الاجتهاد: من الأمور التي جرت عليها سيرة المتشرعة من زمن النص إلى اليوم اختيارهم الهجرة إلى مراقد الأئمة عليهم السلام للمجاورة والسكنى عندهم.
يوثق هذا المقال بعض شواهد هذه السيرة على مر القرون وامضاء النصوص الشريفة وكلمات العلماء عليها. وفيه استطرادات حول آداب المجاورة وفرقها عن آداب الزيارة، ورفع الشبهة المتوهمة في كراهية مجاورة كربلاء بخصوصها.
إن المستفاد من الأخبار التأكيد على سنة مجاورة المعصوم، ورغم أن هذا العنوان لم يفرد له باب مستقل إلا أن استحبابه مذكور بصريح النصوص والأخبار، مشار إليه في مطاوي كلمات الفقهاء، وأوضح من كلماتهم سيرتهم المتصلة بزمن النص.
والجوار على كل حال عبادة تتقوم بالإقامة في المشاهد المشرفة، وهي وإن كانت أكثر ارتباطًا بالزيارة إلا أنها أقرب من حيث الماهية إلى الاعتكاف والمرابطة؛ لذلك يتطرق لها علماء العامة تارة كقسيم للاعتكاف – فإن الاعتكاف هو المكث والمقام في المسجد بشروط، وتارة يتطرقون لها كقسيم للمرابطة – فإن الرباط هو المقام أو السكنى في بلد الثغور بغرض رصد وتأمين الحدود الإسلامية.
ويتشابه الاعتكاف والرباط بالمجاورة بأنها عبادات قوامها المكث والمقام، إذ المجاورة – عندهم – هي المقام بجوار الحرمين، وعندنا تشمل المقام عند جميع المشاهد المشرفة للأئمة عليهم السلام.
وهذه العبادة نصت الروايات الشريفة على رجحانها، غير أن هناك روايات تنهى عنها؛ والمستفاد من الأخبار وسيرة المتشرعة أن المجاورة مأمور بها بشرط التقيد بآدابها، بل المجاورة دون تقيد بالآداب منهي عنها – لا أنه يقل ثوابها- فضلا عن جملة من العناوين العارضة التي يلزم منها ترك المجاورة، كالتقية، وككون أهل البلد أهل سوء يكفرون بالله جهرة فإن مجاورتهم مفسدة للدين.
مصطلح الجوار في مصادر العامة
الذي يظهر من تتبع مختلف الوثائق التاريخية أن مصطلح الجوار غير مختص بالشيعة وهو مذكور في كتب العامة، ومن أشهر الوثائق في ذلك رحلة ابن بطوطة، فإنه يوثق في رحلته أسماء علماء ووجهاء مكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم يوثق أبرز المجاورين للحرم من العلماء وغيرهم، بل قد صنفت جملة من الكتب في ذكر أعلام المجاورين في الحرمين الشريفين على مر عصور.
والمسألة في فقه العامة تبحث مع الاعتكاف، لأن الجوار قد يطلق عندهم ويراد منه نفس الاعتكاف، وقد يراد منه ما هو أعم من الاعتكاف فلا يتقوم بالصوم ولا يُحظر فيه الجماع، وهو بنفسه عبادة كالصوم والرباط على ثغور المسلمين.
ويناقش في بحث الجوار حكم شد الرحال إلى جوار المساجد المقدسة، وهل يجوز ذلك في غير الحرمين.
محتويات المقالة
تحميل البحث