لم يقم أيّ دليل معتبر ومقنع على اشتراط الإيمان في مستحقّ الزكاة والخمس، بل في الخمس أوضح كما صار جلياً، وأنّ النصوص المشترِطة الواردة كانت قد صدرت من أهل البيت بحكم ولايتهم على المال الزكوي والأموال العامّة، ومن ثمّ أمكن لمن له الولاية في عصر الغيبة تغيير هذا التعديل الزمني الولائي الصادر عنهم بما يراه مناسباً، سعةً وضيقاً.
شرط الإيمان المذهبيّ في استحقاق الخمس والزكاة
بقلم: حيدر حب الله
موقع الاجتهاد: جاء في مقدمة المقالة: سنّت الشريعة الإسلامية أربع ضرائب مالية رئيسية، وهي: الزكاة والخمس والخراج والجزية، وقد جعلت هذه الضرائب عادةً من عائدات بيت مال المسلمين (الملكية العامة)، أو بيت مال الإمام (ملكية الدولة)، لتصرف في مصالح المسلمين.
وقد تعرّضت النصوص الشرعية لمصارف هذه الفرائض المالية، ومن ضمنها الخمس والزكاة، فخصّصت للزكاة ثمانية مصارف هي: الفقراء والمساكين والعاملون عليها وفي الرقاب وفي سبيل الله والمؤلّفة قلوبهم والغارمون وابن السبيل، أما الخمس فالمعروف إسلامياً تقسيمه إلى ستة أسهم، هي كلّ من سهم الله والرسول وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. وقد ذهب الفقه الإمامي إلى جعل الثلاثة الأولى سهمَ الإمام يُعطى له، فيما الثلاثة الثانية سهمَ بني هاشم، أي فقراء بني هاشم ومساكينهم وابن سبيلهم، وهم المنتسبون للبيت النبوي الشريف على خلاف بينهم في نطاق هذه النسبة.
وعقب تحديد أصناف المستحقّين في الزكاة ومصارف الخمس، تعرّض الفقهاء لما أسموه بأوصاف المستحقّين، فشرطوا فيهم شروطاً، مثل أن لا يكون المستحقّ ممّن تجب نفقته على المعطي، فلا يجوز لمن يريد دفع الزكاة أن يعطيها لولده الفقير، حيث إنّ ولده ممّن تجب عليه نفقته شرعاً.
ومن جملة الشروط والأوصاف في مستحقّي الخمس والزكاة على مستوى الفقه الإمامي: الإيمان، بمعنى أن يكون المستحقّ مسلماً شيعياً إثنا عشرياً، فلا يعطى أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى ـ فضلاً عن الكافر ـ من الخمس والزكاة شيئاً، إلا من سهم المؤلّفة قلوبهم (وبعض أصناف العاملين عليها) لا من سهم الفقراء والمساكين وغيرهم، بمعنى أنّ سهم السادة مثلاً ـ بناءً على ثبوته ـ يعطى للسادة الفقراء من الإمامية ولا يعطى للهاشمي السنّي أو الدرزي أو غيرهما. وقد ادّعي الاجماع أو نفي الخلاف على هذا الحكم، نعم يمكن إعطاء أبناء المذاهب الأخرى من سهم المؤلّفة قلوبهم في الزكاة ومن سهم الإمام في الخمس حسب ما تكون المصلحة والمورد في ذلك.
والمستند الرئيس في ذلك هي النصوص الحديثية. وسوف ندرس هذا الموضوع في الزكاة والخمس على المستوى القرآني العام، ثم نعقبه بدراسة الموضوع نفسه في الزكاة والخمس على الترتيب على مستوى سائر الأدلّة، إن شاء الله تعالى.
والبحث هنا في خصوصية الإمامية الاثني عشرية لا غير، فلو فرضنا أنّ الذي نريد صرف الزكاة عليه كان فاسقاً متجاهراً بالمعاصي أو تاركاً للصلاة أو شارباً للخمر وقلنا بعدم جواز صرف الزكاة على من اتصف بهذه الصفات كما ذهب إليه بعض الفقهاء، لم يجز إعطاء غير الإمامي المتصف بهذه الصفات، لكن لا من جهة مذهبه هذه المرّة بل من جهة سائر الصفات فيه، فبحثنا في جهة خاصّة من الموضوع.
يضاف إلى ذلك، أنّ هذا الموضوع لا وجود له بهذه الصيغة في الفقه غير الإمامي؛ إذ من الواضح عدم تعقّل أخذهم قيد الإيمان بالمعنى الأخصّ في مستحقّ الخمس والزكاة، لهذا سيكون البحث هنا ـ من حيث سياقه ومصادره ـ إماميّاً بامتياز.
خاتمة ونتيجة
وعليه، فلم يقم أيّ دليل معتبر ومقنع على اشتراط الإيمان ـ على مستوى الحكم الأوّلي الثابت ـ في مستحقّ الزكاة والخمس، بل في الخمس أوضح كما صار جلياً، وأنّ النصوص المشترِطة الواردة كانت قد صدرت من أهل البيت بحكم ولايتهم على المال الزكوي والأموال العامّة، ومن ثمّ أمكن لمن له الولاية في عصر الغيبة تغيير هذا التعديل الزمني الولائي الصادر عنهم بما يراه مناسباً، سعةً وضيقاً.
فالصحيح أنّ هذه الأموال تصرف في مصالح المسلمين وعلى فقرائهم ومساكينهم عامّة دون أن يكون هناك مانع من تقديم بعض الأولويات الزمنية هنا وهناك، تبعاً لما يراه المتولّون لشؤون هذه الأموال، وربما يطابق نظرهم الزمني النظر الزمني المستكنّ في نصوص المنع عن إعطاء غير الإمامي، وقد يختلف تبعاً لاختلاف الظروف، والله العالم بأحكامه.
نشر هذا البحث في مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد 23، صيف عام 2012م، ثم نشر في الجزء الرابع من كتاب دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر للمؤلّف، عام 2013م.
شرط الإيمان المذهبيّ في استحقاق الخمس والزكاة
تمهيد
أولاً: شرط الإيمان على المستوى القرآني
1 ـ في فريضة الزكاة والصدقات
2 ـ في فريضة الخمس
ثانياً: شرط الإيمان على مستوى نصوص السنّة الشريفة
1 ـ في مجال الزكاة والصدقات
المجموعة الأولى: نصوص إعادة الزكاة بعد الاستبصار
المجموعة الثانية: نصوص المنع عن إعطاء الزكاة لغير الشيعي
المجموعة الثالثة: نصوص المنع عن إعطاء فرق أو اتجاهات مذهبيّة بعينها
المجموعة الرابعة: نصوص المنع من إعطاء الزكاة للأقارب غير المؤمنين
المجموعة الخامسة: نصوص إعطاء الزكاة لأطفال المؤمنين
المجموعة السادسة: نصوص إعطاء غير الشيعي في الجملة
التحليل الإجمالي العام لمجموعات النصوص الحديثية (الرأي الراجح)
2 ـ في مجال الخمس ومصارفه