خاص الاجتهاد: في ختام السنة الدراسية 1446 هجرية، ألقى سماحة الأستاذ العلامة السيد منير الخباز موعظته الأسبوعية، مؤكداً على المحورية القصوى لطلب العلم والعمل به كركيزة أساسية لكمال الدين. استهل سماحته موعظته بحديث لأمير المؤمنين علي عليه السلام، الذي يضع طلب العلم فوق طلب المال، مشدداً على أن العلم كنز مخزون ينبغي السعي إليه.
وتعمق سماحته في بيان أهمية التزوّد اليومي بالمعرفة، حتى على العلماء، داعياً إلى الكتابة العلمية الدائمة كسبيل لنمو القدرة العلمية والوصول إلى مرحلة الاجتهاد، وخاصة خلال العطل والإجازات. كما سلط الضوء على فضل من ترك علماً ينتفع به، مبيناً أن ورقة عليها علم تكون ستراً بين صاحبها والنار.
ولم يغفل السيد منير الخباز التحذير من خطورة تأويل القرآن على غير وجهه، ودعا إلى الالتفاف حول العلماء المتثبتين الذين ينقلون المعارف بمستند ودراية. كما شدد على أن قيمة العالم ليست بكثرة رواياته فقط، بل بدرايته العميقة التي تمكنه من فهم الروايات وتمييزها والجمع بينها.
واختتم سماحة السيد منير الخباز موعظته ببيان فضل ناقل الحديث الذي يشد به قلوب الشيعة، مؤكداً على أهمية صون سمعة المنبر والحوزة والمذهب بتقديم العلم الموثق والراسخ.
نص الموعظة الأسبوعية لسماة الأستاذ العلامة السيد منير الخباز بمناسبة ختام السنة الدراسية لعام ١٤٤٦هج لسماحة الأستاذ العلامة السيد منير الخباز
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين عن أمير المؤمنين علي عليه السلام:
أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وقد ضمنهلإ وسيفي لكم والعلم مخزون عند أهله فاطلبوه.
على كل إنسان حتى لو كان من العلماء أن يلقن نفسه أنه ما زال جاهلا، لا يزال المرء عالما ما طلب العلم فإن ظن أنه علم فقد جَهِل، فلأجل ذلك على كل إنسان أن يحرص يوميا أن يتزود شيئا من العلم، بمطالعة مطلب أصولي، بمطالعة مطلب فقهي، بمطالعة مطلب في علم الكلام، بمطالعة مطلب في تاريخ أهل البيت وآثارهم، المهم في كل يوم يحرص على أن يتزود شيئا من العلم والمعرفة.
وعن المفضل ابن عمر قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: اكتب، أكتب وبث علمك في إخوانك فإن مت فأورث كتبك بنيك فإنه يأتي على الناس زمان حرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم.
الكتابة العلمية صقلٌ للقدرة والاجتهاد
على طالب العلم أن يكتب، الكتابة لا بد منها، لا يمكن الاستمرار في طلب العلم من دون كتابة بحوث، من دون كتابة مقالات، لا يمكن أن تنمو قدرتك في طلب العلم وأن تصل إلى مرحلة الرأي والاجتهاد إلا بالكتابة، احرص أن تستغل العطلة والإجازة في كتابة بحث علمي، مو كتابة بحث تاريخي مو كتابة بحث أخلاقي، بحث علمي يخدمك في تنمية قدرتك العلمية، بحث أصولي بحث فقهي، اختار لك مسألة فقهية، اكتب فيها، اجمع الأقوال، قارن بينها، ضع لك رأيا حتى لو بعدين تبين لك أن الرأي تافه، حاول أن تطرح رأيا فإن تعويد النفس على أن أطرح رأيا هو الذي يساعد الإنسان على النمو وعلى الكتابة.
وورد عنه صلى الله عليه وآله، ورَوِى الصدوق في أماليه بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم، كانت الورقة سترا فيما بينه وبين النار.
طبعا هذا العلم سيستفاد من علم، يعني مو كلام، مو هراء، علم، ترك ورقة فيها علم، كانت هذه الورقة سترا فيما بينه وبين النار وأعطاه الله تعالى بكل حرف مدينة أوسع من الدنيا وما فيها، ومن جلس عند العالم ساعة ناداه الملك جلستَ إلى عبدي وعزتي وجلالي لأسكنّنّك الجنة معه.
يحذر من فقدان العلماء ويشدد على الالتفاف حولهم
فيا أيها الإخوة طلبة علم أو مثقفين أو متعلمين حاولوا أن تلتفوا بالعلماء، لا تفارقوا العلماء، أن تستفيدوا من العلماء، العلماء الموجودين بركة علينا، بعد ذلك سنأسف على فراقهم، بعد سنين إذا رحل هؤلاء الأعلام الكبار الذين نستفيد من كتبهم من علومهم من دروسهم، سنحصل على خسارة كبيرة، ولذلك ورد في بعض الأحاديث: إذا مات العالم ثلمة في الدين ثلما، في بعض الروايات لا يسدها شيء، وفي بعض الروايات لا يسدها إلا عالم مثله.
وتعرفون أن الحوزة إذا أخرجت عالم بمكانة هؤلاء العلماء الأعلام، فحتى تخرج عالماً مثله تحتاج إلى سنين أخرى، وتحتاج إلى مدى طويل، لذلك العالم ما دام موجودا بركة وخير ونهر فياض يستفاد من علومه ومن معارفه ومن نصائحه وإرشاداته، وقال صلى الله عليه وآله: أكثر ما أخاف على أمتي من بعدي رجل يتأول القرآن، يضعه على غير مواضعه. أي أنه صلى الله عليه وآله يريد أن يقول: بأن المتصدين لبيان معارف الدين على قسمين، قسم متحرّج متثبّت لا يلقي شيئا من المعارف والعلوم إلا بمستند، إما ظاهر الآية، إما رواية شريفة، إما حُكم عقلي واضح، وهناك قسم آخر هو خطر على الناس، من يتأول القرآن برأيه لأن هذا الرأي ينسجم مع مذاقه الفلسفي، مذاقه العرفاني، مذاقه الاقتصادي لأنه ينسجم مع مذاقه يتأول الآية بما ينسجم مع مذاقه، وهذا هو الخطر، الخطر على الدين وعلى بيان معارف القرآن، لذلك ينبغي وجود علماء متثبتين متحرّجين في نقل المعارف .
وورد عن طلحة ابن زيد قال، قال ابو عبد الله عليه السلام: رواة الكتاب كثير ورعاته قليل، ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج. هنا أيضا يقول: رواة الكتاب كثير ورعاته قليل، فكم مستنسِخ للحديث مستغش للكتاب، هو مستنسخ جيد للحديث، راوي جيد للحديث، أما في مقام بيان المعارف فهو مُدلِّس، يغش، يؤول، يضيف من عنده، والعلماء تجزيهم الدراية والجهال تجزيهم الرواية.
شوف ناس كثير يقول لك: والله أنا عالم، ليش عالم؟ لأنني أحفظ ألف رواية، لأنني عندما أتكلم لا أتكلم إلا بروايات أهل البيت، خب، روايات مطلوبة ولكن مضامين الروايات، درايتها، الجمع بينها، دفع التعارض هذا يحتاج إلى علم، وهذا هو الضرورة في علم الأصول، أنّ علم الأصول وعلم الحديث يعطيك القدرة على تمييز الرواية، دفع المعارض، تحقيق الجمع العرفي بين الروايات، انسجام الرواية مع الكتاب والسنة، مع القواعد العامة في الشريعة، هذه كلها لا يعرفها إلا صاحب الدراية، ولا يكفي فيها الحامل والحافظ للرواية.
منبر العلم أم القصص؟ التأكيد على صون سمعة المنبر والمذهب بالعلم الموثق
والحديث الأخير وعن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم، يعني وظيفته شنو؟ نقل الرواية والتّشديد، إش معنى التشديد؟ تشديد خب ما يحصل بالنقل، تشديد ما يحصل بمجرد الرواية، تشديد بمعنى أن يضم إلى ذكر الرواية المعارف المتينة المسلمة، ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم، يعني مو فقط شيعتكم، وحتى غير شيعتكم الذين يستمعون إلى مقاطعكم، عندما على الأسف مقاطع تصدر من بعض أهل المنبر، إذا سمعها غير الشيعة شي سموه؟ يسخرون يضحكون، لأنها لا تستند إلى مستند، أحلام، قصص لا أصل لها، إذا سمعوها يضحكون على الشيعة، يقول هذا تفضلوا: هذه منابر الشيعة، هذه علماء الشيعة، عندهم فقط بس أحلام وقصص وأساطير، لا عندهم علم، وهذا يفسد أكثر مما يصلح، حاول أن تصون المنبر، حاول أن تصون مقام الحوزة، أنت عليك عمامة، مسؤوليتك بعد أن لبست العمامة أن تصون سمعة المنبر، أن تصون سمعة الحوزة، أن تصون سمعة المذهب، وصيانة سمعة الحوزة وسمعة المذهب بأن لا تُسَيّر المنبر أو المقاطع في الأحلام والقصص والأساطير، حاول أن تَبُثَّ علما، يعني مستند إلى مستندات واضحة من الكتاب من السنة، من الروايات الواردة عن أهل البيت “عليهم السلام”، من القواعد العقلية الكلامية المسلمة.
رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبكم وقلوب شيعتكم، ولعل عابداً، خوش إنسان، خوش آدمي، عابد، أخلاقه طيبة، متقي، ورع، ولعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل؟ فقال: الراوية لحديثنا يَشُدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد.
فلنكن نحن الطلبة من هذا القسم الذي يَحرص على ذكر المعارف المستندة للروايات الشريفة ببيان علمي متقن، كي نشدد ذلك في قلوب شيعة أهل البيت، ونستحق أن أكون بهذا اللقب: أفضل من ألف عابد.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق في أيام التبليغ لما يفيد الناس علما وعملا، وأن نكون من خدمة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، والفاتحة لأرواح علمائنا الأبرار ومنهم سيدنا وسيد أساتذتنا السيد الخويي قدس سره.