جابر الجعفيّ

صدر حديثاً كتاب “التابعي الكوفي جابر بن يزيد الجعفيّ .. دراسة تحليلية” + فهرس المحتويات

صدر حديثاً عن دار المؤرخ العربي وبرعاية مجلة دراسات علمية في النجف الأشرف كتاب “التابعي الكوفي جابر بن يزيد الجعفيّ .. دراسة تحليلية في حياته وعلومه وكتبه وأساتذته وتلامذته في ضوء المدرستين” (559صفحة) للمحقق الفاضل الشّيخ محمّد الجعفري.

خاص الاجتهاد: يقول المؤلف حول موقف علماء الفريقين من جابر الجعفيّ :

اختلف حول الرجل كل من علماء الفريقين اختلافاً كبيراً..
أما علماء الإمامية فقد وثقه ابن الغضائري والمفيد في بعض كلماته وساعد عليه بعض ما روي في حقه من طريق أئمة أهل البيت “عليهم السلام”، وذهب جماعة إلى أنه من خاصة أصحاب الأئمة وأوليائهم في مجموع مميزاته العلمية والمعنوية، وجرحه المفيد في بعض آخر من كلماته وتبعه النجاشي، والراجح أن الضعف إنما كان في بعض الرواة عنه وليس فيه.

وأما الجمهور فهم أيضاً بين موثق له ومبالغ في ورعه وصدقه، وبين قادح فيه لكونه كذاباً بما يبدو بالنظر إلى مجموعة أن أساس القدح فيه حسب ما أفصح عنه بعضهم(1): إنما كان رأيه وليس حديثه.

وينبغي الالتفات إلى أن الذي يظهر بالنظر إلى كلمات علماء الرجال و التاريخ في شأن جابر أن كثيرا من الأخبار المتعلقة بجابر قد ضاعت ولم تدوّن، فقد كان جابر رجلا مشهوراً صاحب حکایات و أخبار، وقد ذكر الصفار في بصائر الدرجات أنه حدثنا أحمد بن محمد (بن عیسی)، عن علي بن الحكم قال: حدثني زياد بن أبي الحلال قال: اختلف الناس في جابر بن يزيد وأحاديثه وأعاجيبه، قال: فدخلت على أبي عبد الله ع وأنا أريد أن أسأله عنه فابتدأني من غير أن أسأله: (رحم الله جابر ابن یزید الجعفي کان يصدق علينا، ولعن الله المغيرة بن سعيد(2) كان يكذب علينا)(3)

وقد وصل إلينا جملة من الحكايات عن جابر أغلبها بإسناد ضعيف، إلا أن الظاهر ضياع جملة منها.

ومما ينبه على ذلك ما ذكره النجاشي من أن أحمد بن محمد بن عبيد الله الجوهري(ت 401) ألف كتاباً في أخبار جابر الجعفي(4)
وقد ذكر النجاشي أن الشيخ المفيد كان ينشد أشعاراً عن جابر، قال: (كان شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ينشدنا أشعاراً كثيرة في معناه تدل على الاختلاط، ليس هذا موضعاً لذكرها)(5)

ولم يصل إلينا شيء من أشعار جابر من طرق الفريقين، كما أنه لم يصل إلينا کتاب الجوهري في أخبار جابر الجعفي .

ولعل من أسباب ذلك إعراض الجمهور عن أخبار جابر بعد دخوله في مذهب الإمامية في أثر تتلمذه على الباقر والصادق “عليهما السلام”، وضياع كثير من تراث الإمامية – لاسيما ما كان يُتلقى ضرباً من الترف – لاسيما في ظل المصاعب التي كانوا يعانونها في حفظ كتبهم والتي ضاع في أثرها كثير من مصنفاتهم وتاريخهم.

والحديث في هذه المقالة مسوق بالأصالة لتحقيق وثاقة جابر أو عدمها، إلا أن طبيعة شخصية جابر اقتضت الحديث تمهيدا عن جملة من أبعاد شخصيته، لأن الرواة على قسمين: قسم لا معلومات عنه إلا ما ورد من رواياته، أو توصيفه بالثقة وعدمها بالنظر إليها.
وقسم يكون ذا أدوار تاريخية واجتماعية وسياسية، وتكون هناك أخبار كثيرة حول دوره و تتنازعه المذاهب المختلفة، وتوجد حوله نقاط غامضة مثل المفضل بن عمر الجعفي و محمد بن سنان الزاهري وغيرهما، وجابر بن يزيد من هذا القسم، وهذا القسم لابد من مزيد تدقيق في كثير من حيثيات حياته لرفع جهات الإبهام في شخصيته.

وقد اعتمدت في هذا البحث على مختلف کتب الرجال والحديث والتاريخ والفرق مما تطرق فيه لذكر جابر الجعفي، يضاف إلى ذلك جملة تأملات لبعض أساتيذنا (6)، تضمنت عدة نكات حول الرجل وحياته.

وجاء في تقديم المجلة على الكتاب أنه صار معروفاً في الأوساط المهتمّة بما يخرج عن مجلّتنا (دراسات علميّة) من إصدارات اهتمامُ المجلَّة ورعايتها لبعض الأقلام والقرائح الّتي يروق للقرّاء بعض ما تجود به سواء على مستوى البحوث المطروحة في أعداد المجلَّة الّتي وصلت لعددها الرّابع عشر، أو تلك الكتابات والتّأليفات الّتي تخدم غرضاً من الأغراض يرعاها مشروعها، ونراها تقدّم تجربةً حيّةً وعميقةً للقارئ، وتُلقي الضّوء على زاوية علميّة أو تراثيّة لم يسبق أن كُشفت بمثل اللّون الّذي ترعى المجلَّة الكتابة تحته، أو تحقيق رشيق لم يكن الأثر أو التّراث المنشور قد توشّى أو تحلّى به في نشر سابق.

والّذي نقدّمه اليوم للقرّاء الكرام موصولاً بهذه المقدِّمة، هو كتابٌ يهتمُّ بشأن واحدٍ من الرواة الّذين دار حولهم الجدل في المدرستين العامّة والخاصّة، المعروف بجابر بن يزيد الجعفيّ (ت١٢٨هـ) الّذي نشأ وحمل الحديث، وحدّث به في الكوفة، وفيها أيضاً أخذ عن أعلام رواة العامّة قبل أن يُعرف تحوّله وظهوره في الآثار المرويّة في كتب الإماميّة كراوٍ مباشر عن الإمام الباقر “عليه السلام” في أكثر الآثار الّتي قد تبلغ أكثر من أربعمائة رواية ـــ كما جاء في هذا الكتاب ـــ ثُمّ بصورةٍ أقلّ عن الإمام أبي عبد الله الصّادق”عليه السلام”، ومن ثَمَّ يُعدُّ جابر الجعفي من الطّبقة الرّابعة بحسب تسلسل طبقات الرّواة.

ويتلخّص لنا سبب اشتباه حاله في غرابة بعض تصرّفاته الشّخصيّة المتّصلة بصفته كراوٍ لأحاديث أهل البيت “عليهم السلام” حتّى رمي بالجنون، وفي تظافر مجموعة من الغلاة المعروفين وبعض المضعّفين في الرواية عنه وانتساب بعض نحلهم إليه، حتّى قيل إنّ جُلّ من روى عنه هم من هذا النّوع.

فإنّ كثيراً من هؤلاء الغلاة كان مستتراً يمارس لعبته بحسب سماح الأوضاع السّياسيّة، ومستغلّاً للتّشيّع كغطاءٍ عامٍّ ينفذ من خلاله لبثّ سمومه، بحجّة أنّ غرابة ما يُحدِّث به لايمكن اشتهاره عن الأئمّة “عليهم السلام” لوقوعهم في الخطّ المناوئ للسّلطة الحاكمة آنذاك، ولظرف التّقيّة والتّغطية الّتي يعيشها الأئمّة “عليهم السلام” وأصحابهم في الأمصار، فيضعون الحديث المصنوع المتشابه المزيّن بزخارف تهشّ إليها أسماع العامّة البعيدين عن الرّكائز العلميّة.

ومن هنا نجد أنّ من المهمّ التّنبيه على الضّابطة العامّة الّتي كان الصّادقان عليهما السلام ينبّهان إليها لتمييز مقام الرّاوي عنهم وموثوقيّة المضامين الّتي ينقلها الرواة، وتتلخّص في عدم التّسليم للرّواة فيما ينقلون من الحديث ما لم يستوفِ المنقول لشروطٍ معيّنة، منها أن يوجد على المنقول شاهد من كتاب الله أو سيرة وسنّة معروفة تكون نوراً يُكشف به مدى انتماء المنقول لساحة الحقيقة أو للمنطق الشّرعيّ، وعدم الاغترار بلحن الرّواية لسهولة وضع الوضّاعين للكلام.

ومن ذلك يعلم أنّ الرّاوي المبحوث عنه في هذا الكتاب إنّما حامت حوله الشّبهات بين موثّق له في شخصه أو متّهم له بالتّخليط، لضبابيّة الظّروف التي اكتنفته من حيث اجتماع الضّعفاء والمغالين في النّقل عنه، أو انتحال نسبة موضوعاتهم إليه، فصار الموقف منه محتاجاً إلى سبر أغوار تلك الفترة واقتناص القرائن التّاريخيّة وتصفّح الشّهادات الموجودة في عصره ومجمل المواقف منه، إضافةً لقراءة اتّجاهات تلك الفترة وإرهاصاتها وتداخل التّـيّارات الفكريّة فيها في تفحّصٍ وسردٍ متأنٍ ولغة واضحة وتأمّلات ومحاكمات لما يتبلور من تلك الشّهادات.

ومن ثَمَّ سيلاحِظ المطالعُ في فصول هذا الكتاب مقدار المجهود الكبير الّذي بذله مؤلِّفه الفاضل الشّيخ محمّد الجعفريّ (دام تأييده) في تتبّع ما قيل عن هذا الرّاوي في كتب الفريقين بصبر وأناة وتحليل، محاولة منه للانتصاف للحقّ بالوجه الذي اختاره (دام فضله) وحاول التّكفّل به واستجلاء الحقيقة منه رغم وعورة وتعقيد المسلك، فلله تعالى درّه وعليه أجره.

هذا، وقد تصدّت المجلَّة سابقاً لنشره في خمس حلقات ابتداءً من عددها السّابع، والتزاماً منها بالنّظام الدّاخليّ من إعادة نشر المتميّز من مخرجاتها ـــ وامتثالاً لطلب المهتمّين ممّن لا يسعنا ردّهم ـــ قرّرت إعادة طبعه ونشره مع زيادةٍ ناهزت الثّلث لم تنشر حينها رعايةً للأُسس المعتمدة للمجلّة في حجم البحوث.

وفي الختام نتقدّم بوافر الشّكر وجزيل الامتنان للمؤلّف (دام فضله)، ولكلّ من ساهم في إنجاز هذا العمل وخروجه بالشّكل الّذي نأمله، راجين من الله تعالى قبوله وحصول الأثر وحسن التّوفيق، إنّه سميع مجيب.  ( مجلّة دراسات علميّة – النّجف الأشرف – 9 ربيع الأوّل 1440 هـ )

الهوامش

(1) عن أحمد بن حنبل قال:(لم يتكلم في جابر في حديثه إنما تكلم فيه لرأيه).الضعفاء والمتروکین: ۱/ 164.
(2) وما أثبتناه هو الصواب، كما في الطبعة المحققة بتحقيق السيد محمد السيد حسين المعلم:۱/ 464، بشهادة ما ورد في رجال الكشي: ۲/ 436 ح ۳۳6. مع حواشي الداماد، تحقيق السيد مهدي الرجائي، (ط. مؤسسة آل البيت). وص: ۱۹۱-۱۹۲ تحقیق حسن المصطفوي، (ط. دانشگاه مشهد)، وما ورد في كتب التاريخ والفرق.
ولكن الموجود في طبعة القرص الفقهي مكتبة أهل البيت ص: ۲5۸ تصحیح و تعليق و تقديم الحاج میرزا حسن کوجة باغي، وكذلك قرص الأنوار الرضوية ص: ۲۳۸ نشر مكتبة آية الله المرعشي: (المغيرة بن شعبة). والظاهر تصحيف (سعيد) إلى (شعبة) في النسخة التي اعتمدت عليها الطبعتان لقرب رسم الكلمة جداً، ويحتمل انسباق ذهن الناسخ لتلای النسخة إلى (المغيرة بن شعبة) المعروف.
(3) بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد : ۵/ ۲۵۸ ح۱۲.
(4) لاحظ رجال النجاشي: ۸۵ رقم: ۲۰۷ ترجمة: أحمد بن محمد بن عبيد الله الجوهري.
(5) لاحظ المصدر السابق: ۱۲۸.
(6) هو السيد محمد باقر السيستاني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمد في عمره الشريف و يجعله منارة للمؤمنين إنه سميع الدعاء.

 

جابر الجعفي

فهرس المحتويات

جابر الجعفی

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky