يتحدث العلامة السيد مرتضى العسكري في هذا اللقاء والحوار عن فكرة قيام الحكومة الإسلامية وتأسيس حزب اسلامي وبحثها مع العديد من العلماء والمراجع المتصدين في ذلك الوقت مثل المرجع السيد محسن الحكيم والمرجع السيد الميلاني وآية الله السيد عبد الهادي الشيرازي وآخرين.
الاجتهاد: كانت بداية تحركه السياسي منذ أن رأي عمل الآخرين من أجل تأسيس الحكومات العلمانية، وقد ساعد الجو الديمقراطي السائد أيام الحرب العالمية الثانية والصراع بين الدول الديمقراطية والشيوعية والنازية على فتح آفاق للعاملين الاسلاميين سواء في مصر أو العراق.
يقول العلامة العسكري: «في هذه الفترة تساءلت لماذا لا نستبدل تأسيس المدارس و نسعي للمطالبة بالحكم الاسلامي خصوصا مع مطالبة الفئات العلمانية بالحكم». ومن هنا آمن العلامة العسكري بفكرة قيام الحكومة الإسلامية وأخذ يطرح هذه الفكرة و يبحثها مع العديد من العلماء والمراجع المتصدين في ذلك الوقت.
فسأل سماحته المرجع السيد محسن الحكيم، وقال له: لو رجع اليكم يا فقهاء الشيعة، المسلمون وطلبوا منكم اقامة الحكم الإسلامي، أي حكم في عصر الغيبة ترون صحة اقامته؟ ففكر المرجع رحمه الله مليا، وقال: «نحن نطالب بتنفيذ الأحكام ولما لم يرد نص في كيفية الحكم فنحن في سعة ، فنرجع الى أهل الخبرة ونسألهم أي نوع أصلح نطلب اقامته
ويضيف العلامة العسكري: سألته مرة أخرى – ولم تكن واردات النفط قد بلغت ما هي عليه اليوم – قلت: لو أعطيت لكم مقاليد الحكم و أردتم إقامة الحكم، فمن أي باب تسدون ميزانية الدولة؟ يقول فكر ملياً، وقال: « تطرح علينا اليوم مسائل لم يسبق أن طرحت على السابقين، هذه المسائل جديدة وينبغي أن نرجع إلى المصادر ونلتمس الأدلة.
ثم تكلم العلامة العسكري مع المرجع الراحل السيد الميلاني بصراحة أكبر، فيقول العسكري: وجدته قد سبقني في الفكر والوعي والطلب في اقامة الحكم الاسلامي.
ويضيف: ثم طلبت من أحد العلماء في طهران وكان تلميذا للسيد الطباطبائي أن يطلب منه الكتابة في الموضوع وكتب السيد الطباطبائي ولم نكن كتابته کافية، ولم يطرح المسألة على أساس فقهي كما كنا نريد.
ويقول العلامة العسكري: كل ذلك كان قبل قيام السيد الامام الخميني في مقابلة شاه ایران. وبشكل عام، العلامة العسكري أدرك واقع الأمة و درسه في كتابه (الأمراض الاجتماعية) واتضح له أن تربية الناشئة تربية اسلامية واعية هي التي تعالج القضايا الأخرى كلها، غير أن الظروف السياسية وسيطرة وهيمنة المستعمر ورجاله وتنوع مشاريعه من جهة والظروف القاسية التي واجهت مشاريع العسكري من جهة ثانية جعلته يشعر ان هذه المشاريع لا يمكن لها أن تؤدي الغرض المطلوب منها، ومن هنا بدأ يفكر في القيام بعمل من نوع آخر، وهو العمل السياسي،
وحول هذه الفترة وما صاحبها من إرهاصات يقول سماحته: انني رأيت أن هذه المدرسة لم تكن تلبي حاجة المجتمع فاستشرت آية الله السيد عبد الهادي الشيرازي حول اغلاقها، إلا أنه أخبرني بأنه لا يجوز لي شرعا القيام بذلك.
كنت يومها أعاني من حالة يأس بجدوى عملنا في وجه التيار الغربي الجارف المضاد للإسلام؛ حيث بدأ أواخر الحرب العالمية الثانية والحقبة التي تلتها تأسيس الأحزاب غير الإسلامية فأصبح شبابنا ينتمي الى الحزب الشيوعي مثلاً رفضا للتمييز والتعسف الذي يتعرض له أو الى الحركات القومية مثل البعث الذي لم يكن ظاهرة بصورة واضحة اضافة الى الحزب الوطني الديمقراطي و غيره من الأحزاب، رأيت أننا نخسر الشباب وان الحاجة تقتضي القيام بنمط آخر من الأعمال، ومما دفعني بصورة أكبر إلى التفكير بإنشاء حزب حركي للشباب هو لقائي بشاب انتمي للحزب الشيوعي وكان سليل أسرة علمية من آل الرسول مساء أحد أيام شهر رمضان المبارك، سألته بألم، ماذا رأيت من الإسلام لتركه وتعتنق الشيوعية؟
أجابني بأني مسلم وصائم الآن إلا أن الإسلام يفتقر الى نظام الحكم ونحن كبشر فإننا بحاجة الى البحث عن النظام الأمثل وحينما قارنت بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي أخترت الثاني، هنا انتبهت الى أننا ولمواجهة الوضع الذي ساد الساحة آنذاك لابد أن نفعل شيئا ولكن أتحدث مع من؟
وفيما أنا أعيش هذه الأفكار جاءني السيد مهدي الحكيم حاملاً رسالة من السيد محمد باقر الصدر فتحت الرسالة وكانت تقول يحمل كلامي اليك السيد مهدي الحكيم. سألت السيد مهدي، فقال لي: بأنني والسيد الصدر نفكر بتأسيس حزب اسلامي وأن السيد قال اذا وافق السيد العسكري فاننا نستطيع السير في ذلك، قلت للسيد مهدي إذهب وأنا سأتیکم، لا أذكر التاريخ بالضبط إن كان قبل أو بعد 14 تموز ۱۹۵۸م، وإذا كان قبلها فان الأمر لا يتجاوز شهور قليلة، ذهبت من الكاظمية واجتمعنا أربعة أشخاص: أنا والسيد مهدي الحكيم والسيد الشهيد الصدر و آخر لا أريد ذكر اسمه(1) لانه في العراق مازال حياً، وقررنا تشكيل الحزب، وبعد ذلك دعا كل منا من يعرفه، فدعوت محمد هادي السبيتي ومحمد صادق القاموسي وصالح الأديب، ودعا السيد مهدي الحكيم الشهيد عبد الصاحب دخيل، عقدت هذه المجموعة اجتماعها الأول، ثم تأسست القيادة من خمسة أشخاص: السيد الصدر والسيد مهدي الحكيم ومحمد صادق القاموسي و آخر، فالقاموسي لم يستمر وترك العمل فبقينا أربعة أشخاص في القيادة. ثم أن السيد محسن الحكيم أمر ابنه السيد مهدي بالخروج وبعدها جمد السيد الشهيد الصدر عمله وكنت آخر من جمد عمله في الدعوة سنة (۱۹6۳ م) حين طلب مني المرجع الحكيم أن أقوم مع الشبيبي وأعمال أخرى مشابهة.
لم يبتعد العلامة العسكري عن الدعوة وبقي معها حتى خروجه من العراق في عام (۱۹6۹ م). وفي المهجر بقي العسكري وقادة الدعوة في لقاءات تشاورية مستمرة.
بالطبع هناك العديد من المواقف السياسية للعلامة العسكري سواء كانت تحت اشراف المرجعية أو مع حزب الدعوة الإسلامية. لا نرى ضرورة ذكرها هنا سيما وأن أغلب المصادر التي ذكرناها في هذا الكتاب توضح ذلك.
المصدر: كتاب: مؤتمر تكريم العلامة السيد مرتضى العسكري، تاليف مجموعة من الباحثين – الناشر: مركز الطباعة والنشر لمجمع العالمي لاهل البيت
(1) من لقاء لكاتب السطور مع العلامة العسكري، طهران 2002م، قبل سقوط الطاغية صدام