فيلم سيدة الجنة

السيد فضل الله: الجهة المنتجة لفيلم “سيدة الجنة” تعمل على تعزيز الفرقة بين المسلمين

الاجتهاد:  الجهة المنتجة لفيلم “سيدة الجنة” التي تمثّل لاتّجاه سمّي بالتشيّع اللندني، تعتمد أساليب السبّ واللعن والشتم لبعض أمّهات المؤمنين والصحابة، وتعمل على تعزيز الفرقة بين المسلمين، وتهاجم كلّ الدعوات الوحدويّة، وكلّ محاولات التقريب. / بقلم السيد جعفر فضل الله

وشاهدتُ المقطع الترويجي (Trailer) لفيلم “The Lady of Heaven”(سيّدة الجنة)، والذي يقوم على سيناريو يربط بين أحداث معاصرة وبين سيرة حياة السيدة فاطمة الزهراء (ع)، مع التركيز في الربط على ما جرى بعد وفاة النّبي (ص)، والهجوم على بيتها وسائر التفاصيل التي ارتبطت بالحادثة بحسب الرواية المتداولة لدى الشيعة عموماً.

لا شكَّ في أنّ المُشاهِدَ لهذا المقطع الترويجي يختبر حالة انجذاب أمام جودة الإنتاج من جهة، والارتباط العقدي والعاطفي بشخصيّة السيدة الزهراء (ع) من جهة ثانية، وكذلك بالمشاعر الحيّة المرتبطة بأحداث معاصرة مؤلمة من جهة ثالثة.

كلّ هذا الانجذاب، وكذلك المشاعر المرافقة له، لا ينبغي أن يصرفنا عن عدّة أمور خطيرة:

أوّلًا: الخطورة التي تكمن في الربط الحدثي بين الحاضر والتاريخ، بحيث يجري إسقاط تفسير لكل الأحداث التي أخذت مأخذًا بليغًا من المسلمين على امتداد المنطقة ولا تزال، فيما يخصُّ الفتنة في سوريا والعراق تحديدًا، هذا التفسير يقوم على ربطها برواية تاريخية مؤجّجة للعواطف لدى عموم الشيعة. وأيًا هو الرأي في الأحداث المعاصرة، فإنّه لا شكّ أنّ تفسيرها أعقد من ذلك؛ لأنّه لا يمكن عزل هذا التفسير عن المشهد السياسي وصراعاته، محليًا وإقليميًا ودوليًا.

ثانيًا: أنّ الجهة المنتجة – بكلّ أدوارها – للفيلم والممثّلة لاتّجاه سمّي بالتشيّع اللندني، تمتاز بثقافة مغالية وضدّية مع المسلمين السنّة، وتعتمد أساليب السبّ واللعن والشتم لبعض أمّهات المؤمنين والصحابة، وتعمل على تعزيز الفرقة بين المسلمين، وتهاجم كلّ الدعوات الوحدويّة، وكلّ محاولات التقريب، وتصرّ على طبع التشيّع بطريقة مجتزأة، منزوعة السياقات، سطحية في كثير من الأحيان، وعنفيّة فيما يرتبط ببعض الطقوس كالتطبير مثلًا.

والأخطر أنّ هذه الثقافة تجرُّ روايتها للتاريخ إلى الواقع المعاصر، لتربط كلّ اختلاف في المواقف بين سنّة وشيعة بالاختلاف المذهبي والعقدي والشرعي، وهذا قد يمنع كلّ فريق من رصد التغيّر الواقعي في الذهنية والأفكار لدى كلّ فريق، ولذلك يبقى كلُّ فريق يتعامل مع الآخر من خلال صور نمطية يتمّ تغذيتها بالأساليب التي أشرنا إليها أعلاه؛ وهذا منفذ كبير لأصحاب الفتن، وكثيرٌ ما هُم!

ثالثًا: ربّما تكمن أهمّية الفتاوى الصادرة من عدد من المرجعيّات الإسلامية الشيعية، والمحرِّمة لهذا العمل الصادرة، في أنّها تدقّ ناقوس الخطر من جهة، وتمنع لصق هذا العمل بالتشيّع، إلّا أنّها قد لا تستطيع إيقافه في هذا العالم المفتوح.

رابعًا: المطلوب من النخب الثقافية الإسلامية الشيعية بالذات، إشاعة القراءة المتكاملة لتلك المرحلة، ومنع اجتزائها بتسليط الضّوء على جانب دون آخر. فحتى عندما يتبنّى أحدٌ ما الرواية السائدة في تفاصيل ما جرى عند باب دار فاطمة (ع)، فإنّه لا يمكن عدم تسليط الضوء على سيرة الإمام عليّ (ع) في تعامله مع حماية الإسلام كمبدأ، وهو ما جعله يتعاون مع مَن أبعدوه عن حقّه في الخلافة لأجل ذلك، وعدم السماح لأحد باتّخاذ حقّه في الخلافة ذريعة لضرب الإسلام وكيانه، وما إلى ذلك ممّا نرى أنّه كان تأسيساً لمنهج في حماية الإسلام بكلّه.

خامسًا: أن تقوم القوى المخلصة في الأمّة، من السنّة والشيعة، بعدم السماح لهذا الاتجاه المتطرّف والمغالي، بأن يأخذ أكبر من حجمه، أو بأن يُستغلَّ الفيلم لتهيئة أجواء الفتنة بين المسلمين. وهذا يحتاج إلى توعية ثقافية مباشرة للجماهير، في المساجد وفي الملتقيات ووسائل الإعلام ؛ لأنّ الاتجاه الوحدوي في الأمّة عريضٌ جدًّا، لا يمنع من اللقاء فيه الاختلاف العقدي والفقهي أو القراءة التاريخية للأحداث.

سادساً: لا بدّ من تفعيل الروح العلمية الناقدة، والتي يجب أن تعمل على جعل الآراء الناقدة للتراث في حيز الاعتبار، وأن لا يتحوّل أيّ اختلاف في وجهات النظر تجاهها، سواء داخل الشيعة أنفسهم، أو بين السنة والشيعة، إلى حالة خلاف وفتنة، تجعل زمام الناس بأيدي أعدائهم، ولا سيما في عالم التواصل الاجتماعي المفتوح على مصراعيه، لكثير من الذباب الإلكتروني المستعدّ لتضخيم مثيرات الفتنة، والجهلة الذين ينساقون بالعاطفة ليكونوا أدوات بأيدي الجهات التي تعدّ الخطط وترسم السيناريوهات!

أخيراً: كلّ الأصوات الشاجبة، أو البيانات المستنكرة، أو الفتاوى المحرّمة، قد لا تستطيع إيقاف ذلك، ولا سيما إذا كانت هناك جهات غير ظاهرة عملت على التمويل الضخم، وستعمل على الاستثمار الخبيث، ولذلك نقول للعقلاء من السنّة والشيعة، ومن يؤثّر هؤلاء العقلاء عليهم من الجماهير:

لكي لا يأخذ أكبر من حجمه في تأثيره على حاضرنا ومسؤوليّاتنا تجاه قضايانا، ولتفويت الفرصة على العاملين للفتنة من جهات ودول: دعوهُ يمرّ!

 

إکنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky