أحمد النراقي

المولى أحمد النراقي ومقتضيات الزمان .. جهوده العلمية وجهاده ضد الروس

الاجتهاد: يعتبر العلامة المولى أحمد النراقی “قدس سره” أحد المفاخر العلمية في زمان الدولة القاجارية، فكان على معرفة تامة بأوضاع زمانه ومقتضيات عصره، وهذه ميزة بارزة للحوزة العلمية وعلماء الشيعة وفقهائهم بصورة عامة، ولبعض جهابذتهم بصورة خاصة، فإنهم بما يمتلكونه من اطلاع تام على الأعراف وعادات أهل زمانهم، وما يمتلكونه من تراث غني، تراهم يطبقون أمور الدين حسب ما يقتضيه الزمان، فإن للزمان خصوصیات واقتضاءات يعيها علماء الدين الواعون.

والمولى أحمد النراقي “قدس سره” كان من أبرز أولئك العلماء الواعين العالمين بزمانهم ومتطلباته. وهذا ما تعكسه مؤلفاته حيث إنه كتب في الفقه والأصول والكلام والأخلاق وغيرها.

وجاءت کتبه مواكبة لمقتضيات الزمان ومتطلباته، فتراه کرس أغلب آراءه وأفكاره لمواجهة الأخباريين، ولمواجهة الصوفية، وطرح مباحث جديدة في الفقه والأصول، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى نراه “قدس سره” يدافع عن الشريعة الحقة بردّه علی کتاب میزان الحق للمبشر المسيحي “هنري مارتین”(1) إذ هاجم فيه الإسلام والمسلمين، فرده المولى النراقی “قدس سره” رداً علمياً محكماً ضمن كتابه المسمى “سيف الأمة وبرهان الملة”.

نعم، لقد كان المولى النراقي “قدس سره” مجتهداً بارعاً راعى عنصر الزمان والمكان في جميع تأليفاته ومواقفه فحال دون نفوذ الاستعمار والمسيحية في بلاد إيران.

وكان كتابه ذلك – أعني سيف الأمة – بمثابة الرادع القوي والحصن المنيع الذي منع من نفوذ المستعمرين في هذه الديار المقدسة، فقد ردّ فيه على شبهات ذلك المسيحي بأدلة برهانية وعقلية، بل إنه بحث النبوة، وأثبت رسالة النبي الأكرم وجملة من البحوث الكلامية بأدلة قطعية، وشنّ أيضاً حملة على المظاهر الأخلاقية والآداب السيئة التي ساءت المجتمع الأوروبي المنحطّ، وأبرز مساوئ ذلك المجتمع.

النراقي وجهاده ضد الروس

لقد داهم الروس بلاد إيران في سنة (۱۲۱۸هـ) واستمر هذا العدوان لمدة عشر سنوات. وقد احتل المعتدون قسماً واسعاً من بلاد ایران وحل الظلم والاضطهاد بالشعب الإيراني المسلم.

فما كان بالمولى النراقي “قدس سره” – الذي كان يسعى أن يحيط بالمسائل السياسية والاجتماعية وشؤون الدولة، مضافاً إلى انشغالاته بالتدريس للعلوم الدينية والحوزوية – إلا أن يرتدي کفنه ويتجه نحو جبهات القتال بعد إصداره فتوى بضرورة مشاركة الشعب في الجهاد ضد روسيا القيصريّة.

وقد استطاع الجيش الإيراني في بداية الأمر، و بقيادة عباس میرزا، و على أثر الفتاوى الجهادية التي حصل عليها من العلماء أن يستعيد بعض الأراضي الإيرانية التي احتلتها القوات الروسية المستعمرة من قبل.(2)

ولكن للأسف لم ينم هذا النصر ولم يستمر طويلا لعدم كفاءة الدولة ومسؤولي النظام.

إضافة إلى ضعف البنية العسكرية للجيش الإيراني وخيانة بعض رجال السياسة، فلم تتحقّق طموحات الشعب الإيراني المسلم من قلع جذور الظلم والعدوان الروسي من بلادهم.

فخانت بريطانيا وفرنسا اللتين قطعتا على أنفسهما النصرة، ولم يستطع فتحعلی شاه من تأمین نفقات الحرب، وبذلك تمكّن الجيش الروسي احتلال أراض أخرى وأخضعها لسيطرته، ووضعت الحرب أوزارها، واعترف بالسيطرة الروسية على أراضي إيران الإسلامية.

 

الهوامش

1– لقد غزا الاستعمار الأوروبي البلاد الإسلامية لغرض التسلط على ثروات المسلمين وبسط الهيمنة الاستعمارية عليها، وأرادوا ترویج الديانة المسيحية بين المسلمين، فأخذوا يبعثون فرقة من المبشرين بدءاً من القرن السادس عشر الميلادي واستطاعوا أن يدخلوا بلاد ایران زمن الدولة القاجارية، وكان من بين هؤلاء المبشر المشار إليه وهو “هنري مارتين” وكان شاباً بريطاني الجنسية، ورد ایران في عصر فتحعلی شاه وأقام فيها قرابة (16) شهراً، وقام بدور فعّال من أجل تحقيق الأهداف الاستعمارية. وكان من أهم أعماله تأليفه لكتاب “میزان الحق”، للردّ على الإسلام.

لمزيد الاطلاع راجع سيف الأمة وبرهان الملة: ۱۰، مقدمة التحقيق و ۳۲ – 33 و كتاب ” نخستین رویارویی های اندیشه گران ایران”: 507 ومابعدها.

2. انظر تاریخ نهضتهای فکری ایرانیان: ۸۱۲، (باللغة الفارسية).

 

المصدر: مقدمة كتاب: “أساس الأحكام” للمولى أحمد النراقي “قدس سره” الناشر المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky