت على عدم مصافحة النساء، فالذهاب خلف هذا الاحتمال ضعيف.
3ـ خبر المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله×: كيف ماسح رسول الله‘ النساء حين بايعهنّ؟ قال: «دعا بمركنه الذي كان يتوضّأ فيه، فصبّ فيه ماء، ثم غمس يده اليمنى، فكلّما بايع واحدةً منهنّ، قال: اغمسي يدك، فتغمس كما غمس رسول الله‘، فكان هذا مماسحته إيّاهنّ»([27]).
وهذا الخبر أضعف دلالةً من سابقه؛ لأنّه يحكي حالة خاصّة للفعل النبوي، وهي حال البيعة، فيكون أقلّ دلالةً من مثل خبر عائشة، فيرد عليه ما أوردناه هناك وزيادة.
يضاف إلى ذلك ضعف سند الخبر، حيث ذكر له الكليني طريقاً مرسلاً بعد إبراهيم بن هاشم، وذكر له طريقاً آخر مسنداً إلى المفضل بن عمر، ولكنه ضعيف بجهالة محمد بن أسلم الجبلّي، وعبد الرحمن بن سالم الأشلّ.
4 ـ خبر سعدان بن مسلم، قال: قال أبو عبد الله×: «أتدري كيف بايع رسول الله‘ النساء؟» قلت: الله أعلم وابن رسوله أعلم، قال: «جمعهنّ حوله، ثم دعا بتور برام، فصبّ فيه نضوحاً، ثم غمس يده، ثم قال.. فأخرج يده من التور، ثم قال لهنّ: أغمس أيديكنّ، ففعلن، فكانت يد رسول الله‘ الطاهرة أطيب من أن يمسّ بها كفّ أنثى ليست له بمحرم»([28]).
وفي هذه الرواية دلالة جلية على مرجوحية مسّ كفّ يد المرأة، بل تكاد تصل إلى حدّ الحرمة، وفق تعبير (الطاهرة) و(أطيب)، إلا أنّ الخبر ضعيف السند بسعدان بن مسلم؛ إذ لم يثبت توثيقه.
وبهذا يظهر أنّ نصوص بيعة النساء لا تعطي وضوحاً حاسماً في حرمة المصافحة كما مال إليه بعض العلماء([29])، بل تفيد تنزّه النبيّ عن مصافحة النساء، لكنّها لا تقوى على إثبات الحرمة، فلعلّ ذلك احتياطاً أو تجنّباً لمواقع الفتنة، أو اعتبار ذلك نوعاً من التديّن والعفّة في الإنسان الصالح، بل الكلام في بعض ألسنة الروايات قد يوحي بأنه حكمٌ خاصّ به عليه السلام، ولا يحرز كونه حكماً لنا.
المجموعة الثالثة: نصوص مسّ المرأة ولمسها
ويُقصد بهذه النصوص ما ورد فيه التعبير بالمسّ دون المصافحة، بحيث تكون أقرب إلى تحريم مطلق أشكال المماسّة بين الرجل والمرأة، وهي:
1 ـ خبر أبي جميلة، عن أبي جعفر وأبي عبد الله× قالا: «ما من أحد إلا ويصيب حظّاً من الزنا؛ فزنا العينين النظر، وزنا الفم القبلة، وزنا اليدين اللمس، صدّق الفرجُ ذلك أم كذّب»([30]). وقد روي التعبير نفسه عن رسول الله في مصادر أهل السنّة عن أبي هريرة([31]).
فالرواية تعتبر اللمس زنا اليدين، فتسقط مفهوم الزنا المحرّم عليه، وفي هذا دلالة على كونه حراماً.
ويمكن أن يناقش:
أولاً: إنّ الخبر له سندان، أحدهما مرسل، حيث لم يذكر ابن أبي نجران عمّن روى هذا الحديث، وثانيهما ضعيف بأبي جميلة المفضل بن صالح؛ فإنه ضعيف، فلا يُستند إليه. وأمّا خبر أبي هريرة فقد وصفه ابن كثير بأنّه صحيح([32]). وسيأتي التعليق.
ثانياً: ما ألمح إليه المحقّق الداماد، من أنّ سياق مسألة الزنا هنا يضعنا أما اختصاص هذه الموارد من النظر والقبلة واللمس بحالة الشهوة، ومعه فلا يعمّ الحديثُ النظر غير الشهوي أو اللمس بدون شهوة([33]).
وحتى لو لم نجعل مسألة الزنا قرينة عل ذلك، فلا أقلّ من أنّ هذا السياق يمنع عن الاطمئنان بانعقاد إطلاق في الحديث يشمل غير حال الشهوة، ومعه فلا يتمّ الاستدلال به هنا. ويبدو الأمر أكثر وضوحاً في الرواية السنّية في بعض صيغها.
ثالثاً: إنّ خبر أبي هريرة مرويّ بطرق أخرى ليس فيها هذا التعبير، وإنّما فيها أنّ زنا اليدين البطش، وفي بعضها لا إشارة لزنا اليدين أساساً([34])، وهذا معناه أنّ تضارب صيغ الحديث في هذا المقطع محلّ الشاهد يربك الاستدلال به، وعندما تختلف الصيغ فلا نعمل بما رواه أبو هريرة؛ نظراً للاختلاف الإسلامي فيه وكثرة النقد الموجّه عليه من بعض الصحابة وغيرهم.
2 ـ خبر معقل بن يسار، قال: قال رسول الله‘: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمِخْيَط من حديد خيرٌ له من أن يمسّ امرأةً لا تحلّ له»([35]).
وقد حكم الهيثمي بأنّ رجال هذا الحديث رجال الصحيح([36]). ووصف الشعراني الإسناد بأنّه جيّد([37]). والحديث غير خاص بحال الشهوة كما التفت إلى ذلك العلامة المناوي([38]).
وقد يناقش هذا الحديث من ناحيتين:
الناحية الأولى: في سند هذا الحديث، فقد ورد فيه شداد بن سعيد الراسبي، وقد ذكر العقيلي فيه أنّ سمع ابن حماد يقول: قال البخاري: شداد بن سعيد أبو طلحة الراسبي بصري، ضعّفه عبد الصمد. قال الشيخ: وشدّاد ليس له كثير حديث ولم أر له حديثا منكراً، وأرجو أنّه لا بأس به. وذكر فيه الذهبي أنّه وثقه أحمد وغيره، وضعّفه من لا يعلم([39]).
فهذا الرجل قليل الحديث جداً، ويوجد من غمز فيه، وأغلب الظنّ أنّ الذين وثقوه من المتأخّرين شاهدوا رواية مسلم له، ونحن لا نريد تضعيفه بقدر ما نريد أن نقول بأنّ الحديث ليس بتلك القوّة المزعومة الخالية من أيّ نقد.
أضف إلى ذلك، أنّ هذا الحديث ورد بسند قريب من الأوّل، عن معقل بن يسار، أنّه قال: لأن يعمد أحدكم إلى مخيط فيغرز به في رأسي أحبّ إليّ من أن تغسل رأسي امرأة ليست منّي ذات محرم([40]). وهذا الحديث يطرح احتمال حصول خلط من الرواة عن معقل في نقل الرواية رغم أنّ الثانية موقوفة عليه، وإن كان هذا مجرّد احتمال لا دليل عليه.
الناحية الثانية: في دلالة هذا الحديث من حيث كلمة «مسّ» الواردة فيه، فإنّ عنوان «مسّ المرأة» كما يُطلق على مطلق المماسّة والتماسّ واللمس، كذلك يشتهر إطلاقه ـ كنايةً ـ عن مقاربتها، وقد ورد في القرآن الكريم بهذا المعنى ثلاث مرات([41]). فإذا حصل للإنسان تردّد في المعنى المراد لم يعد يمكن الاستدلال بهذا الحديث، وإلا ـ بحيث رجع إلى الجذر اللغوي الذي هو عبارة عن مطلق اللمس ـ كان الخبر دالاً. فنحن لا ندّعي هنا ظهور الحديث في الجماع، بل نقول بأنّ أمره محتملٌ لأوجه وجيهة، فنأخذ المساحة المؤكّدة منه ـ وهي الجماع ـ ونعتبر ما سواها غير ثابت.
3 ـ النبوي: «من مسّ كفّ امرأة ليس منها بسبيل، وضع في كفّه جمرة يوم القيامة حتى يفصل بين الخلائق»([42]). بناءً على أنّ مسّ الكفّ أعمّ من المصافحة.
إلا أنّ هذا الحديث لم نعثر عليه في مصادر الحديث، وإنمّا نقلته بعض الكتب الفقهيّة بلا مصدر ولا سند، وقد أقرّ ابن حجر بأنّه لم يجد هذا الحديث([43]). فلا يعتمد عليه في شيء، وربما يكون نقلاً بالمعنى لمجموعة النصوص الأخرى هنا، وليس روايةً جديدة.
وبهذا ظهر أنّ المجموعة الثالثة هنا تقع بين خبر ضعيف السند والدلالة، وخبر لا بأس بسنده لكن في دلالته نظر.
المجموعة الرابعة: نصوص تغسيل الميت غير المماثل في الجنس
يلاحظ استناد السيد مصطفى الخميني إلى هذا النوع من الروايات([44])، حيث ذكرت أنّ للرجل أن يغسل المرأة الميتة إذا كانت زوجته أو من محارمه، وهكذا لو توفّي الرجل ولم يكن غير محارمه من النساء لغسله فإنهنّ يغسلنه، وفي بعض الروايات أنّ المرأة إذا غسّلت الرجل تلفّ على يديها خرقة، وبعض الروايات ذكرت أنّه لو لم يكن الزوج أو أحد المحارم تدفن المرأة بثيابها([45])، فهذه الروايات تؤكّد أنّ هناك محذوراً في مسّ الرجل للمرأة ومسّ المرأة للرجل حتى حال الوفاة، فتكون دالةً على المطلوب هنا.
وهذه الروايات عديدة وفيها الصحيح السند، وهي تكشف عن حرمة لمس المرأة للرجل ولمس الرجل للمرأة من غير زواج أو محرمية. إلا أنّ الاستناد إلى هذه الروايات مشكلٌ؛ لاحتمال أنّها لم ترد لأجل اللمس، بل إنّ فيها عناوين أخرى تحتمل التأثير، مثل النظر، ومثل الهتك الاجتماعي في أن يغسّلها رجل، وإلا لو كان المحذور خصوص اللمس لجاز تغسيلها من وراء الثياب ويطالب بعدم مسّها إلا لحاجة ومن وراء الثوب.
كما أنّ الأمر يحتمل التعبّد في قضايا الميّت، فتسرية ذلك إلى الحيّ مشكل، ففي غسل الميت لا يجوز لغير المسلمين غسل المسلمين، ولا يجوز لغير المماثل التغسيل ولو من وراء الثوب ومن دون لمس ونظر، كما صرّح به الفقهاء([46]).
والملاحظ أنّ بعض الروايات فيه إشارة إلى إشكاليّة النظر، وبعضها فيه ملاحظة تعبديّة، كخبر منصور، عن الإمام الصادق×، عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته أيغسلها؟ قال: «نعم، وأمّه وأخته ونحو هذا، يُلقي على عورتها خرقة»([47]).
وإذا كانت بعض الروايات قد طالبت بأن تصبّ النساء الماء صباً من فوق الثياب، أما المغسّل المحرم فله أن يغسل، فإنّ بعض الروايات الأخر ذكرت حتى في المحرم أن يغسل من فوق الدرع أو الثياب، كخبر عمار بن موسى، عن الإمام الصادق× أنه قال: … وعن المرأة تموت في السفر وليس معها امرأة مسلمة، ومعها نساء نصارى، وعمّها وخالها معها مسلمان، قال: «يغسلونها، ولا تقربنها النصرانية، غير أنّه يكون عليها درع فيصبّ الماء من فوق الدرع..»([48]).
وفي خبر عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: «إذا مات الرجل مع النساء غسّلته امرأته، وإن لم تكن امرأته معه غسّلته أولاهنّ به، وتلفّ على يديها خرقة»([49]).
فإنّه لو كان المحذور اللمس لتساوت الزوجة مع المحارم، ثم لماذا تلفّ أولاهنّ به ـ وقد تكون من المحارم ـ خرقةً مع أنّ المفروض أنّ لها أن تمسّه؟!
وفي معتبرة سماعة، قال: سألت أبا عبد الله× قال: «وإن كانت امرأة ماتت معها رجال وليس معها امرأة ولا محرم لها، فلتدفن كما هي في ثيابها، وإن كان معها ذو محرم لها غسّلها من فوق ثيابها»([50]). فإنّ تغسيل المحرم هنا من فوق الثوب لا يجري وفق القاعدة في جواز اللمس، والمحرم يشمل الأب والابن.
ومما يشهد لذلك بعض الروايات التي عمل بها الفقهاء في أن حدّ الذكر الذي يجوز للمرأة تغسيله هو ثلاث سنين، مع أنّه لا يبلغ الحلم ولا التمييز بالخمس والست ونحوها. بل نظراً لبعض التعارض والإشكال في الروايات احتاط بعض الفقهاء([51]) في تغسيل المحارم فأخذ فيه عدم المماثل وكونه من وراء الثوب.
من هنا، فالصحيح أنّ هذه الروايات في باب غسل الميت وإن كان فيها نحو إشارة إلا أنّ ظهورها مشكل جداً.
نتائج البحث في المجموعات الحديثيّة التحريميّة
هذه هي طوائف الروايات، والذي نستنتجه مما تقدّم:
أولاً: إنّ المجموعة الأولى التي هي نصوص المصافحة، دالّةٌ ـ وهي خمس روايات ـ على حرمة خصوص المصافحة لا مطلق المسّ، إلا بناءً على الأولويّة العرفية كما قلنا، والصحيح منها سنداً عندنا هو واحدة، وعند المشهور روايتان.
ثانياً: إنّ المجموعة الثانية ـ نصوص البيعة ـ لا دلالة فيها، سوى الرواية الأخيرة التي فيها إشعار قويّ، لا يُحرز بلوغه حدّ الظهور، فلا تنفع هنا.
ثالثاً: إنّ المجموعة الثالثة ـ نصوص اللمس والمسّ ـ قاصرة دلالةً أيضاً.
رابعاً: إنّ المجموعة الرابعة ـ نصوص تغسيل الميت ـ قاصرة دلالة كذلك.
وعليه، فهناك رواية واحدة صحيحة السند دالّة، تدعمها أربع روايات ضعيفة السند، وتؤيّدها نصوص تدلّ بدرجة أو بأخرى على مرجوحيّة هذا الفعل، فالذي نخرج به من دليل الروايات مرجوحيّة هذا الفعل، لاسيما المصافحة، وطبعاً مع عدم وجود شهوة أو ريبة، وإلا كان حراماً.
وتحصيل الوثوق بالصدور من هذا الكمّ من الروايات ـ أعني خصوص الدالّة طبعاً، والتي هي ليست إلا من روايات المجموعة الأولى فقط ـ أمرٌ مشكل، بناءً على نظرية الوثوق والاطمئنان في حجية الأخبار؛ وذلك:
أ ـ إنّ عدد الدالّ منها على الحرمة أربع روايات فقط؛ لأنّ خبر الجعفي ليس فيه ظهور واضح، بعد احتفافه بقرائن تجعل مضمونه أعمّ من الإلزام وغيره، كما تقدّم.
ب ـ إنّ ثلاثة روايات تمتاز بضعف سندي كبير جداً:
فخبر أبي هريرة وابن عباس (رقم 3)، فيه مجموعة من الرواة المجاهيل والمهملين، وليس شخصاً واحداً مثلاً، فضلاً عن التريّث في حفظ ابن عباس لهذه الخطبة الطويلة وهو صغير السنّ، مع التريّث في أمر أبي هريرة المختلف جداً في أمره بين المسلمين.
وخبر مناهي النبيّ (رقم 4)، قد تقدّم أنّ فيه سلسلة من المجاهيل.
وخبر الجعفي (رقم 5)، وهو ذو دلالة ضعيفة كما ألمحنا، قد تقدّم أنّ كلّ رواته لم تثبت وثاقتهم، وبعضهم مجهولون جداً.
ج ـ إنّ هناك أدلّةً معاكسة قدّمها المرخصون، وهي تؤثر في قوّة هذه النصوص هنا، حتى لو كانت في نفسها ضعيفة.
د ـ إنّ نصوص التحريم الدالّة تفتقد إلى عمل قدامى الفقهاء بها؛ فلم يثبت إفتاؤهم بالحرمة، كما بيّنا وسنبيّن بوضوح بعد قليل، بل ذهب بعضهم ـ في ظاهر عبارته ـ إلى الكراهة. وحتى الطوسي لم يذكر روايات المصافحة التي من المجموعة الأولى، والتي هي العمدة، ولم يشر إليها في كتبه الحديثية والفقهيّة، وأمّا الكليني فوضع روايات المصافحة تحت عنوان (باب مصافحة النساء) و (باب صفة مبايعة النبيّ)([52])، فلم يذكر موقفه من الروايات أيضاً، وهل تدلّ عنده على الحرمة أو لا؟ وكذلك الصدوق، حيث أدرج رواية المصافحة في باب (النوادر) ([53])، دون أن نعرف موقفه من الدلالات، وهل فهم منها الحرمة أو الكراهة أو غير ذلك؟ وإن كان ما ذكره في ثواب الأعمال يوحي بأنّه يرى الحرمة.
وعليه، فعلى مبنى اليقين العادي بالصدور، يصعب تحصيل يقين بالحرمة هنا، نعم يحصل يقين بالمرجوحيّة وبوجود توجيه إسلامي عام لعدم المصافحة والتماسّ من مجموع الأدلّة المتقدّمة.
هذا كلّه يغدو أوضح في مسألة ثبوت التحريم على المرأة في أن تصافح الرجل، وقد صار الأمر جليّاً ممّا تقدّم وسيأتي بعون الله تعالى.
أما بناءً على حجية خبر الواحد الظنّي الثقة، فالحقّ حرمة المصافحة إلا من وراء الثوب مع عدم غمز الكفّ. أما مطلق المسّ بلا شهوة ولغير العورة ومن طرف المرأة للرجل، فلم يظهر دليل واضح في النصوص عليه إلا بناءً على الأولويّة العرفيّة أو على وحدة الحكم بينهما.
وليس في النصوص هنا أيّ إشارة للتمييز بين الشابة والعجوز، وسيأتي البحث في العجوز في قسم المستثنيات بإذن الله.
3 ـ دليل الإجماع والسيرة الإسلاميّين
الدليل الثالث: الاستناد إلى الإجماع والسيرة، حيث يقال بأنّ الإجماع الإسلامي منعقد تقريباً على حرمة مصافحة المرأة ولمسها، بل يكاد يكون الأمر تسالماً قوياً، بل هو سيرة متشرّعية متصلة قائمة على حظر ذلك والتنديد به وما شابه، بل عدّه بعضهم من شعائر الدين([54])، وقد ادّعى الإجماع هنا فخر المحقّقين أيضاً([55]).
إلا أنّ الحقّ ضعف هذا المستند وذلك:
أولاً: إنّ الاستناد إلى الإجماع ـ حتى لو تمّ صغروياً ـ مشكل، بعد كلّ هذه الأدلّة المتقدّمة؛ لوضوح مدركيّته، فقد استند الشيعة والسنّة إلى أدلّة لديهم في ذلك، وربما كانت تجربة البيعة والتوجّه الديني النبويّ العام على التنزّه عن المماسّة حمايةً للمسلم من الوقوع في فخّ الشهوة والريبة وشباك الشيطان.. ربما كان ذلك سبباً في تحوّل هذا المفهوم التوجيهي الديني إلى مفهوم تحريمي قانوني فيما بعد، وفهمه حكماً شرعيّاً إلزاميّاً بدل فهمه حكماً توجيهياً احتياطيّاً، وهذا اجتهاد منهم محتمل لسنا ملزمين به.
ثانياً: إنّ إثبات وجود إجماع كاشف عن موقف المعصوم هنا بصرف النظر عن المدركيّة صعبٌ جداً على المستوى الإمامي، فإنّ الأغلبيّة الساحقة من قدماء فقهاء الإماميّة لم يشيروا لهذا الأمر إطلاقاً حتى نعرف موقفهم من ذلك، وقد تقدّم قبل قليل رصد كلّ من الصدوق والكليني والطوسي في الموضوع فراجع.
ولعلّ من أقدم النصوص هو نصّ العلامة الحلّي الذي يعود للقرن الثامن الهجري، حيث صرّح فيه بالحرمة([56]). أمّا قبله فيكاد من النادر للغاية ـ إن لم نجزم بالعدم ـ وجود نصّ بالحرمة من أحد من علماء الشيعة الإماميّة.
بل إنّ نصّ الشيخ ابن سعيد الحلّي (689هـ)، قد يظهر منه كراهة المصافحة لا الحرمة، حيث قال: «ويكره النظر في أدبار النساء، وينبغي للرجال أن يمشي أمامها. ولا يحلّ النظر في النرد والشطرنج، والسلام على اللاعب بهما. ويكره أن يركب ذات فرج سرجاً. وأن يجلس مجلس المرأة عند قيامها منه حتى يبرد، وأن يصافح غير ذات محرم إلا من وراء الثوب»([57]). فهذا النصّ قريب جداً أن يُفهم منه حكمه بالكراهة، وأنّه لا يرى الحرمة فيكون قد فهم الكراهة من الروايات المعتبرة السند هنا.
كما أنّ ظاهر كلام المحقّق الحلّي (676هـ) هو أنّ لمس كفّ الأمة غير الحرّة جائز لغير مالكها مع عدم الشهوة، حيث قال: «وأما النظر واللمس مما يسوغ لغير المالك، كنظر الوجه ولمس الكفّ، لا ينشر الحرمة، وما لا يسوغ لغير المالك، كنظر الفرج والقبلة ولمس باطن الجسد بشهوة، فيه تردّد.. »([58]). مع احتمال اختصاصه عنده بالإماء.
وبهذا لا نستطيع ادّعاء إجماع أساساً على الموضوع في الجيل القديم لفقهاء الإماميّة. وأمّا نقل الشيخ الصدوق للروايات هنا فلا يكشف عن اعتقاده حرمة المصافحة؛ إذ لعلّه فهم منها الكراهة كما هو الظاهر من فهم ابن سعيد الحلّي. لاسيما وأنّ الشيخ الصدوق نقل الحديث في باب النوادر، ممّا لا يوضح طبيعة فهمه له. نعم، ما جاء في كتابه ثواب الأعمال وعقاب الأعمال يوحي بالحرمة.
ثالثاً: إنّ ادّعاء وجود سيرة متشرّعية، لو سُلّم اتصاله بعصر النص، لا يفيد؛ إذ كلّ ما في الأمر أنّنا لا نملك أيّ معلومات عن مشهد معاكس، وقد يكون ذلك تنزّهاً لمحذور الشهوة واحتياطاً منهم عن الوقوع في الفتنة، علماً أنّ الحرائر وسيدات المجتمع إذا كان يعدّ ذلك هتكاً عرفاً واجتماعياً في ذلك الزمان لهنّ فقد تكون القطيعة بسبب هذا العرف الاجتماعي لا غير. ومعه فيصعب تحصيل اطمئنان بانعقاد ارتكاز متشرّعي إلزامي في هذا المضمار، كيف وفي القرن الثاني الهجري كان بعض الرواة المعروفين يسألون عن أصل هذا الحكم، الأمر الذي يساعد بنحو القرينة على استبعاد كونه مركوزاً في الذهن المتشرّعي العام بوصفه حكماً شرعيّاً.
ثانياً: نظريّة الترخيص في المصافحة، المستندات والأدلّة
وكما قدّم المحرّمون أدلّتهم على الحرمة المطلقة إلا ما خرج بالدليل، سعى المرخّصون إلى تقديم أدلّة عكسيّة تماماً، وأبرز ما طرحوه في هذا الإطار ما يلي:
1 ـ الانطلاق من الترخيص في النظر إلى الترخيص في المصافحة
الدليل الأوّل الذي طرح هنا هو ما ذكره الشيخ تقي الدين النبهاني، من أنّ يد المرأة ليست بعورة، ولا يحرم النظر إليها بغير شهوة، ومن ثمّ فلا تحرم مصافحتها([59]).
ولكنّ هذا الدليل:
أ ـ إذا فهمناه أنّه يريد الاستدلال على الحليّة بهذه الطريقة فهو ضعيف؛ فإنّ مجرّد عدم كون يد المرأة عورة، أو أنّه يجوز النظر إليها لا يكفي لإثبات حليّة المصافحة معها بها، فقد يكون النظر حلالاً فيما اللمس حرام هنا، ولهذا نجد أنّ الحافظ العراقي عندما كان يتحدّث عن حرمة اللمس عبّر بأنّ تحريم اللمس آكد من تحريم النظر([60])، فقد يحرم اللمس فيما لا يحرم فيه النظر من حيث المبدأ.
ب ـ أمّا إذا فهمنا هذا الدليل بوصفه في روحه ردّاً على دليل الأولويّة المتقدّم الذي استدلّ به أنصار التحريم هنا، فإنّه يصبح صحيحاً بمقدار ردّه على ذلك الدليل، لا بمقدار إثباته الحليّة، فذاك الدليل كان يقول بأنّ كلّ ما يحرم النظر إليه يحرم لمسه بالأولويّة، وكأنّ النبهاني أراد هنا أن يستفيد ـ كما فعلنا نحن هناك ـ من ذلك ليبطل تحريم المصافحة انطلاقاً من عدم حرمة النظر إلى الكفّين، فدليلهم لا يكفي للتحريم، لا أنّ دليله يكفي للحليّة هنا، فلاحظ وتأمّل.
2 ـ مجموعات النصوص الخاصّة المبيحة للمصافحة
واستند المرخّصون هنا لمجموعات من النصوص الخاصّة التي تبيح المصافحة من دون شهوة ومع أمن الفتنة، وأبرز هذه النصوص والمجموعات الحديثية والروائيّة، تندرج ضمن الأدلّة التالية:
الدليل الأوّل: ما ذكره الشيخ النبهاني وركّز عليه، من الاعتماد على حديث أمّ عطيّة الأنصاري، حيث روي عنها أنّها قالت: بايعنا النبيّ صلى الله عليه وسلّم فقرأ علينا أن لا يشركن بالله شيئاً، ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأةٌ منّا يدها، فقالت: فلانة أسعدتني، وأنا أريد أن أجزيها، فلم يقل شيئاً، فذهبت، ثم رجعت، فما وفت امرأة إلا أم سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة امرأة معاذ، أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ([61]).
وفي تفسير مجاهد ورد أنّ أمّ عطية قالت: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم على النساء أن لا ينحن، فقالت امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ فلانة أسعدتني، أفلا أسعدها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ولم يبايعها([62]).
ومعنى هذا الحديث أنّ هذه المرأة قبضت يدها، فلم تقم بالمصافحة، بينما عمدت سائر النسوة المبايعات إلى مدّ أيديهنّ لكي يقمن بمصافحة النبيّ للبيعة، فهذا الحديث نصّ بمنطوقه ومفهومه على وقوع البيعة بالمصافحة([63]).
وهذه المحاولة التفسيريّة من المرخّصين هنا، خطرت أيضاً على بال بعض العلماء سابقاً، فقد ذكر العيني (855هـ) ما نصّه: «قوله: فقبضت امرأة يدها، قال الكرماني: فإن قلت: هذا مشعر بأنّ البيعة لهنّ كانت أيضاً باليد. قلت: لعلّهنّ كنّ يُشرن باليد عند المبايعة بلا مماسّة»([64]).
والجواب: إنّه لا يبدو من كلمة قبض اليد أنّه تعبير آخر عن عدم المصافحة، وإنّما تعني الإحجام عن البيعة وعن الموافقة عليها في هذه اللحظة، ولهذا طلبت تلك المرأة أن تذهب لتُسعد فلانة، وقد ورد في بعض الروايات التاريخيّة أنّ النبي أجابها إلى ذلك لتذهب ثم ترجع فتبايع، وهذا المعنى ينسجم مع سائر روايات البيعة، إذ لو كانت البيعة عبر الماء الذي في الطشت مثلاً أو عبر الإشارة باليد لكان معنى قبض اليد أنّها لم تضع يدها في الماء للمبايعة ولا أشارت بها، بل قبضتها، فليس في الحديث أيّ تصريح بأنّ القبض جاء في مقابل المصافحة حتى يُفهم منه أنّ سائر النسوة قد صافحن فعلاً، بل هذا التفسير هو مقتضى التوفيق بين مختلف نصوص البيعة التي أجراها النبيّ دون حاجة لافتراض التأويل أو التكلّف أو الطرح في بعضها. وما ذكرناه ألمح إلى بعضه بعض العلماء والمناقشين هنا([65]). وهو في تقديري واضح.
الدليل الثاني: الاستناد إلى بعض الروايات التي دلّت على أنّ النبي مباشرةً أو بتوكيل عمر بن الخطاب قد صافح النساء في البيعة من وراء الثوب.
ومن نماذج ذلك، ما رواه الشعبي أنّ النبي حين بايع النساء، أتى ببرد قطري، فوضعه على يده، وقال: «لا أصافح النساء»([66]).
ومن نماذج ذلك أيضاً خبر أسماء بنت يزيد، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمع نساء المسلمين للبيعة، فقالت له أسماء: ألا تحسر لنا عن يدك يا رسول الله؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي لست أصافح النساء، ولكن آخذ عليهنّ..»([67]).
إلا أنّ هذه الأخبار القليلة العدد ضعيفة الإسناد، فالأوّل مرسل في جميع مصادره، والثاني ضعيف بشهر بن حوشب الذي شهدوا بضعفه تارةً، وبكثرة أخطائه وأوهامه أخرى، فليراجع([68])، ولهذا لا أعمل بأحاديثه ولا يحتجّ بها من وجهة نظري.
يضاف إلى ذلك أنّ الترخيص بالمصافحة من وراء الثوب لا يعني الترخيص بها من دون ذلك، وقد تقدّم أنّ في روايات بعض أئمّة أهل البيت النبوي التمييز بين الحالتين.
الدليل الثالث: الاستناد إلى رواية إيماء النبيّ بالتسليم للنساء، فقد ورد عن أسماء بنت يزيد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم مرّ في المسجد يوماً، وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم([69]). ومثل هذا الحديث خبر آخر لأسماء بنت يزيد أيضاً، حيث قالت: مرّ بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ونحن في نسوة، فسلّم علينا([70]).
فهذا كلّه يدلّ على أنّه سلّم عليهنّ وصافحهنّ؛ للنهي عن السلام بالإشارة في بعض النصوص([71]).
ولكنّ هذا الحديث يمكن التعليق عليه وذلك:
أولاً: إنّه ضعيف الإسناد بشهر بن حوشب، كما تقدّم الحديث عنه.
ثانياً: إنّه ليس بدالّ، فإنّ السلام، وتعبير ألوى بيده، لا يدلّان على المصافحة، إن لم نقل بظهور الثاني في الإشارة مع اللفظ، فقد قال لهنّ: السلام عليكنّ، وفي الوقت عينه أشار بيده لهنّ، فهذا ما يفهم من هذا الحديث، ولا علاقة له بموضوع المصافحة.
كما أنّ كلمة السلام لغةً لا تعني المصافحة حتى لو صار معناها العرفي اليوم هو ذلك، فهذا لا وجود له في اللغة العربيّة أساساً، بل هو مطلق إلقاء السلام، فالأرجح في تفسير هذا الحديث ما أشار إليه غير واحد من أئمّة الحديث والفقه([72])، من أنّ السلام كان بالإشارة مع اللفظ لا بالمصافحة.
ثالثاً: إنّ النهي عن السلام بالإشارة لو صحّ، لا مانع من كونه في غير حال السلام على النساء، وهذا ممكن، فإذا كانت المصافحة محرّمةً، أمكن تصوّر أنّ السلام يصبح تجاه النساء بالإشارة قهراً، وهذا لا غرابة فيه.
الدليل الرابع: ما ورد من سماح النبيّ لغيره بالمصافحة، وذلك في قصّة عمر بن الخطاب، فقد روي عن أم عطية أنّها قالت: لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة، جمع نساء الأنصار في بيت، فأرسل إليهنّ عمر بن الخطاب، فقام على الباب، فسلّم علينا، فرددنا عليه السلام، فقال: أنا رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلم إليكنّ، قالت: فقلنا: مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله. قال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئاً، ولا تسرقن، ولا تزنين الآية، قالت: فقلنا: نعم، فمدّ يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت.. ([73]).
ويناقش بأنّ مدّ الأيدي من وراء الباب ليس كاشفاً عن المصافحة تماماً، وإن كان محتملاً، وقد فهم بعضهم من مدّ الأيدي مجرّد المدّ المتقابل، فيكون ذلك كناية عن تحقّق البيعة([74]).
نعم، الرواية الأخرى عن بيعة النساء للنبيّ بحضور عمر بن الخطاب، فيها دلالة واضحة على المصافحة بمرأى النبيّ شخصيّاً، فقد روى الكلبي: كان رسول صلّى الله عليه وسلم يشرط على النساء، وعمر يصافحهنّ([75]).
ولكنّ هذه الرواية تخلو من سند أساساً، بل إنّ هناك كلاماً في الكلبي نفسه عند كثيرين، وقد ثبت عندي ضعف محمد بن السائب الكلبي (الكلبي الأب)، ولم تثبت عندي وثاقة الابن وهو هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وقد ردّ ابن العربي هذه الرواية([76])، وقال فيها الزيلعي: غريب بهذا اللفظ([77]).
الدليل الخامس: ما ورد في قصّة هند في مبايعة النبي للنساء، حيث روى ابن عباس، قال: كانت محنة النساء أنّ رسول الله أمر عمر بن الخطاب فقال: قل لهنّ: إنّ رسول الله يبايعكنّ على أن لا تشركن بالله شيئاً، وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقّت بطن حمزة رحمة الله عليه متنكّرة في النساء، فقالت: .. فنظر إليها رسول الله، وقال لعمر: قل لهنّ: ولا يسرقن، قالت هند: والله إنّي لأصيب من أبي سفيان الهنات، وما أدري أيحلّهنّ لي أم لا؟ قال أبو سفيان: ما أصبت من شيء مضى، أو قد بقي، فهو لك حلال، فضحك رسول الله وعرفها، فدعاها فأتته، فأخذت بيده، فعاذت به، فقال: أنت هند، فقالت: عفا الله عما سلف.. ([78]).
فهذه القصّة واضحة في أنّها أخذت بيده، الأمر الذي يدلّ على جواز المصافحة([79]).
ويمكن مناقشة هذه الرواية التاريخيّة:
أولاً: إنّها غير ثابتة سنداً، وذلك أنّ راويها هو ابن عباس، ونحن نتحفّظ في مرويّات ابن عباس عن العصر النبوي بلا واسطة، عندما يتفرّد بها، لاسيما في القضايا الحسّاسة، فإنّه كان صغيراً جداً في هذه الفترة، ولا أدري ما الذي جاء به في قضيّة من هذا النوع وعمره هنا ما يقرب من عشر سنوات على أبعد تقدير تقريباً؟! فهل يمكن الاعتماد على نقل طفل صغير في رواية انفرد بها ولم نجد لها عيناً ولا أثراً في سائر الروايات، ولم ينقلها سوى الطبري في تفسيره الذي جمع فيه كلّ غثّ وسمين، ولم يروها كبار المحدّثين من المذاهب الإسلاميّة، ولا نقلها المؤرّخون في كتبهم على ما يبدو بعد التتبّع.
وقد علّق ابن كثير على هذه الرواية التاريخيّة بأنّها أثر غريب وفي بعضه نكارة، فإنّ أبا سفيان وامرأته لما أسلما لم يكن رسول الله يخيفهما، بل أظهر الصفاء والودّ لهما ([80]). على أنّ القرطبي نقل هذه الرواية بلا سند في تفسيره دون أن يذكر هذا المقطع المتصل بأخذ هند بيد رسول الله([81]).
ثانياً: إنّ غاية ما يفيد الحديث أنّها أخذت بيده، لكنّ كلمة اليد تطلق في اللغة العربيّة على الذراع والعضد أيضاً، فلعلّها أخذت بيده حيث كان هناك لباس عليها، فلا تضرّ بالحرمة التي ذهب إليها بعض العلماء مثل المرويّ عن الإمام جعفر الصادق من جواز المصافحة من وراء الثوب، ولا تنفي الرواية ما دلّ على عدم مصافحة النبي للنساء؛ لعدم صدق المصافحة في هذه الحال عندما تأخذ بذراعه مثلاً، كما ألمحنا سابقاً.
وممّا تقدّم يُعلم أنّ ما ذكره بعض المرخّصين للمصافحة، من تعارض قول النبي المحرّم مع فعله المبيح فيقدّم الفعل المبيح([82])، غير صحيح؛ لعدم ثبوت فعل النبيّ ذلك بوصفه قانوناً، وقد ناقشنا في الأدلّة المتقدّمة كلّها، فلم يثبت أنّ النبي صافح امرأةً حتى نضع ذلك في إطار المخالفة للنصّ، مما يغيّر من دلالة النصّ نفسه، علماً أنّنا حقّقنا في محلّه أنّه لو تعارض الفعل مع النصّ، فإنّه إذا احتمل الفعل وجوهاً ولم يكن عادةً جارية، لم يقدّم على النصّ، فراجع([83]).
الدليل السادس: خبر علي بن زيد، قال: قال أنس بن مالك: إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة (ولائد المسلمين) لتجيء، فتأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلا ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت([84]).
وورد بطريق هشيم، عن حميد، عن أنس بن مالك قال: إن كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به في حاجتها([85]).
وقد يناقش هذا الحديث:
أولاً: إنّ سنده فيه علي بن زيد وهو ابن جدعان، وقد ضعّفه قوم ووثقه آخرون، فلا نعمل بحديثه حيث لم يثبت لنا ترجيح أحد القولين.
وهذه المناقشة منّا ترد على الصيغة الأولى للحديث، أمّا الصيغة الثانية فالظاهر أنّها معتبرة الإسناد وفق أصول أهل السنّة. نعم لمّا كانت الرواية عن أنس وتحكي عن وقائع المدينة المنوّرة، فإنّ أنس بن مالك المتوفّى عام 93هـ كان صغيراً جداً في تلك الفترة وخادماً لرسول الله، وفي هذه الحال فلو تفرّد بحديث يخالف مجموعة من الأحاديث التي تدلّ على أنّ رسول الله لم تمسّ يده يد امرأة أجنبيّة، فإنّ من الصعب الوثوق بهذا الحديث هنا، فلعلّ أنس بن مالك لصغر سنّه خيّل إليه ذلك، ولم يعرف تلك المرأة أو الإماء، ولعلّهنّ كانت بينهنّ وبين رسول الله نوع محرميّة أو حرمة ولو بالرضاع. نعم لو دلّ الحديث لأوجب تضعيف الوثوق بنصوص التحريم بدرجة معيّنة.
لكن مع ذلك، سوف يأتي أنّ مثل هذا الحديث ينفع في النظرية المقصديّة الثالثة الآتية بعون الله تعالى، من حيث كون الملموسة أمةً، وليست حرّةً.
ثانياً: ما ذكره الحافظ ابن حجر وغيره، من أنّ المراد بالأخذ باليد هو لازمه، وهو الرفق والانقياد، ولهذا عبّر بالأمة من الأماء، فهي عندما كانت تأتيه فهو يتواضع ويستجيب لها ويذهب معها، وليس المراد هو نفس أخذها بيده([86]).
وهذا التفسير جيّد لولا أنّ فقرات الحديث فيها تحديد واضح، لاسيما الرواية الأولى، وذلك عندما يقول: فلا ينزع يده من يدها، فإنّ هذا التحديد واضح في حصول تماسّ، وهو لا يمنع أنّ الحديث يريد الإشارة إلى تواضع النبيّ، لكنّ ذلك لا يمنع الأخذ بهذا التعبير أيضاً.
ثالثاً: إنّ الوليدة هي الطفلة الصغيرة غير البالغة، وهذا يعني أنّ التماسّ قد حصل بين النبيّ وبين طفلة غير بالغة.
ولكنّ هذه المناقشة غير واضحة؛ فإنّ الوليدة قد تطلق على الجارية والأمة، وإن كانت كبيرة، كما ذكر ابن الأثير وغيره من اللغويين([87])، ويساعد عليه الرواية الثانية التي عبّرت بالأمة، فليس المراد بالوليدة هنا الطفلة الصغيرة، بل الأرجح أنّ المراد الأمة والجارية.
ولكنّ هذا يربك عملية الاستدلال بالحديث هنا لإثبات جواز المصافحة، من جهة ثانية؛ لأنّه لو بُني على التخفيف في أحكام الستر والنظر في الإماء، كما عليه كثير من فقهاء المسلمين، أمكن اعتبار هذه الرواية دليلاً على جواز مصافحة الإماء، فلا تكون دليلاً على جواز مصافحة المرأة مطلقاً، فلاحظ جيداً. هذا إذا غضضنا الطرف عن مناقضة هذا الحديث لما دلّ على عدم مسّ يده يد امرأة قطّ، فتضعف هذه الأحاديث قوّة تلك، والعكس صحيح، ما لم نقل بأنّ لمس الإماء وبناء التساهل معهنّ، كان موجباً لانصراف حديث عائشة عنهنّ إلى الحرائر خاصّة.
وحصيلة الكلام في أدلّة المرخّصين أنها بأجمعها ضعيفة أمام إثبات الترخيص، لكنها تربك بعض أدلّة التحريم، فالعمدة في مناقشة التحريم هو أصالة البراءة وردّ أدلة الحرمة.
ثالثاً: النظرية المقصدية، مبدأ الاحترام ومبدأ الحماية الأخلاقيّة
يمكن أن تُطرح نظريّة عامة في باب النظر واللمس بين الرجل والمرأة تترك أثرها على مجمل نظريّة الفقيه في هذا الباب خاصّة، وباب علاقة الجنسين ببعضهما عامة، وعصارة هذه النظريّة أنّ المقصد الأساس في كلّ نصوص النظر ونحوها يعود إلى أحد أمور ثلاثة، لو وجد كان كافياً، ولو انضمّ للبقية فقد تعزّزت حيثية الحكم، وهي:
أ ـ مبدأ الحماية الأخلاقية، أو الحيلولة دون حصول الشهوة أو الريبة، وهذا المعيار يظهر بوضوح في النصوص القرآنية وغيرها، من حيث إنّ أحكام الستر والنظر أريد منها عدم الوقوع في الشهوة والتلذّذ والريبة بما يفضي على المسار البعيد إلى وقوع الفواحش وشيوع العلاقات غير الشرعيّة خارج إطار الأسرة القانونيّة.
والروايات الواردة في تحريم النظر وأنّه سهم من سهام إبليس، وأنّ نظرة واحدة تورث الحسرات، كلّها تصبّ في هذا الإطار، كذلك نجد النصوص القرآنية وغيرها الناهية عن خضوع المرأة بالقول كي لا يطمع الذي في قلبه مرض، وعن الستر بحيث يكون ذلك مانعاً عن أذيتهنّ والاعتداء عليهنّ، وعن الحجاب الذي هو أزكى لقلوب الرجال والنساء وغيرها من الموارد الكثيرة، وهذا المبدأ واضح في كلمات الفقهاء ونصوص الفقه الإسلامي فلا نطيل فيه.
ومن هنا، نجد في القرآن الكريم بعض الاستثناءات لقضيّة الستر والنظر توحي بفقدان حالة الغريزة نوعاً، فعند كلّ مورد لا تتحرّك فيه الغريزة نوعاً كان هناك تخفيف، من مثل القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً، وكذلك الحال في كشف المرأة أمام التابعين غير أولى الإربة من الرجال؛ لعدم وجود محذور الغريزة، وكذلك كشفها أمام الأطفال معلّلاً: ﴿الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ (النور: 31)، الأمر الذي يربط الموضوع بالاتصال الجنسي والتأثير الغريزي بشكل واضح. وكذلك في الكشف والنظر بين النساء أنفسهنّ حيث العنصر الغريزي مفقود عادةً.
وهذا المبدأ نجده أيضاً في روايات اللمس، فإنّ الحديث عن المصافحة من وراء الثياب مع عدم الغمز، يشير إلى هذه الخصوصيّة أيضاً، وكذلك النصوص المتصلة بالعجائز والتي ستأتي لاحقاً بعون الله تعالى.
ب ـ مبدأ الحرج النوعي، وهو المبدأ الذي لاحظنا وجوده في بعض الموارد، من حيث إنه عندما يكون في قضيّة الستر والنظر حرجٌ نوعي تكون هناك إمكانيّة لبعض التخفيف، ومن أمثلة ذلك، أنّ القرآن الكريم جوّز أن يدخل الصغار والعبيد والإماء ويتحرّكوا في بيت السيد والسيدة بلا استئذان إلا في ثلاثة أوقات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (النور: 58)؛ فإنّ هذا الترخيص في غير هذه الأوقات الثلاثة قد علّل بحالة الطواف، بمعنى أنّه لو اُريد للمرأة الستر عن مملوكها في البيت وهو متردّد فيه بحكم العادة لكان معناه حالة حرجٍ نوعي، لهذا استثنيت أوقات ثلاثة تعدّ أوقاتاً لوضع الثياب، ليكون الباقي وضعاً طبيعياً لا إشكال في النظر فيه.
ولعلّ من هذا المبدأ أو أحد تأثيراته استثناء المحارم من النساء، نظراً لكثرة الطواف المذكور.
ج ـ مبدأ احترام المرأة، ويدّعى في هذا المبدأ أنّ نكتة تحريم النظر أو اللمس هما احترام المرأة، بحيث لو كان النظر غير موجب للشهوة ولا تشوبه شائبة هتك حرمة المرأة كان جائزاً.
ويشهد لهذه الدعوى المركّبة من مجموع المبادئ الثلاثة ـ غير ما تقدّم من شواهد ـ مجموعة من النصوص والأحكام منها:
1ـ ما ورد في النظر إلى عورة الكافر، من جواز النظر إليها، معلّلاً بأنّها كعورة الحمار، ومن ذلك مرسل ابن أبي عمير (عن غير واحد) عن أبي عبد الله× قال: «النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار»([88])، ومرسل الصدوق عن الإمام الصادق× أنه قال: «إنما [أ] كره النظر إلى عورة المسلم، فأما النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار»([89]).
فإنّ هاتين الروايتين تلاحظان جانب الاحترام في إسلام المسلم، وإلا فما هو الموجب للترخيص، لاسيما وأنّ مورد الكلام هو العورة؟
بل قد ذكر بعض الفقهاء أنّ نصوص حرمة النظر إلى العورة ظاهرة ابتداءً في المؤمن والمسلم، فلا اقتضاء فيها للشمول لغيرهما([90]).
2ـ ما ورد في تعليل الترخيص في النظر إلى نساء الأعراب وأهل تهامة وأهل السواد و..، فقد جاء في صحيحة عبّاد بن صهيب، قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: «لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل التهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج؛ لأنهم إذا نهوا لا ينتهون..»([91]).
فإنّ هذا التعليل يوحي بأنهنّ أسقطهن حرمتهنّ، ولهذا جاز النظر إليهنّ، ولو كان النظر حراماً مطلقاً لما كان هناك داعٍ لاستثناء هذه الأصناف بهذا التعليل.
نعم، قد يقال بأنّ المجوّز هنا هو الحرج الذي يسبّبه الحكم بحرمة النظر إليهنّ، إذ الذي يبدو من الرواية أنّ هؤلاء النساء يمثّلن مناطق بأكملها، والتحرّز فيهنّ مشكل، فعلّل الترخيص بعدم انتهائهن من حيث إنه بإصرارهنّ يحصل الحرج من تحريم النظر إليهنّ، ولو أنهنّ يستجبن للنهي لارتفع المحذور.
وهذا الاحتمال وارد، وإن كان احتمال سببية إسقاطهنّ للحرمة يظلّ وارداً ويعزّز بسائر الموارد؛ فإنّ خبر صهيب ورد بعينه تقريباً في علل الشرائع وغيره وفيه «وأهل السواد من أهل الذمّة»([92]) ويمكن ضمّ هذا الحديث إلى الحديث اللاحق ليظهر أرجحيّة التعليل الذي ذكرناه للترخيص، من التعليل بحال الحرج.
3 ـ ما ورد من تجويز النظر إلى نساء أهل الذمة، معلّلاً ذلك بأنهنّ لا حرمة لهنّ، ففي خبر السكوني ـ الصحيح على المشهور ـ عن أبي عبد الله× قال: «قال رسول الله’: «لا حرمة لنساء أهل الذمة أن يُنظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ»([93]).
فإنّ التعبير بعدم الحرمة ناظرٌ إلى هذه النكتة التعليليّة، من حيث إنّ قضية ستر المرأة جسدها معناه أنّ جسدها حقٌّ لها وكنز، ولا يحقّ لأحد النظر إليه، وأنّ منع الرجال من النظر إليها إنّما هو لمكان حرمتها واحترامها.
4ـ بعض مستثنيات آية الزينة في القرآن الكريم، فقد أمرت هذه الآية المرأة بالستر، واستثنت بعض الموارد كالمحارم، ومن جملة المستثنين بالآية: التابعون من غير أولي الإربة من الرجال، ويقصد منهم من يكون مع المرأة أو يتبع أسرتها خادماً أو غير ذلك ولا تكون له إربة من الرجال، بحيث إذا نظر لا ينظر بطمع أو يهين المرأة بنظره إليها، إما لكبر سنّه أو لجنونه أو لكونه مخصيّاً أو لغير ذلك، فإنّ عنوان (غير أولي الإربة) معناه أنّ الحيثية المأخوذة هي حماية المرأة وأن لا تتعرّض لنظر طامع، بل يمكننا القول بأنّ تحريم النظر بشهوة يمكن أن يكون هو بنفسه بملاك الاحترام أيضاً، كي لا يكون جسد المرأة محلاً لطمع أو نظرة غير محترمة لرجل أجنبي، قد تفضي إلى عدوان جنسي.
وهذا هو معنى الأذية ـ إلى جانب الاعتداء عليهنّ ـ في آية الجلباب: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ﴾ (الأحزاب: 59)، بل قد أشارت كتب التفسير إلى أنّ الأمر بالجلباب وجعله قريباً من وجهها كناية عن تميّزها عن الإماء، كي لا تؤذى بالتعرّض لها، للتعرّض للإماء في ذلك العرف.
5 ـ ما ورد في تجويز النظر إلى المجنونة أو المغلوبة على عقلها، كما في صحيحة عباد بن صهيب، وقد جاء فيها عن الإمام الصادق×: «..والمجنونة والمغلوبة على عقلها لا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمّد ذلك»([94]).
والتعمّد هنا فسّره بعضهم بالتلذذ([95])، ولا موجب لهذا الحكم في المجنونة إلا كونها قد فقدت بجنونها مكانتها الاجتماعية فصار النظر غير الشهوي إلى شعرها وجسدها مما لا بأس به، عندما تكشفه أو يظهر منها لمكان جنونها، والذي يرجّح في معنى التعمّد هنا هو التقصّد، أي أن يقصد ذلك دون ما إذا حصل بالعارض، لا التعمّد مقابل السهو أو النسيان أو الغفلة، فإنّ هذا لا فرق فيه بين المجنونة وغيرها، وإنما حرم التقصّد لأنّ فيه إهانةً لها وهتكاً لحرمتها كأن يكشف هو سترها ويرفع عنها ثيابها وما شابه ذلك.
6 ـ ما جاء في فقه العجائز، فقد ورد ترخيص الشريعة في النظر إلى العجائز اللاتي لا يرجون نكاحاً، والترخيص لهنّ في الكشف شرط عدم التبرّج بزينة، فإنّ خصوصيّة أنّها لا ترجو النكاح واضحة في تأثيرها في الترخيص، ومن ثمّ فالعنصر الأنثوي والغريزي واضح هنا، مضافاً إلى أنّ العجائز لا يرين في العادة هتكاً لحرمتهنّ أن يراهنّ الرجال الذين يعدّون من أبنائهنّ أو برتبة أحفادهنّ، كما هي العادات الجارية منذ قديم الأيام في القرى والأرياف.
ويتعزّز ذلك بنصوص لمس أو مصافحة العجائز التي ستأتي في بحث المستثنيات بعد قليل بإذن الله، فإنّ هذه النصوص ولو لم تثبت بشكل حاسم، لكنّها تشكّل قرائن على موضوع بحثنا هنا.
7 ـ ما جاء في فقه العبيد والإماء، حيث كانت حالة النظر واللمس والستر فيهنّ مختلفة عن حال الحرائر، ممّا يعني بحسب ذلك العرف الاجتماعي أنّ النهي في الحرائر أخذت فيه حيثية الحرمة الاجتماعيّة والعرفيّة الزمنيّة.
ومن أمثلة ذلك، ما تقدّم في رواية أنس بن مالك المعتبرة السند عند أهل السنّة، من أنّ النبيّ كان تأخذ بيده الوليدة والأمة، وتمشي به في طرقات المدينة، ليقضي لها حاجتها، فإنّ ذلك عندما نجمعه مع نصوص عدم ملامسة يد الرسول لما لا يحلّ له نفهم منه أنّ التحريم أخذ فيه بعين الاعتبار عنصر الحرمة والاحترام.
ومن أمثلته المشيرة أيضاً، ما جاء في رواية حماد اللحام قال: سألت أبا عبد الله× عن المملوكة تقنع رأسها إذا صلّت؟ قال: «لا، قد كان أبي إذا رأى الجارية تصلّي في مقنعة ضربها؛ لتُعرف الحرّة من المملوكة»([96]). وما جاء في رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله×، أنّه قال: «على الصبيّ إذا احتلم الصيام، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار، إلا أن تكون مملوكةً فإنّه ليس عليها خمار، إلا أن تحبّ أن تختمر، وعليها الصيام»([97]). وكذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله×، قال: قلت له: الأمة تغطّي رأسها؟ فقال: «لا، ولا على أمّ الولد أن تغطّي رأسها إذا لم يكن لها ولد»([98]). ووردت عن ابن مسلم بطريق ابن محبوب بإضافة قيد (إذا صلّت)([99]). وغيرها من الروايات المتعدّدة التي يمكن مراجعتها في محلّه([100]).
ولا أريد أن أجزم الآن بجواز كشف الأمة شعرها للرجال، إلا أنّه قول معروف في الفقه الإسلامي، وذهب إليه العديد من العلماء أيضاً، بل إنّ ظاهر كلام المحقّق الحلّي هو جواز لمس كفّ الإماء من دون شهوة، وأنّه لا حرمة فيه، كما تقدّم، بل لكونه سيرة مستمرّة معروفة في تاريخ المسلمين استدلّ بعضهم بالسيرة على جواز ذلك، بل فهم بعض الفقهاء من آيات الحجاب والزينة في القرآن عدم شمولها للإماء أساساً، لا أريد أن أجزم لكنّ هذا كلّه ينفعنا في تكريس الفكرة التي نريدها هنا من حيث حشد الشواهد والقرائن.
8 ـ أن ندّعي بأنّ القرآن والسنّة قاصران دلالةً عن إفادة حرمة النظر في غير حالتي الشهوة والهتك، وذلك أنّ نصوص النظر إلى غير العورة في القرآن تأمر بغضّ الطرف، والمراد منه ليس مطلق عدم النظر؛ لأنّ الغض معناه كسر النظر وخفضه وإنقاصه، وهو يستبطن الإعراض عن الشيء في مقابل تعمّده وتقصّده والانشداد إليه، وهذا الغضّ تعلّق بقوله تعالى: (مِنْ أَبْصَارِهِمْ) و (من) هنا ليست للجنس؛ لضرورة أنّ (من) التي تفيد الجنس يشترط فيها أن يصحّ الإخبار بما بعدها عمّا قبلها، وهنا لا يصحّ أن يقال: الغض أبصارهم، كما لا يراد منها (من) الزائدة؛ لاشتراط تعقّبها بالنكرة في لغة العرب، مع أنّ ما بعدها هنا جاء معرفة بالإضافة (أبصارهم)، فلم يبق سوى:
أ ـ احتمال أنّ (من) تبعيضيّة، فيكون المراد لزوم غضّ بعض النظرات التي يعدّ النظر الشهوي والهتكي مقداراً متيقّناً منه، ولا يحرز كون غير هذين النظرين مشمولاً للآية الكريمة.
ب ـ احتمال أن تكون (من) لابتداء الغاية، فيكون المراد: يغضوا آخذين بالغض من أبصارهم، فتعني مطلق الإعراض بحيث يكون مبدؤه النظر، ومطلق الإعراض هذا يكون حينئذٍ كناية عن القطيعة التامة بين الرجال والنساء، ويكون منشؤها النظر، مع أنّهم ـ فقهياً ـ لا يلتزمون بذلك إلا بمعنى اللمس والزنا بعد ذلك دون سائر الأمور كالحديث معها وسماع صوتها والنظر إليها من وراء الثوب ونحو ذلك، بل القرآن سمح بالحديث مع نساء النبي لكن من وراء حجاب، والنبيّ كان يتحدّث مع النساء، كما في المرأة التي جادلت النبي في زوجها بشهادة القرآن، بل قد حرّم القرآن خضوع المرأة بالقول لا مطلق القول، وهذا يكشف عن أنّ (القول المعروف) في ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ (الأحزاب: 32) معناه التكلّم لكن بالمعروف لا القطيعة، إلى غير ذلك ما يشكّل قرينة قرآنية على أنّه إذا كان ترك النظر منشأ القطيعة فهو منشأ القطيعة مع الشهوة والتلذّذ في المرأة، ولعلّ في التعبير في آية الغض بقوله: ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ (النور: 30) إشارة إلى حالة الطهارة والتزكية المرتبطة بشكل جليّ بالبعد الحيواني هنا بمناسبات الحكم والموضوع، بل إنّ إرداف (ويحفظوا فروجهم) (ويحفظن فروجهنّ) بقضية النظر، يعطي إيحاءً بأنّ الأمور تتصل بالجانب الشهوي، ولهذا كان تركيز القرآن على حفظ الفرج في عدّة آيات كريمة.
ولو لم يتمّ قبول هذا المسار لتفسير من بابتداء الغاية، فلا أقلّ من تردّدها مع (من) التبعيضيّة، فيكون القدر المتيقّن هو النظر الشهوي وأمثاله، ومعه لا يكون في القرآن ما يقتضي حرمة مطلق النظر، وإنّما خصوص النظر التلذّذي كما ذهب إليه بعض الفقهاء أيضاً. أو نقول ـ على أبعد تقدير ـ: إنّ الآية تريد أن تأمر المؤمنين بأن لا يكونوا من أولئك الذين يتعمّدون النظر ويتقصّدون ملاحقة النساء بعيونهم، فتأمر المؤمن أن يخفّف من هذه التطلّعات ويقترب من صورة الإنسان الخجول، والذي يغضّ من نظره ويخفضه، كناية عن الحياء والعفّة والأدب، ومعه لا نستطيع أن نعتبر أنّ هذه الآية الكريمة تريد تحريم مطلق النظر، بل تريد تحريم النظر الشهوي غير الأخلاقي، أو تريد تحريم حالة ملاحقة النساء بالعيون؛ لتحقيق حالة العفّة وغضّ البصر عنهنّ.
وأما السنّة الشريفة، فبصرف النظر عن أنّ غالبها روايات ضعيفة السند، يلاحظ حضور مفهوم النظر التلذذي في بعضها، بل في خبر محمد بن سنان ـ الضعيف السند ـ عن الإمام الرضا× أنه قال: «وحرم النظر إلى شعور النساء.. لما فيه من تهييج الرجال»([101]).
فإنّ هذا الكلام معناه أنّ الغاية المنظورة هي الشهوة والتهييج والحيلولة دون ذلك لا مطلق النظر، وهذا ما ينسجم مع المناخ القرآني في أصل الحكم وفي المستثنى والمستثنى منه، كما بيّنا سابقاً.
من هذا كلّه، يُشكّك في وجود دليل يحرّم النظر في غير حالتي الهتك والشهوة، أو الملاحقة البصريّة غير العفيفة، نعم يجب على المرأة ستر جسدها وهذا أمرٌ آخر.
وينتج عن ذلك كلّه أنّ حرمة النظر خاصّة بحال الشهوة، أو خوف الفتنة أو فلنقل: حالة حصول أثر غير شرعي، إلى جانب حالة الهتك وكشف الستر والتعدّي على الآخرين، أما إذا كان النظر غير شهوي ولا يحوي فتنةً بحيث يتسبّب بوقوع الناظر في حرامٍٍ ما ولو بعد النظر، كما ولو مع غير المنظورة، ولم يكن فيه هتك للمرأة أو إهانة لها، ولم يلزم منه محذور شرعي من جهة أخرى، فلا دليل على حرمته أساساً في غير العورة كمقدار متيقّن؛ ولهذا فإذا كشفت المرأة جسدها ولم يكن في النظر إليها هتك أو محذور آخر جاز النظر.
ولهذا لا يبعد القول بأنّ ما فيه مظنّة الانحراف الأخلاقي يكون حراماً، كما يستوحى من ضمّ النصوص إلى بعضها.
وعليه، فإذا كان المدرك في حرمة اللمس هو تبعيّة اللمس للنظر، كما يُستفاد من الدليل الأوّل صار الحكم خاصّاً بما قلناه، وأما إذا كان المدرك هو الروايات فقد يلتزم بإطلاقها فينتج التفصيل بين النظر واللمس، وهو تفصيل معقول في نفسه؛ ما لم يدّع أنّ باب اللمس والنظر من وادٍ واحد هنا، ولو بقرينة ما جاء في الرواية الصحيحة السند هنا من عدم غمز الكفّ ولو من وراء الثوب، فإنّ فيه إشارة إلى الحيثيّة الشهوية أو ما فيه مظنّة الشهوة عادةً.
مستثنيات حرمة اللمس والمصافحة
بناءً على ثبوت القول بحرمة لمس المرأة ومصافحتها، يستثنى من ذلك عدّة موارد نشير إليها سريعاً فيما يلي:
1 ـ المحارم
والمستند في الاستثناء أنّه:
أ ـ إذا كان مدرك حرمة اللمس هو نفس دليل حرمة النظر، بقانون الملازمة الذي تقدّم في الدليل الأوّل، فإنّ حرمة النظر لا تشمل المحارم، فيكون دليل الحرمة قاصراً عن الشمول للمحارم هنا من الأوّل.
ب ـ وأما إذا كان المدرك هو الروايات، فصحيحة سماعة بن مهران نفسها تفيد هذا الاستثناء.
نعم، العنوان المأخوذ في الصحيحة هو من يحرم عليه أن يتزوّجها، وهو ظاهر في الحرمة المؤبدّة بلا اختصاص بالمحارم فيشمل المطلّقة تسعاً، وأمّ الغلام الملوط به وأخته، بل المزني بها وهي ذات بعل على قول؛ فالمفروض القول بأنّ كل امرأة حكم الشرع ـ لمحرميّة أو رضاع أو مصاهرة أو أيّ أمر آخر ـ بحرمة التزويج منها جازت مصافحتها، ولا يختصّ الأمر بعنوان المحرَم.
إلا أن يقال بأنّ الأمثلة التي ذكرتها الرواية تشير إلى توجيه عنوان «من لا يجوز التزويج بها» ناحية المحارم، وعدم الشمول لغيرها ولو بمساعدة الإجماع والارتكاز، مضافاً إلى مركوزيّة عنوان المحرميّة في سؤال السائل في خبر أبي بصير، وقد تقدّم.
2 ـ حالة اللمس والمصافحة من وراء الثوب
والمستند في هذا الاستثناء قصور الدليل؛ لأنّ الدليل دلّ على حرمة اللمس ولا يصدق مع الثوب، وأما ما دلّ على عنوان المصافحة فهو وإن كان صادقاً ولو من وراء الثوب، إلا أنّ هذا الدليل بنفسه ورد فيه هذا الاستثناء كخبر أبي بصير، وصحيحة سماعة بن مهران، وبهما تقيّد سائر الروايات المطلقة في المصافحة كالرواية الثالثة والرابعة المتقدّمتين في المجموعة الأولى.
وعليه، يمكن أن يقال بأنّ وضع الرجل يده على ثياب المرأة بلا شهوة أو محذور آخر لا بأس به، ولا دليل على حرمته، سواء كان العازل لباساً يضعه الرجل مثل القفازات أو المرأة مثل الثوب، لا فرق في ذلك.
نعم، بناءً على الأخذ بالقول بحرمة اللمس هنا اعتماداً على صحيحة سماعة، ينبغي تقييد اللمس من وراء الثياب بعدم الغمز أو ما كان في قوّته.
3 ـ حالة الحرج وموارد الاضطرار
يستثنى أيضاً حالات الحرج والضرر والاضطرار، لأنّ المورد يكون مشمولاً لقواعد الاضطرار ونفي الضرر والحرج، هذا على تقدير وجود حرج حقيقي بحيث لم يمكن لبس القفازات أو الامتناع عن الحضور في المكان الذي فيه ابتلاء بذلك.
4 ـ عامّة مستثنيات حرمة النظر أو الكشف (العجوز في الفقه الحنفي والحنبلي)
مثل القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً، والتابعين غير أولي الإربة من الرجال، والصغير والصغيرة، وغير ذلك.
ولا يوجد في النصوص استثناء هذه الموارد، نعم ذهب الأحناف والحنابلة ـ ونسب إلى الزيديّة ـ إلى جواز مصافحة العجوز بلا شهوة، كما ألمحنا سابقاً، خلافاً للمالكيّة تمسّكاً بعموم الأدلّة، وهو ظاهر الشافعيّة([102]).
ومقتضى العمومات والمطلقات هو الحرمة، لكنّ مقتضى الدليل الأوّل عدم الحرمة؛ لعدم حرمة النظر في هذه الموارد.
نعم، في الصغير والصغيرة يجوز حتى بناءً على الأخذ بالروايات هنا؛ لأنّ العناوين المأخوذة في الروايات هي: الرجل والمرأة والنساء، وهي منصرفة عن الصغير والصغيرة ولا تشملهما، لكن ورد في بعض الروايات النهي عن ضمّ الصغيرة إلى الحجر وتقبيلها إذا بلغت ست سنين([103])، وتفصيله في محلّه، لكنّه عنوان أخصّ من عنوان اللمس أو المصافحة، كما هو واضح.
هذا كلّه إذا لم يُدّع وحدة المناط في بابي النظر واللمس، وإلا فيمكن جعل أدلّة الاستثناء هناك أدلّةً للاستثناء هنا. والله العالم.
لكن مع ذلك، فقد استدلّ بعض الأحناف والحنابلة للترخيص في العجوز والعجوزة، بعدّة أدلّة أبرزها:
أ ـ ما روي عن النبيّ من أنّه صافح النساء العجائز في البيعة دون الشابات([104]).
ب ـ ما ورد في الصحيحين، عن أنس بن مالك: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أمّ حرام بنت ملحان، فتطعمه، وكانت أمّ حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك..»([105]). وذكروا أنّ أمّ حرام ليست من محارم النبي، وأنّ القول بأنّها من محارمه مردود، وقد فصّل الكلام فيه ابن حجر.
ج ـ ما ورد عن بعض الصحابة كأبي بكر وعمر والزبير، وأنّ أبا بكر كان في خلافته يخرج إلى بعض القبائل التي كان مسترضعاً فيها، فكان يصافح العجائز، وأنّه لما مرض الزبير بمكّة، استأجر عجوزاً لتمرضه، فكانت تغمز رجليه، وتفلي رأسه، وأنّ نساء الأشعريين كنّ يفلين رأس أبي موسى الأشعري([106]).
فبهذه المعطيات يثبت الترخيص في العجوز([107]).
وتناقَش هذه الأدلّة بأمور:
أولاً: إنّ أفعال بعض الصحابة، وهم قليلو العدد جداً، لا تكشف عن رخصة شرعية حاسمة، فلعلّه كان ذلك اجتهاداً منهم، حيث ظنّوا أنّ الحرمة تختصّ بالشابة أو بحال كون المصافحة موجبةً للشهوة أو مظنّتها، فوجدوا أنّ مصافحة أو ملامسة العجوز لا يضرّ بالأمر، ومن ثمّ فاجتهادهم لا يكفي دليلاً نهائيّاً في المقام.
نعم، ينفع هذا الاجتهاد في تعزيز القوّة الاحتماليّة للنظريّة المقصديّة، كما أشرنا إلى ذلك هناك قبل قليل.
ثانياً: إنّ ما نقل عن أبي بكر لا يفيد، فلعلّ مصافحته للعجائز في تلك القبيلة التي استرضع فيها كانت لكونهنّ قريباته بالرضاع، إمّا أمّاً أو أختاً أو خالةً أو عمّة، ومن ثم ففعله غير واضح في منطلقاته حتى نحكم بقاعدة عامّة، كما أنّ الزبير كان مريضاً فلعلّه كان مضطراً، والأفعال أدلّة صامتة يؤخذ فيها بالقدر المتيقّن.
ثالثاً: إنّ نصوص البيعة وأنّ النبي لم يمسّ يد امرأة تحرم عليه قط، تضعف هذه المعطيات هنا في حقّ النبيّ، ما لم نقل بأنّ مصافحة العجائز كانت النصوص والوعي المتشرّعي منصرفين عنها؛ لوضوح جوازها، ومن ثمّ فلا تنافي تلك النصوص ما نحن فيه هنا.
يُشار إلى أنّه من المعروف أنّ عائشة نفت ملامسة النبي ليد امرأة، واعتبرت من يقول ذلك إنّما يقول فريةً، ويفتري على النبي.
رابعاً: لقد شكّك غير واحد من كبار المحدّثين في أصل صحّة قصّة الزبير وأنّه كانت تأتيه امرأة عجوز تغمز رجليه وتفلي رأسه، وكذلك حديث أنّ أبا بكر كان يصافح العجائز([108]). بل ناقش بعضهم في وجود حديث مصافحة النبي للعجائز. وقد فتشنا عن هذه الروايات ووجدناها غالباً في كتب الفقه دون الحديث والتاريخ، وبلا سند أو مصدر.
خامساً: تعرّض كثيرون لموضوع أمّ حرام، وقد نقلوا أنّها أرضعت النبيّ، وأنّها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته، لأنّ أم عبد المطلب كانت من بني النجّار، ونقلوا أنّها كانت إحدى خالاته من الرضاعة، وقيل: إنما كانت خالة لأبيه أو لجدّه وغير ذلك من الأقوال([109]). ومعه فالجزم بعدم المحرميّة هنا صعب، لاسيما وأنّ الموضوع ليس موضوع اللمس فقط، وإنّما هي علاقة تبتعد أكثر من ذلك، من الدخول على امرأة رجل والجلوس بين يديها بهذه الطريقة. بل كلّ متأمّل ومُراجع لنصوص التاريخ والحديث في علاقة النبي بأمّ حرام، وكذلك علاقته بأمّ سليم، يقتنع ـ لو قبلنا بهذه الأحاديث ـ بأنّ للنبي علاقة خاصّة بهاتين المرأتين، تختلف عن علاقته بسائر النساء، الأمر الذي يفرض أخذ بعض الاحتمالات بعين الاعتبار، وإلا فما معنى أن يدخل النبي بيت أم سليم وينام على الفراش، ثم لما يخرج تأخذ هي البركة من عرقه الذي كان على الفراش؟! يبدو الأمر أكثر من حالة عادية تفرض أن نفسّرها بوضع استثنائي لا طبيعي، إذا أصرّينا على تصديق مجمل هذه النصوص.
وعليه، فهذه النصوص لا تثبت الحليّة، لكنّها تساعد ـ بوصفها قرائن فقط ـ على ذلك، وتعزّز النظريّة المقصديّة التي تقدّمت.
وأشير أخيراً إلى حكم الخنثى، إذ الذي يظهر من أدلّة التحريم برمّتها تقريباً أنّ مدار الحرمة على مصافحة المرأة، فلو لم تحرز الأنوثة فلا دليل على التحريم، فيكون حكم الخنثى هو جواز مصافحة الذكر والأنثى لها، نعم، قد يقال بحرمة مصافحتها هي للإثنين؛ للعلم الإجمالي بالحرمة في أحد الموردين. وتفصيل علاقات الخنثى بكلّ من الذكر والأنثى يمكن أن يراجع في كتب الفقه فلا نطيل.
هذا على القول بحرمة المصافحة مطلقاً، وأمّا على القول بالجواز مطلقاً، أو التفصيل بين قضية الاحترام والشهوة وعدمهما، فالمفترض العمل على وفق النتيجة فيجوز مصافحة الخنثى للاثنين، ومصافحة الاثنين لها، شرط عدم الشهوة مع أمن الفتنة وعدم هتك الحرمة، والعلم عند الله.
خاتمة واستنتاج
يمكن الخروج من هذا البحث بالنتائج التالية:
1 ـ من الواضح أنّ هناك توجيهاً إسلاميّاً عامّاً بعدم المصافحة والمماسّة بين الرجل والمرأة، بوصف ذلك خياراً راجحاً، تكريساً لسدّ الأبواب على منافذ الفتن والانحرافات، إلا أنّ هذا التوجيه العام لا يعني لوحده وجود تحريم قانوني حاسم، فهناك فرق بين التوجيهات العامّة والأحكام القانونيّة الإلزاميّة.
2 ـ إنّ الأدلّة التي قدّمها المحرِّمون والمانعون هنا كلّها ضعيفة الدلالة على تحريم المصافحة، غير أربع روايات من المجموعة الأولى من الأحاديث، بينها رواية واحدة معتبرة الإسناد عندي، واثنتان عند المشهور، وعليه:
أ ـ فبناء على القول بحجيّة الخبر الواحد الظنّي الذي يرويه الثقة، يحرم مصافحة الرجل بل مطلق مسّه المرأة بشهوة أو بدونها، إلا من وراء الثوب ولا يغمز أو يكون ذلك عن شهوة ونحوها، أمّا مصافحة المرأة ومسّها للرجل، فلا شكّ في الحرمة مع الشهوة وخوف الفتنة أو الإعانة على الإثم (بناء على القول بحرمة الإعانة)، وأمّا من دون ذلك، فإنّ التحريم هو مقتضى الاحتياط اللزومي لا النتيجة الحاسمة.
ب ـ وأمّا بناء على حجية الخبر المعلوم الصدور خاصّة، فإنّه من الصعب تحصيل العلم العادي بالصدور من هذا العدد القليل من الأخبار، بعد الأخذ بعين الاعتبار مجموعة الملاحظات السابقة في هذا البحث كلّه، ومن هنا يُبنى أصل التحريم على الاحتياط، الذي تضعف درجته في لمس المرأة للرجل، وتقوى في لمس الرجل للمرأة. وتزداد ضعفاً في حالات الحرج العرفي ولو لم يكن شديداً.
وأمّا الاستناد للإجماع والشهرة والسيرة وأمثال ذلك، فكلّه ضعيف كما تقدّم.
وعليه، تكون المسألة التي نحن فيها من مصاديق اختلاف النتائج الفقهيّة بين مبنى حجيّة الظنّ الخاصّ، ومبنى حجية العلم العادي خاصّة في باب الأخبار، إذا كان الباحث ممّن لا يحصل له علم بالصدور من عدد من الروايات لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة، لاسيما مع عدم إحراز عمل الفقهاء القدامى بمثل هذه الروايات كما رأينا.
3ـ إنّ الأدلّة التي ساقها المرخّصون هنا كلّها بين ضعيف الدلالة وضعيف السند، حتى لو شكّلت إطاراً محدوداً نافعاً بدرجة محدودة في إرباك أدلّة التحريم، إلا أنّها بنفسها ـ بصرف النظر عن أصل البراءة ومناقشة نفس أدلّة التحريم ـ غير كافية في إثبات الرخصة.
4ـ إنّ النظريّة المقصديّة تبدو نظرية قويّة من خلال مجمل تحليل النصوص والأحكام الشرعيّة في باب العلاقات اللمسيّة والنظرية والكشفيّة بين الرجل والمرأة، إلا أنّه ينبغي أن نأخذ معايير هذه النظريّة بشكل نوعي وشخصيّ معاً، لا بشكل شخصي فقط، فمثلاً نأخذ تأثير العامل الفلاني في حصول الشهوة النوعيّة الغالبة في المجتمع ودرجة تأثير ذلك على شيوع الرذيلة، حتى لو لم يكن هذا التصرّف أو ذاك مصحوباً بالشهوة عند الفرد في اللحظة الآنية، شرط أن يكون التطبيق متوازناً وليس ناشئاً عن عقد وحساسيات المناخ الديني شديد التحفّظ، الأمر الذي يتمّ عبر مقاربة الترخيصات الشرعيّة مع التحريمات في هذا الباب.
وهذه خصوصيّة تحتاج لتفصيل نتركه لمجال آخر، وهو يقوم على أنّ بناء التشريعات الدينية هل قام على أنّ المخاطب هو الفرد (الإنسان الصغير) أو المجتمع برمّته (الإنسان الكبير)، وهذه قضيّة أصوليّة حقّها أن تبحث في علم الأصول، وقد تعرّضنا لبعض فروعها في مباحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([110])، عند الحديث عن الوجوب الكفائي وحقيقته، وعن نظريّة خطاب الأمّة للعلامة محمّد مهدي شمس الدين.
5ـ لو بني على حرمة اللمس مطلقاً وبعنوانه، فإنّ حرمة اللمس والمصافحة يستثنى منها المحارم، وكذا ما كان من وراء الثوب بلا غمز الكفّ ونحوه ممّا هو مثيرٌ نوعي، وكذلك حال الحرج والضرر والاضطرار الحقيقي لا الوهمي، أمّا استثناء العجائز فلم يقم عليه دليل، خلافاً لبعض فقهاء أهل السنّة. نعم لو بُني على الترخيص أو على النظريّة المقصديّة فإنّ استثناء العجائز قويّ جداً.
هذه خلاصة ما أردنا بحثه في هذه القضيّة، نطرحه للتداول والنظر بعنوان البحث العلمي، لا بعنوان النتائج الفتوائيّة، كما هو واضح.
الهوامش:
(*) نشر هذا البحث في المجلّد الخامس من كتاب (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر)، للمؤلّف، وذلك عام 2015م.
([1]) انظر: تذكرة الفقهاء 2: 575؛ وجامع المقاصد 12: 44؛ ومحمد حسين فضل الله، كتاب النكاح 1: 109 ـ 110؛ والمرغيناني، الهداية 8: 460؛ والسمرقندي، تحفة الفقهاء 3: 334؛ والاختيار لتعليل المختار 4: 156؛ وحاشية ابن عابدين 6: 367؛ وتبيين الحقائق 6: 18؛ والكاشاني، بدائع الصنائع 6: 2959؛ والألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة ج1، رقم 226؛ وعارضة الأحوذي 7: 95 ـ 96؛ والمنتقى شرح الموطأ 7: 308؛ والأذكار: 228؛ وشرح النووي لصحيح مسلم 13: 10؛ ومحمد الحامد، حكم الإسلام في مصافحة المرأة الأجنبيّة: 97 (ضمن مجموعة أعماله)؛ وابن تيمية، الاختيارات العلميّة: 118 ضمن الفتاوى الكبرى؛ والزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلّته 3: 567؛ والبوطي، فقه السير: 296؛ ومحمد سلطان المعصومي، عقد الجوهر الثمين: 189؛ وابن باز والعثيمين، فتاوى العلماء للنساء: 50، 112؛ والآداب الشرعيّة 2: 257؛ وغذاء الألباب 1: 280؛ والعظيم آبادي، التعليق المغني على سنن الدارقطني 4: 147؛ ومنار السبيل 2: 142؛ والساعاتي، الفتح الرباني 17: 351؛ وعبد الكريم زيدان، المفصّل في أحكام المرأة 3: 239 و..
([2]) انظر: النبهاني، النظام الاجتماعي في الإسلام: 35؛ والشخصيّة الإسلاميّة 2: 22 ـ 23.
([3]) انظر: ديدگاه ها: 571.
(1) انظر: جواهر الكلام 29: 100؛ والسيد الخوئي، مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح 1: 104؛ ومستند الشيعة 16: 59؛ والموسوعة الفقهيّة (الكويتية) 36: 360؛ والنووي، روضة الطالبين 5: 373؛ والشنقيطي، أضواء البيان 6: 603؛ وابن باز والعثيمين، فتاوى العلماء للنساء: 50؛ وكفاية الأخيار: 353 و..
(2) انظر: أحمد طاهري نيا، المصافحة بين الرجل والمرأة، دراسة فقهيّة، مجلّة الاجتهاد والتجديد، بيروت، العدد 30 ـ 31: 363، ربيع وصيف عام 2014م.
([6]) الكافي 5: 525؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 3: 469؛ ومكارم الأخلاق: 235.
([7]) الكافي 5: 525.
([8]) الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 283؛ وانظر: الديلمي، أعلام الدين: 414.
([9]) ابن الجوزي، الموضوعات 3: 182.
([10]) الصدوق، الأمالي: 515؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 4: 14؛ ومكارم الأخلاق: 430.
([11]) انظر: مستند الشيعة 16: 60.
([12]) الصدوق، الخصال: 588.
([13]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: الحكيم، مستمسك العروة 14: 50؛ والخوئي، كتاب النكاح 1: 104.
([14]) مستمسك العروة 14: 50؛ ومصطفى الخميني، مستند تحرير الوسيلة 2: 406؛ والروحاني، فقه الصادق 21: 120.
([15]) السيد تقي القمي، مباني منهاج الصالحين 9: 579.
([16]) أحمد عابديني، المصافحة بين الرجل والمرأة، دراسة ضمن كتاب مجلّة الاجتهاد والتجديد، تحت عنوان: فقه الحجاب في الشريعة الإسلاميّة، قراءات جديد: 296، إعداد وتقديم: حيدر حب الله، مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2012م.
([17]) أحمد عابديني، المصافحة بين الرجل والمرأة، مصدر سابق: 307.
([18]) انظر: الكليني، الكافي 2: 21.
([19]) صحيح البخاري 6: 173؛ وانظر: مسند أحمد 6: 154؛ وصحيح مسلم 6: 29؛ وسنن ابن ماجة 2: 959 ـ 960؛ وسنن الترمذي 5: 84؛ والبيهقي، السنن الكبرى 8: 148؛ وسنن النسائي 5: 393؛ والصنعاني، المصنّف 6: 7؛ والمعجم الكبير 24: 342 و..
([20]) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8: 346؛ والمجموع 13: 10؛ والموسوعة الفقهية (الكويتية) 36: 359 ـ 360.
([21]) انظر: فتح الباري 10: 261.
([22]) الموطأ 2: 982 ـ 983؛ وانظر: مسند ابن حنبل 6: 357؛ وسنن ابن ماجة 2: 959؛ وسنن النسائي 7: 149؛ والبيهقي، السنن الكبرى 8: 148؛ ومجمع الزوائد 6: 39؛ والإصابة 5: 246 ـ 247، و8: 31؛ والصنعاني، المصنّف 6: 7، 8؛ وتلخيص الحبير 4: 169.
([23]) الكافي 5: 527؛ وتفسير القمي 2: 364.
([24]) انظر: سنن الترمذي 4: 152؛ وتفسير ابن كثير 4: 352؛ وسلسلة الأحاديث الصحيحة، ج2، رقم 529؛ والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 10: 417.
([25]) انظر: مسند ابن حنبل 2: 213؛ ونقل تصحيح هذا الحديث كلّ من: المناوي، فيض القدير 5: 186؛ وأحمد بن عبد الرحمن البنّا المشهور بالساعاتي في الفتح الرباني 17: 351؛ والألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة ج2، رقم 530.
([26]) انظر: الشويكي، الخلاص واختلاف الناس: 60؛ ومحمد الحامد، حكم الإسلام في مصافحة المرأة الأجنبيّة: 103.
([27]) الكافي 5: 526.
([28]) المصدر نفسه.
([29]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: الخوئي، مباني العروة (ج32 من الموسوعة): 83؛ والروحاني، فقه الصادق 21: 119 ـ 120.
([30]) الكافي 5: 559.
([31]) مسند أحمد 2: 349.
([32]) انظر: تفسير ابن كثير 1: 515.
([33]) الداماد، كتاب الصلاة 2: 27، 74، بتقرير الأملي؛ وانظر له: كتاب الصلاة بتقرير المؤمن: 367.
([34]) انظر: إرواء الغليل 6: 198.
([35]) الطبراني، المعجم الكبير 20: 212؛ والجامع الصغير 2: 400؛ ومجمع الزوائد 4: 326؛ والشعراني، العهود المحمدية: 751؛ وكنز العمال 5: 328؛ وفيض القدير 5: 329.
([36]) مجمع الزوائد 4: 326؛ وانظر: فيض القدير 5: 329.
([37]) راجع: العهود المحمّديّة: 751.
([38]) فيض القدير 5: 329؛ وانظر: صحيح الجامع الصغير 2: 1205؛ والترغيب والترهيب 3: 39.
([39]) راجع: العقيلي، الكامل 4: 44؛ والذهبي، الكاشف 1: 481؛ والمزي، تهذيب الكمال 12: 395.
([40]) الكوفي، المصنّف 3: 419.
([41]) انظر: البقرة: 236 ـ 237، والأحزاب: 49.
([42]) السرخسي، المبسوط 10: 154؛ ونصب الراية 6: 128.
([43]) الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 225.
([44]) مستند تحرير الوسيلة 2: 404.
([45]) انظر: تفصيل وسائل الشيعة 2: 516 ـ 535، ب20 ـ 25، من أبواب غسل الميت.
([46]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: الخميني، تحرير الوسيلة 1: 68.
([47]) الكافي 3: 158.
([48]) المصدر نفسه 3: 159.
([49]) تهذيب الأحكام 1: 444.
([50]) كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 155؛ وتهذيب الأحكام 1: 444.
([51]) انظر: الخوئي، منهاج الصالحين 1: 76؛ والخميني، تحرير الوسيلة 1: 68.
([52]) انظر: الكافي 5: 525، 526.
([53]) انظر: كتاب من لا يحضره الفقيه 3: 467.
([54]) انظر: التبريزي، صراط النجاة 2: 545.
([55]) انظر: إيضاح الفوائد 3: 9؛ وانظر دعوى نفي الخلاف عند الشيخ الأنصاري في كتاب النكاح: 68.
([56]) انظر: تذكرة الفقهاء (ط. ق) 2: 575.
([57]) الجامع للشرائع: 397.
([58]) شرائع الإسلام 2: 233.
([59]) انظر: النبهاني، النظام الاجتماعي في الإسلام: 35.
([60]) انظر: طرح التثريب 7: 45.
([61]) انظر: صحيح البخاري 8: 125؛ والمعجم الكبير 25: 59؛ والبيهقي، السنن الكبرى 4: 62.
([62]) تفسير مجاهد بن جبر 2: 669.
([63]) انظر: النبهاني، الشخصيّة الإسلاميّة 3: 107 ـ 108، و2: 23؛ والخالدي، قواعد نظام الحكم في الإسلام: 123.
([64]) عمدة القاري 24: 277.
([65]) راجع: فتح الباري 8: 488 ـ 489؛ والألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة 2: 55؛ وفتاوى اللجنة الدائمة 17: 40.
([66]) فتح الباري 8: 488؛ وتحفة الأحوذي 5: 183؛ و9: 144؛ والزيلعي، تخريج الأحاديث والآثار 3: 464.
([67]) مسند أحمد 6: 454؛ ومجمع الزوائد 5: 149؛ ومسند ابن راهويه 5: 183.
([68]) انظر: مجمع الزوائد 5: 149؛ وتقريب التهذيب 1: 423؛ وضعفاء العقيلي 2: 191 ـ 192؛ والرازي، الجرح والتعديل 1: 144؛ والألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة 2: 53؛ وسلسلة الأحاديث الضعيفة 1: 281 و..
([69]) سنن الترمذي 4: 160؛ وفتح الباري 11: 12؛ وتحفة الأحوذي 7: 393، 394.
([70]) مسند أحمد 6: 452؛ وسنن ابن ماجة 2: 1220؛ وسنن أبي داوود 2: 519 ـ 520 و..
([71]) محمد الشويكي، الخلاص واختلاف الناس: 59، 62.
([72]) راجع ـ على سبيل المثال ـ: النووي، الأذكار النووية: 246؛ ورياض الصالحين: 402؛ والمناوي، فيض القدير 5: 490؛ وابن حجر، فتح الباري 11: 12؛ وتحفة الأحوذي 7: 393.
([73]) البيهقي، السنن الكبرى 3: 184؛ وصحيح ابن حبان 7: 314؛ والهيثمي، موارد الظمآن 1: 114.
([74]) انظر: فتح الباري 8: 488؛ وعمدة القاري 19: 231.
([75]) الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن 9: 298؛ وتفسير الرازي 29: 308؛ ومقتنيات الدرر 11: 122؛ وتفسير الكشاف 4: 95؛ والأندلسي، المحرر الوجيز 5: 300 و..
([76]) أحكام القرآن 4: 234.
([77]) تخريج الأحاديث والآثار 3: 462.
([78]) تفسير ابن كثير 4: 378.
([79]) الشويكي، الخلاص واختلاف الناس: 59.
([80]) الطبري، جامع البيان 28: 99 ـ 100؛ وتفسير ابن كثير 4: 378؛ والسيوطي، الدرّ المنثور 6: 207.
([81]) تفسير القرطبي 18: 72.
([82]) انظر: الشويكي، الخلاص واختلاف الناس: 62.
([83]) انظر: حيدر حب الله، حجية السنّة في الفكر الإسلامي: 634 ـ 636.
([84]) مسند أحمد 3: 174؛ وسنن ابن ماجة 2: 1398؛ ومسند أبي يعلى 7: 61؛ ومسند أبي حنيفة: 51؛ والبداية والنهاية 6: 45؛ وإمتاع الأسماع 2: 221.
([85]) صحيح البخاري 7: 90؛ ومسند أحمد 3: 98؛ والبيهقي، شعب الإيمان 6: 269.
([86]) فتح الباري 10: 409؛ وعمدة القاري 22: 141.
([87]) راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر 5: 225؛ ولسان العرب 3: 468؛ وتاج العروس 5: 326.
([88]) الكافي 6: 501.
([89]) كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 114؛ ومكارم الأخلاق: 56.
([90]) الخوئي، التنقيح في شرح العروة (الطهارة) 3: 359.
([91]) الكافي 5: 524؛ وانظر: علل الشرائع 2: 565.
([92]) علل الشرائع 2: 565.
([93]) الكافي 5: 524.
([94]) المصدر نفسه.
([95]) انظر: الحدائق الناضرة 23: 60.
([96]) البرقي، المحاسن 2: 318؛ وعلل الشرائع 2: 345 ـ 346.
([97]) الطوسي، تهذيب الأحكام 4: 281؛ والاستبصار 2: 123.
([98]) الاستبصار 1: 390؛ وتهذيب الأحكام 2: 218.
([99]) الكافي 3: 394؛ وتهذيب الأحكام 2: 217.
([100]) انظر: تفصيل وسائل الشيعة 4: 409 ـ 412.
([101]) علل الشرائع 2: 565؛ وتفصيل وسائل الشيعة 20: 193 ـ 194، أبواب مقدّمات العبادات، باب 104، ح12.
([102]) انظر مواقف المذاهب المختلفة في: السمرقندي، تحفة الفقهاء 3: 334؛ وابن نجيم، البحر الرائق 8: 219؛ وبدائع الصنائع 4: 295؛ والسرخسي، المبسوط 10: 153 ـ 155؛ ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 5: 19؛ وكشاف القناع 3: 156؛ والموسوعة الفقهيّة 35: 359.
([103]) انظر: تفصيل وسائل الشيعة 20: 229 ـ 231.
([104]) السرخسي، المبسوط 10: 154؛ وبدائع الصنائع 5: 123.
([105]) صحيح مسلم 6: 49؛ وصحيح البخاري 3: 201؛ وسنن أبي داوود 1: 559؛ وسنن الترمذي 3: 99؛ وسنن النسائي 6: 40؛ والبيهقي، السنن الكبرى 1: 165؛ وصحيح ابن حبان 15: 51؛ والمنذري، الترغيب والترهيب 2: 305؛ وابن كثير، البداية والنهاية 6: 248 و..
([106]) انظر: السرخسي، المبسوط 10: 154؛ والبحر الرائق 8: 219؛ ونصب الراية 6: 128.
([107]) انظر: السرخسي، المبسوط 10: 153 ـ 155.
([108]) راجع: الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 218؛ ونصب الراية 6: 128.
([109]) راجع ـ على سبيل المثال ـ: عمدة القاري 14: 86 و..
([110]) راجع: حيدر حب الله، فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 193 ـ 204.
المصدر :الموقع الرسمي للشيخ حيدر حب الله