الاجتهاد: يراد بتغيير الجنس تحول جنس كامل إلى جنس آخر كذلك، بأن يتبدّل جنس الرجل بتمامه إلى جنس المرأة بتمامها، ويخرج المورد من تحت العنوان الأوّل ويدخل تحت العنوان الثاني، فيكون الجهاز الحاكم على الفرد بعد التحوّل نفس الجهاز الحاكم على العنوان الثاني، فهذا النوع من التغيير هو الذي نسمّيه تغيير الجنس، فلو تبدّل الرجل إلى الاُنثى بهذا النوع فلازمه أن يشتمل الفرد بعد التحوّل على ثديين ورحم ومبيض، إلى غير ذلك من الأعضاء المختصّة بالمرأة.
من المسائل المستحدثة ـ التي هي من نتائج التقدّم الحضاري والتطوّر العلمي ـ مسألة تغيير الجنس ؛ ولذا صارت موضوعاً للدراسة الفقهية .
عالج هذا المقال إحدى المسائل التي يُثار حولها الجدل وهي مسألة تغيير الجنس. وقد قسّم الباحث حالات الموضوع إلى أربعة أقسام: تغيير الجنس والتغيير في الجنس والخنثى غير المشكل والخنثى المشكل. وبعد أن ذهب إلى استحالة الأوّل بيّن حكم الأقسام الثلاثة الاُولى.
وتحقيق المسألة رهن الكلام في جهتين :
الاُولى : تبيين الموضوع وتحديده وبيان صوره .
الثانية : الحكم الفقهي على ضوء الأدلّة .
وبما أنّ التغيير ينقسم إلى أقسام أربعة ، ندرس كلّ قسم ـ موضوعاً وحكماً ـ في مقام واحد ، فنقول :
القسم الأوّل : تغيير الجنس
يراد بتغيير الجنس تحول جنس كامل إلى جنس آخر كذلك ، بأن يتبدّل جنس الرجل بتمامه إلى جنس المرأة بتمامها، ويخرج المورد من تحت العنوان الأوّل ويدخل تحت العنوان الثاني، فيكون الجهاز الحاكم على الفرد بعد التحوّل نفس الجهاز الحاكم على العنوان الثاني، فهذا النوع من التغيير هو الذي نسمّيه تغيير الجنس، فلو تبدّل الرجل إلى الاُنثى بهذا النوع فلازمه أن يشتمل الفرد بعد التحوّل على ثديين ورحم ومبيض، إلى غير ذلك من الأعضاء المختصّة بالمرأة.
إنّ التغيير بهذا المعنى لم يثبت إمكانه إلى الآن حتى أنّ بعض الأخصّائيين يدّعون استحالته، وما ربما ينشر في المجلات أو يبث في وسائل الإعلام فإنّما يرجع إلى القسم الثاني والثالث، وإلا فتبديل الرجل بكامله إلى امرأة كاملة بعيد جداً من الناحية الفسيولوجية والعضوية.
وبما أنّ هذا القسم غير واقع نقتصر فيه على هذا المقدار من بحثه، ولا نطيل الكلام في بيان حكمه.
القسم الثاني : التغيير في الجنس
ويراد بهذا القسم إيجاد التغيير على من له آلة الذكورية فقط أو الاُنثوية كذلك ، وذلك عندما يريد الشخص اللحوق بالجنس الآخر، ويتحقّق ذلك عن طريق إجراء العملية الجراحية على آلته حتى تصير آلته غير الآلة التي هو عليها . ويحصل ذلك بقلع العضو التناسلي وتبديله بعضو تناسلي للجنس المخالف بالترقيع حتى يلتئم الجزء ويصير جزءاً للمرقع ، كما يستعان لإنجاح العملية بحقنه بالهرمونات الخاصّة بالجنس الجديد المبدّل إليه ، لكي تظهر عليه بعض علائم هذا الجنس .
أقول : هذا النوع من التبديل ليس من مقولة تبديل الجنس، بل الجنس الأصلي بكامله محفوظ، وإنّما طرأت عليه بعض التغييرات في نفس الجنس من غير فرق بين بروزه في آلة التناسل أو بروزه في الأعضاء الاُخرى للبدن .
وإنّما يخضع لهذا النوع من التبديل بعض الرجال ، فمع أنّه رجل ـ مثلاً ـ خلقة لكنّه يميل سلوكياً إلى السلوك الاُنثوي ، فترى أنّه في زينته ولباسه ومشيه يقلّد ما عليه الاُنثى ولذلك يرغب في نفسه أن يلحق بالجنس الآخر ، وكأنّه غير راض عن الجنس الحاكم عليه وإنّما يرتاح إذا تحول إلى الجنس الآخر ، فهل تتحقّق تلك الاُمنية ؟ !
وبعبارة اُخرى : كلّ من له آلة واحدة لا آلتان ، وإنّما يميل إلى جنس آخر ـ شذوذاً ـ فهل يلحق ـ بما اُجري عليه من عملية جراحية أو حقنه بالأدوية ـ بالجنس الآخر واقعاً ؟
الجواب : لا وإنّما يوصف به كذباً لا واقعاً ، وبذلك يصبح الجنس الكامل جنساً ناقصاً .
والناس وإن كانوا يتعاملون معه معاملة الجنس الآخر ، ولكنّهم لجهلهم بالواقع يحسبونه اُنثى ، وهو في الواقع رجل ، وإنّما قلعت منه آلة التناسل الذكرية ورقع بآلة تناسلية اُنثوية ، ومع ذلك فهو في عامّة الأعضاء رجل لا رحم له ولا مبيض .
ولذلك نصفه تغييراً في الجنس ، لا تغيير الجنس . هذا كلّه يرجع إلى بيان الموضوع وأنّه باقٍ على جنسه الأصلي .
وأمّا بيان حكمه الشرعي فهو حرام؛ لأنّه تنقيص في الخلقة، وإن أردت التفصيل في ذكر الأدلّة فنقول: هذا النوع من التبديل حرام للأدلّة التالية:
1 ـ إنّه تغيير لخلق الله تعالى ، وقد دلّ الذكر الحكيم على أنّه عمل شيطاني
قال سبحانه : {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً } (1) .
وجه الاستدلال : أنّ قطع عضو التناسل في الذكر وتبديله بعضو تناسل اُنثوي تغيير لخلق اللّه سبحانه ، وأيّ تغيير أوضح من تبديل الإنسان الكامل إلى الإنسان الناقص ؟ !
وبما أنّ الآية تعدّ تغيير الخلق عملاً شيطانياً ، فالآية منصرفة عن تقليم الأظافر وتقصير الشعر ؛ فإنّها ليست أعمالاً شيطانية ، بل هي من الاُمور التي تتطلّبها النظافة العامة ، وقد ورد جوازها في الشرائع السابقة كشريعة إبراهيم (عليهالسلام) .
ثمّ إنّ هاهنا سؤالين :
الأوّل : ربما يقال : إنّ الآية فاقدة للإطلاق ؛ وذلك لأنّ « خلق الله » يشمل الجمادات والنباتات والحيوانات ، ومن المعلوم أنّ الحضارة البشرية قامت على التصرّف في هذا النوع من الخلق ، ومعه كيف يمكن ادّعاء الإطلاق في الآية وإخراج هذه الموارد ؛ لأنّه يستلزم تخصيص الأكثر .
والجواب عن ذلك : أنّ قوله سبحانه قبل هذه الفقرة ـ أعني : { فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ } ـ دليل على أنّ المراد من الخلق هو ليس الجمادات والنباتات وإنّما يختصّ بالحيوانات ، وعلى ذلك لايلزم منه تخصيص الأكثر .
الثاني : أنّ لسان الآية آبٍ عن التخصيص حيث ورد { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } بصورة التنديد والاستنكار ، فمثل هذا اللسان لا يقبل تخصيص الأقلّ أبداً فضلاً عن الأكثر مع اتّفاق المسلمين على تقليم الأظفار وقصّ الشعر وإخصاء الحيوانات .
والجواب : أنّ الآية تمنع عن كلّ تغيير في خلق اللّه إذا كان بأمر الشيطان ، كما يقول سبحانه حاكياً عن الشيطان : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } ، وعلى هذا فيختص التحريم بما إذا كان العمل مستنداً إلى الشيطان ، لا ما إذا كان مستنداً إلى الرحمن ، فذبح الحيوانات للأكل وبقاء الحياة ، أو إخصاء ذكور الحيوانات ، وغير ذلك كلّها بأمر من الرحمن عزّ وجل .
إنّ الشريعة الإسلامية حرّمت الذبح إذا كان باسم اللات والعزّى ، وجوّزته إذا كان باسم الرحمن ، فعلى ذلك لا يمنع كون اللسان آبياً عن التخصيص عن جواز هذه الأعمال ؛ لما عرفت من أنّ الموضوع هو التغيير المنتسب إلى الشيطان .
ولأجل إيضاح المراد من الآية نأتي ببعض كلام المفسّرين :
قال الشيخ الطوسي في « التبيان » : قوله تعالى : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } « قال ابن عباس والربيع بن أنس عن أنس أنّه الإخصاء ، وكرهوا الإخصاء في البهائم . ثمّ اختار الشيخ في نهاية الكلام معنىً عامّاً يشمل الإخصاء أيضاً » (2) .
وروى الشيخ بسنده عن عثمان بن مظعون قال : قلت لرسول الله (ص) : أردت يا رسول اللّه أن أختصي ، قال : « لا تفعل يا عثمان ؛ فإنّ اختصاء اُمّتي الصيام » (3) .
وروي عن رسول الله (ص) أنّه قال : « لا إخصاء في الإسلام » (4) .
وقال العلامة الطباطبائي في تفسير الآية : « إنّ الآية تنطبق على مثل الإخصاء وأنواع المثلة واللواط والسحق » (5) .
2 ـ أنّ نتيجة هذا العمل الإضرار بالنفس ، ولا شكّ أنّه حرام ، وأيّ إضرار أوضح من قلع الجهاز التناسلي الذكري وترقيع أعضاء من الجهاز الاُنثوي حتى تمضي أيام ليتحقّق فيه الالتئام والالتحام ؟ !
3 ـ أنّ نتيجة هذا العمل صيرورة الإنسان في بعض الصور مخنثاً ، ويراد به أنّ الرجل يتزيّن بزينة النساء ، ويلبس ملابسهنّ ويعاشرهنّ ويتعامل الرجال معه معاملة النساء إلى غير ذلك من الآداب والأعراف التي تسبب وقوع الرجل في عداد النساء ، وقد نُهي عنه.
وقد روي عن أبي عبد الله وأبي إبراهيم(عليهمالسلام) أنّهما قالا : « قال رسول الله (ص) : لعن اللّه المتشبهات من النساء بالرجال ، ولعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء » (6) .
وروى الصدوق عن جعفر بن محمد ، عن آبائه : في وصية النبي (ص) لعلي (عليهالسلام) قال : « يا علي خلق اللّه عزّ وجل الجنّة لبنتين: لبنة من ذهب، ولبنة من فضة ـ إلى أن قال : ـ فقال اللّه جلّ جلاله: وعزّتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر ، ولا نمّام ، ولا ديّوث ، ولا شرطي ، ولا مخنّث و … » (7) .
وروى زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي (عليهالسلام) أنّه رأى رجلاً به تأنيث في مسجد رسول الله (ص) فقال له : « اخرج من مسجد رسول اللّه ، يا لعنة رسول الله » . ثمّ قال علي (عليهالسلام) : « سمعت رسول الله يقول : لعن اللّه المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال » (8) .
وعن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : « لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال ، وهم المخنثون ، واللاتي ينكحن بعضهن بعضاً » (9) .
إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة حول التخنيث والتخنّث ، وقد فسّر غير واحد من أهل اللغة ( المخنّث ) بأنّه الرجل المشبه بالمرأة في لينه ورقة كلامه وتكسير أعضائه (10) .
ولا شك أنّ إجراء العملية الجراحية على آلة الرجل بقطعها ووضع المهبل مكان آلته من أوضح مظاهر التخنيث والتخنّث ، فيكون الرجل مستعداً لأن يوطأ من القبل أو الدبر . أفيمكن للشارع الحكيم أن يسوّغ هذا النوع من التبديل الذي سيجعل الرجل الواقعي الذي لم تتغيّر هويته بصورة المرأة ويعامله معاملة المرأة ؟ !
ثمّ إنّه يظهر من بعضهم تجويز هذا النوع من التبديل تحت عناوين ثانوية ، قال : نعم لو كان ذلك لغرض المعالجة ، كما إذا كان شخص له ميول مخصوصة بالجنس المخالف بحيث صارت تلك الميول موجبة لحدوث اختلالات في نفسه أو روحه ، أو كانت مصلحة ملزمة اُخرى للتغيير هي أهم ، فلا إشكال .
أمّا الأوّل : فلأنّه معالجة وضرورة المعالجة تبيح المحظورات .
وأمّا الثاني : فلأهمية المصلحة الملزمة بالنسبة إلى حرمة الإضرار ، وأنّ حرمة النظر وحرمة اللمس من الطبيب مرتفعتان بضرورة المعالجة وأهمية المصلحة الملزمة (11) .
أقول : إنّ محط الكلام ليس في القسم الأوّل الذي يتبدّل الجنس واقعاً إلى جنس آخر ، وتزول الهوية الاُولى ، وتحلّ محلها هوية اُخرى ، فإنّه لا إشكال فيه ، إلا أنّه أمر غير واقع إلا بالإعجاز .
إنّما الكلام في القسم الثاني الذي يوصف التبدّل هناك بالتبدّل الكاذب والصوري، والهوية الاُولى باقية على حالها، ولو كان هناك تبديل فإنّما هو في المظاهر لا في البواطن، وقد عرفت التوالي الفاسدة المترتّبة عليه .
وأمّا تجويزه بالعناوين الثانوية كالمصلحة الملزمة وغيرها ، فلايخلو من إشكال من جهتين :
أوّلاً : أنّ المفسدة المترتّبة على هذا النوع من التبديل أكثر من المصلحة التي تُرضِي صاحبها ، وقد عرفت أنّ نتيجة هذا النوع من التبديل هو استمتاع الرجال بعضهم ببعض ، وهو فاحشة وساء سبيلاً .
أفيمكن تجويز تلك المفسدة الكبيرة بحجة أنّ فيه رفع الضرورة عن رجل له رغبة إلى التأنيث ، لا أظن أنّ فقيهاً يجوّز ذلك .
وثانياً : أنّ بعض الأطباء الذين قاموا بإجراء هذه العملية تمسّكوا بأنّ هذا الصنف من الرجال إذا لم تجر لهم هذه العملية ربما ينتحرون ، وجعلوا هذا الأمر تبريراً لقيامهم بإجراء هذه العملية .
وهو دليل ضعيف جدّاً ؛ لأنّ حفظ النفس الخبيثة ليس بأهم من جعله بؤرة للفساد .
إلى هنا تبيّن أنّ هذا القسم ـ وهو الرائج حالياً ـ حرام شرعاً وقبيح عرفاً .
فظهر ممّا ذكرنا أنّ التغيير في الجنس بالنحو المذكور لا يخرج المورد عن الجنس الأوّل أوّلاً ، وأنّه حرام ثانياً ، وبذلك يُعلم أنّ أكثر ما ذكره السيد الإمام الخميني (رحمهالله) في تحرير الوسيلة من المسألة الثالثة إلى التاسعة من باب المسائل المستحدثة ، فروض لا واقع لها ، وإنّما تنطبق هذه الفروض على القسم الأوّل [ تغيير الجنس ] الذي قلنا بعدم ثبوت إمكانه إلا بالإعجاز ، ولأجل إيقاف القارئ على أنّ الفروض المذكورة في كلامه لا تنطبق إلا على القسم الأوّل دون الثاني نذكر مسألة واحدة ، وليقس عليها سائر ما ذكره .
قال (قدس سره) : « لو تزوّج امرأة فتغيّر جنسها فصارت رجلاً ، بطل التزويج من حين التغيير ، وعليه المهر تماماً لو دخل بها قبل التغيير ، فهل عليه نصفه مع عدم الدخول أو تمامه ؟
فيه إشكال ، والأشبه التمام . وكذا لو تزوّجت امرأة برجل فغيّر جنسه بطل التزويج من حين التغيير ، وعليه المهر مع الدخول ، وكذا مع عدمه على الأقوى » (12) .
ولأجل إيضاح أنّ هذا النوع من التغيير لايؤثر في تبديل الجنس نأتي بمثال وهو أنّه لو فرضنا أنّ طبيباً عمل عملية جراحية ـ أو عن طريق حقن بعض الأدوية ـ لإنسان بحيث صار هذا الإنسان يمشي على أطرافه الأربعة ونبت على جسمه شعر كثيف ، يشبه شعر القرد ، فهل يمكن أنّ نعتبر أن هذا الإنسان قد انقلب قرداً ؟ كلا ولا .
القسم الثالث : من له آلتان لكن تترجّح إحدى الآلتين على الاُخرى
من كان له آلتان فترجّحت إحدى الآلتين على الاُخرى ولو من جهة نزول البول أو سائر العلامات ، أو دلّت الاختبارات الطبيّعية على هويته الواقعية ، فالتغيير فيه ليس تغيير الجنس ولا تغييراً في الجنس ، بل كشفاً عن جنسه الواقعي وهويته الحقيقية ، حيث إنّ إجراء العملية الجراحية يرفع الستر عن واقعه وأنّه رجل واقعاً أو امرأة كذلك ، وإن عاش برهة في الإبهام ، وهذا ما يسمّى في الفقه بالخنثى غير المشكلة .
إنّ إجراء التبديل في هذا النوع جائز شرعاً وراجح عقلاً ، حيث تجري العملية في الآلة الزائدة ، وليست هي إلا لحماً زائداً لا جزءاً من الجسم ، وعلى فرض استلزام هذا العمل الحرمة بسبب النظر واللمس فهي مرفوعة بحكم الضرورة ، على أنّه إذا كانت امرأة واقعاً ـ وإن كانت بشكل الرجل ـ يمكن إجراء العقد المؤقت مع الطبيب ، فيما لو كان المباشر ( الطبيب ) واحداً .
القسم الرابع : من له آلتان ولم تترجّح إحدى الآلتين على الاُخرى
من كان له آلتان ولم تترجّح إحدى آلتيه على الاُخرى لا من طريق التبوّل، ولا بواسطة الاختبارات الطبية ، وهذا ما يسمّى في الفقه بالخنثى المشكل.
فبما أنّ إجراء العملية الجراحية وحقن الأدوية لاينتج ولايكشف عن واقع مستور ، فإنّ ذلك لا يسوغ الحكم بالجواز .
وأمّا وظائفه الشرعية فهي رهن القول بأنّها ليست طبيعة ثالثة ، فهي إمّا رجل أو امرأة ، ومقتضى العلم الإجمالي بأنّه محكوم بأحكام أحد الجنسين ـ وجوب الاحتياط عليه .
أمّا أنّها ليست طبيعة ثالثة فيستفاد من بعض الآيات :
1 ـ قال تعالى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } (13) .
2 ـ وقال تعالى : { فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى } (14) .
ومقتضى عطف الاُنثى على الذكر ، أو حصر الإنسان عليهما ، هو انحصار الهوية الإنسانية فيهما وأنّها لا تتجاوزهما . وإيجاب الاحتياط التام عليه بمعنى المعاشرة مع المحارم دون غيرهم ، وهو مقتضى العلم بكونه إمّا رجلاً أو امرأة .
كما أنه يجب على الآخرين الاحتياط ، فعلى الرجال والنساء غير المحارم حرمة النظر له ، وقد بسط شيخنا الأنصاري الكلام في الخنثى المشكل من حيث معاملته مع غيره أو معاملة الغير معه في آخر مبحث القطع ، وقال في آخره :
« وأمّا التناكح فيحرم بينه وبين غيره قطعاً ، فلا يجوز له تزويج امرأة ؛ لأصالة عدم ذكوريته بمعنى عدم ترتّب أثر الذكورية من جهة النكاح ووجوب حفظ الفرج إلا عن الزوجة وملك اليمين ، ولا التزوّج برجل ؛ لأصالة عدم كونه امرأة ، كما صرّح به الشهيد » (15) .
نتيجة البحث :
1ـ تغيير الجنس بمعنى تبديل جنس كامل إلى جنس آخر كذلك أمر لم يثبت إمكانه ، وما ذكر من المسائل الفقهية حول هذا النوع هي فروض صِرفة فاقدة للموضوع .
2 ـ التغيير في الجنس بمعنى بقاء الفرد على جنسه الأوّل إنّما يسبّب التغيير في الجنس دون تبديله إلى جنس آخر ، وذلك بإيجاد التغيير في الجهاز التناسلي وحقنه بالأدوية لكي تظهر فيه حالات الجنس المخالف ، فهذا الفرد بعد باقٍ تحت العنوان الأوّل ، ولم يتغيّر موضوعه أوّلاً ، وإيجاد التغيّير فيه حرام ثانياً .
3 ـ من له آلتان ودلّت الاختبارات على أنّه من أحد الجنسين ، فيكشف واقعه بالعملية الجراحية أوّلاً ، وهذا جائز ثانياً .
4 ـ من له آلتان ولم يحرز لحوقه بأحد الجنسين فإيجاد التغيير لا ينتج شيئاً ، وعليه الاحتياط التام ، إلا إذا أوجد الحرج ، فيجب الاحتياط إلى حدّ عدم لزومه .
ثمّ إنّي بعد أن حرّرت مقالي هذا وقفت على فتوى للمجمع الفقهي الإسلامي حول الموضوع نأتي بنصّها :
القرار السادس بشأن تغيير جنس الذكر أو الاُنثى أو تصحيحه :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد :
فإنّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكّة المكّرمة في الفترة من يوم الأحد 13 رجب 1409 هـ الموافق 19 فبراير 1989 م إلى يوم الأحد 20 رجب 1409 هـ الموافق 26 فبراير 1989 م قد نظر في موضوع تحويل الذكر إلى اُنثى ، وبالعكس . وبعد البحث والمناقشة بين أعضائه قرّر ما يلي :
أولاً : الذكر الّذي كملت أعضاء ذكورته ، والاُنثى الّتي كملت أعضاء اُنوثتها ، لا يحلّ تحويل أحدهما إلى النوع الآخر ، ومحاولة التحويل جريمة يستحق فاعلها العقوبة ؛ لأنّه تغيير لخلق الله ، وقد حرّم سبحانه هذا التغيير ، بقوله تعالى ، مخبراً عن قول الشيطان : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } (16) فقد جاء في صحيح مسلم ، عن ابن مسعود أنّه قال : « لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والنامصات والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيّرات خلق الله عزوجل ، ثمّ قال : ألا ألعن من لعن رسول الله (ص) ، وهو في كتاب الله ـ عز وجل ـ يعني قوله : { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } » (17) .
ثانياً : أمّا من اجتمع في أعضائه علامات النساء والرجال ، فينظر فيه إلى الغالب من حاله ، فإن غلبت عليه الذكورة جاز علاجه طبيّاً بما يزيل الاشتباه في ذكورته ، ومن غلبت عليه علامات الأنوثة جاز علاجه طبيّاً بما يزيل الاشتباه في أنوثته ، سواء أكان العلاج بالجراحة ، أم بالهرمونات ؛ لأنّ هذا مرض ، والعلاج يقصد به الشفاء منه ، وليس تغييراً لخلق الله عزوجل .
المصادر:
1 – النساء : 119 .
2 – الطوسي ، محمّد بن الحسن ، التبيان في تفسير القرآن ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت / بدون تاريخ 3 : 334 .
(3) الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، مؤسّسة آل البيت(عليهماالسلام) لإحياء التراث ـ قم ، ط 1 / 1412 هـ ، 7 : 300 ، ب 40 من الصوم المندوب ، ح 2 .
(4) البيهقي ، أحمد بن الحسين ، السنن الكبرى / دار الفكر ـ بيروت / بدون تاريخ 10 : 24 .
(5) الطباطبائي ، محمّد حسين ، الميزان في تفسير القرآن ، مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت ، ط 3 / 1393 هـ = 1973 م ، 5 : 85 .
(6) الكليني ، محمّد بن يعقوب ، الكافي ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران ، ط 3 / 1388 هـ ، 5 : 552 ، باب السحق .
(7) الحرّ العاملي ، محمّد الحسن ، وسائل الشيعة 11 : 272 ، ب 49 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ح 14 .
(8) المصدر السابق 12 : 211 ، ب 87 من أبواب ما يكتسب به ، ح 2 .
(9) المصدر السابق 14 : 262 ، ب 24 من أبواب النكاح المحرم ، ح 6 .
(10) راجع : تـاج العروس : مـادة « خنث » . الزبيدي ، محمد مرتضى ، تـاج العروس 3 : 166 ، دار الفكر ـ بيروت / 1414 هـ .
(11) مجلة فقه أهل البيت ، العدد 16 ، السنة 4 ، ص 24 .
(12) الخميني ، روح الله ، تحرير الوسيلة 2 : 564 .
(13) آل عمران : 195 .
(14) القيامة : 39 .
(15)الأنصاري،مرتضى،فرائد الاصول(المطبوع ضمن تراث الشيخ الأعظم)،مجمع الفكر الإسلامي ـ قم، ط 1/ 1420 هـ، 1: 65 ـ 67.
(16) النساء : 119 .
(17) الحشر : 7 .
المصدر : مجلة فقه اهل البیت العدد65